ترجمة وتحرير: نون بوست
عندما تنتهي أشغال بناء السفارة الأمريكية الجديدة في لبنان، ستكون ثاني أكبر سفارة في العالم. ومع ذلك، كانت فرنسا هي التي تدخلت في حل الأزمة السياسية الأخيرة. ففي الرابع من تشرين الثاني/ نوفمبر، أعلن رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، عن استقالته من العاصمة السعودية الرياض. وما تبع ذلك من أحداث غريبة استمرت لمدة أسبوعين، بيّن أن سعد الحريري كان تحت الإقامة الجبرية في المملكة.
في الواقع، على الرغم من انتقاد وزارة الخارجية الأمريكية للخطوة التي أقدم عليها آل سعود، إلا أن فرنسا هي التي تفاوضت لتأمين عودة الحريري إلى بيروت ما ساعده على تعليق استقالته. وبعد مرور سنة تقريبا على توليه الرئاسة، لا يمكن وصف إستراتيجية ترامب المتعلقة بالشرق الأوسط سوى أنها مزيج من الإهمال والارتباك. وقد تزامنت ولايته مع فترة من التغيير الجذري الذي تعيش على وقعه المملكة العربية السعودية، بعد أن تخلى الملك سلمان وابنه محمد، ولي العهد، عن الحذر الذي أبداه آل سعود في الماضي تجاه اتباع سياسة خارجية أكثر عدوانية.
مما لا شك فيه، أربكت تصرفاتهما استقرار العديد من البلدان الصديقة والمجاورة للسعودية. فحتى الإسرائيليين، الذين ليسوا في العادة من المعجبين بسعد الحريري، وصفوا التحرك السعودي في لبنان بالمتهور، نظرا لأنه يزعزع التوازن الطائفي الحساس الذي تقوم عليه اللعبة السياسية في البلد. في المقابل، وجد السعوديون جمهورا يدعم تصرفاتهم في البيت الأبيض، خاصة صهر ومستشار الرئيس الأمريكي، جاريد كوشنر.
يبدو أن دونالد ترامب قد فقد الاهتمام بالشأن السوري، ما فتح المجال لكل من إيران وروسيا لملئ الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة
والجدير بالذكر أن فريق ترامب يعتقد أنه ساعد على تشجيع محمد بن سلمان على تحرير الاقتصاد السعودي وإجراء إصلاحات دينية واجتماعية في البلاد. في المقابل، لم يبد ترامب أي اهتمام بالحملة التي تقودها السعودية في اليمن، التي أدت بدعم أمريكي إلى تحويله إلى أرض خراب. ولكنه أشاد، بحماس، بالحصار الذي فرضه السعوديون على قطر، والموجة الجديدة من الاعتقالات ضد الفساد في المملكة، على الرغم من أن الدبلوماسيين الأمريكيين كانت لديهم شكوك عميقة بشأن كلتا السياستين.
خلال شهر نيسان/ أبريل، رحب الكثير من السوريين بالصواريخ التي أطلقها الجيش الأمريكي على إحدى القواعد العسكرية في سوريا، ردا على هجوم الكيماوي الذي استهدف بلدة في محافظة إدلب. ومنذ ذلك الحين، يبدو أن دونالد ترامب قد فقد الاهتمام بالشأن السوري، ما فتح المجال لكل من إيران وروسيا لملئ الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة، حيث ساعدتا نظام الرئيس بشار الأسد على استعادة المناطق التي خسرها.
عند هذه النقطة، تجدر الإشارة إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استقبل بحرارة الرئيس السوري بشار الأسد في منتجع سوتشي الشهر الماضي، حيث عقد قمة مع الرئيسين التركي والإيراني، الداعمين لاستمرار الأسد في الحكم. فضلا عن ذلك، اجتمع السوريون في جنيف لعقد جولة أخرى من محادثات السلام التي تدعمها الأمم المتحدة، حيث ضم وفد المعارضة رموزا مستعدة لتجاوز فكرة بقاء الأسد في السلطة، وهو تحول قامت السعودية بهندسته.
تحت ضغط سعودي، استقال رئيس الوزراء السوري السابق، رياض حجاب، الذي يعتبر من أشد الناقدين للنظام، من منصب رئيس الهيئة العليا للمفاوضات. ومن خلال هذه الخطوة، ربما يأمل السعوديون في فصل إيران عن روسيا، إلا أن الأمريكيين لم يحركوا ساكنا تجاه هذا التحرك، على الرغم من أنهم طالبوا في عدة مناسبات برحيل الأسد.
