أعلن الزعيم الأهلي ذو الصيت الواسع في إقليم دارفور، موسى هلال، في 22 أبريل/نيسان الحاليّ، وقوفه مع مؤسسات الدولة وخلف الجيش ضد قوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو “حميدتي”، من أجل الحفاظ على أمن واستقرار السودان.
يتزعم موسى هلال عشيرة المحاميد، وهي أحد أفرع قبيلة الرزيقات التي ينحدر منها معظم قادة ومقاتلي قوات الدعم السريع، كما يرأس مجلس الصحوة الثوري، وقد ذاع صيته لقيادته مليشيات الجنجويد في دارفور التي استخدمتها نظام الرئيس المعزول عمر البشير في حملة قمع حركات التمرد في الإقليم الواقع غرب السودان.
مفاجأة غير متوقعة
سخر موسى هلال من سردية قوات الدعم السريع التي تزعم خلالها أنها تُقاتل الجيش من أجل تدمير دولة 1956، وهو العام الذي نال فيه السودان استقلاله من الاستعمار البريطاني، وقال إنهم لا يدرون معنى دولة 56.
وشدد على ضرورة الدفاع بكل قوة وتقوية النسيج الاجتماعي، متعهد بمحاربة الظواهر السالبة التي ترتكبها عناصر قوات الدعم السريع في مناطق ولاية شمال دارفور التي تحاول السيطرة عليها لإحكام قبضتها على إقليم دارفور بعدما استطاعت طرد الجيش من بقية مناطقه.
سيرة موسى هلال من شخص باطش إلى معارض شرس ومن ثم إلى مسجون يخضع لمحاكمة عسكرية، إضافة إلى كونه زعيم عشيرة المحاميد، جعلته يتمتع بنفوذ واسع وسط القبائل العربية في شمال دارفور ويحظي باحترام الجماعات المسلحة
ويعتبر موقف هلال، مفاجأة غير متوقعة، نظرًا لتوقيع مجلس الصحوة الثوري قبل أسبوع من الإدلاء بتصريحاته اتفاقًا مع قوات الدعم السريع، تمثلت بنوده في احتفاظ الأول بجيشه ومعسكراته وعدم إضرار أي طرف بمصالح الطرف الآخر.
ووقع الاتفاق بعد تفاهمات بين الطرفين، بموجبها منحت قوات الدعم السريع موسى هلال مبلغ 900 مليون جنيه (الدولار الواحد=1350 جنيهًا تقريبًا) نظير الأموال والسيارات التي استولت عليها عند اقتحامها معقله بمنطقة مستريحة بولاية شمال دارفور، وهو الاقتحام الذي جرى اعتقاله فيه بطريقة مهينة كما سنرى بعد قليل.
وظل هلال منذ إطلاق سراحه يُهادن قوات الدعم السريع، لكنه وجه إليها انتقادات في 25 فبراير/شباط هذا العام خلال مخاطبته قوات مجلس الصحوة الثوري العائدة من ليبيا، قبل أن يعلن وقوفه مع الجيش.
الوصول إلى الخلافات
لمع نجم موسى هلال المولود عام 1961، بعد أن استعان به نظام الرئيس عمر البشير في حملة قمع حركات دارفور المسلحة التي بدأت تقاتل في 2003، حيث حشد الرجل عشيرته وقبائل أخرى ليقاتلوا بضراوة الحركات نيابة عن الحكومة، كقائد لما عُرفت بمليشيات الجنجويد التي تطورت لاحقًا إلى قوات حرس الحدود التي وقف على رأسها.
صاحب عملية قمع حركات دارفور ارتكاب فظائع ضد المدنيين، ما جعل مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة يحول التحقيق في هذه الجرائم إلى المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت أوامر توقيف بحق الرئيس عمر البشير ووزير دفاعه عبد الرحيم محمد حسين ونائبه في الحزب الحاكم أحمد هارون، واتهمتهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ولم تشمل أوامر التوقيف الصادرة من الجنائية موسى هلال رغم أنها ضمت شريكه علي عبد الرحمن “كوشيب” والذي تُجرى محاكمته بعد أن سلم إليها نفسه طواعية، لكن الأمم المتحدة فرضت حظرًا على هلال الذي أدرجت اسمه على لائحة الأفراد الذين يواجهون عقوبات لارتكابهم فظائع تتعلق بحقوق الإنسان.
