يتابع الجميع هذه الأيام التطورات الجارية في اليمن وبالذات الخلافات التي تصاعدت بين حلفاء الأمس: علي صالح والحوثيين، ولكن لم يدر في خلد أحد من المراقبين أن ينتهي هذا الصراع سريعًا بمقتل صالح على أيدي الحوثيين لتنقلب الموازين العسكرية والسياسية في الساحة اليمنية للدرجة التي يحتاج فيها المراقب إلى جهد كبير لاستيعاب التغيرات الجديدة والتنبؤ بما ستسفر عنها من تطورات في اليمن، سواء جنوح نحو الهاوية واستعار نار الحرب الأهلية، أو ربما بالعكس تجنح نحو التهدئة ووضع حد للمعارك التي لا تكاد تنتهي دون تحقيق نصر لأحد الطرفين المتصارعين.
ما أسباب الخلاف الذي حدث بين الحليفين؟
لم يكن التحالف بين صالح والحوثيين تحالفًا حقيقيًا مبنيًا على مشتركات تجمع بين الطرفين، ولم يلتقيا على فكر مشترك ولا منهجية مشتركة ولا على طريقة حكم واحدة، بل إن التناقضات بينهما أكثر بكثير من توافقاتهما، والطرفان خاضا ستة معارك سابقة، ويتهم الحوثيون صالح بمقتل زعيمهم السابق حسين بدر الدين الحوثي مؤسس حركة ما يسمى “أنصار الله” الحوثية في الـ10 من سبتمبر/أيلول 2004.
وبالتالي فإن التحالف بين الطرفين كان منزوع الثقة وكل طرف ينتظر متى سيغدر أحدهما بالآخر، بل إن من الحوثيين من كان يقول: “لم نكن نسأل هل سيخوننا صالح أم لا، بل كنا نتساءل متى سيخون”.
بالمقابل كان صالح يعرف أن الحوثيين لا عهد لهم ولا ميثاق وينتظر منهم الخيانة بأي لحظة، إلا أن خلع صالح من حكم اليمن ورغبته بالرجوع إلى السلطة مرة ثانية، جعله يستخدم الحوثيين في الانقلاب على حكومة عبد ربه منصور هادي الشرعية سنة 2014.
وتاريخ هذا الرجل مليء بالتحالفات المريبة التي كان يستخدمها في التخلص من خصومة، فقد سبق له التحالف مع السلفيين ومع تنظيم القاعدة ومع مختلف العشائر اليمنية، وبالتالي فإن التحالف مع الحوثي هو تحالف مؤقت ومصلحي، يستخدم أحدهما الآخر لأجل مؤقت.
حاول صالح بعد الانقلاب أن تكون له اليد الطولى في قيادة وحكم البلد بعد انقلاب 2014، لذلك فهو اصطدم كثيرًا مع الحوثيين واختلفت مصالحهم في الاستيلاء على ثروات البلد، لكن الحوثيين بدأوا بممارسة ضغوط كبيرة على صالح؛ الأمر الذي اضطره لتقديم تنازلات كبيرة للحوثيين بسبب افتقاره لداعم إقليمي يقف معه بوجه الحوثيين، وبسبب خوفه من فض التحالف معهم في الوقت الذي هو في أمس الحاجة لهم.
لم تكن تقديرات صالح لحجم قوته وحجم قوة الحوثيين صحيحة، فبعد دخوله في معارك لم تستمر سوى أيام قلائل استطاع الحوثيون تحييد قوات صالح
شملت التنازلات التي قدمها صالح للحوثين الكثير من المعسكرات التابعة له، وجردوه من نفوذه في إدارات الدولة اليمنية، واستمر هذا الحال طيلة السنوات الثلاثة على انقلابهم، وعندما أحس صالح أنه سيخسر كل شيء، بدأ صالح قبل بضعة شهور بعمل اتصالات مع دول التحالف لينضم إليهم ويترك الحوثي، إلا أن دول التحالف رفضت في البداية محاولاته تلك، لمعرفتهم بأنه رجل مراوغ يتلون حسب مقتضى الحال.
عَرِف صالح بعد ذلك بأن الحوثيين يريدون التخلص منه، نقلت له هذه المعلومة من خلال رجاله الذين زرعهم داخل الحوثيين، وكان السبب في قرار الحوثيين التخلص من صالح، كون تحركاته واتصالاته مع دول التحالف كانت معروفة من الحوثيين، ولم يكن لدى الحوثيين خيار سوى التخلص منه لا سيما أن قوته العسكرية أصبحت ضعيفة لا قِبل لها بالوقوف ضد الحوثيين، وتقلص نفوذه في اليمن بشكل كبير.
