منذ 24 من أغسطس 2017 (ذكرى تأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام)، عملت الحركة الحوثية في اليمن على إشعال التوتر بينها وبين رئيس الحزب علي عبد الله صالح وقياداتها، وصل بها إلى رفع السلاح ضد شريكها في الحرب وقتلت رئيس دائرة العلاقات الخارجية العميد خالد الرضي المقرب جدًا من صالح في 26 من أغسطس 2017، وانتهى ذلك الموقف بتحكيم قبلي.
ظنّ الحوثيون أن سكوت صالح ضعفًا وجبنًا وعدم قدرة على مواجهة مليشيا تتسلح بأحدث أنواع الأسلحة التي نهبتها من الجيش اليمني خلال اقتحامها لصنعاء في 21 من سبتمبر 2014، وبدأوا يبحثون عن فريسة أخرى يتخلصون منها لتقليم أجنحة صالح في اليمن أو الوصول إليه في المرحلة الأخيرة انتقامًا لمؤسس الجماعة الذي قتل على يد قوات الجمهورية في أثناء حكم صالح لليمن، مع استباحتهم لليمن أرضًا وإنسانًا، وضاق المواطنون ذرعًا من تلك التصرفات.
وجد الحوثيون أن طارق محمد عبد الله صالح، ابن شقيق الرئيس اليمني، هو الشخص الذي بمقتله والتخلص منه ستنهار قوى صالح العسكرية، لا سيما أن أهم القيادات العسكرية الموالية له قتلت في 8 من أكتوبر 2016 حينما قصف التحالف الذي تقوده السعودية الصالة الكبرى بالعاصمة اليمنية صنعاء، إضافة إلى أن ابن شقيقه يحيى صالح قائد الأمن المركزي، ونجله أحمد قائد الحرس الجمهوري يُعدان من المحتجزين خارج اليمن منذ اندلاع عاصفة الحزم في 26 من مارس 2017.
لكن صالح وطارق كانا يعلمان بخطط الحوثيين المبيتة ضدهما، وأخذا حذرهما، وبدأ صالح في توسيط القبائل اليمنية لدى الحوثيين لثنيهم عن مطاردة شخصيات قيادية من حزب المؤتمر الشعبي العام، وعدم التقطع لأولاد صالح واقتحام منازلهم واعتقال قيادات مؤتمرية بارزة، إلا أنهم راوغوا كثيرًا في ذلك، وحينما أحس صالح أن الحوثيين يضربون بكل الوساطات القبلية عرض الحائط، وجد أن فض شراكته مع الحوثيين ومن ثم المواجهة هي السبيل الوحيد لوقفهم عند حدهم.
صالح لم يدع المواطنين فحسب إلى التخلص من الحوثيين، وكان بيانه عبر قناة اليمن اليوم التي تم التشويش عليها لاحقًا من لبنان، ثم اقتحمتها المليشيات الحوثية، متسرعًا نوعًا ما
تاريخ الخلاف السياسي والعسكري بين صالح والحوثي
– في يونيو 2004: بدأت الحرب بين الحوثيين والقوات الحكومية في محافظة صعدة، وكان المؤتمر الشعبي العام هو الحزب الحاكم وعلي عبد الله صالح رئيسًا.
– في سبتمبر 2004: قُتل مؤسس جماعة الحوثيين المسلحة حسين الحوثي في محافظة صعدة.
– ما بين 2004 و2010: وقعت جولات قتال بين القوات الحكومية والحوثيين في محافظة صعدة أسفرت عن سيطرة الحوثيين على كامل صعدة وأجزاء من محافظة عَمران.
– في فبراير 2011: شارك الحوثيون في الانتفاضة ضدّ صالح، ورفضوا الاعتراف بالمبادرة الخليجية.
– في سبتمبر 2014: سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء، ووجهت اتهامات لقوات موالية لصالح بالتعاون معهم.
– في الـ6 من أغسطس 2016: شكّل الحوثيون وحزب المؤتمر الشعبي العام حكومة ومجلس حكم لإدارة المناطق التي يسيطرون عليها.
– في 24 من أغسطس 2017: حدث توتر وتراشق إعلامي بين الطرفين في أثناء مهرجان لحزب المؤتمر في صنعاء في ذكرى تأسيسه.
– في 26 من أغسطس 2017: وقعت اشتباكات بين الطرفين في صنعاء بعد اعتراض مسلحين حوثيين موكب نجل صالح، وقتل نائب رئيس دائرة العلاقات الخارجية بحزب المؤتمر.
– في 29 من نوفمبر 2017: اقتحم حوثيون مسجد “الصالح” بالعاصمة، واشتبكوا مع حراسته الموالية لعلي صالح، واندلعت اشتباكات قرب منازل أقارب الرئيس السابق قتل فيها 13.
– في الـ2 من ديسمبر 2017، خرج صالح على غير عادته داعيًا إلى الانتفاضة الشعبية، لطرد الحوثيين ووقف ممارساتهم ونهبهم للمال العام ورواتب الموظفين، وهذا بالنسبة لغالبية اليمنيين كان يوم إعلان نصر، رغم خطورة الموقف، وليس بالأمر الهين انتزاع جذور مليشيا مسلحة من بين 4 ملايين شخص يسكنون العاصمة اليمنية صنعاء.
