بعد قطيعة دبلوماسية دامت 13 سنة نتيجة اختلاف الرؤى بشأن قضية الصحراء الغربية، قرّرت المملكة المغربية ودولة جنوب إفريقيا عودة العلاقات بينهما، إثر لقاء العاهل المغربي محمد السادس بنظيره الجنوب إفريقي جاكوب زوما، على هامش مشاركتهما في أشغال القمة الخامسة للاتحاد الإفريقي – الاتحاد الأوروبي، فما دلالات عودة العلاقات بين البلدين؟
تطبيع العلاقات
من أكثر المشاهد التي بقيت عالقة في أذهان السياسيين والعامة خاصة المغاربة، في الدورة الأخيرة للقمة الأفرو- أوروبية، جلوس العاهل المغربي محمد السادس في قاعة واحدة مع زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي، في سابقة لم تحدث من قبل، فضلاً عن التقائه برئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما، وهي الدولة المعروفة بمعاداتها الوحدة الترابية للمغرب بمناصرتها لمطلب البوليساريو بانفصال الصحراء الغربية عن سيادة المملكة.
اللقاء الأخير بين محمد السادس وزوما، أنهى أكثر من عقد من الجفاء بين البلدين، وعلى إثره اتفق الطرفان على الارتقاء بإطار التمثيل الدبلوماسي بينهما من خلال تعيين سفيرين من مستوى عالٍ، في كل من الرباط وبريتوريا، فضلاً عن الحفاظ على اتصال مباشر والانطلاق ضمن شراكة اقتصادية وسياسية خصبة، من أجل بناء علاقات قوية ودائمة ومستقرة، وبالتالي تجاوز الوضعية التي ميّزت العلاقات الثنائية لعقود عدة.
يرجع توتر العلاقات بين المغرب وجنوب إفريقيا إلى سنة 2004، عقب اعتراف الأخيرة بالدولة التي أعلنتها “جبهة البوليساريو” من جانب واحد سنة 1976
ومن المنتظر أن تشهد العلاقات بين المغرب وجنوب إفريقيا تطورًا نوعيًا في ظل السياسة الإفريقية الجديدة التي بدأ ينتهجها العاهل المغربي محمد السادس منذ سنوات قليلة وأنهى من خلالها سياسة “الكرسي الفارغ” التي تنتهجها المملكة منذ سنوات في بعض دول القارة الإفريقية ومنظمات القارة الإقليمية، ويعتبر هذا أول لقاء رسمي بين الملك محمد السادس ورئيس جنوب إفريقي منذ 2001، حين حضر الرئيس نيلسون مانديلا آنذاك إلى مراكش للمشاركة في مؤتمر دولي.
ويرى خبراء أن تطبيع العلاقات بين المغرب وجنوب إفريقيا، يؤشر إلى تغير إستراتيجي في العلاقات بين دول الاتحاد الإفريقي، ما من شأنه أن يحمل معه تداعيات إيجابية في ملفات عديدة بالقارة السمراء، كما من شأنه أن يحمل آفاقًا واعدة في مستقبل علاقات البلدين السياسية والاقتصادية.
ويرجع توتر العلاقات بين المغرب وجنوب إفريقيا إلى سنة 2004، عقب اعتراف الأخيرة بالدولة التي أعلنتها “جبهة البوليساريو” من جانب واحد سنة 1976، مما أدى إلى سحب المغرب سفيره من بريتوريا احتجاجًا على ذلك، وأدخل اعتراف جنوب إفريقيا بالجمهورية المزعومة العلاقات بين البلدين في طريق مسدود، خصوصًا أن قضية الصحراء تعدّ من ثوابت السياسة الخارجية للمملكة المغربية التي لا يمكن التنازل عنها.
سياسة خارجية مبنية على التعاون الاقتصادي والبراغماتية
عودة العلاقات بين الطرفين، يرجعه خبير الدستور والمتخصص في الشؤون البرلمانية والحزبية رشيد لزرق، إلى السياسة الخارجية التي يسلكها المغرب والمبنية على التعاون الاقتصادي والبراغماتية، وفقًا لحديثه مع نون بوست، ويقول لزرق في هذا الشأن لنون بوست: “هذه الدبلوماسية بمثابة قوة ناعمة، تضمن القدرة على الحصول على ما تريده من خلال الجذب بدلاً من الإكراه أو دفع الأموال، وتضمن الاندماج في الفضاء الإفريقي، والحضور المكثف في العلاقات الدولية من خلال الاتجاه الذي سلكته المملكة في المشاريع الكبرى لضمان الربط بين القارات.