هذا الأمر جعل صالح يكثف اتصالاته مع الطرف الآخر بالصراع، ولكن هذه المرة مع علي محسن الأحمر كون الأخير كان من أقرب الشخصيات إليه ويده الضاربة قبل ثورة اليمنيين في 2011، إضافة إلى أن الرجلان قد ترعرعا معًا في منطقة واحدة.
أعطى صالح عهوده لمحسن الأحمر بترك تحالفه مع الحوثيين والاعتراف بشرعية حكومة هادي ولن ينكث عهوده تلك، قام محسن بجهود لإقناع السعودية بقبول الاتفاق مع صالح، رافق ذلك ضغوط إماراتية على السعودية لقبول الاتفاق، بعد ذلك أُعطي صالح الضوء الأخضر لعمل ما يتوجب للانقلاب على الحوثيين واعدين إياه بالدعم العسكري.
لم تكن تقديرات صالح لحجم قوته وحجم قوة الحوثيين صحيحة، فبعد دخوله في معارك لم تستمر سوى أيام قلائل استطاع الحوثيون تحييد قوات صالح الأمر الذي جعله يغادر صنعاء متجهًا إلى مدينة “سنحان” مسقط رأسه، وفي الطريق الذي سلكه كانت طائرات التحالف تؤمن له الطريق، من خلال ضرب الحواجز الموجودة عليه، لكن الحوثيين تمكنوا من نصب كمين له وضرب المدرعة التي كان فيها، ثم تم أسره وإعدامه رميًا بالرصاص لتخترق جسمه أكثر من 35 رصاصة.
كان المتابعون للأحداث اليمنية الأخيرة، وهم يرون انهيار تحالف الحوثي مع صالح، يحدوهم الأمل بأن يستطيع صالح طرد الحوثيين من صنعاء وقطع أذناب إيران باليمن، لكن لو نظرنا للأمر بعمق، ما النتيجة التي ستكون لو انتصر صالح على الحوثيين؟
ما دور الامارات والسعودية بما حدث؟
وعلى عادتها كانت للإمارات الدور الأكبر في كل ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية، فكانت من أقنعت السعودية بدعم صالح في انقلابه على الحوثيين، لكن ليس لدعم شرعية حكومة هادي، إنما كانت تخطط لدعم صالح بالتخلص من الحوثيين ومن ثم إعادة ترتيب الأوضاع في اليمن لكي يتمكن صالح مرة ثانية العودة والسيطرة على اليمن من خلال تنصيب ابنه أحمد علي صالح المقرب إماراتيًا الذي يعيش حاليًّا هناك، كرئيس لليمن بدلًا عنه، كحال كل الدكتاتوريات العربية، وهذا يعني العودة باليمن إلى الأوضاع التي كانت سائدة ما قبل 2011.
مقتل صالح جعل القيادة الإماراتية ومن خلفها القيادة السعودية في وضع حرج يجعلهم يلاقون صعوبة بالغة في إيجاد البدائل له، لكن الإمارات تقوم حاليًّا بمحاولات لتلميع أحمد نجل علي صالح، ونقلته إلى مدينة عدن التي تمنع الرئيس اليمني الشرعي هادي من دخولها، تأتي بإطار إدخال أحمد علي صالح معترك السياسة اليمنية وتهيئته لكي يكون خليفة لأبيه في قيادة حزب المؤتمر وقيادة الوحدات العسكرية الموالية لأبيه.
ومع شديد الأسف تنصاع السعودية للخطط الإماراتية وتدير ظهرها تمامًا لما يريده الشعب اليمني الذي ثار على حكم صالح عام 2011، ولو أن السعودية جربت لمرة واحدة أن تصغي لما يريده الشعب اليمني، لتجنبت كل هذه الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات التي استنزفت مبالغ طائلة، وفتكت بالشعب اليمني وجرحت قلوبهم جرحًا بالغًا ليس من السهل أن يندمل سريعًا.
