بعد غياب استمر لسنوات، عاد رئيس المكتب التنفيذي بالمجلس الانتقالي السابق ورئيس تحالف القوى الوطنية الحاليّ محمود جبريل، مؤخرًا إلى العاصمة الليبية طرابلس، في وقت كثر الحديث فيه عن جهود غربية وخليجية لفرض عملية سلام مسقطة على الليبيين.
خطة جديدة
خلال هذه الزيارة غير المعلنة مسبقًا، التقى محمود جبريل وزير التخطيط في عهد معمر القذافي ورئيس الحكومة الليبية في أثناء الثورة الذي يعتبر أحد أيدي دولة الإمارات العربية المتّحدة في ليبيا، ببعض القيادات العسكرية والأمنية والاجتماعية في العاصمة طرابلس.
ولئن أرجع جبريل الهدف من هذه اللقاءات إلى دراسة ملف الهجرة غير الشرعية وكيفية اقتراح حلول وبرامج تدفع باتجاه توسعة دائرة التوافق بين الأطراف الفاعلة والمؤثرة على الأرض، فقد أكّد متابعون للشأن الليبي عكس ذلك.
وتزامن تحرّك محمود جبريل الذي شغل منصب رئيس الحكومة الانتقالية للمجلس الوطني الانتقالي الليبي في الـ23 من شهر مارس/آذار 2011 وحتى تشرين الثاني/نوفمبر 2011، مع عقد “تحالف القوى الوطنية” الذي يرأسه السراج، أول اجتماع له في طرابلس منذ أربع سنوات، وطالب السراج في وقت سابق بحكومة مصغّرة جديدة تتولى التحضير لانتخابات برلمانية ورئاسية خلال مدة لا تتجاوز 18 شهرًا، معتبرًا أن فرصة الحل في ليبيا اليوم أفضل من أي وقت مضى، خاصة أن البلاد باتت جاهزة لما وصفه بـ”سلام المنهكين”.
يعرف عن جبريل والتيار الذي يقوده عداءهم للإسلاميين
ويقترح جبريل وحزبه مبادرة جديدة، يقولون إنها تهدف للخروج من “المحنة الحاليّة” لليبيا، وتتكوّن هذه المبادرة من ثلاث مراحل، حسب جبريل، المرحلة الأولى تدعو إلى وضع ميثاق وطني جديد ما بين الليبيين (عقد اجتماعي جديد)، وتشمل المرحلة الثانية تصورًا لملفات عاجلة، كإدارة الكهرباء والتعليم والصحة، وسبل وقف هذا النزيف الدامي الذي دمر المقدرات الليبية وحياة المواطنين، وتتمثّل المرحلة الثالثة في إدارة “معوقات قيام الدولة الليبية”، كجمع السلاح وتفكيك التشكيلات المسلحة وإدماجها في بدائل مختلفة، حسب قوله.
ويذكر أن “تحالف القوى الوطنية”، قد تأسس في فبراير/شباط 2012 من عشرات الأحزاب السياسية الصغيرة والمنظمات والجمعيات المدنية غير الحكومية والشخصيات المستقلة، يقوده محمود جبريل، وهو كيان سياسي ليبرالي وعلماني التوجه، سلطت عليه الأضواء بعد فوزه في انتخابات المؤتمر الوطني العام (الجمعية التأسيسية) 2012 أمام منافسيه الإسلاميين، ويعرف عن هذا التيار عداءه للإسلاميين.
ماذا يريد من المليشيات؟
زيارة جبريل إلى طرابلس بعد طول غياب استهلها بلقاء مسؤولين عن المليشيات الداعمة له التي تتلقى دعمًا مباشرًا وغير مباشر من الإمارات، والمناوئة لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا بقيادة فايز السراج، ويؤكّد العديد من المتابعين للشأن الليبي، أن الإمارات العربية المتحدة تمول مجموعات مسلحة داخل العاصمة طرابلس، بهدف إرباك المشهد الأمني من خلال خطف شخصيات واغتيال أخرى، لإرسال رسالة مفادها فشل حكومة الوفاق في تحقيق الاستقرار داخل العاصمة طرابلس، الأمر الذي ساهم حسب مراقبين في تأجيج الأزمة السياسية في ليبيا وخلق حالة من التباعد بين شركاء الوطن الواحد.
