كشفت صحيفة نيويورك تايمز أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان اقترح على الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن تكون بلدة أبو ديس عاصمة فلسطين – بعد أن يغير اسمها إلى القدس – بدلًا من حدود 1967 التي تطالب بها السلطة الفلسطينية، وبعيدًا عن هذه الاقتراحات السياسية التي قد تؤدي إلى تطورات فجائية وتزيد من التهديدات في المنطقة، نستعرض في هذا التقرير الخلفية الاجتماعية والأهمية الحضارية لقرية أبو ديس.
تقع أبو ديس بالملاصقة مع القدس من الجهة الشرقية، وتعتبر جزءًا من الضفة الغربية ومن أي عملية مؤثرة بالقدس، فهي من أقدم التجمعات السكنية في منطقة القدس، وتربعها على سلسلة من التلال يمكن الزائرين من مشاهدة القرى المجاورة لها مثل جبل المكبر والعيزرية.
وقعت تحت الحكم الأردني بعد النكبة عام 1948، وضمت 10% من مساحتها إلى حدود مدينة القدس الواقعة تحت نفوذ بلدية الاحتلال، ومنذ عام 1995 صنفت كمنطقة “ب” حسب الأقسام الإدارية لاتفاق أوسلو وهي المنطقة التي تقع تحت السيطرة المدنية الفلسطينية والسيطرة الأمنية الإسرائيلية الفلسطينية المشتركة.
يملك الفلسطينيون نحو 27.869 دونم من أراضيها ويملك الإسرائيليون المحتلون نحو 339 دونمًا حتى عام 1999، وقد زاد عدد الأراضي كثيرًا حتى أصبحت مستوطنة معاليه أدوميم أكبر منها ومن بلدة العيزرية معًا.
ومن الناحية التاريخية، فهي مرتبطة بشكل وثيق بمدينة القدس، وذلك لأن الجيوش اعتادت المرور بها عند دخول القدس، فمثلًا عسكر فيها صلاح الدين الأيوبي قبل تحريره للقدس من الصليبيين، كما تعتبر نقطة التقاء بين شمال الضفة الغربية وجنوبها ومنطقة أريحا والاتصال مع الأردن.
أما جغرافيًا، فهي عبارة عن سلسلة من الجبال والوديان الخصبة التي تشكل قيعانًا صالحة للزراعة الشتوية والصيفية، وتشتهر باللوزيات والزيتون.
ماذا يعني اسم أبو ديس؟
وفقًا لأقوال أهل البلدة، فكلمة ديس كلمة تركية معناها “قش” ولها علاقة بالمهنة التي اشتهر بها سكان البلدة وهي جمع القش من مشارف البحر الميت وغور الأدرن وتصنيع الحصر الشعبية بمستوى عالٍ من الجودة، وانعكست هذه المهارة على ازدهار المنطقة بصفة عامة، حيث كان لها مصنع يقع في مغارة الحصر وبهذا يكون معناها “أبو القش”.
اسمها مشتق من الكلمة العربية “ديسة” التي تعني العصا الغليظة التي يعتقد أنها أحاطت بالبلدة في فترة الانتداب البريطاني سابقًا
أما المصادر الأخرى، فتقول إن الاسم يعود إلى العهد الروماني الذي تأسست فيه، أو تعود إلى اللفظ اللاتيني “بودني س” الذي يعني الخجول أو المتواضع، أو نسبة إلى الكلمة اليونانية(DECA) التي تعني أم القرى العشرة نسبة إلى الخرب العشرة التي قامت عليها البلدة وهي: أبو سعد، أم الجمال، الخرايب، أبو الثيران، أو حويلان، أم عبيد، أبو الصوان، المرصص، الرغابني، الزعرورة، ومصدر آخر يقول إن اسمها مشتق من الكلمة العربية “ديسة” التي تعني العصا الغليظة التي يعتقد أنها أحاطت بالبلدة في فترة الانتداب البريطاني سابقًا.
أضرار جدار الفصل العنصري على أبو ديس
أقامت “إسرائيل” عام 2005 على الحدود الفاصلة بين أبو ديس والقدس جدارًا عازلاً يمنع أهاليها من زيارة المسجد الأقصى وممارسة حياتهم اليومية بسهولة وتنقلاتهم بشكل اعتيادي، فلقد أدت هذه الحواجز إلى قطع تدفق الناس والبضائع بينها وبين القدس.
وبسبب هذه الحواجز وصلت نسبة البطالة في أبو ديس إلى 60% عام 2011 لاعتماد الكثير من العمال على سوق العمل خارج القرية وصعوبة حصولهم على تصاريح للتنقل.