هل كان مفيدًا لليمن لو انتصر صالح على الحوثي؟
لكن ربَّ ضارة نافعة، ومن عمق المآسي يولد الأمل، كان المتابعون للأحداث اليمنية الأخيرة، وهم يرون انهيار تحالف الحوثي مع صالح، يحدوهم الأمل بأن يستطيع صالح طرد الحوثيين من صنعاء وقطع أذناب إيران باليمن، لكن لو نظرنا للأمر بعمق، ما النتيجة التي ستكون لو انتصر صالح على الحوثيين؟
إن أفضل النتائج التي نتوقع حدوثها لن تكون أبعد من إرجاع الحال باليمن إلى الفترة التي كانت عليها قبل 2011، وكان سيكون صالح شوكة في حلق الشرعية، وكل التضحيات التي بذلها الشعب اليمني كانت ستذهب سداء، والدمار الذي حصل باليمن ربما سيستمر لعشرات السنين لإعادة إعماره نتيجة الفساد الذي سيعود ليعشش في المؤسسات اليمنية بقيادة ابن صالح.
هل سيتعظ العبادي بأن مصيره سيكون كمصير علي صالح إذا لم يعدّ العدة من الآن لتقليم أظافر إيران في العراق والمتمثلة بمليشيا الحشد؟
لكن الذي أراه أن الله رحِمَ باليمن وأهله وجعل التخلص من صالح على أيدي الحوثيين، وعلى الرغم من بشاعة مقتله، فإنه جاء رحمة من الله باليمنين لتنتهي حقبة بالغة السوء من التاريخ اليمني، وما سوف يحصل بعد ذلك، أن جميع أطياف الشعب اليمني سوف تتحد في حربها مع الحوثي.
لقد ارتكب الحوثيون أكبر حماقة بقتلهم علي صالح وجعلهم يفقدون آخر ورقة كانوا يحتمون بها ويبررون شرعيتهم باستيلائهم على حكم اليمن، وجعلهم وحيدين في وسط غضب جماهيري عارم ضدهم من كل اليمنيين.
إن قتل علي صالح سيجعل دول التحالف مُرغمة لأن تلتفت إلى إرادة الشعب اليمني والتعاون مع قواه الفاعلة على الأرض من إخوان وناصرين وقومين وسلفيين وغيرهم، وستكون السعودية بين خيارين لا ثالث لهما، إما أن تختار التعاطي مع اليمنيين وتقبل بنتيجة ثورتهم التي جاء بها الربيع العربي، أو تختار أن يبسط الحوثيون سيطرتهم على كل اليمن.
ونحن على ثقة أن السعودية هذه المرة لن تخطئ في اختياراتها، ذلك لأنه لم يعد هناك مجالًا للأخطاء بعد كل الذي جرى، ونحن مؤمنين أيضًا أن رهان الإمارات على نجل علي صالح سرعان ما سيفشل وستكون مرغمة على التعاون مع قوى الشعب اليمني الفاعلة على الأرض.
هل من عِظة مما حدث في اليمن لاتباع إيران في العراق؟
ويا ترى هل من عبرةٍ أو عظةٍ يمكن للعراقيين أن يتعظوا بها مما جرى باليمن، كون صنعاء وبغداد ترزحان تحت ذات المحتل الإيراني، فهل سيدرك موالو إيران في بغداد أن مصيرهم سيكون كمصير علي صالح في حالة تفكيرهم بالانعتاق من النفوذ الإيراني؟ وإذا كانت لديهم الفرصة بالانعتاق الآن، ربما لن تتوفر لهم فرصة أخرى مستقبلًا.
وهل سيتعظ العبادي بأن مصيره سيكون كمصير علي صالح إذا لم يعدّ العدة من الآن لتقليم آظافر إيران في العراق والمتمثلة بمليشيا الحشد؟ أما آن الأوان للساسة الشيعة العراقيين أن يختاروا الوقوف بصف مصالح شعبهم والرجوع إلى انتمائهم العربي عوضًا عن البقاء تحت وطأة المحتل الإيراني المذل؟
علي صالح راهن على إيران وبالنهاية قُتل على أيدي ميليشياتها، فهل سينجو العبادي من المصير نفسه على يد مليشيا الحشد؟ ما زال في الوقت متسع للرجوع عن طريق الذل للمحتل بكل أنواعه، والرجوع إلى أحضان الشعب.
أخاطب بكلامي هذا كل من تورط من الشيعة والسنة والكرد بموالاة إيران، فمن يخون وطنه من أجل مصالح المحتل، لن يلتفت إليه المحتل بأي طريقة يلقى حتفه، يجب أن تكون حادثة مقتل علي صالح عبرة للعراقيين وغيرهم، مفادها أن من يضع يده في يد إيران لا بد أن تكون نهايته على أيديهم.