ترجمة وتحرير: نون بوست
تقوم العلاقة بين إيران ومصر على إستراتيجية الخفاء، حيث تراوحت هذه العلاقة على مر الزمن بين العلنية والسرية. فعلى الرغم من إنكار السيسي لوجود علاقة تربطه بطهران وسعيه إلى طمأنة الرياض خلال القمة العربية التي انعقدت مؤخرا، إلا أن ما يجري على أرض الواقع يؤكد أن مصر والمملكة أبعد من أن يكونا حليفين متفقين.
إلى جانب طابعها السري، تتميز العلاقة بين مصر وإيران بين العداوة تارة والصداقة تارة أخرى. ففي عهد جمال عبد الناصر اتسمت العلاقة بين البلدين بالعداء والخلاف خاصة في عهد مهد الشاه “خادم الأمريكيين”، لتعود إلى الاستقرار في عهد السادات. وفي فترة حكم السادات، وقّعت مصر اتفاقية سلام مع إسرائيل، تعرف باتفاقيات “كامب ديفيد”، الأمر الذي كلف السادات كثيرا حيث عزمت الدول العربية على نقل مقر جامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس.
وخلال الثورة الإسلامية الإيرانية بقيادة روح الله الخميني، توارت العلاقة بين مصر وإيران عن الأنظار، مع العلم أن طهران كانت قد نبذت التقارب بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية. ويعزى ذلك، إلى الكره الذي تكنه إيران للولايات المتحدة الأمريكية. كما تميزت العلاقات المصرية الإيرانية بالاستفزاز والتهكم، فعلى خلفية استضافة الرئيس أنور السادات لمحمد رضا بهلوي، الذي كان على علاقة جيد معه، لاستفزاز طهران والسخرية منها، عمدت إيران إلى تسمية شارع باسم قاتل السادات، خالد الإسلامبولي.
إلى جانب ذلك، وقع استفزاز مصر في مناسبة أخرى، ويتجلى ذلك في سعي إيران إلى التخلص من تبعيتها للولايات المتحدة الأمريكية والتقرب من الاتحاد السوفيتي والصين وكوريا الشيوعية، حيث قامت إيران بشراء دبابات سوفيتية نوع تي-62. في المقابل، اتجهت مصر إلى اقتناء أسلحة أمريكية الصنع من نوع إم1 أبرامز في عهد حسني مبارك. وطيلة ثلاثة عقود، ظلت العلاقة بين إيران والسعودية، خلال فترة حكم حسني مبارك، متوترة ما أدى إلى انقسام الشرق الأوسط إلى تيارين سني وشيعي.
تتجلى مظاهر التحالف الخفي بين إيران ومصر في الحرب السورية، خاصة وأن الحلفاء القدامى لمصر رفعوا أسلحتهم في وجه دمشق سنة 2011
خلال تلك الفترة، كانت إيران التي تعرف بعدائها للولايات المتحدة الأمريكية، وراء الكواليس إلا أن الخطر من تحولها لصف الدول المناهضة الصهيونية بدأ يتفاقم. وعلى النقيض، فقدت مصر إرادتها وقوتها وأصبحت تعاني من تراكم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية؛ كالبطالة والتضخم الديمغرافي، لتغدو نسرا دون مخالب في حين كانت إيران طاووسا دون ريش.
في الواقع، تعود العوائق التي تعترض التنمية في البلدين إلى أسباب سياسية بحتة وليست تاريخية كما يظن البعض. ففي بينما كان آية الله يصر على وضع القضية الفلسطينية على رأس أجندة إيران الإقليمية متغافلا عن مشاكلها الاقتصادية والسياسية، كان مبارك ينتهج سياسة تسببت في تدهور الأوضاع، التي لا زالت مصر تدفع ثمنها إلى حد يوم الناس هذا. في الحقيقة، لا يمكن إنكار أن مصر وإيران تمتلكان حجما ديمغرافيا ضخما، فتعداد سكان مصر يشكل 40 بالمائة من إجمالي سكان العرب، فيما تستأثر إيران بنسبة 70 بالمائة من الشيعة.