وزيادةً على ذلك، أصدرت قوات الاحتلال قرارًا عام 2009 بمصادرة 500 دونم من أراضي أبو ديس، لبناء الجدار في المنطقة الشرقية من البلدة الذي يهدف إلى فصل منطقة جنوب شرق القدس عن باقي مناطق الضفة، ويفصل الضفة الغربية شمالها عن جنوبها.
التخطيط لهذا المشروع بدأ عام 1997، وهذا لإغلاق ملف عودة اللاجئين والطعن بالقوانين الدولية وإثارة المشاكل الاجتماعية بين البدو وأصحاب الأراضي الشرعيين من بلدة أبو ديس
إضافة إلى مصادرة الكثير من أراضي أبو ديس – 40% من الأراضي الزراعية – لزيادة النمو الاستيطاني على أراضيها، ومن أشهر هذه المستوطنات “معاليه أدوميم” التي تصنف على أنها ثاني أكبر المستوطنات في الضفة الغربية، إضافة إلى ضم 10% من أراضيها عام 1967 إلى أراضي القدس.
ووفقًا لرئيس مجلس أبو ديس عادل صلاح فإن “الاحتلال أغلق نحو 26 ألف دونم من أصل 30 ألف وهي المساحة الإجمالية لبلدة أبو ديس، وذلك بموجب القرارات العسكرية التعسفية وجدار الفصل العنصري، وأبقى المناطق الضيقة والسكنية”.
ولم تنته توسعات الاحتلال إلى هذا الحد، ففي عام 2013 أعلنت سلطات الاحتلال الإسرائيلي مصادرة المئات من الدونمات إلى شرقي القدس المحتلة، وبناء على هذه الخطة تم ترحيل آلاف العائلات البدوية من المناطق المحيطة بمستوطنة معاليه أدوميم وغيرها من المستوطنات، لإقامة حي استيطاني جديد في المنطقة، والهدف من هذه المشاريع التوسعية هي ضمان استمرارية جغرافية وسكنية اليهود في المنطقة ووصل المستوطنات ببعضها لتطوق القدس من جميع الجهات.
مع العلم، أن التخطيط لهذا المشروع بدأ عام 1997، وتم تنفيذه على مراحل مختلفة مثل ترحيل العائلات البدوية من منطقة بئر السبع إلى أبو ديس وتوطينهم فيها، وهذا لإغلاق ملف عودة اللاجئين والطعن بالقوانين الدولية وإثارة المشاكل الاجتماعية بين البدو وأصحاب الأراضي الشرعيين من بلدة أبو ديس.
ومثال على صعوبة التنقل في القرية، فلقد تأسست جامعة القدس في أبو ديس عام 1984 وساعدت هذه الخطوة على إضفاء طابع أكاديمي واقتصادي على القرية وذلك بناء على الاحصاءات التي تقول إن الجامعة تستقطب نحو 13 ألف طالب وهذا العدد الكبير من الطلاب ساعد البلدة على إحياء الجوانب الاقتصادية.
إذ تحتوي أبو ديس على الحرم الرئيسي للجامعة، لكنها كانت دومًا هدفًا لجرائم الاحتلال ومضايقاته، فهي ترفض الاعتراف بشهادة الجامعة للتعليم العالي، وهذا ما يمنع فلسطينيي الداخل الذين يحملون الهوية الإسرائيلية من العمل في السوق الإسرائيلية، أي أن 80 طبيبًا ممن يتخرجون كل عام من الجامعة يمنعون من التقدم لامتحانات مزاولة المهنة الإسرائيلية التي تؤهلهم للعمل في المستشفيات داخل القدس.
وتقدم دولة الاحتلال عدة مبررات عن رفضها الاعتراف بهذه الشهادة على أن اسم الجامعة لا يعتبر ملائمًا خاصة أن القدس هي عاصمة للشعب اليهودي على حد قولهم، وكليات الجامعة موزعة بين مناطق الضفة الغربية وداخل القدس وداخل مناطق النفوذ الإسرائيلية، ولم تذكر البتة أي أسباب أكاديمية أو مهنية، ورفضًا لهذه المعاملة، قدم 55 طبيبًا فلسطينيًا طلبًا إلى المحكمة اللوائية للاعتراف بشهاداتهم والسماح لهم بالتقدم لامتحانات تراخيص مزاولة المهنة، واستطاعوا الحصول عليها بعد عدة احتجاجات.
وعلى الرغم مما كانت تملكه قرية أبو ديس من تاريخ وقوة اقتصادية بسبب المهن والثروة الزراعية المحلية، فإن القيود التي فرضت عليها مثل الجدار والحواجز، لم تساعد هذا الازدهار على الدوام طويًلا وغيرت نمط حياة أهالي القرية الذين اعتمدوا على الزراعة كمصدر للرزق، حتى تحولت البلدة إلى مخيم ضيق لا يحتوي على مقومات المدينة لأن الوضع الحاليّ الذي تعيشه في ظل الاحتلال وسياسته يمنعها من النمو.