يواجه السكان في الشمال السوري مشاكل كثيرة متعددة الأوجه، بعضها يكاد يكون غير مرئيّ لمراقب خارجي، مرتبط بطبيعة الحال بالوضع السياسي المضطرب في سوريا وتحوّل البلد إلى كنتونات تحكم نفسها بسلطة الأمر الواقع، لكن واحدة من الظواهر التي تولّد الكثير من الأزمات والتحديات، هي عدم امتلاك ملايين السوريين هناك لوثائق شخصية لا سيما بطاقة الهوية وجواز السفر الرسمية.
ويفتقر الشمال السوري لوجود جهات حكومية تصدر وثائق رسمية كوثيقة السفر وبطاقة الهوية، ما يؤدي إلى عدم تمكنهم من السفر/المرور إلى تركيا لتلقي العلاج أو التعليم أو الحصول على فرصة عمل.
وحذر “المجلس النرويجي للاجئين” وجامعة “تافتس” الأمريكية، من الآثار المترتبة على حرمان الأطفال بشكل خاص في مناطق سيطرة المعارضة شمال غربي سوريا من حقهم في الجنسية والهوية القانونية.
وقال المجلس والجامعة في تقرير مشترك، إن هؤلاء الأطفال والبالغين، سيظلون يعيشون على الهامش، ويبقون عرضة للأضرار المرتبطة بالإقصاء وانعدام الجنسية، ما لم يتم ضمان حقوقهم في الجنسية والهوية القانونية.
ولفت إلى وجود أكثر من 1.7 مليون طفل في هذا “الجيب المهمل” شمال غربي سوريا، معظمهم مشردون قسرًا ومحاصرون بعد 12 عامًا من الحرب والأعمال العدائية المستمرة.
ملايين بلا وثائق
أشار المجلس إلى أن عدم توافر الوثائق المعترف بها لهؤلاء الأطفال يعني حرمانهم من الرعاية الصحية والمساعدات الإنسانية والتعليم، وعدم القدرة على السفر خارج البلاد.
وأوضح التقرير أن الوثائق الصادرة عن “حكومة الإنقاذ” غير معترف بها من حكومة دمشق ولا الحكومات الأخرى، وينظر إلى حامليها على أنهم “خونة”، ويمكن أن تشكل مخاطر أمنية جسيمة إذا ضبطتها حكومة النظام أو السلطات الأخرى.
ويسبب فقدان الوثائق العديد من المعوقات والمشكلات، فلا يمكن تسجيل الأطفال في المدارس ويواجهون تحديات في التنقل وفي الدخول للمشافي أو المستوصفات دون هوية شخصية قانونية، كما تزيد احتمالية حرمان المرأة المطلقة من حقها في المطالبة بالمهر أو النفقة أو المسكن الشرعي إذا كان زواجها وطلاقها غير مسجل قانونيًا، بالإضافة إلى حرمان العائلات من حق الاستفادة من المساعدات الإنسانية المستحقة، وغيرها من المشكلات التي تظهر يومًا بعد يوم.
الحلقة الأضعف
يقول جميل الفرحان، وهو خبير حقوقي: إن ملايين السوريين يفتقرون إلى هذه الوثائق في شمال سوريا وشرقها، وجميعهم يخشون الذهاب إلى مناطق سيطرة النظام لاستخراجها خشية اعتقالهم.
وأضاف في حديث لـ”نون بوست” أن الأطفال هم الحلقة الأضعف لأنهم ولدوا شمال سوريا بعد 2011، أما البالغون فمعظمهم يملكون جوازات سفر قديمة وبطاقات شخصية.
وعملت منظمات إنسانية على إبرام جلسات تعرّف النازحين على طرق استخراج الأوراق الرسمية كما تشرح الحقوق المدنية ومسائل الأحوال الشخصية كالميراث.
