ترجمة حفصة جودة
أدى إعلان الرئيس الأمريكي ترامب المرتقب خطته لنقل السفارة الأمريكية في “إسرائيل” إلى القدس، إلى ضجة كبيرة بين النقاد وزعماء الدول الأجنبية، محذرين من انتفاضة تشهدها الأراضي الفلسطينية وانهيار جهود السلام الفلسطينية – الإسرائيلية.
السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا إعلان تلك الخطوة؟ لقد تحدث ترامب عن رغبته في ضرب “الاتفاق النهائي” بين الإسرائيلييين والفلسطينيين، ونقل السفارة سيجعل واشنطن غير قادرة على القيام بدور الوسيط النزيه في أي محادثات مستقبلية.
في الوقت نفسه سمع ترامب تحذيرات من قادة عرب وأوروبيين ومن رئيس الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس وحتى موظفي وزارة خارجيته، لقد كانت الرسالة اوضحة: نقل السفارة قد يدمر عقودًا من السياسة الأمريكية ويخاطر بإشعال فتيل الاضطرابات في الشرق الأوسط.
ترامب يقوم أخيرًا بما أراده الشعب الأمريكي وما أقرّه المشرعون منذ 22 عامًا
حتى الجمهور الأمريكي يرفض الفكرة، فقد أظهرت البيانات التي نشرها “معهد بروكينغز” (مؤسسة فكرية) مؤخرًا أن 63% من الأمريكيين يعارضون فكرة النقل مقابل31% يؤيدونها، أما الديمقراطيون فهم يعارضون الخطوة بشدة بينما ينقسم الجمهوريون في ذلك بالتساوي تقريبًا.
وللإجابة على معضلة تحول سياسة ترامب، تحدثنا مع مجموعة من الخبراء من مختلف الأطياف السياسية عن رأيهم ونظرياتهم للدافع وراء تلك الخطوة.
نظرية “ترامب يتصرف بطريقة رئاسية”
في البداية تحدثنا إلى بيني أفني أحد مؤيدي “إسرائيل” وكاتب عامود في جريدة نيويورك بوست، من وجهة نظر أفني فهذه الخطوة جيدة، حيث إن ترامب يقوم أخيرًا بما أراده الشعب الأمريكي وما أقرّه المشرعون منذ 22 عامًا، فقد مرر الكونغرس قانونًا عام 1995 يدعو إلى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ولكي تظل في موقعها بتل أبيب ينبغي على الرؤساء توقيع تنازل كل 6 أشهر، هذا ما فعله ترامب في يونيو الماضي وهذا الشهر هو المقرر لتوقيع التنازل أو تمرير القانون.
يقول أفني: “القانون الأمريكي هو الذي قرر نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس، ومعظم الرؤساء الأمريكيين وعدوا في حملاتهم بالقيام بذلك لكنهم تراجعوا بعد ذلك، والقدس أو على الأقل الجانب الغربي منها كان مقرًا لمؤسسات الحكم الإسرائيلي لفترة طويلة، وقد حان الوقت لكي تعترف واشنطن والآخرين بدورها كعاصمة فعالة من خلال إرسال مبعوثيهم إليها”.
وعد ترامب اللجنة العامة للشؤون الأمريكية الإسرائيلية “AIPAC” بنقل السفارة الأمريكية للقدس
وعند سؤال أفني عن نتائج استطلاع بروكينغز قال: “الاستطلاع الحقيقي هو الانتخابات الأمريكية، والأمريكيون اختاروا دائمًا المشرعين الذين يصوتون دائمًا لدعم “إسرائيل عسكريًا ودبلوماسيًا”.
وما زال غير واضح ما الذي سيعلنه ترامب اليوم 6 من ديسمبر، لكن كبار المسؤولين الأمريكيين قالوا إنه من المرجح أن يعترف بالقدس عاصمة “إسرائيل” ويأمر بتقديم خطة لنقل السفارة في المستقبل مع تأجيل تنفيذ الخطوة لـ6 أشهر أخرى.
نظرية “ترامب يتلاعب بقواعده”
قام شبلي تلحمي الباحث الذي أجرى استطلاع بروكنينغز، بتتبع الأرقام، وبينما تشير بياناته إلى رفض الديمقراطيين لنقل السفارة وانقسام الجمهوريين بالتساوي في هذا الأمر، فربما يتجه ترامب إلى دائرة أضيق من المؤيدين، ويقول تلحمي إن المسيحيين الإنجيليين – أحد أكبر القطاعات المؤيدة لترامب في الانتخابات – يوافقون على نقل السفارة بنسبة 53% منهم، بينما يعارض 40% قرار النقل.
