ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب تامر الغباشي، ومصطفى سليم، ولويزا لوفلوك
منذ أكثر من ثلاث سنوات، كانت قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة تقصف كل يوم معاقل تنظيم الدولة في العراق وسوريا، والتي بلغت مجملها حوالي 30 ألف ضربة. ولكن منذ يوم 26 تشرين الثاني/ نوفمبر، لم يتم تنفيذ أي غارة جوية.
قبل أسبوع واحد فقط، استعاد الجيش العراقي آخر الأراضي التي كانت تحت سيطرة المسلحين. فضلا عن ذلك، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أن 400 من المارينز المنتشرين في سوريا لمحاربة تنظيم الدولة سيعودون إلى ديارهم. في الحقيقة، يبدو أن هذه المؤشرات تدل على أن تنظيم الدولة قد هُزم، نظرا لانهيار دولة الخلافة التي أعلن عنها التنظيم، بيد أن ذلك لا يعني أن المعركة معه قد انتهت.
علاوة على ذلك، لايزال يتعين على القوات العراقية والسورية تأمين حدود بلدانها التي يسهل اختراقها، والتي كان تنظيم الدولة يسيطر عليها، فضلا عن مطاردة المسلحين الفارين إلى الصحراء. وحتى اللحظة الراهنة، لم يحدد الجيش الأمريكي طبيعة الدور الذي سيضطلع به بعد انتهاء المعارك الكبرى مع التنظيم، على الرغم من أن المسؤولين الأمريكيين والعراقيين اقترحوا أنه من الممكن إجراء تخفيض كبير في عدد القوات الأمريكية المتمركزة على الأراضي العراقية.
في الواقع، يتمثل الأمر الأكثر إلحاحا من ذلك في أن كلا من العراق وسوريا يستعدان لموجة من العنف الإرهابي التي ستكون هجماتها مماثلة للهجوم الذي أسفر عن مصرع أكثر من 300 شخص، والذي استهدف مسجدا في شمال سيناء في مصر، وجدّ في أواخر شهر تشرين الثاني/ نوفمبر. لهذا السبب، ستضطر القوات العراقية إلى التحول نحو لعب دور الشرطي من أجل جمع المعلومات الاستخباراتية وتفكيك الخلايا النائمة التابعة لتنظيم الدولة.
حلّ الأزمة بين الأكراد وحكومة بغداد من شأنه أن يسمح لوحدات مكافحة الإرهاب بالعودة إلى دورها المكلفة به الذي يتمثل في أن تكون درعا واقيا ضد هجمات تنظيم الدولة
في هذا السياق، قال المتحدث باسم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في الحرب ضد تنظيم الدولة، الكولونيل ريان ديلون، إن “القوات الأمريكية تتعاون مع قوات الشرطة ووحدات الجيش المكلفة بمنع مسلحي تنظيم الدولة من شن هجمات في أماكن كانت خاضعة لسيطرتهم”. وأضاف المصدر ذاته أن “قوات التحالف تتوقع عودة قوات تنظيم الدولة إلى جذورهم المتمردة”. ولكن السياسات المتقلبة المتبعة في العراق وسوريا، فضلا عن المنافسات التي تجري حول الأراضين يمكن أن تقوض جهود مكافحة الإرهاب.
في العراق، تم استدراج قوة مكافحة الإرهاب المدربة من قبل الولايات المتحدة إلى خضم مواجهة سياسية وعسكرية بين الحكومة العراقية والأكراد، الذين حاولوا الانفصال عن العراق. ومن المتوقع أن تعود هذه الوحدات إلى مقراتها التي توجد في جميع أنحاء العراق مع اقتراب نهاية المعركة ضد تنظيم الدولة. وفي سياق متصل، أوضح قائد إحدى فرق القوة الثلاث، اللواء سامي العريضي، أنه “تمّ نشر هذه القوات في شمال العراق في المناطق المتنازع عليها بين بغداد وحكومة إقليم كردستان. وهذا يعد شيئا جديدا”.
