الإمارات تجر السعودية إلى حماقة تاريخية في اليمن

yenon_1

مع ارتفاع فاتورة الحرب، لا شك أن السعودية أصبحت أكثر ميلًا إلى تلمس مخرج سياسي ينهي الأزمة في اليمن، إلا أنها لا ترغب في بقاء تنظيم الحوثي كقوة ذات وزن سياسي وعسكري في خاصرتها، خصوصًا أنها عجزت عن التصدي لهجمات مسلحي الحوثي التي تستهدف حدها الجنوبي بشكل متكرر، إضافة إلى إشكالية الصواريخ الباليستية التي أصبحت تهدد العمق السعودي.

لهذا لن تترد السعودية في القبول بأي صفقة سياسية يكون قوامها القضاء أو تبديد القوة العسكرية للحوثيين ولو على حساب مستقبل اليمنيين ودمائهم. 

فوبيا الإسلاميين وجديد المواقف النافرة  

 يبدو أن الإمارات قد نجحت إلى حد كبير في إذكاء مخاوف السعودية من صعود الإسلاميين إلى السلطة في اليمن، في مقابل إقناعها بالتحالف مع حزب صالح الذي يمثل أحد أضلع المثلث السياسي في اليمن، في حين يمثل حزب الإصلاح وجماعة الحوثي ضلعيه الآخَرَين.

وبالنظر إلى الموقف السعودي الذي بدأ ينحدر تدريجيًا ليتماهى مع الموقف الإماراتي النافر من حركات الإسلام السياسي وفي مقدمتها حزب الإصلاح المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين الذي لا تحبذ أي من دول التحالف أيلولة الحكم إليه، لاعتبارات سياسية وأيديلوجية، تتوجس بعض دول الخليج من انتقال عدواها على المدى المنظور.

كما أن السعودية والإمارات ومصر يتشاطرون موقفًا مشتركًا يضع “الإصلاح” في خانة قريبة من جماعة “الحوثي” التي تشن عليها المملكة حربًا منذ أكثر من عامين، وهو ما يجعل من صالح وحزبه النموذج الأكثر قبولًا في نظر الإمارات ومن ورائها السعودية، وقد تفطن صالح إلى تلك الهواجس التي تسيطر على النخبة الحاكمة في الرياض وأبوظبي، مستفيدًا من ثقله الجماهيري والعسكري والمالي ليستدر ثقة السعودية من جديد متكئًا على دور حلفائه الإماراتيين في إقناع السعودية أن لا مناص لها من التحالف معه مجددًا.

 بيد أن هذه الحميمية بين صالح وأبوظبي تقودنا إلى إجابات موضوعية عن المقابل الذي يمكن لصالح تقديمه للإمارات في هذه المرحلة من الحرب نظير وقوفها القوي إلى جانبه

الغريب أن الثورة المضادة التي قام بها صالح بمعية حلفائه الحوثيين التي انتهت بالانقلاب على الشرعية، تمت بدعم وتنسيق مع الإمارات، ومباركة من القيادة السعودية السابقة في عهد الملك عبد لله، كما أن السفير السعودي لدى اليمن كان على اطلاع بكل الترتيبات التي كانت تجري قبيل اجتياح صنعاء، حيث كان الهدف من ذلك التخلص من الإسلاميين بعد إحراقهم شعبيًا تحت مبرر “الجرعة”.

إضافة إلى أن الإمارات أثارها كثيرًا اتجاه حكومة باسندوة إلى إلغاء الاتفاقية التي أبرمتها مع صالح عام 2008 بشأن تأجير ميناء عدن الذي يعد المنافس الأول لميناء “جبل علي” المرتكز الاقتصادي الحيوي لمدينة دبي. 

