تُعتبر مهارات اللغة والاتصال أمرًا بالغ الأهمية لنمو الطفل، لما له من دور كبير في تحديد مدى انخراطه في المجتمع من حوله وفي أساليب التعليم والتدريس التي يتلقاها في سني حياته الأولى. بالإضافة لما لها من أهمية كبيرة في التعبير عن الأفكار والمشاعر وفهم الأشياء والأشخاص من حولهم، سواء من خلال اللغة المكتوبة أو المنطوقة. وبما أنّ الأسرة هي المعلّم الأول للطفل، فإنّ معرفة الأبوين لتطور اللغة في مرحلة الطفولة تحسّن من قدرتهم على التفاعل مع أطفالهم وتحفيزهم وتوجيه قدرتهم اللغوية ومهارات تواصلهم مع البيئة المحيطة.
الكلمة الأولى للطفل عادة ما تكون بين عمر التسعة إلى الثمانية عشر شهرًا، في حين أنّه بانتهاء الشهر الثامن عشر فإن دماغه سيكون قادرًا على استيعاب ما يراوح 50-150 كلمة، مع قدرته على وضع بضع كلماتٍ في جملة واحدة، دون قواعد منتظمة أو صياغة صحيحة
يخضع دماغ الطفل منذ الولادة لعمليات عديدة من التطور والبرمجة لاكتساب الكلام واللغة، وتُعدّ السنوات الخمس الأولى هي الأكثر أهمية في ذلك، غير أنّ العملية تستمر باستمرار مراحل النموّ. وما يميّز السنوات الخمس الأولى هي قدرة الدماغ على تطوير خلايا عصبية جديدة وكذلك إنشاء اتصالات جديدة متعددة بين الخلايا العصبية المختصة باللغة وتطورها، ما يعني أن عدم وجود الاهتمام والتحفيز اللازمين خلال هذه المرحلة العمرية يمكن أنْ يجعل من تقدّم الطفل في اكتساب لغته يسير بشكلٍ أبطأ من المطلوب أو أن ينتهي به المطاف بضعف مهارات اللغة والاتصال.
في عمر الثانية تصل حصيلة الكلمات إلى ما يقارب الألف. أما في الثالثة، فيبدأ الطفل بتكوين جملًا واضحة للحديث عن جميع أنواع الأشياء من حولهم، بالإضافة للحديث عن تجاربهم في “الماضي” أو حتى في تخيّل القصص ورواية الأحداث غير الواقعية.
الكثير من الفرضيات والنظريات السابقة اقترحت أنّ تطوّر اللغة عند الطفل يبدأ حينما يحاول تقليد ما يسمعه من كلمات ومفاهيم يعمل دماغه على برمجتها وحفظها، وأنّ الكلمة الأولى للطفل عادة ما تكون بين عمر التسعة إلى الثمانية عشر شهرًا، في حين أنّه بانتهاء الشهر الثامن عشر فإن دماغه سيكون قادرًا على استيعاب ما يراوح 50-150 كلمة، مع قدرته على وضع بضع كلماتٍ في جملة واحدة، دون قواعد منتظمة أو صياغة صحيحة، وهو ما يُعرف بمصطلح “خطاب البرقية telegraphic speech“، كأنْ يقول الطفل “ماما حليب” قاصدًا أنه “ماما، أريد أن أشرب الحليب”.
في عمر الثانية تصل حصيلة الكلمات إلى ما يقارب الألف. أما في الثالثة، فيبدأ الطفل بتكوين جملًا واضحة للحديث عن جميع أنواع الأشياء من حولهم، بالإضافة للحديث عن تجاربهم في “الماضي” أو حتى في تخيّل القصص ورواية الأحداث غير الواقعية. أما في مرحلة ما قبل المدرسة، أي بدءًا من العام الرابع والنصف من عمرهم، فيكون الطفل قادرًا على ربط الكلمات ببعضها البعض بطريقة أشبه ما تكون بطريقة البالغين. ويواصل الطفل في المدرسة الابتدائية توسيع نطاق استخدامه للغة الشفوية، بالإضافة لتعلّمه القراءة والكتابة أيضًا.
ركّزت النظريات السابقة إذن على أنّ الحصيلة اللغوي والتطوّر التواصلي للطفل يبدأ من عمر العام، أو التسعة شهور على أقل تقدير، لكن ماذا يدور في دماغ الطفل قبل ذلك؟ وكيف يتعامل مع ما يسمعه من كلمات وأصوات من حوله؟
يملك الأطفال في عمر الستة شهور القدرة على إدراك وفهم الكلمات المتشابهة والتي ترتبط ببعضها بطريقةٍ أو بأخرى، الأمر الذي ينطبق تمامًا على البالغين، الذين يظهرون مثل هذا التأخير على نطاق أقل عندما يقومون بمهام تجريبية مماثلة.