ستكون الحرب في بدايتها إعلامية أكثر من كونها حقيقية على الأرض، وهذا عامل لكسب ود قبائل الطوق الأمني للعاصمة اليمنية صنعاء ودغدغة مشاعر المواطنين، إضافة إلى أن السيطرة ستكون بين الكر والفر نتيجة عناد الحوثيين
صالح لم يدع المواطنين فحسب إلى التخلص من الحوثيين، وكان بيانه عبر قناة اليمن اليوم التي تم التشويش عليها لاحقًا من لبنان، ثم اقتحمتها المليشيات الحوثية، متسرعًا نوعًا ما، فمثل هذا البيان أو الدعوة كان لا بد أن يكون بعد أن تتضح معالم الخطوة التي أقدم عليها الحرس الجمهوري بقيادة طارق صالح والتفاف المواطنين معهم، والغريب في هذا الموضوع استجابة السعودية ودول التحالف السريع لدعوة صالح بفتح صفحة جديدة معه، رغم أنها رفضت فكرة التصالح معه منذ الوهلة الأولى من انطلاق عاصفة الحزم.
والانقسام بين أنصار صالح والحوثيين الذين كانوا يحاربون جنبًا إلى جنب يمكن أن تكون له تداعيات خطيرة على الحرب الأهلية التي يشهدها اليمن.
وقال صالح في كلمة عبر التليفزيون: “أدعو الأشقاء في دول الجوار والمتحالفين أن يوقفوا عدوانهم ويرفعوا الحصار وأن يفتحوا المطارات ويسمحوا للمواد الغذائية وإسعاف الجرحى وسنفتح معهم صفحة جديدة للتعامل معهم بحكم الجوار وسنتعامل معهم بشكل إيجابي”.
يبدو أن السعودية توصلت إلى قناعة واحدة بعد فشلها في تحقيق أي نصر خلال ثلاثة أعوام، أنها غير قادرة على الحسم العسكري، ومفاتيح النصر ستكون مع علي عبد الله صالح، لذا لجأت إليه ليخلصها من المأزق اليمني، مستغلة تهور الحوثيين وتماديهم بحق اليمنيين وبعلي صالح وأسرته، وهذا قد يكون بالنسبة للسعودية أقل تكلفًا، لكن سيدفع اليمنيون ثمنًا باهظًا نتيجة الحرب التي ستندلع بين الحوثيين وقوات الحرس الجمهوري.
مآلات الحرب
ستكون الحرب في بدايتها إعلامية أكثر من كونها حقيقية على الأرض، وهذا عامل لكسب ود قبائل الطوق الأمني للعاصمة اليمنية صنعاء، ودغدغة مشاعر المواطنين، إضافة إلى أن السيطرة ستكون بين الكر والفر نتيجة عناد الحوثيين، وقد يستعيد الحوثيون غالبية المواقع التي خسروها، لكن ذلك سيكون تكتيكًا عسكريًا من الوحدات الخاصة في الحرس الجمهوري (قوة مدربة ومنظمة على حرب الشوارع واختراق المدن)، والهدف من ذلك سحب المليشيا إلى مناطق معروفة ليتم التخلص منهم بعيدًا عن سكان العاصمة صنعاء.
هناك ملامح توحي بطي صفحة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي من التحالف لإعادة صالح إلى المشهد كونه المنقذ الذي استطاع إخراج السعودية من المستنقع بعد أن فشل هادي وقوات التحالف لما يقارب الثلاث سنوات
سيستمر هذا العمل من أسبوع إلى ثلاثة أسابيع، وسيكون للقبائل اليمنية والتحالف العربي في قطع المدد للحوثيين والتغطية الجوية للحرس الجمهوري، دور كبير في حسم المعركة لصالح الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح.
كون الحوثيون من يسيطرون على أجهزة الاتصالات والإنترنت، ولديهم دعم خارجي، فقد سارعوا بالاستنجاد بحزب الله اللبناني الذي بادر خبراؤه بالتشويش على قناة اليمن اليوم وإسقاطها من القمر الصناعي يوتلسات، إضافة إلى حجب مواقع المؤتمر الشعبي العام وفيسبوك داخل الأراضي اليمنية، ليتفوقوا إعلاميًا، للإيحاء للشعب والقبائل أنهم المسيطرون على زمام الأمور لمنع الانهيار المتسارع لقواتهم في العاصمة اليمنية صنعاء.
الحرب ستأخذ مجراها ويتوقع أن يتم حسمها في صنعاء لصالح القبائل وقوات الحرس الجمهوري في غضون ثلاثة أسابيع، مع التحرك الجماهيري لإسقاط بقية المحافظات اليمنية، وهذا لن يكون إلا بوجود دعم جوي وإعلامي يساهم في الحسم السريع للمعركة.
