في 14 نوفمبر/تشرين الثاني، تعهدت جماعة الحوثي في اليمن في بيان رسمي باستهداف أي سفينة إسرائيلية في البحر الأحمر أو تتعامل تجاريًا مع “إسرائيل”، ردًا على الحرب التي شنتها “إسرائيل” على قطاع غزة، وبعد بضعة أيام فقط، نفذت الحركة تهديدها، وأجبرت كثيرًا من الدول على تغيير مسارها باتجاه رأس الرجاء الصالح.
ومع استمرار الهجمات، أصبح ثمة هدف آخر أكثر وضوحًا، إذ يبدو أن الحوثيين يحاولون تعزيز سيطرتهم على اليمن، وترسيخ أنفسهم كقادة شرعيين في نظر اليمنيين خصوصًا والعرب عمومًا، فهل تكون هجمات البحر الأحمر، التي يبدو أنها تحظى بتأييد كبير بين اليمنيين، وسيلة لتحقيق هذا الهدف؟
ما وراء استمرار الهجمات
منذ البداية، قدَّم الحوثيون هجماتهم على سفن البحر الأحمر على أنها رد انتقامي على الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة وتضامنًا أصيلًا مع الشعب الفلسطيني، وتعهدوا بمهاجمة أي سفينة في هذه المياه تتعامل تجاريًا مع “إسرائيل”، احتجاجًا على “الإبادة الجماعية” التي يرتكبها الاحتلال بدعم غربيّ علنيّ.
الهجمات الحوثية تتعلق بما هو أكثر مما يحدث في غزة، ويستخدمها الحوثيون الآن لتأكيد قوتهم وإضافة أداة جديدة قوية إلى مجموعة أدواتهم المتنامية
وتسببت الهجمات في اضطرابات شديدة في التجارة الدولية وتدفقات المساعدات الإنسانية، وهي عنصر أساسي في قوة واشنطن الناعمة، وردًا على ذلك، أثارت الهجمات ضربات انتقامية من الولايات المتحدة وحلفائها، ونفَّذت عشرات الهجمات ضد المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون تحت غطاء تحالف دولي حمل اسم “حارس الازدهار“.
ومع ذلك، يواصل الحوثيون استهداف السفن البحرية الدولية التي تعبر البحر الأحمر، وقد تأثر ما لا يقل عن 50 دولة بأكثر من 90 هجومًا على الشحن الدولي منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بالإضافة إلى عدة محاولات لضرب مدينة إيلات الإسرائيلية، بينما يهددون بتوسيع نطاق الصراع عبر الشرق الأوسط.
وفي الوقت نفسه، قام الحوثيون تدريجيًا بتوسيع أهداف هجماتهم، متجاوزين استهداف السفن المملوكة لـ”إسرائيل” وغيرها من حركة الملاحة البحرية المتجهة إلى هناك، وبدأوا في استهداف السفن الأمريكية والبريطانية في البحر الأحمر في 27 يناير/كانون الثاني، وأصبحت ضرباتهم مؤثرة بشكل متزايد، ما دفع معظم شركات شحن الحاويات الرائدة في العالم إلى النأي بأساطيلها عن النقاط الملتهبة.
لهذا السبب، فشلت الضربات العسكرية الأمريكية والبريطانية ضد الحوثيين، وبدلًا من ردع الحوثيين، عزَّزت هذه الضربات من حضور جماعة الحوثي محليًّا وعربيًا بل وإسلاميًا، مع استحضار ذكريات التدخلات العسكرية الغربية في العالمين الإسلامي والعربي، ولا شك أن الحوثيين لا تنقصهم الفطنة لإدراك أهمية ذلك وضرورة استثماره.
كان العداء اليمني الطويل الأمد للتدخل العسكري الأجنبي يعني أن الهجمات الصاروخية التي شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا على مواقع الحوثيين – والهجمات الانتقامية الحوثية على السفن الأمريكية والبريطانية – لم تؤد إلا إلى تعزيز شعبية الحوثيين في الداخل.
