الإستراتيجية الأمريكية في ليبيا.. لا مزيد من التدخلات

لم يمض الكثير من الوقت على اجتماعات عقدت بين فايز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية واللواء المتقاعد خليفة حفتر قائد قوات الجيش الوطني الليبي، اتفقا خلالها على عقد انتخابات قبل منتصف العام القادم، حتى حذر وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون من عواقب فرض حل عسكري في ليبيا، يأتي هذا التحذير بعد عزوف أمريكي عن التدخل في الملف الذي كانت تهتم به فرنسا وإيطاليا بشكل أكبر من الولايات المتحدة.
ما موقف أمريكا من الملف؟
ورد التحذير السابق في بيان وزير الخارجية الأمريكي، بعد أن التقى رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبي فاير السراج في مقر الوزارة بواشنطن، أول أمس الجمعة.
ويبدو أن التحذير الذي تضمن تأكيدًا على أهمية العملية السياسية، كان موجهًا للواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يقود قواته في الشرق الليبي ضد قوات حكومة السراج، فالغرض الذي أعلنه تيلرسون هو عدم زعزعة استقرار ليبيا أو إتاحة فرصة لتنظيم الدولة الإسلامية.
وفي المقابل طلب السراج من واشنطن رفع الحظر ولو جزئيًا عن تسليح بلاده الذي فرض في 2011 بعد اندلاع الثورة على معمر القذافي رئيس ليبيا المخلوع.
تباينت المواقف الأمريكية من التدخل في الموقف الليبي بين إدارتي أوباما وترامب، حيث كانت أمريكا على رأس قوات حلف الناتو التي ساهمت في إسقاط القذافي بعد الثورة الليبية في 2011.
تستمر أمريكا في لعب الدور الذي تبناه ترامب حتى اﻵن، دون أن تساهم في المفاوضات بين السياسيين الليبيين
لكن الحال تغير تمامًا بعد أبريل من نفس العام عندما قتل السفير الأمريكي في هجوم جماعة أنصار الشريعة على القنصلية الأمريكية في طرابلس، بعدها تم نقل السفارة وباتت تعمل من تونس.
وحتى اﻵن، ما زال محمد الطاهر وزير خارجية حكومة الوفاق الليبية يسعى لإعادة السفارة في بلاده، وصرح في نوفمبر الماضي أن وزارته تجري حوارًا مع الخارجية الأمريكية بخصوص الأمر والترتيبات اللازمة له، فقد كانت هذه الواقعة بمثابة عقدة منعت الأمريكان من مزيد من التدخل في الملف الليبي بعد ذلك.
ورغم ذلك ظل الرئيس السابق باراك أوباما حتى نهاية مدته يحاول تعزيز حل دبلوماسي للصراع بين الفصائل المتحاربة في ليبيا، وهو ما هاجمه ترامب مرارًا خلال منافسته الانتخابية مع هيلاري كلينتون وزيرة خارجية أوباما.
وبينما كان كل مرشح في الانتخابات الأمريكية الأخيرة عام 2016 يعرض وجهة نظره تجاه القضايا والملفات التي تشارك فيها أمريكا، يبدو أن ترامب كان له رأيًا جديدًا فيما يحدث هناك، فقد قال في حديث تليفزيوني مع فوكس بيزنس الأمريكية: “كان المفترض ألا نكون هناك، لقد عارضت التدخل في العراق، ولقد أطلقنا وحشًا في الشرق الأوسط، وسأقوم بقصف داعش في ليبيا”، كان يجب أن نشترط على الثوار أن نأخذ نصف النفط الليبي مقابل مساعدتهم في حربهم ضد نظام القذافي”.
وقبل ستة أشهر من اﻵن، كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعقد مؤتمرًا صحافيًا مشتركًا مع رئيس الوزراء الإيطالي باولو جينتيلوني الذي قال إن لأمريكا دور حاسم – في الملف الليبي – فعلق الأول بوضوح: “لا أرى دورًا لأمريكا في ليبيا، أعتقد أن الولايات المتحدة تقوم حاليًّا بالعديد من الأدوار، بما فيه الكفاية، في أماكن مختلفة من العالم”.
الرؤية التي يتبناها ترامب هي الاكتفاء بدورها في محاربة “داعش” حيث يقول: “نحن نقوم بالتخلص من تنظيم داعش بشكل فعال، أرى أن هذا هو دورنا الأساسي، وهو ما سنقوم بفعله، سواء في العراق أو ليبيا أو أي مكان آخر، وهذا الدور سينتهي عند نقطة معينة”.
تستمر أمريكا في لعب الدور الذي تبناه ترامب حتى اﻵن، دون أن تساهم في المفاوضات بين السياسيين الليبيين، فقد شنت ضربات جوية يوم 17 من نوفمبر 2017، مستخدمة طائرات بدون طيار في صحراء وسط ليبيا، قالت إنها استهدفت تجمعًا لتنظيم داعش وأسفر عن إصابة بعض عناصره.
لكن هل لدى أمريكا القدرة فعلاً على لعب دور حاسم في الأزمة الليبية والتوفيق بين الأطراف على الأرض؟ وهو السؤال التي تجيب عنه إليسا ميلر وكريم ميزران في تقرير نشره مركز رفيق الحريري لأبحاث الشرق الأوسط بأنها الوحيدة التي تقدر على فعل ذلك، حيث إنها تحظى برضى جميع الأطراف.
