خطط الرئيس الأمريكي باراك أوباما محدودة، لم تبدأ ولن تكون كافية؛ صحيفة نيويورك تايمز تقول إن مقابلات أجرتها مع مسؤولين غربيين وعرب أظهرت أن خطط إدارة الرئيس باراك أوباما “المحدودة” لتسليح الثوار السوريين وتدريبهم عبر وكالة الاستخبارات المركزية لم تبدأ، وأنها أقل وأبطأ مما أشيع عنها على المستويين العام والخاص. وتنسب إلى مسؤولين قولهم إن الدعم الأمريكي للثوار السوريين لا يبدو أنه سيكون كافيا لتمكينهم من إسقاط نظام الأسد.
ومن ناحية أخرى، شد وجذب مع الكونغرس الأمريكي يعيق مساعي البيت الأبيض لتسليح المعارضة السورية؛ مسؤول أمريكي رفيع المستوى يقول إن إدارة الرئيس أوباما أحرزت تقدما في التغلب على اعتراضات المشرعين على خططها للتسليح. وأعضاء لجنتي المخابرات بمجلسي الشيوخ والنواب ينصحون البيت الأبيض بتأجيل إرسال الأسلحة لحين تبدد بواعث قلق الكونغرس.
فهل حزمت الإدارة الأمريكية أمرها في استراتيجية محددة للتحرك بشأن سوريا؟ وما هي الخطة التي طرحتها الإدارة؟ وهل هناك ما يعيق هذه الخطة؟
دلالات الخطاب الإعلامي للبيت الأبيض
يشير الباحث في مجلس العلاقات الخارجية “ميكاه زينكو” في مقالته “استراتيجية أوباما في سوريا ’أليس في بلاد العجائب’” المنشورة في مجلة فورين بوليسي، إلى الأهداف التي تسعى الولايات المتحدة لتحقيقها في سوريا، وذلك عبر اقتباسه من تصريحات مسؤولين في البيت الأبيض خلال اثني عشر يوما قبل تاريخ نشر المقالة، في الخامس والعشرين من حزيران الماضي:
الرئيس أوباما:
– “نريد سوريا سلمية وغير طائفية وديمقراطية وشرعية ومتسامحة. هذا هو هدفنا الأسمى. نسعى لوقف إراقة الدماء. نود التأكد من عدم استخدام أسلحة كيميائية، وأنها لن تقع في يد جهة مستعدة لاستخدامها”.
مستشار الأمن القومي بين رودز:
– “المساعدة في بناء المعارضة التي يمكن أن تكون ممثلة على نطاق واسع من الشعب السوري”.
– “إنشاء مؤسسة أكثر اعتدالا للمعارضة حتى نتمكن من تهميش المتطرفين وتمكين من نعتقد أنهم سيحترمون حقوق الشعب السوري”.
– “شكل من أشكال التحول الذي يحفظ مؤسسات الدولة”.
المتحدثة باسم البيت الأبيض جين بساكي:
– “تعزيز المعارضة على الأرض، وتقوية تنظيمها السياسي، وزيادة فعاليتها وتماسكها”.
– “الهدف هو توسيع المعارضة… عليهم أن ينتخبوا قيادة”.
– “حل سياسي، وتحول سياسي… هذا يظل محور تركيزنا”.
– “تعزيز موقف المعارضة على الأرض… تغيير التوازن على الأرض”.
وزير الدفاع تشاك هيغل:
– “ضمان عدم تدهور الوضع كليا في سوريا وتجنب تفككها أمام أعيننا”.
وزير الخارجية جون كيري:
– “نحن لا نسعى لحل عسكري؛ إنما نقوم بذلك للوصول إلى طاولة المفاوضات وإيجاد تسوية سياسية”.
في إطار تقييمه لحزمة الأهداف التي تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها لتحقيقها في سوريا، يصف الباحث هذه الأهداف “الكثيرة المتشابكة” بأنها لا تتضمن “هدفا استراتيجيا واحدا محددا بوضوح، أو أي درجة من تحديد الأولويات”. ويقول الباحث مقتبسا من فيلم “أليس في بلاد العجائب”: “إذا كنت لا تعرف إلى أين تذهب، فكل الطرق ستقودك إلى هناك”. في دلالة على ارتباك داخل الإدارة الأمريكية مرده إلى عدم وجود استراتيجية واضحة المعالم تجاه سوريا.
خطة الإدارة لتسليح المعارضة
في الثالث عشر من حزيران الماضي، صادق الرئيس أوباما على إجراء سري لتسليح المعارضة ينفذ عبر وكالة الاستخبارات المركزية. وأوضح مسؤولون في إدارة أوباما استعدادهم للنظر في تصعيد التدخل، بما في ذلك شن غارات جوية ضد منشآت النظام واحتمال فرض منطقة حظر جوي. وقد أطلع وزير الخارجية جون كيري ونائب مدير الوكالة مايك موريل، حسب الأصول لجان الاستخبارات التابعة لمجلس النواب ومجلس الشيوخ يومي 19 و20 حزيران الماضي على آخر الأخبار.
ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال في تقريرها “الولايات المتحدة تبدأ شحن أسلحة للثوار السوريين” المنشور في السادس والعشرين من حزيران الماضي، أن وكالة الاستخبارات المركزية قد بدأت بنقل أسلحة إلى الأردن تتضمن أسلحة خفيفة وربما مضادات دبابات، عبر مستودعات سرية، وهي تخطط لتسليح مجموعات صغيرة ممن تثق بهم من الثوار.