ويستفيد الحوثيون من العناوين الرئيسية المستمرة حول هجماتهم، ولا يحتاجون بالضرورة إلى إثبات أي تأثير على “إسرائيل”، ومع ذلك، فإن الهجمات تتعلق أيضًا بما هو أكثر مما يحدث في غزة، ويستخدمها الحوثيون الآن لتأكيد قوتهم وإضافة أداة جديدة قوية إلى مجموعة أدواتهم المتنامية.
فرصة حوثية للعودة
على الرغم من أن الاحتجاج على “الإبادة الجماعية” التي ترتكبها “إسرائيل” في غزة وإظهار التضامن مع الفلسطينيين، والضغط على اللاعبين المشاركين في الحرب، كانت بلا شك الدوافع المعلنة لأنشطة الحوثيين في البحر الأحمر، فإن قرار مهاجمة “إسرائيل” والسفن التي ترتبط بها في البحر الأحمر قد يكون مدفوعًا في المقام الأول بالمخاوف الداخلية للجماعة والاعتبارات السياسية المحلية طويلة الأمد.
عانى الحوثيون قبل أيام قليلة من بدء عمليات جيش الاحتلال في غزة في7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي من تآكل الدعم الشعبي ببطء في أجزاء البلاد التي يسيطرون عليها، والتي تغطي نحو ثلثي سكان اليمن، بسبب سوء الإدارة وتوقف الحرب دون حل واتجاه السكان نحو المطالبة باستحقاقات السلام والتصدعات الناشئة في معظم المناطق اليمنية الخاضعة لسيطرتهم.
بالإضافة إلى المشكلات الاقتصادية الحادة التي يعاني منها الاقتصاد اليمني وانهيار العملة والبنية التحتية المتدهورة والرواتب الحكومية غير المدفوعة، أثار الحوثيون أيضًا الاستياء الداخلي المتزايد بين العديد من اليمنيين الذين يحكمونهم، والذين يعانون من الفقر المتزايد، من خلال التحركات الأخيرة لتعزيز سيطرتهم العلنية على أجزاء أخرى من اليمن.
ويسيطر الحوثيون على مساحة كبيرة من اليمن، بما في ذلك العاصمة صنعاء ومناطق الكثافة السكانية العالية، والعديد من الموانئ الرئيسية منذ عام 2014، الأمر الذي يدفعهم للبحث عن أسباب للبقاء ضمن مناخ الأزمة وتحت تأثير الحرب، وهو أمر يساعد في تفسير مصارعتهم للمشاركة في حرب السفن الدائرة في البحر الأحمر.
ويمكن القول إن حرب غزة تمنح الحوثيين فرصة ذهبية قد يسعون لاستغلالها لتحقيق أهدافهم السياسية والاقتصادية الخاصة، ومن ثم تعزيز قبضتهم على اليمن، وقد يجدون اليوم في مجموعة من الظروف المحلية والإقليمية والدولية فرصة لتحقيق ما فشلوا في تحقيقه خلال السنوات الماضية أو ما كان مشروعًا مؤجلًا بالنسبة لهم.
وبمجرد بدء الحرب في غزة، لم يفوت الحوثيون الفرصة للخروج من المأزق الداخلي، فبعد شهرين من بدء عملياتهم في البحر الأحمر، أصدروا عبر مجلس النواب التابع لهم مجموعة من القوانين والقرارات، جاء على رأسها قانون حظر وتجريم الاعتراف بالعدو الصهيوني والتطبيع معه، وهذا من شأنه أن يسمح للحوثيين بالتحرك بفاعلية أكبر وبشكل رسمي تحت غطاء دعم القضية الفلسطينية.
في الوقت نفسه، نجح الحوثيون في مواءمة القضية الفلسطينية مع قضيتهم، وقد أدَّت المناشدات من خلال المساجد في اليمن وحملات الرسائل النصية عبر الهاتف المحمول إلى جمع التبرعات للحوثيين من خلال استحضار محنة غزة.