من جهة أخرى، إن حلّ الأزمة بين الأكراد وحكومة بغداد من شأنه أن يسمح لوحدات مكافحة الإرهاب بالعودة إلى دورها المكلفة به الذي يتمثل في أن تكون درعا واقيا ضد هجمات تنظيم الدولة، التي من المتوقع أن تكون مثل الهجوم الذي جدّ خلال شهر أيلول/ سبتمبر وأسفر عن مقتل أكثر من 80 شخص من الحجاج الشيعة في جنوب العراق.
إلى جانب ذلك، تؤكد هذه الاعتداءات التهديد المستمر الذي يشكله تنظيم الدولة على الرغم من خسائره الإقليمية. وفي سياق متصل، أفاد بعض القادة العسكريين أن “تأمين الحدود العراقية مع سوريا والمنطقة الصحراوية من الجانبين يعد خطوة حاسمة لتجنب إراقة المزيد من الدماء”. وفي الإطار ذاته، أعلن مسؤولون عراقيون أن “الجيش العراقي، بالتعاون مع الميليشيات الشيعية المتحالفة معه، قام بتمشيط نحو 5400 كيلومتر مربع من الصحراء في غرب العراق، إلا أنه لا يزال يتعين عليه ضمان حمايتها”.
أوضح رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، أنه “يتوقع أن تبدأ القوات الأمريكية في خفض عدد قواتها البالغ عددها 5200، لكنها تريد أن يبقى البعض منهم لمواصلة تدريب القوات العراقية حول كيفية جمع المعلومات الاستخباراتية وتبادلها”
في شأن ذي صلة، أفاد قائد عمليات محافظة الأنبار الغربية، اللواء قاسم المحمدي بأن “عملية تمشيط المنطقة شملت طرق تهريب ومخابئ المسلحين التي لم تطأها قدم القوات العراقية منذ 14 سنة، والتي استخدمها التنظيم كمكان لتعبئة الجماعات الإرهابية وتدريبها”. لذلك، يتمثل التحدي الأكبر الذي يواجهه الجيش العراقي في الوقت الراهن في المساحات الشاسعة للقطاع، التي من الصعب تأمينها بالكامل”.
وتجدر الإشارة إلى أن الجيش العراقي استخدم القوات الجوية لتدمير مواقع المسلحين التي توجد في المناطق الشاسعة، نظرا لأنها كانت خالية من المدنيين. وفي هذا الإطار، أشار ديلون إلى أن “القوات العراقية لم تحتج إلى مساعدة القوات الجوية الأمريكية خلال تلك الضربات، ما أثار تساؤلات جديدة حول طبيعة الدور الأمريكي طويل الأمد في العراق”. من جانب آخر، كان الوجود المتواصل للقوات الأمريكية في العراق يثير قلق الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، لذلك طالب قادتهم بانسحاب القوات الأمريكية بعد أن تم إسقاط دولة خلافة تنظيم الدولة.
حيال هذا الشأن، أوضح رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، أنه “يتوقع أن تبدأ القوات الأمريكية في خفض عدد قواتها البالغ عددها 5200، لكنها تريد أن يبقى البعض منهم لمواصلة تدريب القوات العراقية حول كيفية جمع المعلومات الاستخباراتية وتبادلها”. وأثناء مقابلة أجراها خلال خريف هذه السنة، أفاد العبادي أنه “ليس من مصلحتنا ولا مصلحة دول أخرى في المنطقة أن يعيد الإرهابيون تنظيم صفوفهم”. وتابع المصدر ذاته أن “العراق لن يحتفل بالنصر على تنظيم الدولة حتى يتم دحر مسلحي تنظيم الدولة المتمركزين في الصحراء الغربية وإغلاق الحدود مع سوريا”.
في المقابل، لا يزال مستقبل سوريا غامضا. وقد أشارت إدارة ترامب إلى أن القوات الأمريكية يمكن أن يكون لها بعثة مفتوحة هناك حتى يتم التوصل إلى حل سياسي للحرب السورية. وفي هذا الصدد، يحذر الخبراء وقادة القوات المعارضة من تنظيم الدولة الذي لا يزال يشكل تهديدا قويا في سوريا، فضلا عن المناخ السياسي المضطرب في البلاد الذي من شأنه أن يساعد هذه الجماعات المسلحة على إعادة تنظيم صفوفها”.