لماذا تتشبث الإمارات بصالح؟

علاقة الإماراتيين بصالح ظلت على متانتها، حتى بعد انطلاق عاصفة الحزم في نهاية مارس 2015، بحكم كونه الحليف المطيع للإمارات في اليمن طيلة السنوات الخمسة الأخيرة من حكمه، لهذا كان من مصلحة القيادة الإماراتية المسكونة بهاجس السيطرة والتوسع الاستفادة من حاجة صالح إلى حليف إقليمي في المرحلة الحرجة التي تمخضت عن الحرب التي تقودها السعودية لردع الحوثيين، يضمن له فرصة أخرى في المستقبل السياسي لليمن، في الوقت الذي يبدو أن الولايات المتحدة ليس لديها أي تحفظات بشأن تحمس الإمارات المندفعة لتهيئة المناخ السياسي لإعادة عائلة صالح إلى الواجهة.

مع أن الإمارات تعد الدولة الثانية في التحالف العربي بعد السعودية في الحرب على الانقلابيين في اليمن، إلا أن صالح لا يجد غضاضة في الثناء على الإمارات والإشادة بموقفها كما فعل خلال إحدى مقابلاته مع قناة “الميادين” في وقت سابق من العام الماضي، مؤكدًا أنه لا توجد له أي خصومات معها.

وهو ما يعتبره البعض مدعاة للتناقض، بيد أن هذه الحميمية بين صالح وأبوظبي تقودنا إلى إجابات موضوعية عن المقابل الذي يمكن لصالح تقديمه للإمارات في هذه المرحلة من الحرب نظير وقوفها القوي إلى جانبه، وذلك بالعودة إلى الاتهامات التي وجهها بعض المسؤولين في جماعة الحوثي إلى حليفهم صالح تزعم تواطؤ كتائبه العسكرية ومسارعتها للانسحاب عقب دخول القوات الإماراتية إلى عدن إبان تحريرها، بدافع حنينه إلى “رصيده السابق”.

ورغم أنه لا يمكن الجزم بصحة هذه الاتهامات إلا أن هناك جملة من القرائن التي تجعل تلك الاتهامات أمرًا واردًا، خصوصًا أن تحرير عدن أعقبه مباشرة انسحاب مماثل من أهم مديريتين نفطيتين في شبوة (عتق وبلحاف) دون حدوث أي معارك، بينما بقيت قوات الانقلابيين في مديريات شبوة الأخرى التي لا حاجة للإمارات في بسط السيطرة عليها.

الإمارات حسب وزيرها المثير للجدل (أنور قرقاش)، ترى أن المرحلة العسكرية في اليمن قد انتهت وحان الوقت لتفعيل الحل السياسي

مباحثات غير معلنة لإعادة نجل صالح إلى اليمن

في أكثر من مناسبة لا يجد المسؤولون الإماراتيون حرجًا من الإفصاح عن رغبتهم في إعادة تشكيل المشهد السياسي اليمني ليتناسب مع مقاسات مرحلة جديدة تعيد فيها عائلة صالح إلى الوجهة في يمن ما بعد الانقلاب، باعتباره النموذج المفضل لولي عهد أبوظبي، القائم على استنساخ الديكتاتوريات العسكرية على غرار السيسي وحفتر وصولاً إلى الرهان على نجل صالح (أحمد علي) المقيم حاليًّا في أبوظبي الذي من الوارد جدًا أنها تستبقيه للمشهد الأخير في دور البطل الذي “يُكملُ الجميل”.

ومنذ الأشهر الأربعة الأولى من العمليات العسكرية للتحالف العربي في اليمن، بدأت دلائل التقارب بين صالح وأبوظبي تظهر للعلن بشكل أكثر تجليًا، وبصورة توحي أن ثمة تنسيق وتفاهمات مشتركة بينهما بعيدًا عن السعودية التي ما زالت غير مطمئنة إلى المجازفة بمساومة صالح على صفقة سياسية مشروطة، رغم أن موقف السعودية العام يكاد يتماهى مع السياسية الإمارتية بخصوص الملف اليمني ما خلا بعض الجزئيات التي لا ترى فيها الرياض مدعاة للقلق.