ومن خلال الهجمات على أكثر الممرات البحرية ازدحامًا في العالم، يأمل الحوثيون في صرف انتباه ملايين اليمنيين عن فشلهم في الحكم الذي يعانون منه والتغطية على القضايا المحلية للصراع في اليمن، وفي الوقت نفسه، يدركون جيدًا الطريقة التي سينظر بها العديد من اليمنيين المؤيدين بشدة للفلسطينيين إلى هذه الهجمات المناوئة لـ”إسرائيل”.
ولا يخفي الحوثيون رغبتهم في توسيع دائرة نفوذهم واستعادة السيطرة على جنوب اليمن والمناطق الشمالية التي لا تخضع لسيطرتهم، لكن فرصهم لتحويل ذلك إلى واقع لم تكن متوفرة في وقت سابق كما هي اليوم.
ربما تمثل هجمات البحر الأحمر ضربة إستراتيجية من الحوثيين تساعدهم على اكتساب الشرعية السياسية المفقودة داخليًا في اليمن، وتوسيع نطاق دعمهم.
ومن الناحية الاقتصادية، يريد الحوثيون توسيع نطاق الحرب المحلية في اليمن، والتوجه جنوبًا بعملياتهم للسيطرة على مأرب وشبوة ولحج وأبين والضالع، حيث توجد احتياطيات النفط والبنية التحتية للغاز الطبيعي، وبالتالي حرمان الحكومة المحلية من الإيرادات وتعزيز جاذبية ميناء الحديدة على البحر الأحمر، وبناء قاعدة اقتصادية للبقاء على المدى الطويل في اليمن، وهو ما يعني الاستعجال باستغلال الدعم الشعبي لصالحهم في الشمال للتوجه نحو الجنوب.
وربما تمثل هجمات البحر الأحمر ضربة إستراتيجية من الحوثيين تساعدهم على اكتساب الشرعية السياسية المفقودة داخليًا في اليمن، وتوسيع نطاق دعمهم، خاصة أن القضية الفلسطينية تحظى بدعم واسع يتجاوز الانقسامات العديدة في المجتمع اليمني، وينعكس باستمرار في السياسة الداخلية التي تُدار بها البلاد.
ومنذ أمد بعيد، عبرت الأنظمة اليمنية التي تلت قبول المملكة اليمنية في الأمم المتحدة قبل شهر واحد فقط من تصويت عام 1947 على تقسيم فلسطين، عن تضامنها بشكل مادي أكثر مع القضية الفلسطينية، بدءًا من الدعم الاجتماعي للاجئين الفلسطينيين في اليمن وحتى المنظمات الفلسطينية المسلحة.
ويعني كل هذا أن الحوثيين يرغبون في أن تُقرأ حملتهم في البحر الأحمر ليس فقط على أنها شعبية، بل كجزء من إرث التضامن مع القضية الفلسطينية التي تبنوها باعتبارها جزءًا من مهمتهم الكبرى، ووسيلة لجذب الدعم الشعبي، مستغلين مشاعر الشعب اليمني الذي لم يتوان عن إعلان دعمه وتضامنه مع الفلسطينيين بغض النظر عن الخلافات الداخلية بين الفصائل المختلفة.
وفي جميع أنحاء اليمن، يُظهر اليمنيون في احتجاجات حاشدة لدعم الفلسطينيين دعمًا لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر، وحتى لقادة الحوثيين، وقد ينظر العديد من اليمنيين، حتى أولئك الذين يعيشون خارج سيطرة الحوثيين، إلى استهداف الجماعة لـ”إسرائيل” بشكل إيجابي يختلف عن نظرتهم للحوثيين أنفسهم.
ومن خلال حصر الجماعة أفعالها في إطار دعم غزة والحرب ضد الاحتلال الإسرائيلي، فإنهم يريدون أن تجذب هجماتهم في البحر الأحمر المشاعر العربية والإسلامية المعادية لـ”إسرائيل”، لذلك كلما زاد تركيزهم على القضية الفلسطينية، كلما تمكنوا من الاستفادة من الغضب الشعبي اليمني بشأن تصرفات “إسرائيل” ضد غزة، لتعزيز دعمهم وعكس فشل نهجهم في الحكم في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.
