ترجمة وتحرير: نون بوست
حققت الأفلام التركية نجاحا منقطع النظير في دور السينما الألمانية. ولم يقتصر هذا النجاح على الأفلام الرومانسية وأفلام الحركة فحسب، بل شمل أيضا الأفلام الكوميدية على غرار فيلم “رجب إيفيديك 5″، الذي تابعه حوالي نصف مليون مشاهدا. وتتمحور أحداث هذا الفيلم حول شخصية رجب إيفيديك، وهو رجل كثيف اللحية وبدين. وخلال جنازة أحد أصدقائه، قام رجب بلقطة تثير الاشمئزاز أثناء تناول الحلويات. ولم يكتف بذلك، بل أخبر أرملة صديقه أمام الحضور بأن زوجها، الذي كان يعمل سائق حافلة، يخونها باستمرار.
بالإضافة ذلك، أعلم بطل الفيلم أرملة صديقه بأنه سينقل المنتخب التركي للشباب، الذي سيشارك في مسابقة أوروبية، إلى مقدونيا على متن الحافلة عوضا عن صديقه. وفي الطريق إلى مقدونيا، قام رجب بتوزيع طبق الفول مخلوطا بزيت المحركات على اللاعبين، مما أدى إلى إصابتهم بالإسهال ومنعهم من المشاركة في المسابقة. وأمام هذه الوضعية المحرجة، شكل رجب فريقا بديلا رفقة أصدقائه. وقد تمكن هذا الفريق من الفوز باللقب.
في الحقيقة، حقق فيلم “رجب إيفيديك 5” نجاحا باهرا. وعلى الرغم من أن هذا الفيلم حظي بنسب مشاهدة عالية في العديد من المدن التركية على غرار إسطنبول وأنقرة وإزمير، إلا أن الأمر المثير للاهتمام يتمثل في الشعبية الواسعة التي حققها هذا الفيلم في ألمانيا، حيث حظي بمتابعة حوالي 500 ألف مشاهد، أي خمس الجالية التركية المقيمة في ألمانيا.
وتجدر الإشارة إلى أن نسبة المشاهدة القياسية التي حققها فيلم “رجب إيفيديك 5″، تعد دليلا قاطعا على مدى نجاح السينما التركية في ألمانيا. ومن خلال الأفلام التركية، يمكن للشعب الألماني الاطلاع على الثقافة التركية.
في الوقت الراهن، يجب على ألمانيا تجاوز الخلافات السياسية والعرقية والدينية عن طريق شاشة السينما. من هذا المنطلق، يمكن للمشاهد الألماني قضاء الوقت في مشاهدة الأفلام التراجيدية أو القومية أو الكوميدية على غرار فيلم “رجب إيفيديك 5″، الذي يجمع بين حب الوطن والكوميديا.
في أواخر فصل الخريف، توجهنا في يوم من أيام الأحد إلى دار السينما بمنطقة وانديسبيك بمدينة هامبورغ، حيث وجدنا مجموعة من الشبان بصدد اقتطاع تذاكر لمشاهدة الفيلم، الذي حقق رواجا واسعا، “وادي الذئاب: الوطن”. وتدور أحداث هذا الفيلم حول فريق من الضباط بقيادة العميل السري، مراد علمدار، الذي يسعى إلى حماية وطنه من الأعداء، علما وأن قصة هذا الفيلم تحاكي تماما الانقلاب الفاشل، الذي عاشته تركيا في شهر تموز/ يوليو سنة 2016 والذي أسفر عنه مقتل ثلاثة مائة شخص.
مشهد من فيلم “حدث ذات مرة في الأناضول”.
بالعودة إلى حيثيات الانقلاب، فإن هناك العديد من نقاط الائتلاف بينه وبين فيلم “وادي الذئاب: الوطن” الذي تدور أحداثه حول داعية يشبه تماما فتح الله غولن، الذي حمّله الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مسؤولية المحاولة الانقلابية الفاشلة ليتحول إلى عدو للوطن. من جهته، كان علمدار طيلة الفيلم شخصا مفعما بالوطنية. وعلى هذا الأساس، أثار هذا الفيلم إعجاب المشاهدين وخاصة أولئك المنحدرين من أصول تركية.