أوضح الباحث نيكولاس هيراس من مركز الأمن الأمريكي الجديد أن “القوات الخارجية التي ساهمت في إسقاط تنظيم الدولة يجب أن تعطي الولايات المتحدة وشركاءها الوقت لكي يستطيعوا التركيز على إعادة الاستقرار في المناطق التي تمكنوا من استعادتها”
في سياق متصل، أوضح المحلل الأمني الدولي، توبياس شنايدر، أن “الحكومات ترغب في الحديث عن تنظيم الدولة بالاعتماد على المقاييس والأرقام والمدن التي استولى عليها، لكنها تنسى أن تنظيم الدولة يمثل أكثر من وجود على أرض الواقع، لأنه يعد قوة سياسية، وأيديولوجية، تمكنت من التأثير على نمط عيش الأفراد في جميع أنحاء سوريا والعراق. وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أننا لا نقترب من إيجاد حل لهذه الأزمة”.
أما في سوريا، تمكنت حكومة الأسد من استعادة الأراضي التي كانت تحت سيطرة التنظيم، بينما لا تزال معظم مكونات حكومته غير المرغوب فيها موجودة، في حين يقبع عشرات الآلاف من الأشخاص في سجون الحكومة القذرة. فضلا عن ذلك، ازدادت حدة التفاوتات الاقتصادية بسبب اقتصاد الحرب الذي يكافئ الموالين للحكومة، فيما كان يعتمد عدد كبير من السكان على المساعدات المقدمة لهم. كما أفاد رئيس المكتب السياسي للواء المعتصم، المدعوم من البنتاغون ويقاتل تنظيم الدولة، مصطفى السيجري، بأن “هذه المجموعات الإرهابية لن تندثر طالما أن الظروف التي سمحت لها بالازدهار لا تزال قائمة”.
خلال السنة الماضية، واجه لواء المعتصم، المتمركز في الوقت في الراهن في إحدى المقاطعات المحمية عن طريق القوات التركية في شمال سوريا، سلسلة من الهجمات المضادة. وحسب ما ذكره بعض المحللون، “من المحتمل أن تشكل قريبا مشاركة الجماعات المدعومة من قبل إيران والولايات المتحدة في الحرب ضد تنظيم الدولة في سوريا معضلة”. وفي هذا الصدد، أفاد شنايدر “أعتقد أننا نستخف بقيمة الأراضي التي نعتبرها أنها تحت سيطرة القوات المركزية في حين أنها لا تزال تحت سيطرة القوات المحلية، التي ليس من الصعب عليها أن تنتقل من طرف إلى آخر”.
من هذا المنطلق، أوضح الباحث نيكولاس هيراس من مركز الأمن الأمريكي الجديد أن “القوات الخارجية التي ساهمت في إسقاط تنظيم الدولة يجب أن تعطي الولايات المتحدة وشركاءها الوقت لكي يستطيعوا التركيز على إعادة الاستقرار في المناطق التي تمكنوا من استعادتها”. وأضاف المصدر ذاته أنه “يجب أن يكون ذلك مثيرا للقلق بالنسبة للولايات المتحدة وشركائها في سوريا، لأننا نتحدث عن مدى قدرة تنظيم الدولة على زرع عناصره في المناطق التي كانت خاضعة له، حيث يتم تجهيز كل السوريين المحليين في الهياكل الأمنية والحكومية لتحل محله”.
بناء على ذلك، ما يثير القلق بشكل خاص هي الأجزاء التي توجد في شرق سوريا، حيث أقام مقاتلو تنظيم الدولة قاعدة عسكرية لهم. وفي هذا الإطار، أوضح هيراس “أن المنطقة الحدودية المتاخمة للعراق “ستشهد العديد من الاضطرابات مع قيام تنظيم الدولة بتعزيز قوة عناصره المتطرفة خلال الأشهر والسنوات المقبلة”.
المصدر: واشنطن بوست