ويمكن لجماعة الحوثي تحقيق مكاسب سياسية لأنها تدعم الرواية التي كانت تروج لها على أن أفرادها “مقاتلون من أجل الحرية يواجهون الإمبريالية الغربية في العالم الإسلامي”، وبالتالي، قد تصب الضربات الغربية في صالح رواية الجماعة، مما يعزز الادعاء بأنهم يقاتلون أعداء أجانب قمعيين معادون لليمن، وهذا لن يؤدي إلا إلى تعزيز صورة الحوثيين بين المؤيدين.
وبالفعل، تمكن الحوثيون من حشد الدعم الشعبي المحلي في الجزء الذي يسيطرون عليه من اليمن، وراء أفعالهم منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقد أنتجت الغارات البحرية واحتجاز أطقم السفن كرهائن لقطات تستغل القومية اليمنية، وجذب تحويل السفينة التي استولوا عليها إلى منطقة عامة المزيد من الاهتمام محليًا.
كما أدَّت الهجمات المستمرة في البحر الأحمر إلى إعادة الحوثيين لدائرة الضوء، ومنحتهم سببًا لوجودهم، ووفرت هدفًا متجددًا في وقت كانت مكانتهم في الداخل تتضاءل، وسمح توافقهم مع القضية الفلسطينية بإعادة تأكيد أهميتهم وتنشيط قيادتهم ومقاتليهم.
ومن خلال اتخاذ المزيد من الإجراءات لدعم القضية الفلسطينية، ربما يستطيع الحوثيون تقديم أنفسهم بمصداقية في اليمن باعتبارهم الممثلين الحقيقيين للإرادة الشعبية هناك وفي جميع أنحاء المنطقة الأوسع، وهو الأمر الذي يمكن أن يمنح الحوثيين فرصة لكسب الدعم في المناطق التي لا تخضع لسيطرتهم.
البحث عن مكاسب سياسية
يعتمد الحوثيون على العدوان الأجنبي لتعزيز قوتهم، ودون هذا الصراع الخارجي كمبرر، تصبح أوجه القصور في الإدارة السياسية للحوثيين واضحة، مما يقوض حكمهم، فخلال الحرب اليمنية تمكن الحوثيون من تصوير أنفسهم على أنهم المدافعون عن اليمن ضد التحالف السعودي، والآن يمكنهم إضافة تدخل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى هذا المزيج.
وعلى مدار عقود، اكتسبت حركة الحوثي التي انطلقت من محافظة صعدة شمال اليمن، شعبية محليًا وعالميًا بسبب خطابها المناوئ للولايات المتحدة الأمريكية و”إسرائيل” وأطماعها في المنطقة، وربما تسعى اليوم إلى التأكيد على التزامها بشعارها التأسيسي الذي تبنته في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وينص على “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود”.
ومن خلال إطلاق الصواريخ على “إسرائيل”، صوَّر الحوثيون أنفسهم على أنهم القوة الوحيدة في شبه الجزيرة العربية التي تقف في وجه الاحتلال، على عكس القوى الإقليمية مثل السعودية ومصر، وقدمت الجماعة لليمنيين وغيرهم في المنطقة وجهًا مختلفًا عن الحكومات العربية التي لم تكن حتى الآن مستعدة لاتخاذ إجراءات قوية ضد “إسرائيل”.
على الصعيد الإقليمي، تعد حملة الحوثيين في البحر الأحمر أيضًا محاولة لوضع الجماعة في مواجهة التحركات الأخيرة التي قامت بها دول الخليج المجاورة نحو التطبيع مع “إسرائيل”.