تقول الصحيفة إن من المتوقع أن تنتهي الوكالة من شحن الأسلحة خلال ثلاثة أسابيع، وأن تبدأ بعدها بتدريب الثوار عليها، تمهيدا لدخول أول مجموعة من الثوار بتسليح أمريكي إلى الأراضي السورية. كما ستشرف الولايات المتحدة على تقديم السعودية مضادات للطائرات محمولة على الكتف، خوفا من وقوعها بيد الإسلاميين.
وحسب دبلوماسيين أمريكان، يتوقع دخول بضع مئات من المقاتلين المدربين عبر برنامج الوكالة إلى سوريا شهريا. ويتوقع هؤلاء بناء على هذا المعدل، أن تستغرق الولايات المتحدة والسعودية خمسة أشهر في تسليح وتدريب الثوار المعتدلين قبل أن يشكل هؤلاء فرقا حقيقيا في المواجهة مع قوات الأسد وحزب الله.
وقد بدأت الوكالة بتخزين أسلحة سوفييتية تشمل ذخائر بنادق “كلاشنكوف” ومضادات خارقة للدبابات، وذلك لتسليح المجموعة الأولى من الثوار التي تتضمن منشقين عن نظام الأسد لديهم خبرة في استعمال الأسلحة السوفييتية، حسب الصحيفة.
وتنظر وكالة الاستخبارات المركزية في وضع وحدة عمليات من القوات الخاصة في الجيش الأمريكي تحت سلطتها للقيام ببعض مهام التدريب، كما تنظر في الاستعانة بفريقي عمليات خاصة من الأردن والإمارات لتكثيف عمليات التدريب، حسب مسؤولين أمريكان.
أسباب وانعكاسات الصراع مع الكونغرس
لم يختلف أعضاء الكونغرس عن موظفي البيت الأبيض حيث تباينت وجهات نظرهم حول كيفية دعم المعارضة السورية. وحسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست نشر في العاشر من تموز الجاري، فإن طلبات الإحاطة والمناشدات الشخصية من قبل كبار مسؤولي البيت الأبيض -مثل نائب الرئيس جو بايدن ووزير الخارجية جون كيري ومدير وكالة الاستخبارات المركزية جون برينان- لحلحلة التباينات بين أعضاء الكونغرس وإقناعهم بخطة الإدارة لم تنجح إلى الآن.
وقد عبر أعضاء بارزون في الكونغرس عن غضبهم بشأن حدود خطة وكالة الاستخبارات المركزية لأنهم لم يحاطوا علما بها، فعلى الرغم من إقرار لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي في 21 أيار الماضي مشروع قانون ينص على تسليح محدود للمعارضة السورية، قدمه رئيس اللجنة السيناتور الديمقراطي روبرت مننديز إلى جانب السيناتور الجمهوري بوب كوركر، إلا أن كوركر نفسه استنكر خطة الوكالة قائلا إن الإدارة تريد تنفيذ الخطة بشكل سري “حتى لا تضطر إلى مواجهة الشعب الأمريكي”. وأضاف أنه وعلى الرغم من دعمه تسليح الثوار إلى جانب السيناتور مننديز، إلا أن أيا منهما لم يسمح له بالاطلاع على الخطة.
ولا تشترط موافقة الكونغرس الأمريكي على خطة الرئيس حتى تنفذ، فهو بإمكانه إعطاء الأمر بتنفيذ الخطة متى شاء. لكن الإدارة الأمريكية اختارت تنفيذ الخطة على شكل عمل سري “Covert Operation” عبر وكالة الاستخبارات المركزية، وذلك لعدم وجود قرار دولي بالتدخل في سوريا على غرار قرار مجلس الأمن رقم 1973 الذي وضع الأسس القانونية للتدخل العسكري في ليبيا. ويعرف “قاموس وزارة الدفاع الأمريكية للمصطلحات العسكرية ومتعلقاتها” هذا النوع من العمليات بأنها “العمليات التي يتم التخطيط لها وتنفيذها بطريقة تخفي منفذها وتتيح لراعيها إنكار ارتباطه بها”.
ويشترط في هذا النوع من العمليات إرسال الرئيس “حُكما أو نتيجة بحث Finding” إلى اللجان الاستخباراتية في مجلسي الشيوخ والنواب، يشرح فيها الأساس المنطقي وأسباب تبنيه خطته ويطلب تخصيص ميزانية لها. وفي حال عدم مصادقة الكونغرس على الخطة، فإن وكالة الاستخبارات المركزية تكون مضطرة لقطع تكاليف العملية من برامج أخرى في ميزانيتها المخصصة من قبل الكونغرس.
يقول مدير برنامج الاستخبارات في معهد بروكنغز بروس ريدل “إن توافق الديمقراطيين والجمهوريين على مقاومة الإدارة أمر نادر الحدوث… الاعتقاد السائد في كابيتول هيل هو أن الإدارة لا تملك برنامجا متماسكا، ولا آليات لضمان عدم وقوع الأسلحة في الأيدي الخطأ”. ويرى ريدل أن الإدارة بحاجة إلى الخروج بخطة جديدة وتقديمها مجددا للجان الكونغرس.
المصدر: مسار للتقارير والدراسات