تذهب العديد من المؤشرات إلى أن انعقاد القمة الخليجية الـ38 في الكويت، الثلاثاء والأربعاء، الـ5 و6 من ديسمبر الحاليّ، بات شبه مؤكد في ظل استمرار التحضيرات والاستعدادات الخاصة بها على قدم وساق التي شارفت على الانتهاء إثر تأكيد حضور قيادات “الصف الأول” لثلاث دول على الأقل.
لقاء الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني، بالشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، خلال زيارته التي قام بها أمس الأحد للكويت للاطلاع على التحضيرات الجارية لأعمال القمة يشكل بدوره هو الآخر مؤشرًا على حسم مسألة انعقادها في الموعد المقرر، هذا بخلاف ما رصدته بعض المصادر بشأن وصول عدد من المسؤولين الخليجيين، وذلك تحضيرًا لوصول بقية الوفود.
انعقاد القمة في موعدها – بحسب المؤشرات الراهنة حتى الآن – والمكان المحدد وفقًا لتوصيات القمة الأخيرة التي عقدت بالبحرين ديسمبر 2016، أعاد مجددًا ملف الأزمة الخليجية إلى السطح مرة أخرى، لتتصاعد معه بورصة التكهنات السياسية بشأن الدور الذي من الممكن أن تلعبه قمة الكويت في تحريك المياه الراكدة منذ الـ5 من يونيو الماضي، خاصة أن حضور ممثلي طرفي الأزمة على مائدة واحدة ربما يكون فرصة مثالية لتصفية الأجواء وتقريب وجهات النظر، فهل تشهد الـ48 ساعة المقبلة انفراجة في الأزمة أم يبقى الوضع على ما هو عليه لحين إشعار آخر؟
سلمان وتميم على رأس وفدي بلديهما
تشير المصادر إلى ترؤس العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز، وفد المملكة في قمة الكويت، حسبما نقلت “الأناضول” عن مصدر دبلوماسي طلب عدم الكشف عن هويته، مؤكدًا أن الوفد السعودي التمهيدي وصل الكويت بالفعل، غير أن الرياض لم تعلن أي تفاصيل – حتى الآن – بشأن مشاركتها والوفد الممثل لها.
كما حسمت الدوحة بالأمس، ترؤس أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، وفد بلاده في القمة، بحسب ما أعلنه وزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بينما يأتي نائب رئيس مجلس الوزراء في سلطنة عُمان فهد بن محمود، على رأس وفد بلاده المشارك في القمة.
بينما يبقى موقف كل من الإمارات والبحرين بشأن تمثيلهما في القمة – حتى كتابة هذه السطور – غامضًا، في ظل ما يثار بشأن خفض تمثيلهما الدبلوماسي المشارك في ضوء الأزمة الخليجية القائمة خاصة بعد إعلان تأكيد حضور تميم على رأس وفد بلاده.
إعلام دول الحصار ومنصاته الاجتماعية ساهموا بشكل كبير في تشويه صورة دول المجلس إقليميًا ودوليًا
ومن المقرر أن يسبق القمة اجتماع لوزراء خارجية الدول الخليجية أو من ينوب عنهم، صباح غد الثلاثاء، في قصر “بيان” بمحافظة حولي (جنوب العاصمة)، من أجل ترتيب الملفات التي سترفع إلى القادة، بناء على توصيات بعض اللجان الفرعية داخل مجلس التعاون، وذلك بمشاركة الدوحة حسبما جاء على لسان وزير خارجيتها.
وبحسب المصادر فإن القمة إن حسم أمر انعقادها في الكويت غدًا وهو ما تظهره المؤشرات الآنية، فإنها ستعقد بمن حضر، حتى وإن انخفض مستوى التمثيل الدبلوماسي لبعض الدول، وهو ما يعد نجاحًا في حد ذاته بصرف النظر عن الملفات التي ستدرج على جدول الأعمال.
القمة فرصة جيدة لإحياء جهود الوساطة مجددًا
رسائل الدوحة قبل القمة
كشفت الدوحة عن دوافع حرصها على انعقاد القمة في موعدها المقرر الذي حدده البيان الختامي لقمة المنامة العام الماضي، فضلاً عن ترؤس أميرها الوفد المشارك رغم الحصار المفروض على بلاده من أشقائه الخليجيين منذ 6 أشهر تقريبًا، موضحة أن بقاء منظومة مجلس التعاون على قيد الحياة أمر مهم جدًا يتطلب تضافر جهود الجميع.
