شملت القائمة السوداء الأولى للاتحاد الأوروبي للملاذات الضريبية الآمنة على مستوى العالم، تونس إلى جانب 16 دولة أخرى، الأمر الذي اعتبره بعض المراقبين ضغطًا على تونس لتقييد نشاط شركاتها المحلية المصدرة، فيما استنكرته السلطات التونسية، مؤكدة رفضها التدخل في سياساتها الضريبية من أي كان.
تونس.. ملاذ ضريبي
أمس الثلاثاء، أقر وزراء الاتحاد الأوروبي قائمة سوداء للملاذات الضريبية الآمنة التي لا تبذل جهودًا كافية لمكافحة التهرب الضريبي تضم 17 دولة،بينها تونس التي “تقر أنظمة ضريبية تفاضلية سيئة ولم تبد انخراطها لتغييرها أو إبطالها، وذلك بعد مفاوضات صعبة استمرت سنة وانقسامات كبيرة بين الدول الأعضاء في الاتحاد بشأن من ستشمله الصيغة النهائية، خوفًا من أن تمس مصالح بعض الدول.
على إثر إصدار القائمة، قال مفوض الاتحاد الأوروبي للضرائب بيير موسوقيشي إن القائمة السوداء تمثل “تقدمًا كبيرًا”، مضيفًا “وجود القائمة يمثل خطوة مهمة للأمام، ولكن لأنها أول قائمة للاتحاد الأوروبي، تبقى ردًا غير كافٍ على مقدار التهرب الضريبي في العالم”، ولتحديد ما إذا كانت دولة “غير متعاونة”، يقيس مؤشر الاتحاد الأوروبي مدى شفافية نظامها الضريبي ومعدلات الضرائب وما إذا كان نظامها الضريبي يشجع الشركات المتعددة الجنسية لتحويل الأرباح إلى أنظمة منخفضة الضرائب تقدم حوافز ضريبية مثل ضرائب قيمتها صفر في المئة للشركات الأجنبية.
تعود فكرة إنشاء قائمة مشتركة بين كل دول الاتحاد الأوروبي للملاذات الضريبية الآمنة إلى نيسان/أبريل 2016، بعد فضيحة “وثائق بنما”
والدول المدرجة على اللائحة هي: ساموا الأمريكية والبحرين وبربادوس وغرينادا وغوام وماكاو وجزر مارشال ومنغوليا وناميبيا وبالاو وبنما وسانت لوسيا وكوريا الجنوبية وترينداد وتوباغو وتونس والإمارات العربية المتحدة، وقالت المصادر إن 47 دولة أخرى أدرجت على “قائمة رمادية“.
وسعت بريطانيا بشكل خاص إلى منع صدور القائمة خشية أن تشمل جيرزي والجزر العذراء التابعتين للتاج البريطاني، وكانت المسودة الأولية تشمل 29 دولة قبل أن يقلص مسؤولون أوروبيون كبار عددها، ويتعين على البلدان التي تعتبر ملاذات ضريبية، احترام 3 معايير حددها الاتحاد الأوروبي سنة 2016 وهي: الامتثال لنمط تبادل المعطيات المعمول بها من طرف منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، وتجنب تسهيل بعث شركات منتصبة بعرض البحر، والالتزام باحترام مكافحة تهرب الشركات العابرة للقارات من دفع الضرائب.
إلى جانب هذه القائمة، هناك قائمان أخريين، الأولى قائمة رمادية تضم 47 دولة تعهدت بشكل حازم بتغيير ممارساتها أو تشريعاتها الجبائية في الأشهر القادمة، أما القائمة الثانية، فقد أطلق عليها “قائمة الأعاصير”، وتضم 8 أسماء دول وتلامس أوضاع بلدانها أوضاع الأطراف المدرجة في القائمة السوداء.
وتعود فكرة إنشاء قائمة مشتركة بين كل دول الاتحاد الأوروبي للملاذات الضريبية الآمنة إلى نيسان/أبريل 2016، بعد فضيحة “وثائق بنما” عندما ندد الكونسورسيوم الدولي للصحافيين الاستقصائيين (آي سي آي جي) بنظام التهرب الضريبي الواسع النطاق الذي يشمل كل الدول، ودفعت المعلومات الأخيرة التي بدأ الكونسورسيوم نفسه الكشف عنها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بشأن الوسائل العالمية للتهرب الضريبي التي أطلق عليها اسم “وثائق بارادايز”، الاتحاد الأوروبي إلى التصرف.
رفض تونسي
هذه القائمة الأوروبية السوداء استنكرتها تونس، مؤكدة رفضها لأي تدخل في سياستها الضريبية، وفي هذا الشأن قال مصدر حكومي، أمس الثلاثاء، في تصريح لقناة نسمة التليفزيونية الخاصة في تونس إن بلاده ترفض التدخل في سياستها الجبائية (الضريبية) من أي كان، مؤكدًا أن تونس لن تكون بأي شكل من الأشكال ملاذًا جبائيًا.
وأكد عديد من الخبراء، أن الغرض من إدراج تونس في هذه القائمة، دفع السلطات في هذا البلد إلى وقف الامتيازات الجبائية التي تتمتع بها المؤسسات التونسية المصدرة كليًا، الأمر الذي ما فتئت تونس تؤكد رفضها له، وسبق أن وجهت تونس مراسلة للاتحاد الأوروبي أصرت فيها على الاستمرار في منح هذه الامتيازات للمؤسسات المحلية المصدرة كليًا، من أجل الحفاظ على النسيج الصناعي ومواطن الشغل، بحسب المسؤول الحكومي.