وهناك أدلة على أن هذه الإستراتيجية – المتمثلة في الهجمات المؤيدة لغزة – قد تكون ناجحة، فقد حوَّلت الهجمات الموقف السياسي للحوثيين في اليمن من كونهم مكروهين إلى رسم صورة بطولية لتحقيق أهداف سياسية والتغطية على الاخفاقات الاقتصادية الداخلية، ونقلتهم من مربع الدفاع عن وجودها ضمن الدور المحلي المحدود إلى مشاركتهم في التأثير الإقليمي.
واكتسب الحوثيون الدعم كممثلين عن اليمن في أماكن لم يعرف سكانها حتى مَنْ هم الحوثيون قبل عام مضى، وهتف متظاهرون خلال احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين في نيويورك أواخر العام الماضي بهتافات تساوي الحوثيين باليمن: “اليمن، اليمن، اجعلنا فخورين، كم سفينة غيَّرت مسارها”، وامتد ذلك إلى المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين في بريطانيا، حيث يتحدث الناس عن الحوثيين، ويرفعون لافتات تقول: “أوقفوا قصف اليمن”.
ومنذ أن شن الحوثيون هذه الهجمات في البحر الأحمر، ارتفعت شعبيتهم بشكل كبير، ولم يقتصر ذلك على اليمن أو الشرق الأوسط، حيث تحظى عملياتهم في البحر الأحمر بتأييد واسع، ليس فقط على مستوى الرأي العربي والإسلامي وإنما أيضًا في الغرب حيث ينظر إلى الهجمات على أنها وسيلة لمساعدة فلسطين في وجه الوحشية الإسرائيلية الأمريكية.
ويتفق قرار مهاجمة “إسرائيل” والسفن التي ترتبط بها أيضًا مع رغبة الحوثيين في تصوير أنفسهم كلاعب إقليمي رئيسي، ويخدم القرار أيضًا الهدف الأيديولوجي الأوسع للحوثيين المتمثل في الاصطفاف مع إيران ضد الولايات المتحدة و”إسرائيل”، حيث يشعرون – مثل إيران – بالاستياء من وجود القوات الأمريكية في الشرق الأوسط والدعم الأمريكي لـ”إسرائيل”، ومع ذلك، لديهم دوافعهم الخاصة.
وعلى الصعيد الإقليمي، تعد حملة الحوثيين في البحر الأحمر أيضًا محاولة لوضع الجماعة في مواجهة التحركات الأخيرة التي قامت بها دول الخليج المجاورة نحو التطبيع مع “إسرائيل”، وعلى وجه الخصوص، يُقارن الحوثيون نظرتهم للعالم مع نظرة السعودية، التي كانت تتطلع قبل هجوم حماس في أكتوبر/تشرين الأول إلى تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”.
وهذا يشير إلى أنه على الرغم من أن هجمات البحر الأحمر ليست في الواقع دليلًا على قيام الحوثيين بأي شيء لتحسين الأوضاع الكارثية في اليمن فإنها قد تكون وسيلة للحوثيين لتعزيز قبضتهم على السلطة، خاصة مع حرصهم أيضًا على تلميع أوراق اعتمادهم كأعضاء في “المقاومة”.
ويكره المنافسون المحليون للحوثيين التحرك ضدهم خوفًا من الظهور وكأنهم يقوضون دورهم في “محور المقاومة” الذي يتشكل من الجماعات المدعومة من إيران بمنطقة الشرق الأوسط، بل أكثر من ذلك؛ أنْ بدأ بعض المنافسين التقليديين في تقديم الدعم المادي للحوثيين.
وفي حين ينظر البعض لهجمات الحوثي على أنها تهديد للملاحة في البحر الأحمر، يبدو أن محاولة الجماعة استثمار حرب غزة لتعزيز مكانتها بدأت تؤتي ثمارها، إذ تتلقى إشادات من هنا وهناك، وتحظى بتمجيد بعض الأطراف العربية التي تنظر إلى هذه الهجمات بإيجابية على أنها نوع من الحصار على “إسرائيل” من أجل نصرة فلسطين، بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض الأطراف التي كانت تقدم نفسها على أنها مناهضة للحوثيين، غيرت موقفها بشكل كبير.
