ترجمة وتحرير: عربي 21
الأمير بدر بن عبد الله بن محمد بن فرحان آل سعود، أمير سعودي لا يعرف الكثير عنه، هو الذي دفع مبلغ 450.3 مليون دولار ثمنا للوحة ليوناردو دافنشي المعروفة باسم “سالفاتور موندي” (وهي لوحة للنبي عيسى عليه السلام وتعني مخلص العالم). وهنا بضعة مشترين آخرين جيوبهم عميقة.
لندن – إنه أمير لا يعرف عنه الكثير ينحدر من فرع بعيد من العائلة السعودية الحاكمة، وليس له تاريخ في جمع اللوحات الفنية، ولا حتى مصدر ثراء عظيم معروف لدى الناس. إلا أن الأمير بدر بن عبد الله بن محمد بن فرحان آل سعود هو الذي اشترى لوحة ليوناردو دافنشي، المعروفة باسم “سالفاتور موندي”، والتي حققت سعرا غير مسبوق بلغ 450.3 مليون دولار في مزاد علني الشهر الماضي، بحسب ما تكشف عنه الوثائق.
هذا الكشف عن أن الأمير بدر هو المشتري، بحسب ما تصرح به وثائق اطلعت نيويورك تايمز عليها، يربط بين واحدة من أكثر الألغاز المثيرة في عالم الفن وبين دسائس القصر في المملكة العربية السعودية التي تهز المنطقة بأسرها. تباهى الأمير بدر باقتناء هذه اللوحة الخلافية لصورة المسيح، والتي تعدّ منافية لتعاليم الإسلام، في الوقت الذي يستبد الخوف بمعظم أعضاء النخبة في المملكة العربية السعودية، بما في ذلك أعضاء في العائلة الملكية نفسها، تحت وطأة حملة كاسحة تشن على الفساد والإثراء الذاتي.
والأمير بدر هذا صديق ومقرب جدا من الشخص الذي يتزعم الحملة ضد الفساد، ولي العهد محمد بن سلمان، البالغ من العمر اثنين وثلاثين عاما.
ولعل اقتناء اللوحة المذكورة بمبلغ 450.3 مليون دولار هو أوضح دليل حتى الآن على انتقائية الحملة التي تشن على الفساد. فأنصار ولي العهد يصورونه على أنه إصلاحي، إلا أن حملة الاعتقالات خارج نطاق القانون غير مسبوقة في التاريخ المعاصر للملكة العربية السعودية، لدرجة أنها باتت تقلق الحكومات الغربية حول الاستقرار السياسي لأكبر منتج للنفط في العالم، وتثير الفزع في صفوف المدافعين عن حقوق الإنسان والمستثمرين على حد سواء، من حيث الخشية على سيادة القانون، وعلى أسواق الطاقة التي تتعرض للتكدير بسبب ما يجري.
يعد إحكام الأمير محمد قبضته على السلطة انقلابا على عقود من الجهود التي بذلها الحكام السابقون في السعودية لبناء الولاء والإجماع داخل العائلة الملكية الحاكمة. وحتى قبل الكشف عن شراء اللوحة بثمن حطم السجلات في مزاد للوحات الفنية في نيويورك من قبل شخص على صلة وثيقة به، كان البذخ الذي يمارسه الأمير محمد قد أثار حفيظة الناس، ومن ذلك شراؤه المتهور قبل عامين في جنوب فرنسا ليخت روسي عملاق يبلغ طوله 440 قدما، بمبلغ نصف مليار دولار.
صرحت ناطقة باسم كريستيز، مؤسسة المزاد التي باعت “سالفاتور موندي”، بأن المؤسسة لا تعلق على هوية أي مشتر أو بائع دون إذن منهم. ولم يجب الأمير بدر على طلب مفصل للتعليق على الأمر. إلا أنه وبينما كانت صحيفة نيويورك تايمز تسعى جاهدة للحصول على إجابة يوم الأربعاء، غرد الفرع الذي افتتح مؤخرا لمتحف اللوفر في أبو ظبي، في دولة الإمارات العربية المتحدة، بأن اللوحة “ستأتي إلى اللوفر في أبو ظبي”. ومعروف أن ولي العهد السعودي حليف مقرب من نظيره في أبو ظبي.