يسعى المغرب إلى تعزيز مكانته في دول القارة السمراء
ويرى لزرق أن العاهل محمد السادس يسعى إلى تأسيس علاقة جديدة بين البلدين تقوم على البراغماتية، حيث يقول: “اتجاه الملك إلى استقبال جاكوب زوما، هو استحضار لضرورة التعاون بين الطرفين وتأسيس علاقات جديدة تقوم على البراغماتية خاصة أن القارة الإفريقية تعرف صعود قيادات جديدة متحررة من البُعد الإيديولوجي الذي كان سائدًا في السابق”.
ومن المنتظر حسب خبير الدستور والمتخصص في الشؤون البرلمانية والحزبية رشيد لزرق، أن تؤثر عودة العلاقات بين البلدين في موقف جنوب إفريقيا من قضية الصحراء الغربية، “فهذا الأمر سيجعل جنوب إفريقيا تتأثر بالطرح المغربي على مستوى الفضاء الإفريقي ودعم مقترح الحكم الذاتي في أزمة الصحراء”، وفقًا لقوله.
وأكّد لزرق أن “البلدين يتوفران على إمكانات كبيرة لتعزيز تعاونهما، والمضي في تقوية الشراكة والعلاقات الاقتصادية بينهما في العديد من القطاعات، لتحقيق التكامل الاقتصادي في إطار شراكة رابح – رابح مع بلدان القارة”، مؤكّدًا أيضًا أن “السلطات في جنوب إفريقيا لم يعد لها إمكانية تجاهل المغرب بعدما أصبح ثاني أكبر مستثمر في إفريقيا، الأمر الذي يمثل إغراءً لرجال الأعمال في تلك البلاد في العديد من القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، ضمنها المالية والتأمين والنقل الجوي والتكنولوجيا الجديدة للإعلام”.
اختراق للدول الداعمة للبوليساريو
تعتبر جنوب إفريقيا، بعد الجزائر، أهم مؤيد لجبهة البوليساريو داخل المنظمة الإفريقية، وسبق للمغرب في السنوات الأخيرة أن أحدث اختراقات غير مسبوقة في جبهة الدول الداعمة للجبهة، وضمنها نيجيريا ورواندا وإثيوبيا، بيد أن وصول حملته الدبلوماسية الجريئة الآن إلى بريتوريا قد يحقق به أكبر اختراق على الإطلاق في هذا الاتجاه باعتبارها طالما كانت تعد أقوى الدول المؤيدة لجبهة بوليساريو بعد الجزائر.
وكانت جبهة البوليساريو قد أعلنت قيام “الجمهورية العربية الصحراوية” في 27 من فبراير 1976 من طرف واحد، واعترفت بها بعض الدول بشكل جزئي، لكنها ليست عضوًا بالأمم المتحدة.
يعمل المغرب على استثمار حضوره الاقتصادي القوي في القارة السمراء لإعادة علاقاته مع دول القارة، وتدعيم مكانته هناك، قصد استثمارها في قضية الصحراء الغربية
ويمكن رصد هذا الاختراق المغربي في مئات الاتفاقيات الموقعة مع دول إفريقية ومن أبرزها اتفاقية لإقامة مشروع أنبوب غاز إستراتيجي يربط نيجيريا في غرب إفريقيا بالمغرب على أبواب أوروبا، واتفاقية شراكة ضخمة مع إثيوبيا في مجال مشتقات الفوسفات، ناهيك عن عشرات الاتفاقيات والمشاريع في مجالات الطاقة والاتصالات والمصارف مع دول الساحل الغربي لإفريقيا وهي الحليف التقليدي للمغرب، كما يسعى المغرب الآن إلى الانضمام إلى مجموعة دول غرب إفريقيا.
مشاركة العاهل المغربي في القمة الإفريقية الأخيرة
ويعمل المغرب على استثمار حضوره الاقتصادي القوي في القارة السمراء وعودته إلى الاتحاد الإفريقي، لإعادة علاقاته مع دول القارة وتدعيم مكانته هناك، قصد استثمارها في قضية الصحراء الغربية.
ومنذ عام 1984 والمغرب يتبع سياسة “الكرسي الفارغ” للضغط على الاتحاد الإفريقي ودوله لسحب اعترافاتها بالصحراء الغربية، مستندًا في تلك السياسة إلى الميثاق التأسيسي للاتحاد الذي يوجب على الدول الأعضاء احترام سيادة بعضها بعضًا، إلا أنه لم يصل بهذه السياسة إلى أهدافه المنتظرة، حتى إنها كانت لها تبعات سلبية فيما يخص تدبير ملف الوحدة الترابية وكذلك فيما يخص حماية مصالح المغرب.