كما يمكن أن يساعد التصعيد المتواصل في البحر الأحمر على دفع القوى الدولية للاهتمام بهذا الصراع، وهو ما يؤكده السلوك الغربي ورده على دور الحوثيين في الأحداث، واعتراف المسؤولون في واشنطن بخجل أنهم لا يتوقعون أن تؤدي الضربات الجوية إلى ردع الحوثيين بشكل كامل، ما قد يجعل من هذه الهجمات ورقة ضاغطة لإيقاف العدوان الإسرائيلي على غزة، ويساهم في تعزيز مكاسب الجماعة الداخلية في طريق إكمال سيطرتهم على اليمن.
ويريد الحوثيون أيضًا استغلال قصف أهداف أمريكية وإسرائيلية في البحر الأحمر لإظهار قوتهم أمام الأمريكيين والسعوديين، وأنهم قادرون على تحمل عواقب هجماتهم، وتحقيق مكاسب أفضل، والحصول على نفوذ في المفاوضات مع السعوديين بشأن مستقبل وقف إطلاق النار، وربما يعتقدون أنهم نجحوا في إرسال رسالة غير مباشرة إلى دول الخليج من شأنها ردع هذه الدول عن المشاركة في أي معارك يمنية محلية مستقبلية.
وبالنسبة للحوثيين، فإن ما يعزز هذا الاعتقاد هو موقف السعودية، العدو الإقليمي التقليدي لهم، تجاه عمليات البحر الأحمر، فقد بدت الرياض حريصة بشكل خاص على تجنب أي مواجهة قد تضر برؤية 2030 التي طال انتظارها، أو خشية أن تصبح هدفًا للهجمات، أو أن يُنظر إليها على أنها تنضم إلى الجانب الأمريكي والإسرائيلي في الصراع الإقليمي، وتحقيقًا لهذه الغاية، فهي حريصة على استكمال محادثات السلام الثنائية المتوقفة مؤقتًا مع الحوثيين بعيدًا عن الأحزاب المحلية التي تعارضهم.
واللافت في الأمر أن الشروط التي وضعتها جماعة الحوثي لوقف هجماتها باتت اليوم قناعة واضحة لدى العديد من الدول، فقد أكدت سلطة عُمان أن التوتر في البحر الأحمر لا يمكن إنهاؤه دون إنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، في حين رفضت السعودية ودول أخرى حليفة لواشنطن الانضمام إلى التحالف البحري الذي تقوده الولايات المتحدة، معتبرين أن المزيد من العنف لا يمكن أن يردع سلوك الحوثيين.
وبعيدًا عن الشرق الأوسط، يمكن للحوثيين المطالبة بمكاسب سياسية من هذه الهجمات الأمريكية البريطانية على المستوى العالمي، خاصةً بعد أن انخرطوا مع روسيا والصين مؤخرًا في محادثات لتأمين سلامة سفنهم التي تعبر البحر الأحمر والمناطق المحيطة به مقابل زيادة الدعم السياسي لقضية الحوثيين من تلك الدول على المسرح العالمي، وفقًا لما كشفته شبكة “بلومبيرغ” الأمريكية.
وتعد المحادثات الثلاثية بين الحوثيين وروسيا والصين في حد ذاتها تمزيقًا لوحدة الدولية، ورمزًا للمكانة السياسية المعززة للحوثيين بشكل كبير الآن، ومن غير المرجح اتخاذ إجراءات متعددة الأطراف مثل عقوبات الأمم المتحدة ضد الجهات الحوثية، ولكن حتى هذه الاتفاقيات انهارت بعد أن استهدف الحوثيون ناقلة النفط الصينية “هوانغ پو” في 23 مارس/آذار الماضي، ويسلط هذا الحادث الضوء على آليات الاستهداف البدائية المتاحة للحوثيين وخطر التصعيد غير المقصود في المستقبل.