فجأة وعلى غير المتوقع، أصدر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” جزءًا ثانيًا من إصداره “الهوليودي” الذي بثه قبل 3 سنوات “لهيب الحرب”، موثقًا فيه سلسلة من عملياته القتالية ضد خصومه في سوريا ومصر والعراق، ومقدمًا رؤيته الخاصة بشأن مسار المعركة ومستقبلها في ظل الهجمة الدولية عليه وانحساره الكبير في مناطق سبق وأعلن منها عودة “الخلافة الراشدة” أواسط العام 2014.
الإصدار المرئي الذي فاجأ المراقبين بتوقيت صدوره، حمل الجديد وأكد أن الجهاز الإعلامي للتنظيم – الذي فقد أبرز كوادره الإعلامية نتيجة ضربات جوية دقيقة وجهتها لهم طائرات التحالف الدولي طيلة أكثر من 3 سنوات من إقرار الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما التدخل العسكري ضده في كل من العراق وسوريا – قادر على صناعة أفلام قتالية طويلة بتقنيات احترافية وباستخدام أبسط التجهيزات.
بدأ الإصدار بمقتطف من خطاب لزعيم التنظيم أبي بكر البغدادي اقتبس فيه الآية 52 من سورة التوبة “فتربصوا إنا معكم متربصون”، ثم بعبارات تؤكد استمرار الحرب وعدم توقفها، حيث قال المعلق على الإصدار “لا الحديد ولا النار يمكنهم الوقوف في وجهنا، فقد أتى وعد الله، وأعادت الطائفة المنصورة الخلافة لتحكّم شرع الله في الأرض”، ثم وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بـ”فرعون جديد أشد طيشًا من سابقه يظن أن بإمكانه مواجهة النار بالنار”.
ركز الفيديو الجديد لتنظيم الدولة في بدايته على مخاطبة العواطف، فأظهر فيديوهات توثق مقتل عدد من المدنيين جراء غارات طائرات التحالف الدولي، قبل أن يستغل ذلك لشرعنة هجماته التي استهدفت عمق الدول الغربية على غرار لوس أنغلوس وباريس ونيس.
يلاحظ المتابع أن إصدار “لهيب الحرب إلى قيام الساعة” مغاير تمامًا لإصدار “لهيب الحرب”، فالأول حمل رسائل تثبيت لأنصار ومقاتلي التنظيم وحث على الابتعاد عن التثبيط والصبر بعد الهزيمة، بينما كان الثاني يتوعد الدول الغربية وأعداء الخلافة بـ”دفع الجزية عن يد وهم صاغرون”
في بداية الفيديو أيضًا ظهر زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن في إحدى الخلفيات، وفي ذلك تأكيد على أن الأخير يبقى مرجعًا مهمًا بالنسبة للجهاديين، وإشارة إلى أن خلاف تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الأساسي ليس مع قاعدة ابن لادن وإنما مع قاعدة أيمن الظواهري.
في هذا الإصدار الجديد حاول تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” إقناع مقاتليه وأنصاره بأنه خسر الجولة الأولى من حربه الطويلة، لكنه شدد في نفس الوقت على أن الهزيمة لا تعني التسليم التام وإنما تعني الصبر وانتظار الموت، حيث قال المعلق على الإصدار: “عقيدة الطائفة المنصورة بقيت راسخة لا يرجو جنودها العيش ليقاتلوا في يوم آخر، بل يقاتلون ليقتلوا ويُقتلوا” لأن “الجهاد دخل مرحلة جديدة فيها تمحيص للمؤمنين ومحق للكافرين ووعيد بهلاك ملل الكفر”.