وكافأ البشير موسى هلال لمشاركته الفعالة في قمع الحركات المسلحة والمجتمعات التي يُزعم أنها القاعدة الاجتماعية للتمرد، بتعيينه مستشارًا في ديوان الحكم الاتحادي وانتخابه نائبًا في البرلمان بترشيح من الحزب الحاكم آنذاك، لكن سرعان ما بدأت الخلافات بينها.
لا شك أن النظام السابق استشعر خطورة هلال عندما تواصل مع الحركات المسلحة وأجرى المصالحات الاجتماعية، الأمر الذي منحه نفوذًا إضافيًا
واتخذ هلال من مستريحة معقلًا، يُرسل منه انتقادات إلى قادة النظام السابق من بينهم نائب رئيس الجمهورية حسبو محمد عبد الرحمن ووالي شمال دارفور محمد يوسف كبر، ليبدأ بعدها في إجراء اتصالات مع الحركات المسلحة من أجل التوصل إلى تفاهمات حول العمل المشترك.
حاول النظام السابق إنهاء الخصومة مع هلال، فأرسل إليه مساعد رئيس الجمهورية ونائبه في الحزب إبراهيم غندور الذي عقد معه لقاءً في مقر قيادة الجيش بمدينة الجنينة عاصمة ولاية شمال دارفور، وحضر هلال اللقاء مرتديًا الزي العسكري في رسالة واضحة أنه يفضل الحلول العسكرية.
وبعد فترة هدوء استقر فيها موسى هلال في العاصمة الخرطوم، عاد إلى مستريحة حاشدًا حوله قوات حرس الحدود، مستفيدًا من الأموال الضخمة التي يجنيها من التنقيب عن الذهب في جبل عامر، لتمويلها. بعد ذلك انتقل الرجل إلى عقد مصالحات بين عشائر دارفور.
لا شك أن النظام السابق استشعر خطورة هلال عندما تواصل مع الحركات المسلحة وأجرى المصالحات الاجتماعية الأمر الذي منحه نفوذًا إضافيًا، فعمد إلى تشكيل مؤسسة عسكرية موازية لقوات حرس الحدود أطلقت عليها قوات “الدعم السريع” بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي” الذي ينحدر من عشيرة الماهرية، وهي فرع آخر في قبيلة الرزيقات.
بداية خلافات أبناء العمومة
لم يرحب موسى هلال بخطة حكومية لجمع السلاح من أيدي المدنيين ودمج قوات حرس الحدود في قوات الدعم السريع، حيث هدد أبرز مساعديه في مجلس الصحوة الثوري، هارون مديختر، بالخروج عن سلطة الدولة إذا مضت في تنفيذ خطتها.
واعتقلت قوات الدعم السريع حرس موسى هلال الشخصي وعددًا من معاونيه قرب الحدود السودانية الليبية، ليبدأ في حرب كلامية أفضت إلى اعتقال الدعم السريع لهارون مديخير.
ووصلت الخلافات إلى طريق مسدود، بعد تعرض القائد البارز في قوات الدعم السريع، عبد الرحيم جمعة، وهو ابن عم وصهر حميدتي، لكمين من قوات تابعة لموسى هلال قرب مستريحة، أسفر عن مقتله مع 6 آخرين.
وفي 28 يونيو/تشرين الثاني 2017، اقتحمت قوة من الدعم السريع معقل موسى هلال في أثناء تلقيه العزاء في وفاة والدته، حيث اُعتقل مع ثلاث من أبنائه والعشرات من مساعديه وأنصاره، بطريقة مُهينة، وذلك بترحيله في طائرة إلى العاصمة الخرطوم وقد نُزعت عنه عمامته التي تعد رمزًا للهيبة والعزة عند القبائل العربية في السودان.
ولم يخف حميدتي غضبه على موسى هلال، فوصفه بـ”الشيطان الرجيم“، وسرعان ما استحوذ على جبل عامر وكذلك على مقاتلي قوات حرس الحدود الذي فضل بعضهم التجمع في ليبيا هربًا من حملة ملاحقة قوات الدعم السريع.
لا يتوقع أن يصمت حميدتي على تحركات هلال فترة طويلة، لإدراكه أن بذرة فناء قواته تكمن في نفض القبائل يدها عنها، كما أن دعم الجيش المتوقع لموسى هلال يجعله يعزز قواته عددًا وعتادًا
وخضع موسى هلال لمحاكمة عسكرية، بحكم أنه عنصر في قوات حرس الحدود التابعة لوزارة الدفاع، واُتهم بإثارة الحرب ضد الدولة وتقويض النظام الدستوري دون أن تصدر أحكام بحقه أو بحق أبنائه ومعاونيه إلى أن أُفرج عنه في 11 مارس/آذار 2021.