بعد الإطاحة بحسني مبارك في ثورة 25 كانون الثاني/ يناير، بدأت تلوح في الأفق احتمالات بدء مرحلة جديدة من العلاقات بين إيران ومصر بعد أكثر من ثلاثة عقود من القطيعة. لقد كان ذلك خلال فترة حكم الإخوان، عند أول زيارة أداها مرسي لطهران، علما بأنها كانت أول زيارة يقوم به رئيس مصري إلى إيران سنة 2012. كما يبذل السيسي جهودا لإعادة تحسين هذه العلاقة، حيث عمد إلى انتهاج سياسة جديدة مخالفة لسياسة مبارك ما جعل من مصر منبرا يدعو إلى خلق توازن في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
في الحقيقة، تتناقض بعض خيارات السياسة الخارجية الجديدة للقاهرة مع مخططات الغرب التي اعتدنا عليها في العديد من الجوانب. أولا، عمدت مصر إلى تحويل ليبيا إلى محمية لوضع يدها على الثروات النفطية مستعينة بالجنرال حفتر، الذي لا يزال يسعى إلى افتكاك السلطة من فايز السراج المدعوم من قبل الأمم المتحدة والغرب. وبالتالي، سيكون الصراع على النفط بين برلمان طبرق المدعوم من قبل مصر، وحكومة طرابلس.
تعتبر مصر إيران عملاقاً ديمغرافيا (160 مليون نسمة) وتمثلان بعد إسرائيل، القوى العسكرية الكبرى في الشرق الأوسط
ثانيا، ساهم اهتمام مصر بليبيا في خلق تقارب بين السيسي وبوتين، حيث يقوم الرئيس بمناورات عسكرية مشتركة مع روسيا من خلال استخدام القواعد العسكرية في البحر الأبيض المتوسط. أما ثالثا، وعلى الرغم من أن الموقف المصري الرسمي حول اليمن مساند للمملكة العربية السعودية التي تريد وقف التمرد الشيعي، إلا أن القاهرة قد سحبت القوات الجوية التابعة لها من قوات التحالف العربي.
إلى جانب ذلك، لقد أعيد تأسيس العلاقات الدبلوماسية مع إيران في بداية الأزمة بين طهران والرياض، التي تعتبر المورد الرئيسي للنفط في مصر. لتشهد بذلك العلاقة نوعا من التحسن من خلال زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى القاهرة سنة 2013، وهي أول زيارة لرئيس إيراني لمصر. أما سنة 2012، قطع الرئيس مرسي العلاقة مع دمشق، مع العلم أن العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة ودمشق لم تكن منذ الحروب العربية الإسرائيلية قوية.
ومن بين التناقضات في قرارات مصر، رفضها التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بإدانة الغارات الروسية السورية على حلب. كما رحب وزير الخارجية المصري بالتواجد الروسي في سوريا. أما بالنسبة لإيران، بطلة الحرب السورية، فهي ستستفيد من اقتراح مصر كوسيط لمحادثات السلام للأزمة السورية.
في هذا السياق، تتجلى مظاهر التحالف الخفي بين إيران ومصر في الحرب السورية، خاصة وأن الحلفاء القدامى لمصر رفعوا أسلحتهم في وجه دمشق سنة 2011. في الواقع، إن فكرة نشأة تحالف بين مصر وإيران وروسيا وسوريا تثير قلق الغرب. فلطالما كانت العلاقات بين إيران وروسيا من جهة ومصر وروسيا من جهة أخرى، طيبة منذ القدم، حيث سعى عمالقة الشرق الأوسط إلى التقرب من موسكو لخلق توازن في ظل توتر العلاقات مع إسرائيل والغرب.
بناء على ذلك، يمكن أن يُنتج التحالف بين مصر وإيران سيناريوهات لم يسبق لها مثيل، ليتمكن بذلك هذان البلدان من تجاوز الصراع السني الشيعي، وإعطاء حياة جديدة للمواجهة الجيوسياسية بين الرياض وطهران. في المقابل.
هل ستغير مصر وإيران مستقبل الشرق الأوسط معا؟
تحاول القاهرة حل مشكلتها الإسلامية الخانقة، لكنها تدرك أهمية الدور الإستراتيجي الذي تلعبه في المنطقة والذي لا يمكن لأي دولة أن تعوضه. فقد ساهمت التحركات العسكرية في الشرق الأوسط، فضلا عن التعديلات التي أجريت على قناة سويس سنة 2015 في تعزيز الوزن الديبلوماسي لمصر في الشرق الأوسط.
ومن جهتها، تعمد طهران إلى إنشاء تحالف قوي ومستمر مع موسكو في الحرب السورية. وفي نهاية المطاف، تعتبر مصر إيران عملاقاً ديمغرافيا (160 مليون نسمة) وتمثلان بعد إسرائيل، القوى العسكرية الكبرى في الشرق الأوسط.
المصدر: لي أوكي ديلا غويرا