بينما وصف وزير الخارجية القطري انعقاد القمة في موعدها بـ”الخطوة الإيجابية”، آملاً أن تضع حدًا للأزمة الخليجية، معلقًا على ذلك بقوله: “نحن الطرف الذي تم الاعتداء عليه، وسنظل ندعم الوساطة الكويتية وندعو إلى الحوار” في محاولة منه لإحياء جهود وساطة الشيخ صباح الأحمد قبل ساعات قليلة من جلوس ممثلي طرفي الأزمة على طاولة واحدة.
تشير المصادر إلى ترؤس العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، وفد المملكة في قمة الكويت، حسبما نقلت “الأناضول” عن مصدر دبلوماسي طلب عدم الكشف عن هويته
الدورة الرابعة لمنتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية المنعقد حاليًّا في الدوحة تحت رعاية المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، تضمن رؤية جديدة لقطر في التعاطي مع الأزمة الخليجية وتداعياتها والأسباب التي قادت إلى تفاقمها إلى هذا الحد.
في محاضرة تحت عنوان “الأزمة الخليجية في سياق إقليمي” أوضح وزير الخارجية القطري أن وسائل الإعلام لعبت دورًا سلبيًا في تعميق الأزمة، مستخدمة الحرية بشكل خاطئ، ملفتًا إلى أن إعلام دول الحصار ومنصاته الاجتماعية ساهموا بشكل كبير في تشويه صورة دول المجلس إقليميًا ودوليًا.
أما عن عوامل تفاقم الأزمة، فأرجعها إلى “عدم وجود الحكمة في المنطقة، مقابل حضور تهوّر سياسي من قوى سياسية في المنطقة” دفعت إلى “استغلال مفهوم الأمن الجماعي كذريعة ولعبة نفوذ للتدخل في الشؤون الداخلية للدول، بحجة دعم الاستقرار” وهو ما أدى إلى وجود حروب بالوكالة تعصف بدول المنطقة، محذرًا من أنه “عند فقدان الأمل لن نجد سوى التطرف والعنف والإرهاب الذي نراه في ازدياد”.
واختتم محمد بن عبد الرحمن آل ثاني رسالته الموجهة لدول الحصار قبل قمة الكويت مؤكدًا احترام بلاده للاتفاقيات والمواثيق الموقعة معها كافة، كونها لا تخلط بين ما هو سياسي، وما قد تتضرر منه شعوب المنطقة، مجددًا التأكيد مرة أخرى على “أن بلاده مستمرة في إمداد دولة الإمارات بالغاز رغم كونها إحدى دول الحصار”.
هذا بخلاف رفض الدوحة لسياسة التعصب لاتجاه دون غيره، ومساعيها المستمرة لتفعيل خيارات السلم بصورة حضارية كونها ترى أن “الخلافات التي تعصف بالمنطقة لن تنتهي بالمواجهة العسكرية”، على حد قوله.
تفاؤل مشوب بالترقب
شهدت الأزمة الخليجية خلال الآونة الأخيرة بعض المؤشرات التي دفعت البعض إلى التفاؤل غير أنه مشوب بالحذر والترقب في نفس الوقت، مفادها التصريحات التي أدلى بها سفير الكويت لدى مملكة البحرين الشيخ عزام الصباح، أكتوبر الماضي، الذي أكد من خلالها أن المنطقة ستشهد تطورات إيجابية، ستكون مقدمة لحدوث انفراجة في الأزمة الخليجية.
تصريحات سفير الكويت في البحرين التي أشار فيها إلى أن القمة الخليجية في بلاده ستشهد نهاية مفرحة للاختلافات الخليجية، تزامنت مع المكالمة الهاتفية التي أجراها وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، عقب لقائه مع نظيره القطري في واشنطن التي تناولت سبل إنهاء الأزمة بعدما عبرت الدوحة عن رغبتها في الحل.
جلوس سلمان وتميم والصباح على طاولة واحدة في حد ذاته تكسير لجليد الأزمة، غير أن ذلك لا يعني حلها بصورة كاملة، فهذا أمر مستبعد في الوقت الحاليّ في ظل غياب الأطراف الأخرى
هذا بخلاف التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، منتصف نوفمبر الماضي خلال لقاء له على التليفزيون المصري، استبعد فيها الحل العسكري كخيار مطروح للتعامل مع الأزمة، لافتًا إلى تجاوب الدوحة مع بعض المطالب المقدمة على رأسها توقيعها مذكرة التفاهم مع واشنطن بشأن تمويل الإرهاب يوليو الماضي، إضافة إلى تقليص الدعم المقدم لحركة “حماس” وهو ما نجم عنه تسليم إدارة غزة للسلطة الفلسطينية.