إصرار تونسي على مواصلة منح الامتيازات الضريبية للشركات المصدرة كليًا
هذا التصنيف جاء بعد أشهر من حلول تونس في المرتبة الـ59 عالميًا في مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب من ضمن 146 دولة حول العالم وعبر القارات الخمسة، حسب مؤشر “بازل 3” للعام الحاليّ الذي يصدره معهد بازل للحوكمة في سويسرا، الخاص بمكافحة غسيل الأموال ومخاطر تمويل الإرهاب، فحازت تونس على معدل 6.37، ويشمل 149 دولة من 10 درجات حيثُ يمثل الصفر الأقل خطرًا والدرجة العاشرة الأكثر خطورة.
ويعمل التصنيف على تقييم مخاطر الدول في مجال غسل الأموال وتمويل الإرهاب عبر تقييم مستوى مكافحتها في الدولة، وعوامل أخرى ذات علاقة منها الشفافية المالية ومدى فعالية النظام القضائي في الدولة.
لئن لم يبين الاتحاد الأوروبي الإجراءات المترتبة عن هذا القرار، فقد أن أكد عديد من الخبراء، أن القانون يمنع المؤسسات الأوروبية من تقديم أي إعانات للبلدان الموجودة في القائمة السوداء
وتقود بعض الدول الأوروبية وفقًا لمسؤولين تونسيين، حملة من أجل الحد من استثمار مؤسساتها الصناعية بتونس، ودفعها للخروج منها والوجود في أماكن أخرى، للضغط على تونس وإجبارها على قبول السياسات الأوروبية في البلاد دون أي اعتراض وإن كان الأمر سيتسبب في نتائج عكسية على اقتصادها الفتي الذي يعاني من العديد من الأزمات منذ سنوات.
ولئن لم يبين الاتحاد الأوروبي الإجراءات المترتبة على هذا القرار، فقد أكد العديد من الخبراء، أن القانون يمنع المؤسسات الأوروبية من تقديم أي إعانات للبلدان الموجودة في القائمة السوداء، وتعتبر دول الاتحاد الأوروبي الشريك الإستراتيجي الأول لتونس، حيث يستأثر الفضاء الأوروبي بنحو 63% من المبادلات التجارية مع تونس مقارنة ببقية بلدان العالم بقيمة تناهز 20 مليار يورو، كما تنشط في تونس نحو 3 آلاف مؤسسة أوروبية، توفر قرابة 300 ألف فرصة عمل أمام الشباب التونسي.
تداعيات سلبية باتفاقية الشراكة بين الطرفين
هذا التصنيف يأتي في وقت حذرت فيه أطراف تونسية عديدة من التداعيات السلبية لاتفاقية الشراكة التي تجمع بلادهم بالاتحاد الأوروبي منذ سنة 1995، وأشارت دراسة أنجزها المعهد التونسي للإحصاء (معهد حكومي) بالتعاون مع البنك الدولي، وصدرت نتائجها سنة 2013، إلى أن النسيج الصناعي التونسي فقد نحو 55% من مكوناته خلال الفترة بين 1996 و2010، وذلك نتيجة تنفيذ اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وقدرت عدد فرص العمل المفقودة خلال الفترة نفسها بما بين 300 ألف و500 ألف موطن شغل.
في غضون ذلك، تتفاوض تونس منذ سنة مع الاتحاد الأوروبي، لتعميق اتفاق الشراكة من خلال اتفاق حر شامل مع الاتحاد الأوروبي يُعرف باسم “أليكا”، ويشمل الاتفاق الجديد تحرير قطاعي الزراعة والخدمات اللذين كانا خارج إطار التبادل الحر السابق، وهذا الوضع سيمكن الشركات الأوروبية من منافسة المؤسسات التونسية في مجالات حيوية على غرار الإنتاج الفلاحي والقطاع الصحي ومنظومة البنوك وقطاع الطاقة.
تراجع الاقتصاد في السنوات الأخيرة
وحسب وثيقة وزعتها بعثة المفوضية الأوروبية في تونس، فإن اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق، يهدف إلى الحد من الحواجز الجمركية، وتبسيط وتسهيل الإجراءات الجمركية عبر تحرير تجارة الخدمات بضمان حماية الاستثمار، وتقريب القوانين الاقتصادية في مجالات تجارية واقتصادية عدة، كما يعمل على وضع أسس فضاء اقتصادي جديد مشترك بين الاتحاد الأوروبي وتونس، وضمان اندماج تدريجي أكبر للاقتصاد التونسي في السوق الأوروبية الواحدة، وإيجاد إطار قانوني اقتصادي قريب جدًا أو مماثل لما هو موجود في بلدان الاتحاد الأوروبي.
وترفض العديد من الأطراف التونسية، الصيغة الحاليّة لاتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق التي يتم التفاوض بشأنها، بدعوة أنها ستضر أكثر بالاقتصاد التونسي وستعجل بانهياره، فخضوع عديد من القطاعات الاقتصادية وفتحهما أمام المنافسة مع الأوروبيين سيكون له تداعيات مهمة على مئات المؤسسات التونسية الصغرى غير القادرة على منافسة عمالقة أوروبا في المجال الاقتصادي، وسيؤدي إلى إمكانية اضمحلال ما يقارب 40% من المؤسسات الوطنية.