ولعل هذا يعضد التكهنات التي تذهب إلى قراءة الأحداث من زاوية أن صالح داهن الإمارات طمعًا في استحقاقات وافرة في مرحلة ما بعد الحرب، علاوة على ذلك ما أكده وزير الدولة الإماراتي أنور قرقاش، خلال تصريح له في وقت سابق، كشف فيه أن الإمارات قدمت مقترحًا لإنهاء الأزمة في اليمن، مبينًا أن بلاده عرضت المقترح على السعودية والولايات المتحدة وبريطانيا.

 بحسب معلومات شبه مؤكدة فإن لدى صالح موافقة مبدئية على صيغة مقترحة للحل، تحفظ للطرفين ماء الوجه، بحيث يكتفي فيها الطرفان بنصف انتصار

وبمقتضى ذلك الاقتراح ترى أبوظبي ضرورة أن يمد التحالف يده للرئيس السابق لحل الأزمة سياسيًا، ذلك أن الإمارات حسب وزيرها المثير للجدل، ترى أن المرحلة العسكرية في اليمن قد انتهت وحان الوقت لتفعيل الحل السياسي، و”الحل السياسي” كما يراه قرقاش هو إعادة نجل صالح المقيم في الإمارات إلى اليمن، من أجل ما قال إنه لعب دور أكثر حضورًا في الملف اليمني.

مؤكدًا في ذات الوقت أن صالح مستعدٌ لقلب الطاولة على حلفائه الحوثيين متى أعطي ضمانات اشترطها للقيام بذلك، إلا أنه لم يذكر أي تفاصيل عن ماهية هذه الضمانات أو إيضاحات تبين كيف عرف أن صالح مستعد لنكث تحالفه مع الحوثيين مقابل تلك الضمانات.

مما يخلق انطباعًا أن ثمة مفاوضات دبلوماسية تجري من تحت الطاولة بين صالح وأمراء أبوظبي، مقابل صفقة سياسية يتم بمقتضاها إعادة نجل صالح إلى اليمن في صورة المنقذ المخلص الذي يقضي على الفوضى ويبسط سلطانه على البلاد، على نحوٍ يتداخل فيه الالتواء السياسي والبروباغندا التي تمهد لتتويجه حاكمًا لليمن مستقبلًا.

حل سياسي على أرضية زلقة

بحسب معلومات شبه مؤكدة فإن لدى صالح موافقة مبدئية على صيغة مقترحة للحل، تحفظ للطرفين ماء الوجه، بحيث يكتفي فيها الطرفان بنصف انتصار، وتتلخص تلك الصيغة في السماح لقوات التحالف بمواصلة التقدم إلى أبواب صنعاء من الجهة الشرقية والشمالية الشرقية، الأمر الذي يجبر الحوثيين والفصائل المسلحة غير الحكومية على الرضوخ لضغوطات الواقع والتوقيع على اتفاقية تقضي بتخليهم عن السلاح الثقيل، وتشكيل حكومة انتقالية مؤقتة تعقبها انتخابات رئاسية تمهد لانتقال سلس للسلطة إلى نجل صالح.

إلا أن صالح اشترط للموافقة على هذا المقترح ضمانات دولية توقع عليها الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا ومجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى شروط تتعلق بمشاركة قوات الشرعية في مأرب خصوصًا الموالية للفريق علي محسن الأحمر في أي تقدم نحو صنعاء، الأمر الذي جعل تلك التسوية غير ناضجة إلى الآن على الأقل.

ومن غير المستبعد أن يكون لعودة التصعيد والتصعيد المضاد والتصادمات المسلحة بين قوات صالح والمسلحين الحوثيين في العاصمة صنعاء، والتي تدور بشكل متقطع منذ مساء الأربعاء الفائت، بالتزامن مع التقدم الكبير لقوات الشرعية في جبهتي نهم وأرحب، علاقة بترتيبات سياسية ليست بعيدة عن سيناريو محتمل لوضع نقطة الختام للحرب المكلفة.