لا يستحق ترامب أن يُوجه كل اللوم عليه بسبب السياسة المربكة التي اتبعها في الشرق الأوسط، لأن سلفه باراك أوباما قد دعا بدوره لرحيل الأسد في حين أنه لم يقدم سوى القليل لدعم المعارضة السورية
في سياق متصل، يشعر حلفاء الولايات المتحدة الآخرون بالارتباك، فقد قرر ترامب قطع الدعم العسكري عن قوات سوريا الديمقراطية، التي كانت من الميليشيات التي يقودها الأكراد ودفعت ثمنا باهظا في الحرب ضد تنظيم الدولة. وردا على سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة ستُعين مبعوثا خاصا للتوسط في نزاع بين الأكراد العراقيين والحكومة المركزية في بغداد، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية إنهم “يستطيعون حل خلافاتهم بأنفسهم”.
على ضوء هذه المعطيات، أصيب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بخيبة الأمل نظرا لأنه غير راض عن اتفاق خفض التوتر في جنوب سوريا، الذي أبرمته الولايات المتحدة مع روسيا، ويسمح للمليشيات الشيعية بالتحرك في المنطقة، التي لا تبعد سوى خمسة كيلومترات عن الحدود الشمالية مع إسرائيل. وعلى الرغم من العلاقات القوية بين الأردن والولايات المتحدة، إلا أنه يشعر بأنه تُرك في وضع حرج، بسبب الخطط الأمريكية الرامية لوقف المساعدات المالية للمتمردين العرب المتمركزين في جنوب سوريا، خلال الشهر المقبل.
بالإضافة إلى ذلك، فوجئ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي التقى ترامب أثناء الحملة الانتخابية وكان أول رئيس يهنئه على فوزه، عندما خفضت الإدارة 100 مليون دولار من المعونة السنوية المخصصة لمصر، وعلقت 195 مليون دولار حتى تشهد البلاد تحسنا على الصعيد الديمقراطي. في الحقيقة، أثار هذا التحرك دهشة الدبلوماسيين الأمريكيين في القاهرة، حيث أفاد أحدهم بأنه “كان عليه أن يشرح قرار ترامب لنظرائه المصريين في صباح اليوم التالي، إلا أنه لم يكن لديه أي معلومات من واشنطن حول سبب قيامها بذلك”.
توجيه اللوم
لا يستحق ترامب أن يُوجه كل اللوم عليه بسبب السياسة المربكة التي اتبعها في الشرق الأوسط، لأن سلفه باراك أوباما قد دعا بدوره لرحيل الأسد في حين أنه لم يقدم سوى القليل لدعم المعارضة السورية. وفي حين اندلعت الحرب في اليمن تحت ناظري أوباما، لم ينخرط الرئيس ترامب في العمل إلا على جبهة التسوية الفلسطينية والإسرائيلية. وبعد سلسلة من الرحلات المكوكية قام بها المبعوث الخاص للشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، يستعد ترامب لكشف النقاب عن خطة السلام التي وضعها خلال بداية العام المقبل.
بينما يعمل ترامب على تقوية الديكتاتوريين في مصر، فقد ثقة حلفائه المقربين، مثل إسرائيل والأردن
عموما، تعتبر التسوية من طقوس العبور التي يمر بها جميع الرؤساء الأمريكيين الذين باءت جميع محاولاتهم بالفشل. لذلك، لا سبب يدعو للاعتقاد بأن ترامب سينجح حيث فشل الآخرون. فلا تزال إسرائيل تقود حكومة يمينية متطرفة لا تريد تقديم أي تنازلات، فضلا عن الفلسطينيين المنقسمين الذين تقودهم حكومة فقدت شرعيتها منذ سنوات. ومن جهة أخرى، يشعر السعوديون أن دعمهم لترامب في التسوية يعطيهم اليد الحرة في اليمن ومناطق أخرى.
منذ توليه سدة الحكم، لم يفوت ترامب فرصة واحدة لانتقاد سلفه، إلا أنه يكرر الأخطاء ذاتها التي ارتكبها أوباما، حيث اتهم أوباما بالسعي وراء إبرام اتفاقية مع إيران بأي ثمن وتجاهل تدخلات إيران في العراق وسوريا. أما في الوقت الراهن، يبدو أن ترامب مهووس بتخريب الاتفاق، الأمر الذي من شأنه أن يضعف القيود المفروضة على قدرة إيران على صنع قنبلة نووية، دون أن يفعل أي شيء لاحتواء النفوذ الإيراني في المنطقة.
ولكن، بينما يعمل ترامب على تقوية الديكتاتوريين في مصر، فقد ثقة حلفائه المقربين، مثل إسرائيل والأردن. وفي الوقت ذاته، يعطي السعوديين الضوء الأخضر لمواصلة سياساتهم التي تزعزع استقرار الشرق الأوسط، فضلا عن وضعه مستقبل سوريا في يد الروس والإيرانيين. ومن هذا المنطلق، أشار دبلوماسي غربي آخر إلى أن “هذا ليس الوقت المناسب لغياب الولايات المتحدة… فنحن بحاجة إلى نوع من الإشراف”.
المصدر: الإيكونوميست