في الواقع، كان أغلب مشاهدي هذا الفيلم من الرجال، حيث صرح أحد المشاهدين أن “الأفلام التركية تعزز فينا الشعور بالانتماء إلى تركيا”. وفي سياق متصل، أورد طالب منحدر من مدينة هامبورغ أن “هذا الفيلم يقدم صورة جيدة عن الرجل التركي خاصة وأن معظم الأفلام الألمانية والأمريكية تقدم الممثلين الأتراك في أدوار ثانوية أو شريرة”.
لكن، يبدو ذلك مجانبا للحقيقة، فقد لعب الممثل المنحدر من أصول تركية، فهري يارديم، دور محقق في مسلسل “تاتورت” الألماني. وكذلك الشأن بالنسبة للمثل أصيل مدينة إسطنبول، إيرول ساندلر، الذي يتقمص دور الشخص الطيب في معظم الأفلام والمسلسلات التي شارك فيها.
خلال السنوات الأخيرة، أصبحت الجالية التركية في ألمانيا تشعر بالانزعاج من الانطباع السيئ الذي يحمله الألمان حيال تركيا خاصة وأن الأتراك مجبرون على تبرير سياسة أردوغان في كل مناسبة. إلى جانب ذلك، يدعي أتراك ألمانيا أن الشعب الألماني لم يتعاطف مع تركيا خلال المحاولة الانقلابية الفاشلة، بل سارع إلى تصيد أخطاء أردوغان، ما عزز شعور الأتراك بالاغتراب.
في ألمانيا، كانت سلسلة “وادي الذئاب” محل انتقاد واسع من قبل الألمانيين. فعند مشاهدة الجزء الأول “وادي الذئاب: العراق”، ادعى المشاهدون الألمان أن هذا الفيلم معاد للغرب نظرا لأن أبطال هذا الفيلم أظهروا مشاعرهم العدائية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية. أما عند ظهور فيلم “وادي الذئاب: فلسطين”، اعترض مجلس تنسيق المنظمات غير الحكومية المناهضة لمعاداة السامية على عرض هذا الفيلم للمخرج زبير شيشماز، نظرا لأنه ينشر صورا نمطية لمعاداة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
والجدير بالذكر أن شركة “أف ميديا” ببرلين، بالإضافة إلى شركة “كينوستار” بشتوتغارت قامتا بتوزيع فيلم “وادي الذئاب” على مختلف دور السينما الألمانية. وفي هذا السياق، أفاد الموظف لدى شركة “أف ميديا”، سيرتاك سيمسيك، بأن “المواطنين يرغبون في مشاهدة الأفلام الكوميدية أو المضحكة”.
خلال سنة 2012، عرضت شركة “أف ميديا” فيلم “أنت منزلي”، الذي يعد الفيلم التركي الأكثر نجاحا على الإطلاق، والذي حظي بمتابعة قرابة 250 ألف مشاهد. ويصنف هذا الفيلم في خانة أفلام الميلودراما، حيث تدور أحداثه حول قصة حب رائعة انتهت بموت الحبيب، علما بأن المواضيع التي يتطرق لها هذا الفيلم تندرج في صميم الثقافة التركية.
في معظم الأحيان، يحاول مخرجو سينما المؤلفين التعبير عن الحزن بشكل مختلف، خاصة أن السينما التركية تزخر بالمخرجين الذين يتقنون التعبير عن المشاعر، لعل أبرزهم المخرج المنحدر من مدينة إسطنبول، نوري بيلجي، الذي حقق منذ سنوات العديد من النجاحات في مختلف المهرجانات العالمية.
من بين الأفلام التي أخرجها نوري بيلجي، فيلم ” القرود الثلاثة”، الذي يندرج ضمن الدراما العائلية وتدور أحداثه الحزينة في وسط ريفي. كما أخرج فيلم “حدث ذات مرة في الأناضول”، الذي يتحدث عن جريمة قتل في محافظة تركية، والذي نال سنة 2011 جائزة التحكيم الكبرى في مهرجان كان السينمائي.
