في الوقت الذي وافقت فيه المحكمة العليا الأمريكية على قرار الرئيس دونالد ترامب بمنع مواطني 6 دول إسلامية من دخول بلادها، قال مسؤولون أمريكيون إن ترامب اتخذ قرارًا بنقل السفارة الأمريكية في “إسرائيل” إلى القدس.
لقيت هذه النية منذ أعلنها ترامب، معارضة شديدة من أطراف مختلفة، بعضها عربي وإسلامي وبعضها أوروبي، حيث أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن قلقه من الخطوة، بالإضافة إلى موقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس وجامعة الدول العربية الرافض للخطوة.
قصة نقل السفارة
تعود قضية نقل السفارة إلى عام 1995 عندما أقر الكونغرس قانونًا يعترف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”، لكن القانون يتضمن بندًا يسمح للرؤساء بتأجيل قرار النقل فعليًا لستة أشهر، لحماية مصالح الأمن القومي، وهو ما فعله الرؤساء الأمريكيون منذ ذلك الوقت حتى الآن، ويوقع الرؤساء الأمريكيون قرارًا كل 6 أشهر بتأجيل الخطوة.
خلال حملته الانتخابية، وعد ترامب باتخاذ القرار، لكنه مع أول موعد للتجديد في يونيو 2017 اتخذ قراره بالتأجيل، بعد زيارة قام بها لـ”إسرائيل” وفلسطين، اعتقاد ترامب أنه قادر على إحياء عملية السلام هو ما دفعه لذلك التأجيل، تجنبًا لتأجيج الغضب وإفشال عملية المفاوضات.
ترددت الأنباء والتوقعات طوال الأسبوع الماضي باتخاذ قرار نقل السفارة هذا الأسبوع، قبل أن يتجه الحديث في اليومين الماضيين إلى التوقع بتأجيل الخطوة، تجنبًا لتأجيج الموقف واستجابة للأصوات الموجودة داخل الإدارة الأمريكية، وهو ما لم يحدث.
ماراثون ترامب والتحقيقات
تلاحق الرئيس الأمريكي تحقيقات في قضية التدخل الروسي في انتخابات الرئاسية، حيث يعتقد أن مسؤولين في حملة ترامب تواصلوا مع روسيا، والأخيرة تدخلت لتوجيه الأصوات للرجل.
باتت التحقيقات التي يجريها روبرت مولر تحاصر ترامب من كل جهة، حيث تم توجيه الاتّهام إلى مايكل فلين مستشار الأمن القومي السابق لدونالد ترامب، وطلب المحقق بيانات من مصرف “دويتشه بنك” الألماني، قيل إنها في إطار تحقيقه عن تدخل روسي محتمل في الانتخابات
كلما حاول ترامب معالجة الأمور فتح على نفسه بابًا أكبر من المشاكل، ففي مايو الماضي، أقال جيمس كومي مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي “إف بي آي” الذي كان يقود التحقيقات في احتمال وجود صلة بين حملة ترامب وروسيا، قال كومي إن ترامب كان يضغط عليه لوقف التحقيقات التي يجريها، فعينت وزارة العدل روبرت مولر مدير التحقيقات الفيدرالي سابقًا، لإجراء تحقيق بالأمر ومنحته صلاحيات موسعة.
في نفس الشهر، حُقق مع جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومستشاره لشؤون الشرق الأوسط، حيث اعتقد المحققون أن لديه معلومات مهمة، خاصة أنه التقى سفير روسيا في واشنطن في ديسمبر الماضي.
باتت التحقيقات التي يجريها روبرت مولر تحاصر ترامب من كل جهة، حيث تم توجيه الاتّهام إلى مايكل فلين مستشار الأمن القومي السابق لدونالد ترامب، وطلب المحقق بيانات من مصرف “دويتشه بنك” الألماني، قيل إنها في إطار تحقيقه عن تدخل روسي محتمل في الانتخابات.
حتى الآن، تم توجيه الاتهام لأربعة أشخاص هم: بول مانافورت المدير السابق لحملة ترامب الانتخابية ونائبه ريتشارد غيتس وجورج بابادوبولوس مستشار السياسة الخارجية في الحملة الانتخابية لترامب الذي أقر بالكذب على المحققين الفيدراليين عن اتصالاته مع الكرملين.
في أغسطس الماضي، شكل المحقق مولر لجنة من المحققين، بعدها بوقت قصير، هاجم ترامب التحقيقات ووصفها بأنها مهينة ومزيفة، وقال إن الديمقراطيين لا يستطيعون الفوز في مقصورات الاقتراع ولذلك فهم يحاولون خداع المستقبل.
