لا تزال أصداء حادثة مسجد الروضة بشمال سيناء (24 من نوفمبر2017) تفرض نفسها على المشهد بصورة كبيرة بعد ارتفاع عدد الضحايا إلى 311 مصريًا إثر استهدافهم من مسلحين في أثناء أدائهم صلاة الجمعة، في واقعة هي الأكبر في تاريخ مصر الحديث.
تفاصيل الحادثة أثارت حفيظة مكونات المجتمع المصري بأكمله، كل يطالب بالثأر على طريقته، بدءًا بالرئيس الذي كلف وزارتي الدفاع والداخلية بفرض الاستقرار في سيناء في غضون 3 أشهر رغم إعلان الحرب على التنظيمات المسلحة بها منذ 3 سنوات وأكثر، مرورًا بطلب بعض قبائل سيناء التسليح لمواجهة هذه العناصر رغم ما يحمله هذا الخيار من مخاطر الاقتتال الأهلي، وصولاً إلى السلطة التشريعية التي حرصت هي الأخرى أن يكون لها دور في هذا المضمار.
عشرات من أعضاء مجلس النواب المصري تقدموا بإجراء بعض التعديلات على مشروع قانون لتأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية وما في حكمها والمناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة والمناطق الواقعة في نطاق فرض حالة الطوارئ، لتضم المساجد ودور العبادة واعتبارها كيانات عسكرية.. ليبقى السؤال: هل هذا هو الحل؟ وهل اعتبار دور العبادة كيانات عسكرية سيحول دون استهدافها من المسلحين؟
تعديلات للردع
في أكتوبر 2014 أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسى، قرارًا جمهوريًا بقانون بشأن تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية، يلزم القوات المسلحة مشاركة جهاز الشرطة في حماية وتأمين المنشآت العامة والحيوية بالدولة، ويسري لمدة عامين فقط.
وبحسب المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، فإن القانون يستهدف حماية المنشآت العامة والحيوية للدولة مثل محطات وشبكات وأبراج الكهرباء وخطوط الغاز وحقول البترول وخطوط السكك الحديدة وشبكات الطرق والكباري وغيرها من المنشآت الحيوية والمرافق والممتلكات العامة وما في حكمها ضد أي أعمال إرهابية، حيث يعتبر القرار بقانون أن هذه المنشآت الحيوية في حكم المنشآت العسكرية طوال فترة تأمينها وحمايتها بمشاركة القوات المسلحة.
التعديلات التشريعية الجديدة المراد تضمينها للقانون تعكس حالة الإفلاس السياسي التي يحياها الشارع المصري من جانب، وغياب الوعي بمقتضيات المرحلة من أعضاء مجلس النواب من جانب آخر
وبعد حادثة الروضة الأخيرة تقدم 62 عضوًا بالبرلمان المصري بطلب لإجراء بعض التعديلات على القانون سالف الذكر، وذلك بإضافة دور العبادة لتدخل في حكم المنشآت العسكرية طوال فترة التأمين والحماية، كذلك إضافة نص آخر “يجعل الجرائم التي تقع على المنشآت والمرافق والممتلكات العامة ودور العبادة والمتنزهات العامة والمناطق المشار من اختصاص القضاء العسكري، وأن تحيل النيابة العامة القضايا المتعلقة بهذه الجرائم إلى النيابة العسكرية المختصة، وفي جميع الأحوال تخضع المناطق الواقعة في نطاق فرض حالة الطوارئ لأحكام هذا القانون بشكل دائم طوال الفترة الزمنية لفرض حالة الطوارئ دون النظر لمدة سريان هذا القانون المشار إليها بالمادة الثالثة بذات القانون”.
صاحبة مقترح التعديل غادة صقر عضو مجلس النواب، أوضحت في بيان لها أن “هذا التعديل من شأنه تمكين الدولة من إخضاع المسلحين للعدالة الناجزة المطلوبة، والردع القوي الحاسم الذي يحقق القصاص العادل”، مضيفة: “هذا ما سيشفي غليل الشعب المصري وأسر الشهداء”.
النائبة أشارت في مذكرتها المقدمة أن الظروف الاستثنائية التي تمر بها مصر تتطلب القفز على بعض الإجراءات الروتينية التي تعطل سير العدالة، ملفتة أن “الدستور الحاليّ لا يمنع محاكمة الإرهابيين أمام المحاكم العسكرية، فالمادتان 156 و204 تسمحان بمقاومة الإرهاب، كما أن قانون العقوبات منذ عام 1992 يمتلئ بالعديد من المواد التي تمنح السلطات المختصة اتخاذ كل التدابير اللازمة للحفاظ على أمن الوطن ومكافحة الإرهاب والتطرف بداية من المادة 86 إلى 102″، على حد قولها.