واستغرب الروائي والكاتب الصحفي حمور زيادة، في مقال كتبه آنذاك، ترحيب قادة الحركات بالإفراج عن موسى هلال وزيارة قادة القوى السياسية له في منزله، مذكرًا إياهم بالجرائم التي ارتكبها وشارك في ارتكابها.
هل اقتربت تصفية الخلافات؟
سيرة موسى هلال من شخص باطش إلى معارض شرس ومن ثم إلى مسجون يخضع لمحاكمة عسكرية، إضافة إلى كونه زعيم عشيرة المحاميد، جعلته يتمتع بنفوذ واسع وسط القبائل العربية في شمال دارفور ويحظي باحترام من الجماعات المسلحة.
ظل هلال موجودًا في العاصمة الخرطوم التي نزح منها بعد اندلاع الحرب واستقر في مستريحة، دون أن ينطق بكلمة تمس قوات الدعم السريع التي تمددت عسكريًا وماليًا وسياسيًا وكادت تبتلع الدولة، لشعوره بأنه في موقف ضعف، لكن هذا الضعف تغير عندما وصلت قواته من ليبيا في 25 فبراير/شباط المنصرم.
تواجد موسى هلال في الخرطوم إلى حين اندلاع النزاع، يُفهم منه أن هناك اتفاق بينه وبين حميدتي يقضي بعدم عودته إلى دارفور مقابل الإفراج عنه، لأنه إذا عاد ستجتمع حوله العشائر والقبائل وعندها ستقوى شوكته، وهذا ما حدث بالفعل.
وخلال الفترة السابقة، سعى هلال إلى تعزيز نفوذ وسط القبائل والعشائر في شمال دارفور التي يشعر بعضها بأن الدعم السريع تشكل تهديدًا وجوديًا لها، عاقدًا معهم لقاءات عديدة، ما جعله يشعر بأنه في طريقه إلى استعادة قوته ومجده القديم معلنًا وقوفه مع الجيش دون مواربة.
ولا يستبعد أن يكون هلال قد تلقي دعمًا من الجيش قبل إعلان وقوفه معه، في سبيل تصفية خلافاته مع حميدتي الذي لا يمكن أن يغض الطرف عن تحركات هلال رغم انشغاله بجبهات قتال في مناطق واسعة وضغوط بإنهاء النزاع عبر التفاوض.
من المرجح أن لا يلجأ موسى هلال إلى تصفية خلافاته مع حميدتي في البداية عبر العمل العسكري الذي سيكون خياره الأخير، حيث سيعمل على استمرار جولاته وسط القبائل، يقلل فيها من أهمية الدعم السريع ويشكك في مشروعية وجودها بالحديث عن استعانتها بمرتزقة من الدول المجاورة.
ويمتلك هلال ورقة رابحة في التشكيك بمشروعية الدعم السريع تتعلق بالانتهاكات الفظيعة التي ترتكبها عناصرها، مع ترديد أنها تباعد بين السودانيين وتضر بمستقبل التعايش السلمي، وهنا يستطيع الانتقام من حميدتي أكثر من مواجهته عسكريًا، حيث تعتمد الدعم السريع في التجنيد وحشد المقاتلين على رؤساء العشائر والقبائل الذين يملكون تأثيرًا قويًا.
ويصل هذا التأثير إلى مرحلة إقناع المقاتلين بالتخلي عن المشاركة في الحرب، ولا يستبعد أن يكون هلال يعمل على ذلك حاليًا خاصة أنه الأكثر معرفة بقوات الدعم السريع التي تكونت من حرس الحدود ومليشيات الجنجويد التي كان يقودها.
ولا يتوقع أن يصمت حميدتي على تحركات هلال فترة طويلة، لإدراكه أن بذرة فناء قواته تكمن في نفض القبائل يدها عنها، كما أن دعم الجيش المتوقع لموسى هلال يجعله يعزز قواته عددًا وعتادًا، وهنا ستقع مواجهات أبناء العمومة التي ستكون أشد ضراوة وبأسًا، خاصة أن القتال إذا اندلع سيكون في مناطق مفتوحة.