ستنتهي الحرب بكل تأكيد، لكن لا يتوقع أن تبلغ منتهاها في القريب العاجل، لكن ملامحها تقول ذلك، غير أن الطريقة التي ستؤول إليها تبدو ضبابية نوعًا ما، رغم أن هناك ملامح توحي بطي صفحة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي من التحالف لإعادة صالح إلى المشهد كونه المنقذ الذي استطاع إخراج السعودية من المستنقع بعد أن فشل هادي وقوات التحالف لما يقارب الثلاث سنوات.
سيناريوهات النهاية
لنهاية الحرب في اليمن، يبدو أن لها سيناريوهين لكن بمشاهد مختلفة، تؤدي إلى حكم انتقالي في اليمن بعيدًا عن الرئيس اليمني الحاليّ عبد ربه منصور هادي الذي بدا عليه الإعياء في آخر اجتماع له مع مستشاريه، ومد يده إلى صالح ضد المليشيات الحوثية.
ستنتهي الاشتباكات بين قوات الحرس الجمهوري والحوثيين بتقاسم النفوذ في المناطق التي يسيطر عليها كل طرف، بحيث تكون الجهة الجنوبية من العاصمة صنعاء مع صالح والحرس الجمهوري، والجهة الشمالية مع الحوثي، وسيصبح حال صنعاء أشبه ببيروت أيام الحرب الأهلية
ليس للرئيس صالح مواقف ومبادئ ثابتة، الرجل الذي حكم اليمن لثلث قرن، وكما لم يفعل غيره من قبل ومن بعد، لم يكن ساذجًا كما يحاول البعض تسخيفه وتسفيهه، وأظهر أنه ثعلب السياسة اليمنية الماكر وقادر بخفة عالية وانتهازية شديدة على تبديل جلده وثوبه، فتحالف مع السعودية وحاربها، وتحالف مع السلفية الجهادية وحاربها، وتحالف مع الحوثي بعد أن حاربه، قرّب العشائر وأبعدها، لعب على مختلف الأطراف ورقص على كل الدفوف والحبال.
هذا هو علي عبد الله صالح، الرجل الذي لا بوصلة توجه سلوكه سوى مصالح حزبه ومن يوالونه، ومن غير المستبعد أن يكون قبل عرضًا إماراتيًا لإعادته إلى الواجهة وبمجلس انتقالي يكون حزبه هو المتحكم بمقاليد اليمن.
قال علي عبد الله صالح في ظهوره الأخير عندما أعلن انتفاضة ضد الحوثيين، إن الشرعية في البلاد والممثل لها الوحيد هو مجلس النواب اليمني الذي يستمد شرعيته للشعب، متجاهلًا شرعية هادي، وهذا يتفق مع الإمارات التي لا ترى أن هناك شرعية لهادي ومنعته أكثر من مرة من العودة إلى البلاد.
هذا الأمر يتفق بحديث سابق أن الإمارات تبنت مبكرًا فكرة “فك الارتباط” بين صالح والحوثي، وتعتقد أن اللعب مع صالح ممكن، والتهديد الأهم يأتي من الحوثي، وربما لهذا السبب استبْقت أبو ظبي نجل الرئيس صالح لديها، كقناة تواصل مع أبيه وورقة مساومة، ويبدو أن الوعد بدور مستقبل لأحمد علي عبد الله صالح، هو ما جعل صالح يوافق أخيرًا على العرض والتخلي عن حليفه الحوثي.
السيناريو الثاني، ربما أن تبقى الحرب على أشدها وتستغل القوات الموالية للرئيس اليمني علي عبد الله صالح هذا الاختلاف، وتعمل على التقدم في مناطق عدة بمختلف جبهات القتال، دون أن يتم مساندة صالح في حربه مع الحوثيين، هذا الأمر قد يحول الأحداث رأسًا على عقب، ويكون سببًا في إعادة التصالح بين الحوثي وصالح المؤقت، لكون الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح سيشعر بأن هناك خيانة من التحالف في استغلال الخلافات بين الحوثيين وبينه للحسم العسكري، وهذا قد يكون أحد فصول الحرب التي قد تطول في حال عدم استغلال المتغيرات الحاليّة على الأرض.
وهناك سيناريو في الوقت الحاليّ يبدو منطقيًا وهو القريب للواقع، ستنتهي الاشتباكات بين قوات الحرس الجمهوري والحوثيين بتقاسم النفوذ في المناطق التي يسيطر عليها كل طرف، بحيث تكون الجهة الجنوبية من العاصمة صنعاء مع صالح والحرس الجمهوري، والجهة الشمالية مع الحوثي، وسيصبح حال صنعاء أشبه ببيروت أيام الحرب الأهلية، وبالطبع سيجد كل طرف المساندة من الجهات التي تدعم هذا الصراع، إيران من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخرى.
أما المحافظات اليمنية فستضعف قبضة الحوثي فيها وسينكمش مشروعه، وعمومًا ما تبقى من مؤسسات الدولة لن يكون لها وجود في ظل حكم المليشيات المتصاعد على اليمن، التي تمادت بحقها في اليمنيين، وما نشهده حاليًّا هو بداية صعود روح الحوثي من الجسد اليمني.