في ذات السياق، اعترف الإصدار ضمنيًا بأن هناك خلافات وانشقاقات كبيرة حصلت في التنظيم نتيجة الهزائم المتتالية التي تعرض لها في العراق وسوريا، حيث قال المعلق: “بينما يزداد معسكر المؤمنين نقاءً بالابتلاءات الشديدة فينفى الخبث الذي تعلق بصرح الخلافة وتسقط الأقنعة عن الأدعياء واللائمين والمتخاذلين لما يهئ الله الأسباب لإنجاز وعده وإن المؤمنين لن يضعفوا في هذا الظرف العسير”.
استنادًا على هذا، يلاحظ المتابع أن إصدار “لهيب الحرب إلى قيام الساعة” مغاير تمامًا لإصدار “لهيب الحرب”، فالأول حمل رسائل تثبيت لأنصار ومقاتلي التنظيم وحث على الابتعاد عن التثبيط والصبر بعد الهزيمة، بينما كان الثاني يتوعد الدول الغربية وأعداء الخلافة بـ”دفع الجزية عن يد وهم صاغرون”.
بعد ذلك انتقل الإصدار لبث مشاهد قتالية من سوريا ومصر والعراق، وثق فيها عددًا من المعارك التي خاضها مقاتلو تنظيم الدولة ضد خصومهم، على غرار ما حدث في مدينتي تدمر السورية وسيناء المصرية التي لمح لأهميتها المستقبلية، خاصة أنها ستشهد إحدى علامات الساعة الكبرى، وفق ما يعتقد الجهاديون.
إن إصدار “لهيب الحرب إلى قيام الساعة” لم يكن شكلًا ومضمونًا في مستوى إصدار “لهيب الحرب” الذي نشر قبل 3 سنوات من الآن، إلا إنه كان بمثابة اعتراف رسمي بعودة تنظيم الدولة الإسلامية إلى حرب العصابات وانتقاله من مرحلة “دولة الخلافة” إلى “جهاد الطائفة المنصورة”
تقنيًا تميز الإصدار باستعمال تقنيات احترافية في المونتاج والغرافيك والميكساج والتصوير مع تنويع الزوايا ومشاهد ولقطات القطع، وعرض مشاهد من استهداف مدرعات ودبابات النظام السوري على مشارف تدمر واستهداف وتدمير إحدى المروحيات الروسية، وانتهاءً باغتنام عدد كبير من الأسلحة والذخائر المتنوعة والدبابات بعد هروب جماعي لعناصر وميليشيات النظام من المدينة.
على إثر ذلك يظهر مقاتل أجنبي يتحدث اللغة الإنجليزية بطلاقة ليهدد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب بالقول: “بعد أن نقطع رأس الأسد سنقطع رأس ترامب إن شاء الله تعالى وسنرفع راية الدولة الإسلامية وسنجعل كلمة الله العليا في البيت الأبيض إن شاء الله” وهو ما يمكن أن يكون إشارة إلى الذئاب المنفردة لتنفيذ عمليات جديدة قد تستهدف العمق الأمريكي.
في نهاية الإصدار ظهر 3 جنود (سوريان وعراقي)، أُجبروا على حفر قبورهم ومن ثم تم إعدامهم رميًا بالرصاص في حركة مشابهة لما حدث في الإصدار الأول من “لهيب الحرب”، قبل أن يُختم بكلمة لزعيم تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” أبي بكر البغدادي يعد فيها مقاتليه بأن الله سينصر عباده ويهزم أعدائه، ويحثهم فيها على الصبر.
باختصار يمكننا القول إن إصدار “لهيب الحرب إلى قيام الساعة” لم يكن شكلًا ومضمونًا في مستوى إصدار “لهيب الحرب” الذي نشر قبل 3 سنوات من الآن، إلا إنه كان بمثابة اعتراف رسمي بعودة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” إلى حرب العصابات وانتقاله من مرحلة “دولة الخلافة” إلى “جهاد الطائفة المنصورة”، لكن توقيت صدوره يطرح تساؤلًا آخر مفاده: هل عاد الجهاز الإعلامي للتنظيم هو الآخر للمربع الأول؟ وهل سنشهد صدور “صليل الصوارم 5” في المستقبل القريب؟