غير أن هذه المؤشرات الباعثة على التفاؤل حيال إمكانية حلحلة الأزمة اصطدمت مؤخرًا بقرار إدراج دول الحصار لكل من المجلس الإسلامي العالمي والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، و11 فردًا إلى قوائمها المحظورة بزعم تمويلها للإرهاب، حيث أشارت في بيان مشترك لها إلى “استمرار السلطات في قطر بدعم واحتضان وتمويل الإرهاب وتشجيع التطرف ونشر خطاب الكراهية، وأن هذه السلطات لم تتخذ إجراءات فعلية بالتوقف عن النشاط الإرهابي”.
الوساطة الكويتية في اختبار حقيقي لتحريك مياه الأزمة الراكدة
هل تحمل الانفراجة؟
تحمل قمة الكويت آمال وطموحات الكثيرين بأن تشهد تحريكًا للمياه الراكدة في محيط الأزمة وذلك بعدما كشفت الشهور الست الأخيرة أن الجميع فيها كان خاسرًا، وأن طرفي الأزمة تحملا الكثير من التبعات السياسية والاقتصادية منذ افتعالها في الـ5 من يونيو الماضي.
ورغم عدم التأكد بعد من إدراج ملف الأزمة على قائمة جدول أعمال القمة – حال انعقادها – غير أن جلوس الجميع على طاولة واحدة وبدء عملية الحوار بين الطرفين، ربما تفتح بابًا للنقاش يحمل بواعث الأمل في تقريب وجهات النظر في ظل حرص الكويت على تفعيل جهودها لكسر حالة الجمود التي خيمت على هذا الملف طيلة الفترة الماضية.
كما أن الإصرار على عقد القمة في موعدها ومكانها بحضور العاهل السعودي حسبما أشارت بعض المصادر الدبلوماسية لـ”الأناضول” يعطي انطباعًا إيجابيًا عن كواليس ما يدار داخل المطبخ السياسي الخليجي، إذ إنه من المستبعد أن يقرر الملك سلمان حضور هذه القمة دون التشاور مع الكويت التي بدورها ألمحت إلى حضور أمير قطر.
ومن ثم في حال حضور ملك السعودية لهذه القمة وهو على علم بمشاركة الشيخ تميم والعكس، يشير إلى رغبة كلا الطرفين في الحوار والاستماع، وهنا يأتي دور أمير الكويت في تقريب وجهات النظر، خاصة في ظل الأنباء التي تشير إلى غياب الصف الأول للإمارات والبحرين وهو ما قد يمثل نقطة إيجابية تعزز فرص التلاقي بين الرياض والدوحة.
المؤشرات الباعثة على التفاؤل حيال إمكانية حلحلة الأزمة اصطدمت مؤخرًا بقرار إدراج دول الحصار لكل من المجلس الإسلامي العالمي والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين و11 فردًا إلى قوائمها المحظورة بزعم تمويلها للإرهاب
لا شك أن القمة الخليجية وإن عقدت ستمثل بارقة أمل نحو حل الأزمة في ظل رغبة الدوحة إنهاء الحصار عليها من جانب، وحرص الرياض على تقليل جبهاتها الخارجية المفتوحة في ظل ما تعانيه من أزمات سواء في الداخل إثر حالة القلق التي يعاني منها محمد بن سلمان في أعقاب زلزال 4 من نوفمبر الذي أطاح فيه بعشرات من أفراد الأسرة الحاكمة وكبار رجال الأعمال والشخصيات العامة، أو في الخارج حيث تغير خريطة الصراع في المشهد اليمني والسوري، فضلاً عن فتح جبهة جديدة في لبنان وتصاعد حدة الخطاب السياسي ضد طهران.
جلوس سلمان وتميم والصباح على طاولة واحدة في حد ذاته تكسير لجليد الأزمة، غير أن ذلك لا يعني حلها بصورة كاملة، فهذا أمر مستبعد في الوقت الحاليّ في ظل غياب الأطراف الأخرى، لكن تمتلك الرياض القدرة حال التوصل إلى صيغة مشتركة مع الدوحة في إقناع بقية دول الحصار برؤيتها أو على الأقل تفتح الباب لمزيد من اللقاءات الثنائية الأخرى التي تقود في النهاية إلى تفاهمات تعيد تماسك اللحمة الخليجية مرة أخرى.
وهكذا تدخل الأزمة الخليجية مع قمة الكويت منعطفًا جديدًا من التعاطي، وجولة أخرى من المواجهات، لكنها هذه المرة ليست صدامية على أقصى تقدير، فإما أن تبدأ خطواتها الأولى نحو الخلف تمهيدًا لإنهائها وهذا يتوقف على ما يتم التوصل إليه من اتفاقات بين الطرفين، أو يبقى الوضع على ما هو عليه في انتظار حجر أكثر قوة يجبر الجميع على تحريك المياه الراكدة، وهذا ما تكشف عنه الـ48 ساعة القادمة.