وقال الباحث في مركز ألوان للدراسات، فيصل السليم، إن الوثائق القانونية المعترف بها دوليًا ضرورية في أي بلد أو منطقة وذلك من أجل الصحة والتعليم والتنقل، فالكثير من الأطفال بحاجة إلى الذهاب لدول الأخرى من أجل العلاج، وفي حال عدم توافر هذه الوثائق فإنهم حياتهم تتعرض للخطر.
وأضاف في حديثه لـ”نون بوست” أن حكومة الإنقاذ أصدرت منذ أشهر وثائق تتضمن بطاقات شخصية معترف بها فقط في مناطق سيطرة المعارضة بإدلب، أما شمال حلب فقد أصدرت الحكومة السورية المؤقتة بطاقات شخصية صادرة عن المجالس المحلية، لكن جميعها غير معترف بها خارجها.
وتعمل المكاتب القانونية في المنظمات الإنسانية شمال سوريا على تنفيذ جلسات رفع الوعي القانوني، بالإضافة إلى الاستشارات القانونية للمستفيدين بشأن القضايا المدنية والعقارية في مناطق عديدة بريف حلب الشمالي وريف حلب الغربي، بالإضافة إلى إدلب.
عبد الله العيدو وهو مسؤول مركز تعليمي بشمال سوريا، شدد على ضرورة الحصول على اعتراف دولي بوثائق مؤسسات شمال سوريا، وكذلك وثائق الائتلاف الوطني، ليتمكن الطلاب المتفوقون من إكمال دراستهم خارج سوريا في ظل عدم وجود جامعات للدراسات العليا شمال البلاد.
الذهاب إلى مناطق سيطرة النظام
خاطرت خلال الأشهر الأخيرة الكثير من العوائل بالذهاب إلى مناطق سيطرة النظام السوري عن طريق معابر التهريب، بهدف جلب وثائق رسمية لهم من خلال دفع أموال تتراوح بين 400 و1000 دولار أمريكي للشخص الواحد.
ومعظم هذه العائلات تحتاج هذه الوثائق لتقدمها إلى سفارات الدول بعد تجهيز لم الشمل، من قبل أحد أفراد العائلة دون 18 عامًا في دول الاتحاد الأوروبي أو إرسال الزوج لم شمل لعائلته للسفر.
صبحية الوحيد، ذهبت مؤخرًا إلى دمشق رفقة اثنين من أولادها من أجل استخراج جواز سفر لهم، لأن جواز السفر الواصل إلى مناطق شمال غرب سوريا يكلف 2200 دولار أمريكي للشخص الواحد في حال لم يستطع الذهاب لمناطق سيطرة النظام.
وتقول صبحية إن زوجها ذهب لألمانيا مؤخرًا وأرسل إليها بطاقة لم الشمل، لتذهب هي وأولادها إلى تركيا، وتقدمها للسفارة من أجل أن تذهب مع عائلتها بالطائرة، لذلك اضطرت للذهاب إلى دمشق من أجل جلب جوازات سفر مستعجلة لها ولأطفالها.
وتضيف لـ”نون بوست” أن جواز السفر المستعجل يكلف ما يقارب 400 دولار أمريكي، أي أن عائلتها تكلفت 1200 دولار على الجوازات وكذلك 400 دولار ذهابًا و400 دولار إيابًا مقابل تهريب كل فرد على الحواجز التابعة للنظام.
وذكرت أن دوائر النظام عبارة عن مافيات، فمعظهم يحاول تحصيل أكبر قدر من الأموال من القادمين لاستخراج جوازات السفر من خلال طلب رشاوى، قبل تسهيل عمليات الاستخراج، فأحدهم طلب مبلغ 100 دولار مقابل أن يقدم موعد الجوازات يومين.
جدير بالذكر أن عددًا من السوريين جرى اعتقالهم في أثناء ذهابهم لاستخراج جوازات للسفر لهم ولعائلاتهم، بمناطق سيطرة النظام السوري، كما جرى سوق آخرين للخدمة العسكرية، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان.