اتهم حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، في 21 أبريل/ نيسان الحالي، قوات الدعم السريع باستغلال تسامح القوة المشتركة، لتوسيع دائرة سيطرتها الرامية إلى تأسيس دولة جديدة في غرب السودان تحظى بالاعتراف الصامت كما خُطط له.
وتتألف القوة المشتركة من حركات دارفور الموقعة على اتفاق السلام، حيث أُسّست بعد فترة وجيزة من اندلاع النزاع لحماية المدنيين وإمدادات التجارة وتأمين مقار المنظمات الإنسانية، لكن إعلان بعض الجماعات الخروج عن الحياد جعل تجمع قوى تحرير السودان بقيادة الطاهر حجر، وحركة تحرير السودان – المجلس الانتقالي بزعامة الهادي إدريس ينسحبان منها.
وتضم القوة المشتركة، الآن، حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، والعدل والمساواة برئاسة جبريل إبراهيم، علاوة على 3 فصائل انشقّت عن تجمع قوى تحرير السودان والمجلس الانتقالي، جميعها بدأت تُشارك في القتال إلى جانب الجيش في مواقع عديدة، من بينها ولاية شمال دارفور.
الوضع في الفاشر
وقال مناوي، في تغريدة على موقع إكس، إن اعتداء قوات الدعم السريع على مدينة مليط جعلها تحاصر الفاشر من جميع الاتجاهات، بغرض تجويعها ومنع انسياب المواد الإنسانية واحتياجات الحياة إليها، ما يعني فرض الأمر الواقع على أهل دارفور، ويقصد به التعايش مع الدعم السريع.
وفرضت قوات الدعم السريع سيطرتها على مليط في 14 أبريل/ نيسان الحالي، بعد معارك ضارية مع القوة المشتركة التي كانت تتواجد في المدينة، لتضع بذلك يدها على المناطق الواقعة شمال الفاشر، وذلك بعد أيام من اجتياحها القرى الواقعة غرب الفاشر، وهي حاضرة ولاية شمال دارفور والعاصمة التاريخية لإقليم دارفور.
رغبة الدعم السريع في السيطرة على الفاشر وعزم الجيش والحركات المتحالفة معه على الدفاع عنها، يصعّبان التكهُّن بنتائج المعركة النهائية.
واستطاع الجيش في بداية اندلاع النزاع إبعاد قوات الدعم السريع من مقرها في مدينة الفاشر، حيث دارت بينهما آنذاك مواجهات عنيفة استدعت تدخل قادة أهليين أفلحوا في وقت مؤقت للقتال بتقسيم المدينة إلى جزأين.
ويتمثل التقسيم في سيطرة الدعم السريع على شرق المدينة، والذي يضم أحياء سكنية والبورصة ومحطة الكهرباء وطريق الإنقاذ الغربي الذي يربط إقليم دارفور بالعاصمة الخرطوم، مرورًا بمناطق كردفان الكبرى ومدن النيل الأبيض، فيما يخضع الجانب الغربي لسيطرة الجيش، والذي فيه المقار العسكرية والمؤسسات الحكومية ومطار الفاشر الدولي.
وظلَّ الجيش وقوات الدعم السريع يتبادلان القصف المدفعي من مواقعهما دون أن يخوضا معارك مباشرة، لكن هذا الواقع تغيّر في الفترة الأخيرة، حيث وقعت بينهما اشتباكات في 19 أبريل/ نيسان الجاري شاركت فيه الحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش، أوقعت 20 قتيلًا مدنيًّا مع إصابة 141 آخرين، ما يشير إلى أنها مواجهات شرسة وربما الأعنف في المدينة منذ اندلاع الحرب.
وتسارعت الأحداث في ولاية شمال دارفور، بعد تعزيز القوة المشتركة لتواجدها في الفاشر، وإقامة عرض عسكري في نهاية مارس/ آذار السابق استعرضت فيه قواتها وعتادها العسكري، حيث سبقته حرب إعلامية في مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيديها ومناصري الدعم السريع.
لمن ستكون الغلبة؟
يبدو أن الفاشر مقبلة على معارك عنيفة جدًّا، بعد أن أوصل الجيش إمدادًا إلى قاعدته في المدينة عبر إنزال جوي واستعدادات القوة المشتركة، حيث ينظر الاثنان إلى المعارك المرتقبة على أنها وجودية تتعلق باستدامة تواجدهما في إقليم دارفور بأسره.
وتواصل قوات الدعم السريع تحشيد المزيد من المقاتلين، شرق الفاشر، لخوض معارك فاصلة في الفاشر ستحدد مصير إقليم دارفور السياسي والعسكري والإنساني، على الأقل في المدى القصير.
لا تستطيع قوات الدعم السريع الابتعاد عن حواضنها الاجتماعية في دارفور وكردفان التي تمدّها بالمقاتلين عن طريق الفزع، ولهذا إن تلقت هزائم في الجزيرة والخرطوم ستركز بثقلها في دارفور وتؤسّس فيها دولتها.
وتسيطر قوات الدعم السريع على 4 من أصل 5 ولايات في إقليم دارفور، هي وسط وشرق وجنوب وغرب دارفور، حيث تبقى أمام الفاشر وبعض الجيوب الصغيرة لإحكام قبضتها على الإقليم، وإذا استطاعت حسم معارك الفاشر فإن دارفور ستكون دانت لها.
ولا يحتمل أن تكون محاولات قوات الدعم السريع للسيطرة على الفاشر سهلة على غرار المناطق الأخرى، نظرًا إلى إصرار القوة المشتركة على القتال وكذلك الجيش، باعتبار المدينة آخر معقل لهما في دارفور وإذا فقداه سيكون من الصعب استعادته.
وتتبع قوات الدعم السريع، منذ بداية اندلاع النزاع، طريقة واحدة في القتال تبدأ بحصار قواعد الجيش والمدن وقطع خطوط الإمدادات، يعقبها حدوث مناوشات بين الحين والآخر قبل تنفيذ هجوم شامل، وهي الطريقة ذاتها التي تتبعها حيال الوضع في الفاشر.
ورغم أن هذه الطريقة مكلفة إنسانيًّا للمدنيين بقطع إمدادات الغذاء عنهم وجعلهم في مرمى القصف المدفعي العشوائي، إلا أنها لم تكثرت يومًا لأوضاع السكان، لذا من غير المتوقع أن تتراجع عن خطة الهجوم على الفاشر، رغم دعوات الأمم المتحدة لتجنيب المدينة الصراع بعد أن أصبحت مركزًا إنسانيًّا لإقليم دارفور.
وإزاء رغبة الدعم السريع في السيطرة على الفاشر، وعزم الجيش والحركات المتحالفة معه على الدفاع عنها، يصعب التكهُّن بنتائج المعركة النهائية، حيث تشير الدلائل إلى احتمال نجاح مساعي الأول، لكن يمكن لغارات الطيران الحربي تعطيل هذه المساعي لأطول فترة ممكنة.
رمال تتحرك
يشير بدء قوات الدعم السريع في تأسيس سلطة مدنية في مناطق دارفور الخاضعة لسيطرتها، واتخاذ قرارات إدارية بشأن مؤسسات الحكومة فيها، إلى مضيها قدمًا في ترسيخ وجودها في الإقليم، ما يجعل في حديث حاكمه مني أركو مناوي شيئًا من الصحّة.
تاريخ السودان يشير إلى أن أسوأ التقديرات عادة ما تتحقق نتيجة لعدم الاستقرار السياسي والاستقطاب الأهلي والنزاعات.
ومع ذلك، وإذا فرضت قوات الدعم السريع السيطرة على الفاشر في الفترة السابقة، واستطاعت تحسين علاقتها مع المكونات الاجتماعية وحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، فإنها لا تملك إظهار تخطيطها لتأسيس دولة في دارفور، إلا إذا تلقت هزائم ساحقة في العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة ومناطق كردفان الكبرى.
وبما أنه يستبعَد توقيع طرفَي النزاع اتفاق سلام في الفترة الماضية، حتى وإن رضخا لضغوط استئناف التفاوض الذي سيكون مثار شدّ وجذب مثلما حدث في السابق، فإن التطورات الميدانية كفيلة بتعزيز توجُّه الدعم السريع في تأسيس دولة منفصلة في دارفور قد تضمّ أجزاء من كردفان الكبرى.
صحيح أن طموح قوات الدعم السريع لا يكتفي بدارفور فقط، وهذا يظهر بوضوح من واقع انفتاحها وانتشارها خارج العاصمة الخرطوم التي بدأ فيها النزاع، كما ظل قادتها يهددون باجتياح مناطق وسط وشمال وشرق السودان انطلاقًا من الجزيرة والخرطوم.
ولا يتوقع أن ينفّذ هؤلاء القادة تهديداتهم بعد تعزيز الجيش قواته في المناطق المجاورة للخرطوم والجزيرة مدعومًا من الميليشيات والمقاومة الشعبية المسلحة، كما أنه لا يملك حواضن شعبية تدفعه إلى خوض هذه المغامرة بعد الرفض الواسع الذي وجده في الجزيرة، رغم أن قائد عملياته فيها أبو عاقلة كيكل من أبناء المنطقة.
ولا تستطيع قوات الدعم السريع الابتعاد عن حواضنها الاجتماعية في دارفور وكردفان التي تمدّها بالمقاتلين عن طريق الفزع، وهو نداء يُطلقه القادة الأهليون لدعوة الشباب للقتال، وتكمن خطورته في تعرُّض من يرفض ذلك للنبذ الاجتماعي، ولهذا إن تلقت هزائم في الجزيرة والخرطوم ستركز بثقلها في دارفور وتؤسّس فيها دولتها.
وبالطبع، لا تستطيع أن تتقدم في مسعى تأسيس دولة في دارفور إلا إذا سيطرت على الفاشر، ورغم أن ذلك صعب لكنه ليس مستحيلًا، وتاريخ السودان يشير إلى أن أسوأ التقديرات عادة ما تتحقق نتيجة لعدم الاستقرار السياسي والاستقطاب الأهلي والنزاعات.