ترددت أنباء عن احتمال إقالة وزير الخارجية تيلرسون، سرعان ما نفاها الرجل نفسه وكذلك ترامب، مع إقرارهم بوجود خلافات بينهما في السياسات
تنعكس التحقيقات على أداء ترامب، بالإضافة إلى صراع الأجنحة والإقالات والاستقالات المتكررة لمسؤولين كبار في الإدارة الأمريكية، وتَمَثَل ذلك في التضارب بين ما يقوله ترامب ومسؤولون آخرون، أبرزهم وزير الخارجية ريكس تيلرسون ووزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس وستيف بانون كبير الخبراء الإستراتيجيين.
فمثلاً، قال وزير الدفاع إن الحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران يخدم مصلحة أمريكا الأمنية، وهو موقف مخالف لاعتقادات ترامب الذي قال إنه ينوي عدم الموافقة على إفادة الوكالة الدولية بأن إيران تفي بالتزاماتها في تطبيقها للاتفاق.
أيضًا تبنى وزير الخارجية موقفًا مختلفًا بخصوص قضية كوريا الشمالية، عندما كشف عن فتح خطوط تواصل مع بيونغ يانغ، لكن سرعان ما كتب ترامب بأن تيلرسون يضيع وقته في محاولة لفتح حوار مع رجل الصواريخ.
ستيف بانون كان لديه موقف مشابه لما عبر عنه تيلرسون، حيث قال “لحد الآن لم يتمكن أحد من حل المعادلة، ليس من المعقول أن تنهي حياة 10 ملايين شخص في أول نصف ساعة مستخدمًا أسلحة تقليدية، أنا لا أعرف عما تتحدث، ليس هناك خيار عسكري، لقد تمكنوا منا”، لكن عقب هذه التصريحات أقيل الرجل.
ثمة اعتقاد لدى كثير من المتابعين بأن ترامب يريد لكل الأمور أن تسير على هواه، ويقيل كل من يختلف معه ولا يكبح جماحه إلا تسارع وتيرة التحقيقات التي تقترب منه.
علاقة القرار بالتحقيقات
بالتزامن مع الحديث عن نقل السفارة مطلع هذا الشهر، اعترف مايكل فلين الذي كان مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، بالكذب على السلطات، وسلم نفسه وأعلن تعاونه مع لجنة التحقيقات.
أيضًا اعترف بأن عضوًا رفيعًا جدًا في فريق ترامب أمره بالاتصال بمسؤولين روس، بينما نقلت سي إن إن عن مصادرها أن الشخص المقصود هو جاريد كوشنر صهر ترامب، أيضًا نقلت وسائل إعلام أمريكية أن مايكل فلين مستعد للشهادة بأن ترامب وجهه للتواصل مع الروس.
الصلاحيات غير المحدودة التي يملكها المحقق الخاص التي تخوله فتح قضايا أخرى، تجعل ترامب في حاجة إلى إنجاز يستند إليه، في حين تزيد الخلافات داخل إدارته من عرقلته
في نفس الوقت ترددت أنباء عن احتمال إقالة وزير الخارجية تيلرسون، سرعان ما نفاها الرجل نفسه وكذلك ترامب، مع إقرارهم بوجود خلافات بينهما في السياسات، ويعتقد أنس القصاص الباحث في الشؤون الإستراتيجية أن ريكس تيلرسون هو الممثل الفعلي للولايات المتحدة الأمريكية وأي دولة لا تدرك هذا الواقع فهي تضيع وقتها وتقلل من مكانتها.
في المقابل يرى الصحفي جواد الصايغ أن ترامب يعمل على تحقيق إنجازات سريعة بهدف استمالة أوسع شريحة ممكنة من الشارع الأمريكي، ويقول: وجاءت البداية مع مشروع التخفيض الضريبي الذي عبر مجلسي الشيوخ والنواب، وسيذهب باتجاه الاعتراف بالقدس كعاصمة لـ”إسرائيل”، وإعلان نقل السفارة إليها، مع ربط إنجاز هذه القضية بأمور لوجيستية وقانونية، وانتظار فوز روي مور في انتخابات ألاباما الأسبوع المقبل، ليبادر إلى طرد روبرت مولر من منصبه، متسلحًا بإنجازاته وانعكاساتها الإيجابية من جهة، وهفوات ارتكبها فريق التحقيق الخاص من جهة ثانية.
الصلاحيات غير المحدودة التي يملكها المحقق الخاص التي تخوله فتح قضايا أخرى، تجعل ترامب في حاجة إلى إنجاز يستند إليه، في حين تزيد الخلافات داخل إدارته من عرقلته.