هناك مشجعون آخرون يجب وضعهم في الاعتبار، ففي مارس 2016 وعد ترامب اللجنة العامة للشؤون الأمريكية الإسرائيلية “AIPAC” بنقل السفارة الأمريكية لعاصمة اليهود الأبدية – على حد وصفه – القدس.
هذا الإعلان قد يكون جزءًا من موقف أكبر لتهديد الفلسطينيين والضغط عليهم للقبول باتفاقية ضعيفة متخاذلة
هذا الدعم تمت ترجمته إلى نقود، فقد قام لاعب القمار المليونير في لاس فيغاس شيلدون أديلسون بالتبرع بملايين الدولارات لحملة ترامب الانتخابية، وقد عبر أديلسون عن إحباطه من قلة السياسات الداعمة لـ”إسرائيل” من القادمة من الجناح الغربي.
وكما يقول تلحمي، ففي النهاية لن تؤثر هذه الأقلية كثيرًا في ترامب، فلا أحد يراقبه سياسيًا عن كثب، ولن يرحل عنه أحد على المدى القصير من تلك القضية.
نظرية “ترامب يضغط على الفلسطينيين”
لن يكون ترامب الرئيس الأمريكي الأول الذي يتردد اسمه في اختراق العلاقات العربية الإسرائيلية، فقد شارك بيل كلينتون وجيمي كارتر وغيرهم من الرؤساء في اتفاقات سلام مقدسة.
لكن أسلوب ترامب التفاوضي – وفقًا لطريقته في الاتفاقات التجارية وتجاربه السابقة – تتضمن وجود طرف قوي يضيق الخناق على طرف التفاوض الآخر للفوز بالشروط المناسبة، في تلك الحالة تصبح عملية نقل السفارة بالتزامن مع الاتجاه نحو قطع معونات الأمم المتحدة للفلسطينيين وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، طريقة للضغط بقوة على الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
نقل السفارة قد يشعل من غضب العرب ويجبر عباس على الخروج من طاولة المفاوضات
يقول جوش روبنر المحلل بالحملة الأمريكية لحقوق الفلسطينيين إن هذا الإعلان قد يكون جزءًا من موقف أكبر لتهديد الفلسطينيين والضغط عليهم للقبول باتفاقية ضعيفة متخاذلة عندما يعلن ترامب في مطلع العام القادم اقتراحه للسلام.
نظرية “ترامب غير حكيم ومتحيز”
أما أقل التفسيرات المفضلة لمناورات ترامب أنها لا تنبع من إستراتيجية مقنعة على الإطلاق، حتى إن صهره جاريد كوشنر والمبعوث الرسمي جاسون كرينبلات ورجال آخرين بارزين في الشرق الأوسط انحازوا بيأس لـ”إسرائيل”، هؤلاء المساعدون كما يقول تلحمي عديمو الخبرة تمامًا ويعيشون في فقاعة ويقودون ترامب إلى طريق خطير، ربما يرغب ترامب في الوصول إلى اتفاقية سلام لكن الأمر بحاجة لعمل شاق وهو يرغب في طريقة للخروج من ذلك.
نقل السفارة قد يشعل من غضب العرب ويجبر عباس على الخروج من طاولة المفاوضات، ويضيف تلحمي: “لقد توصل فريق ترامب إلى إدراك أن اتفاقية القرن ليس من السهل تحقيقها، لذا من الأفضل إلقاء اللوم على شخص آخر بدلاً من لوم أنفسهم”.
أما بالنسبة لروبنر فالواقع ما زال أكثر كآبة، فجاريد كوشنر وجرينبلات ورفاقهم في “إسرائيل” مثل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لم يخططوا أبدًا لتقديم صفقة حقيقية للفلسطينيين في المقام الأول، ويقول روبنر: “رغم إعلانهم حل تلك القضية بإقامة دولتين، فإن التزامهم الإيدولوجي يتجه نحو احتفاظ “إسرائيل” بالسيطرة الكاملة على 100% من فلسطين التاريخية، دون أي اعتراف بالحقوق الوطنية أو الإنسانية للشعب الفلسطيني”.
المصدر: ميدل إيست آي