إفلاس تشريعي
التعديلات التشريعية الجديدة المراد تضمينها للقانون تعكس حالة الإفلاس السياسي التي يحياها الشارع المصري من جانب، وغياب الوعي بمقتضيات المرحلة من أعضاء مجلس النواب من جانب آخر، إذ إنها فرضت حزمة من التساؤلات المطلة برأسها تبحث عن إجابة، والغريب أن مثل هذه الأسئلة باتت الضيف الدائم على موائد النقاش والبحث مع كل حادثة أو كارثة تحدث هنا أو هناك.
السؤال الأول: ما واجب القوات المسلحة والأجهزة الأمنية عامة؟ والجواب لا يحتاج إلى جهد أو تفكير، إذ إن حماية الدولة المصرية بكل منشآتها وأفرادها وتأمين أركانها في الداخل وأطرافها الحدودية هو الواجب الأول والأخير لتلك الأجهزة، وهنا ننتقل إلى السؤال الثاني.
هل تحتاج المساجد إلى تشريع لحمايتها؟ والجواب بالطبع لا، إذ إنها جزء من مهام أجهزة الأمن كما هو حال بقية دور العبادة الأخرى من كنائس ومعابد وأديرة وغيرها، وعلى الدولة هنا العمل على الحيلولة دون أن تقع هذه الدور تحت نطاق استهداف الجماعات المسلحة، من باب استباق الحدث وليس رد الفعل.
صاحبة مقترح التعديل غادة صقر عضو مجلس النواب، أوضحت في بيان لها أن “هذا التعديل من شأنه تمكين الدولة من إخضاع المسلحين للعدالة الناجزة المطلوبة”
السؤال الثالث: هل الحل الأمني هو الوحيد؟ وقبل الجواب فمن الملاحظ أن التعديلات المطروحة تعد خطوة جديدة نحو الانفراد بالحلول الأمنية على حساب باقي الحلول السياسية والاقتصادية والثقافية التي يجهلها صناع القرار، ومن ثم باتت الدولة المصرية تدور في دائرة المواجهة الأمنية دون الاستفادة من عشرات التجارب التي خاضتها دول أخرى في مواجهة الإرهاب.
ومن ثم تعكس مثل هذه المقترحات واقع الأزمة التي يحياها مجلس النواب المصري وأعضائه، كونها تكشف مدى غيابهم عن الواقع بصورة كبيرة، وانفصالهم التام عن هموم وطنهم، بمزيد من مشروعات القوانين المقدمة التي تهدف في المقام الأول إلى إثارة الجدل، ومن ثم تسليط الأضواء عليهم ما بين الحين والآخر، وهو ما تجسده حزمة المقترحات المقدمة التي باتت مثار سخرية من الشارع المصري في الآونة الأخيرة.
مطالب برلمانية بتعديل قانون باعتبار المساجد منشآت عسكرية
فشل الحل الأمني
التجارب السابقة منذ إعلان الحرب ضد التنظيمات المسلحة في سيناء قبل 3 سنوات وحتى الآن أثبتت أن الحل الأمني وحده كإستراتيجية وحيدة للتعامل ثبت فشله بما لا يدع مجالاً للشك، وهو ما تترجمه أرقام العمليات المسلحة والنقلات النوعية التي تشهدها خطط تلك التنظيمات.
وبعيدًا عن الأوتار التي تعزف عليها أبواق الإعلام الداعمة لنظام السيسي بأن حادثة الروضة تجسيد لواقع الفشل والضعف الذي تشهده الكيانات المسلحة في سيناء نتيجة الضغوط الممارسة عليها من قوات الأمن هناك، فإن الواقع يفند ذلك جملةً وتفصيلاً.
فالدراسات المعدة عن طبيعة وتفاصيل العمليات المسلحة في سيناء وخارجها تكشف أرقامًا وحقائق صادمة للكثيرين، فبعيدًا عن دراسة مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية والتي أشارت إلى وقوع 1165 عملية مسلحة في مصر خلال السنوات الثلاثة (2014/2015/2016) فإن العمليات التي وقعت في 2017 كانت الأشرس مقارنة بما سبقها، فقد استهدفت حزمة من الكنائس في القاهرة والإسكندرية وطنطا والمنيا، بخلاف استهداف كمائن للجيش والشرطة في الصحراء الغربية، ولعل حادثة الواحات خير تجسيد للواقع المأساوي لهذه العمليات، ثم جاء هجوم الروضة بشمال سيناء ليفضح الفشل الواضح في إدارة المعركة.
ناشط سيناوي: الكلام تكرر قبل ذلك في فبراير 2015، ولكن كان الحديث للفريق أسامة عسكر، وقال له: ستكون مسؤولاً عن تحقيق الاستقرار، ولم يتحقق من ذلك شيء، ولن يتحقق
الدراسة أشارت في تشريحها لخريطة العنف في سيناء وخارجها أن أكثر أهداف الجماعات المسلحة كانت لمنشآت عسكرية وأفراد ينتمون للجيش والشرطة، هذا بخلاف المنشآت المدنية الأخرى التي ربما تقع تحت حماية المؤسسات الأمنية أيضًا كالكنائس وغيرها، وهو ما يقلل بالضرورة من بواعث تضمين التعديلات المقدمة من أعضاء البرلمان على قانون تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية.