في دراسة جديدة، نُشرت في مجلة ” PNAS” الأمريكية، تم عرض عدد من الصور لاثنين من الأشياء المختلفة المعروفة للرضّع في وقت واحد، مثل بطانية وكلب، كتاب وحفاضة، عربة وسيارة، وهكذا. وفي الوقت ذاته، طلب من الآباء تسمية ما في الصور ليتسنّى للباحثين مراقبة ردود فعل الأطفال من خلال متابعة نظرهم للصور وتحديقهم بها.
الحبكة الأساسية للدراسة والبحث كانت عندما عُرضت اثنتين من الصور لاثنتين من الكلمات ذات الصلة ببعضهما البعض، مثل أنف وفم، فقد قضى الرضيع وقتًا أكبر في التحديق بالصورة الخاطئة، من الوقت الذي يقضيه حين النظر للصور ذات الكلمات غير ذات الصلة، مثل أنف وزجاجة.
تشير هذه الدراسة إلى أنّ ذخيرة الأطفال الرضّع من الكلمات أكثر تنوعًا واتساعًا مما كان يُعتقد به في السابق، لا سيّما أنّ النظريات السابقة تفترض أنّ الموسوعة اللغوية للرضيع تبدأ بالتكوّن ما بعد انتهاء عامه الأول.
ووفقًا لإيليكا بيرجيلسون، الأستاذ المساعد لعلم النفس وعلم الأعصاب في جامعة ديوك والمؤلفة الرئيسية للدراسة، فإنّ الأطفال كانوا أكثر خلطًا بين الصور التي تحمل الكلمات ذات الصلة، ما يعكس أنّهم يملكون القدرة على إدراك وفهم الكلمات المتشابهة والتي ترتبط ببعضها بطريقةٍ أو بأخرى، الأمر الذي ينطبق تمامًا على البالغين، الذين يظهرون مثل هذا التأخير على نطاق أقل عندما يقومون بمهام تجريبية مماثلة.
فلو طُلب منك الآن أن تنظر إلى صورة الأنف، فسيستغرق الأمر مع عقلك بضعة أجزاء من الثانية للتأكد من أنه لا يفترض به النظر إلى صورة الفم، وإنما إلى صورة الأنف، لأنّ كلّ من الصورتين ترتبطان عن كثب بالمفردات العقلية الخاصة بك، ما يعني أنك في حال أردتَ استبعاد أحدهما، فإنّ دماغك سيفكّر بالأخرى، ولو لأجزاء صغيرة جدًا من الثانية.
ومن المعروف بالفعل أنّ الأطفال الصغار يظهرون نفس النمط مثل البالغين فيما يتعلّق بالتجربة السابقة، ما الجديد إذن؟ تشير هذه الدراسة إلى أنّ ذخيرة الأطفال الرضّع من الكلمات أكثر تنوعًا واتساعًا مما كان يُعتقد به في السابق، لا سيّما أنّ النظريات السابقة تفترض أنّ الموسوعة اللغوية للرضيع تبدأ بالتكوّن ما بعد انتهاء عامه الأول.
تأتي هذه الدراسة لتكون الأولى التي تستخلص العلاقة بين المفردات المترابطة في سن ستة أشهر، والتي تأتي ضمن مجموعة متزايدة من البحوث حول الرضّع والأطفال الصغار، والتي تشير إلى أن لديهم فهمًا للغة أعمق مما كان يُعتقد سابقًا، خاصة في ظلّ الدراسات والبحوث التي تعمل على تحديد أسباب تأخر الكلام وتكوين اللغة عند الأطفال، الحالة التي تأخذ بالتزايد خلال السنين الأخيرة.
وبالتالي، يوصي الباحثون القائمون على الدراسة الآباء بالاهتمام أكثر بالتحدّث والكلام مع أطفالهم الرضّع ما قبل سنّ الستة أشهر، حتى وإن ظنّوا أنْ لا طائل من وراء الحديث، إلا أنّ عقل الطفل يعمل بطريقة أو بأخرى ويتعرّف على الكلمات التي يسمعها، ما يُغني حصيلة مفرداته لاحقًا. كما توفر هذه النتائج نهجًا تكامليا للتحقيق في آثار البيئة المنزلية على اللغة المبكرة، وتشير إلى أنه يمكن الكشف عن التأخيرات اللغوية في مرحلة الطفولة المبكرة بالإضافة لإمكانية علاجها قبل فوات الأوان.