حيال هذا الشأن، أورد الأديب التركي أورخان باموق، أن “الحزن الذي تنشره الأفلام التركية لا يعكس الحزن الذي ينتاب الفرد الواحد، وإنما حزن الملايين من الأشخاص”. وعلى ضوء هذه المعطيات، يتبين أن سينما المؤلفين التركية لا تجذب جمهورا واسعا.
من جانب آخر، تعرض المهرجانات التركية الألمانية بمنهايم أو فرانكفورت أفلاما أفضل، على غرار فيلم “كلار أوبسكيور” للمخرجة السينمائية التركية الشهيرة، يشيم أوستا أوغلو، الذي يروي قصة لقاء بين امرأتين مضطهدتين في مجتمع ذكوري. ويصور هذا الفيلم تركيا بشقيها الحداثي والتقليدي. وخلال هذا الفيلم، تبحث هاتان المرأتان عن الحرية وحق تقرير المصير. وفي شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، جذب فيلم “كلار أوبسكيور” أنظار ثلاثة آلاف مشاهد.
يعاني العديد من المخرجيين السينمائيين وكتاب السيناريو الأتراك من الرقابة المشددة في بلادهم، مما اضطر العديد منهم للعيش في الخارج. ومنذ السنة الفارطة، تم إحداث أكاديمية “بي أكت أكاديمي ” ببرلين، وهي مدرسة دراما تركية
في الأثناء، حاول مؤسس شركة “كينو ستار” لتوزيع الأفلام بشتوتغارت، مايكل روش، جذب أنظار الجماهير لسينما المؤلفين التركية. وفي هذا السياق، قام بدبلجة فيلم “حدث ذات مرة في الأناضول” للغة الألمانية نظرا لأن عرض الفيلم باللغة الأصلية مرفوق بدبلجة ما ينفر الجماهير من مشاهدة الأفلام التركية.
رغم كل المجهودات المبذولة، لم يلق هذا الفيلم إقبالا جماهيريا واسعا. وحيال هذا الشأن، أفاد روش بأن “2847 مشاهدا تابعوا فيلم “حدث ذات مرة في الأناضول”. كما اضاف روش أن “الجماهير تقبل على مشاهدة السينما الفرنسية نظرا لما تحمله من خلفيات فكرية، في حين لا يقبل الجمهور على مشاهدة الأفلام التركية رغم ما تحصده من جوائز عالمية”.
من جهة أخرى، يختلف الأمر مع أفلام المخرج، فاتح أكين، الذي فاز بجائزة الدب الذهبي سنة 2004 عن فيلم “ضد الجدار” الذي يتحدث عن فتاة تنحدر من أصول تركية مولودة في ألمانيا، والذي حظي في أول عروضه بمتابعة قرابة 800 ألف مشاهد.
في بداية مشواره، أنتج هذا المخرج فيلم “إن ذا فايد” الذي يعيد للأذهان الممارسات الفظيعة خلال الحقبة النازية، على الرغم من أن أكين ينحدر من مدينة هامبورغ ويملك شركة إنتاج ألمانية. خلافا لذلك، لم تواجه شركة “كينو ستار” خسائر مالية على خلفية بثها للأفلام التركية، حيث تعرض هذه الشركة أفلامها على خدمة “نتفليكس” وعلى موقع أمازون.
في الواقع، يعاني العديد من المخرجيين السينمائيين وكتاب السيناريو الأتراك من الرقابة المشددة في بلادهم، مما اضطر العديد منهم للعيش في الخارج. ومنذ السنة الفارطة، تم إحداث أكاديمية “بي أكت أكاديمي ” ببرلين، وهي مدرسة دراما تركية.
خلال الربيع الماضي، خلق فيلم “رجب إيفيديك 5” جدلا واسعا في صفوف المثقفين اليساريين الأتراك، الذين أشاروا إلى أن هذا الفيلم يسيء لتركيا. وفي المقابل، تم رفع دعوى ضد هذا الفيلم لدى النيابة العامة التركية في إسطنبول بتهمة الإساءة للدولة التركية. وقد مثل الممثل شاهان غوكباكار، الذي تقمص دور رجب، أمام النيابة العامة. وخلال الجلسة، شدد غوغباكار على أن شخصية رجب لم تسئ للدولة التركية ، بل على العكس تماما تحاول الإعلاء من شـأنها.
المصدر: دير شبيغل