وتؤكّد عديد من التقارير أن دولة الإمارات، قد شكّلت منذ اللحظات الأولى للثورة الليبية فريقًا أمنيًا عسكريًا تمركز في ثلاثة مواقع، الأول اتخذ من إحدى الجزر الإيطالية قاعدة لانطلاق نشاطاته، والثاني على الحدود الليبية التونسية، فيما كان الموقع الثالث على الحدود التشادية الليبية.
انتشار كبير للمليشيات المسلحة في ليبيا
من أهمّ المليشيات الداعمة لجبريل وجماعته في ليبيا، كتائب الصواعق والقعقاع التي هاجمت المؤتمر الوطني العام بالتزامن مع إطلاق اللواء المتقاعد خليفة حفتر لـ”عملية الكرامة” في أيار/مايو 2014 من بنغازي، وتتهم هذه المليشيات بإثارة الفوضى ونشر العنف، وترويع الأهالي في عديد من المناطق غرب ليبيا.
وتشير العديد من الإحصاءات غير الرسمية إلى أن الميليشيات المسلحة في ليبيا أقوى تنظيمًا وتسليحًا من القوات النظامية الضعيفة وربما الشكلية أيضًا في البلاد، إذ تمتلك هذه الميلشيات من 75 إلى 85% من المقاتلين المتمرسين وتسيطر على معظم مخزونات السلاح التي تقع خارج سيطرة الحكومة.
رجل الإمارات
لئن عرفت دولة الإمارات العربية المتّحدة بدعمها الكبير للواء المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا، فإن لها رجال آخرين هناك أبرزهم محمود جبريل الذي يسعى أن يكون على رأس السلطة الليبية القادمة، مستغلاً الدعم الخارجي والداخلي الذي يتلقاه من بعض المليشيات المسلحة المناوئة لحكومة الوفاق الوطني.
واحتضنت دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس تيار “تحالف القوى الوطنية” محمود جبريل طوال تأسيسه لهذا الكيان السياسي، وحتى بعد أن فشل في الوصول أو الحصول على مناصب حساسة بالدولة كتوليه حقيبة رئاسة الوزراء أو المقربين منه ملفات المخابرات ومصرف ليبيا المركزي والنائب وديوان المحاسبة وقيادة الأجهزة الأمنية ذات الطابع المخابراتي.
دولة الإمارات أصبحت ملاذًا لقيادات نظام القذافي وداعمي الثورة المضادة في هذا البلد العربي الذي يعيش على وقع الحرب وانتشار السلاح
ومنذ تدخلها في ليبيا، عرفت الإمارات بتغليبها طرف على حساب آخر لتحقيق مصالحها وبسط نفوذها في ليبيا لتقويض كل مساعي رأب الصدع بين أطراف الأزمة الليبية، ما من شأنه تعزيز الانقسام السياسي وتغذية الصراع المسلح في البلاد، وتقول أوساط حقوقية ليبية ودولية إن دولة الإمارات ارتكبت جرائم حرب في ليبيا بموجب الاتفاقات الدولية.
وتعتبر هذه الأوساط أن الممارسات اللاإنسانية المختلفة لدولة الإمارات ضد السكان المدنيين وخرقها للسيادة الوطنية بتدخلها في الشؤون الداخلية، يعد جريمة من جرائم الحرب بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، وخرقًا فاضحًا لجميع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الخاصة، وانتهاكًا صريحًا للأعراف الدولية والإنسانية كافة.
دور مشبوه للإمارات في ليبيا
لم يعد خافيًا على أحد الدور الإماراتي المشبوه الذي يرمي إلى تدمير ليبيا وتحويلها إلى منطقة صراع دائم وتفكيك نسيجها الاجتماعي، فدولة الإمارات أصبحت ملاذًا لقيادات نظام القذافي وداعمي الثورة المضادة في هذا البلد العربي الذي يعيش على وقع الحرب وانتشار السلاح، فإضافة إلى الدعم السياسي والعسكري الذي يتلقاه داعمو الثورة المضادة في ليبيا من الإمارات، استحدث أبناء زايد أساليب جديدة واستخدموا أسلحة غير مألوفة لدى العرب، على رأسها “شراء الذمم والضمائر” التي باتت إحدى محددات السياسة الخارجية الإماراتية.