في 2 من يوليو 2015 قال المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة المصرية، سابقًا، العميد محمد سمير: “الجيش المصري يسيطر على سيناء بنسبة 100%”، مؤكدًا “الكلام عن سيطرة العناصر الإرهابية على مدينة الشيخ زويد لا يستحق عناء الرد”.
وفي 6 من أبريل 2017 قال وزير الداخلية اللواء مجدي عبدالغفار: “الأوضاع الأمنية في سيناء مستقرة وتحت سيطرة الأجهزة الأمنية”، لافتًا إلى أن زياراته المتكررة إلى شمال سيناء، رفقة وزير الدفاع الفريق أول صدقي صبحي “تؤكد قدرة الأجهزة الأمنية على تحقيق الأمن والاستقرار بأرض الفيروز”، على حد قوله.
ورغم تلك التصريحات المطمئنة التي طالما رددها المسؤولون داخل وزارتي الدفاع والداخلية بشأن الوضع الأمني في سيناء، غير أن الدولة المصرية نفسها ارتأت لنفسها عدم الاحتفال بالعيد الوطني لسيناء في 25 من أبريل، لتنقل فعالياته إلى مدينة الإسماعيلية (شمال شرق القاهرة) لتحرم أهالي الفيروز فرحة يومهم السنوي، وهو ما أثار الكثير من الشك حينها عن مدى صحة تلك التصريحات.
وفي 29 من نوفمبر 2017 كلف السيسي، رئيس الأركان الجديد محمد فريد حجازي، ووزارة الداخلية، باستعادة الأمن والاستقرار في سيناء خلال 3 شهور، واستخدام كل القوة الغاشمة في التعامل مع الملف، ليكشف النقاب بصورة واضحة عن كذب ادعاءات فرض السيطرة.
حزمة من الانتقادات قوبلت بها تصريحات الرئيس المصري الأخيرة، كونها “تسويق إعلامي ليس له علاقة بالواقع، فما فشل فيه السيسي خلال أربع سنوات، لن تكفيه 3 شهور”، بحسب ما أدلى به الناشط السيناوي أبو الفاتح الأخرسي، لموقع “عربي21“.
الأخرسي أشار إلى أن هذه الوعود ليست الأولى التي يقدمها رئيس الدولة لأهالي سيناء، مضيفًا “الكلام تكرر قبل ذلك في فبراير 2015، ولكن كان الحديث للفريق أسامة عسكر، وقال له: ستكون مسؤولاً عن تحقيق الاستقرار، ولم يتحقق من ذلك شيء، ولن يتحقق”.
الدراسة أشارت في تشريحها لخريطة العنف في سيناء وخارجها أن أكثر أهداف الجماعات المسلحة كانت لمنشآت عسكرية وأفراد ينتمون للجيش والشرطة
توقعات الفشل باتت الأكثر صعودًا في بورصة التكهنات، خاصة مع تكرار نفس السياسات المتبعة، في ضوء تعليمات استخدام المزيد من القوة “الغاشمة” كما وصفها السيسي في خطابه الأخير الذي كلف فيه باستعادة الاستقرار خلال 3 شهور ومن قبلها خطابه الذي جاء أعقاب حادثة الروضة.
فالإصرار على التفرد بالأسلوب العسكري والأمني في التعامل مع الملف السيناوي وإهمال الجوانب التنموية والتعميرية والثقافية والمجتمعية لهذه المنطقة الإستراتيجية في خريطة مصر السياسية، كونها البوابة الشرقية وأحد مقومات الأمن القومي المصري، سيقود إلى نفس النتائج دون تغيير، وسيدفع أهالي سيناء وحدهم الثمن، خاصة أنهم باتوا مستهدفين من الطرفين، الأمن والجماعات المسلحة، حسبما أشار الناشط السيناوي.
وبعد 4 سنوات من اشتعال الوضع في سيناء بات البحث عن أطر أخرى للتعامل مسألة حيوية بعدما ثبت فشل الرؤية الأمنية وحدها، وهو ما أكد عليه المقربون من المشهد السيناوي مرارًا وتكرارًا، ممن طالبوا بوضع أهالي سيناء على رأس الأولويات كونهم اللبنة الأولى في تصحيح الأوضاع.
فالاهتمام بالتعليم والتثقيف والبنية التحتية والتعمير وتحسين المستوى المعيشي والحياتي ومحاربة الأفكار المتطرفة والتوقف عن استفزاز السيناويين بالتصفية خارج القانون هي المقومات الأساسية نحو دحر الجماعات المسلحة، أما ما دون ذلك من الإصرار على التفرد بالحل العسكري سيزيد الوضع تأزمًا ويظل أهالي سيناء وحدهم من يدفعون الثمن.