ثمة طرف ثالث موجود على الأرض وغير موجود على طاولات المفاوضات هو الجماعات الإسلامية المسلحة بانتماءاتها المختلفة إلى داعش أو تنظيم القاعدة وتسيطر بالفعل على أنحاء من ليبيا
يضيف التقرير أن الولايات المتحدة قادرة على ممارسة الضغوط على اللاعبين السياسيين الدوليين والإقليمين لوقف دعمهم لوكلائهم على الأرض، ودفع الأطراف المختلفة المتورطة في الصراع للدخول في عملية تفاوضية، فلدى الولايات المتحدة فقط المصداقية للتلويح بالعصا والجزرة أمام أولئك الذين يريدون أن يصلوا إلى اتفاق بالتفاوض، وأمام أولئك الذين يريدون الدفاع عن مصالحهم الراسخة واللجوء إلى التوسع العسكري بالتتابع”.
هل ستفعل ذلك إذًا؟ يشير التقرير أن هذا السيناريو غير محتمل، كما يرجح أيضًا عدم تحول الولايات المتحدة ناحية حفتر.
مسلحون على أرض الملعب
حتى شهر ديسمبر 2015 كانت لبيبا تحكمها حكومتان وبرلمانان، بالإضافة إلى وجود اشتباكات يومية في المدن الليبية، إلى أن اجتمعت الأطراف الليبية في المغرب ووقعت اتفاق الصخيرات، واتفقت على تكليف حكومة وحدة وطنية، واعتبار برلمان طبرق الهيئة التشريعية، وتأسيس مجلس أعلى للدولة، وجرى هذا الاتفاق برعاية الأمم المتحدة.
لكن المعارك لم تنته بعد، حيث تدور من وقت ﻵخر بين قوات خليفة حفتر -الجيش الوطني – الذي لا يعترف بحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا، بينما يصر فايز السراج رئيس حكومة الوفاق على أن تكون قيادة الجيش خاضعة لحكومته، ووصلت المعارك إلى سيطرة كل فريق على جزء من ليبيا.
في نفس الأثناء، ثمة طرف ثالث موجود على الأرض وغير موجود على طاولات المفاوضات هو الجماعات الإسلامية المسلحة بانتماءاتها المختلفة إلى داعش أو تنظيم القاعدة وتسيطر بالفعل على أنحاء من ليبيا.
تميل الإمارات ومصر ناحية حفتر، وهي الدول التي أعلنت ذلك في أكثر من مناسبة، لكنهما تؤكدان في الوقت نفسه دعم الجهود الدولية لحل سياسي يجمع بين الطرفين
دول في المدرجات
عدم استقرار الوضع الداخلي ينعكس بشكل مباشر على الدول المجاورة، سواء كانت إفريقية أو أوروبية، حيث تعتبر ليبيا بوابة ضخمة لوصول المهاجرين الأفارقة إلى أوروبا، مما يشكل أزمة لها، خاصة فرنسا وإيطاليا، وهو الذي دفع الدولتين لرعاية المفاوضات بين حفتر والسراج، فين حين تعتبر ليبيا منفذًا لتهريب الأسلحة والبضائع إلى الدول المجاورة مثل مصر.
منذ اتفاق الصخيرات في المغرب نهاية 2015، وكثير من الدول تسعى للتوفيق بين الطرفين، منها مصر التي كلفت في وقت سابق، رئيس أركانها السابق محمود حجازي للتواصل مع الأطراف الليبية ومحاولة إيجاد حل سياسي.
الإمارات أيضًا لها دور مماثل، حيث عقد أول لقاء بين حفتر والسراج في أبو ظبي، في شهر مايو الماضي، لكنه لم يثمر نتيجة ملموسة، فتميل الإمارات ومصر ناحية حفتر، وأعلنتا ذلك في أكثر من مناسبة، لكنهما تؤكدان في الوقت نفسه دعم الجهود الدولية لحل سياسي يجمع بين الطرفين، على الجانب الآخر تقف الجزائر التي تعارض تقدم قوات حفتر تجاه الغرب، وتتجه لدعم جهود فرنسا في الحل.
من ناحية أخرى، فإن روسيا التى بدت داعمة لحفتر منذ بداية ظهوره، إلا أنها وجهت دعوات لحفتر والسراج لزيارتها بغرض التفاوض في أغسطس الماضي، بعد أن طالبها السراج بالتوسط لدى حفتر.
آخر جولات المفاوضات بين حفتر والسراج تمت في فرنسا برعاية رئيسها إيمانويل ماكرون في يوليو الماضي، واتفق الرجلان على إجراء انتخابات في ربيع عام 2018، لكن هذا الاجتماع آثار غضب إيطاليا التي لم تدع لهذا الحوار، وهي التي تصدرت مجهود إعادة السلام في لبييا التي كانت إحدى مستعمراتها سابقًا.
في ظل ذلك كله، فإن ترامب يثني على مجهود إيطاليا في قيادة عملية السعي لإحلال الاستقرار في ليبيا، وجهودها لمنع داعش من اتخاذ مأوى في البحر المتوسط، ويقول تقرير مركز رفيق الحريري لدراسات الشرق الأوسط عن اللقاء: “رغم أنه لم يتم التصريح علنًا بهذا الخصوص، فإن جنتيلوني غالبًا ما حظي بالتزام من ترامب للاستمرار في دعم العملية التي تتم تحت إشراف الأمم المتحدة والمجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية، بدلًا من تحويل تحالفاته مع حفتر”.