تكشف الوثائق التي وردت من داخل المملكة العربية السعودية، واطلعت عليها صحيفة نيويورك تايمز، عن أن ممثلين عن المشتري، الأمير بدر، لم يسجلوا اسمه كمزايد على اللوحة حتى اليوم الذي سبق البيع. وكان شخصية غير معروفة، ولم يسمع به أحد من قبل، لدرجة أن مدراء مؤسسة كريستيز كانوا يحثون الخطى للتأكد من هويته ومن قدراته المالية. وحتى بعد أن دفع عربونا قدره مئة مليون دولار لكي يتأهل للمزاد، ألح عليه محامو مؤسسة كريستيز، الذين تناط بهم مهمة التحقق من صدقية المزايدين، الإجابة عن سؤالين مباشرين:
أولا: من أين أتى بالمال؟ وثانيا: وما هي علاقاته بالعاهل السعودي الملك سلمان؟
أجابهم الأمير بدر بأن العقارات هي مصدر ثروته، ولكن دون أن يقدم مزيدا من التفصيل، وأخبر مؤسسة المزاد بأنه لا يزيد على كونه واحدا من خمسة آلاف أمير، بحسب ما ورد في الوثائق، وبحسب ما ذكره بعض المعنيين بالأمر.
قبل أقل من أسبوعين على ذلك، وتحديدا في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني، أمر ولي العهد بشن حملة على ما يزيد على مئتين من أكبر الأثرياء في أوساط الأمراء ورجال الأعمال ومسؤولي الحكومة. كانت المملكة تمر بضائقة شديدة بسبب تراجع أسعار النفط خلال السنوات الأخيرة، وكان الأمير محمد بن سلمان يسعى إلى استعادة مئات المليارات من الدولارات التي يزعم أنها مكاسب غير مشروعة.
في عالم الفن، يعد شراء لوحة “سالفاتور موندي” دالا على المكانة المرموقة للمشتري، وإن كان أمرا مثيرا للجدل، حيث إن بعض الخبراء شككوا في أن تكون اللوحة فعلا من رسم الفنان ليوناردو دافنشي. وبعضهم لم يثر إعجابه ما حصل. من الجدير بالذكر أن مالك اللوحة السابق هو الملياردير الروسي دمتري إي. رابولوفليف، الذي اشترى منزلا في فلوريدا من دونالد جيه ترامب بمبلغ 95 مليون دولار قبل ما يقرب من عقد من الزمن. وكان السيد رابولوفليف قد دفع في عام 2013 مبلغا قدره 127.5 مليون دولار ثمنا للوحة -أقل من ثلث القيمة التي دفعت فيها خلال عملية البيع التي تمت الشهر الماضي-وما يزال حتى الآن يخوض معركة قانونية مع تاجر اللوحات الفنية الذي باعه اللوحة بذلك السعر المرتفع جدا، ضمن مجموعة أخرى من المشتريات.
الملاحظ هنا هو أن قيام الأمير بدر بدفع هذا المبلغ غير المسبوق ثمنا للوحة تصور وجه المسيح يعدّ مجازفة لما يمكن أن يشكله ذلك من تحد لمشاعر المسلمين في بلاده. وذلك أن المسيح في عقيدة المسلمين ليس مخلصا، وإنما نبي من أنبياء الله. كما أن معظم المسلمين -خاصة رجال الدين في المملكة العربية السعودية- يعتبرون تصوير الأنبياء عملا غير جائز؛ لأنه ينال من قدسيتهم.
ينحدر الأمير بدر من فرع من العائلة الملكية أدنى مستوى، وهو الفرحان، والذي كان شقيقا لأحد الحكام السعوديين في القرن الثامن عشر الميلادي، فهم ليسوا من سلالة مؤسس المملكة الحديثة الملك عبد العزيز آل سعود. إلا أن الأمير بدر من أقران ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إضافة إلى أنهما تزاملا في مقاعد الدراسة في جامعة الملك سعود في الرياض. وبعد أن آل العرش إلى الملك سلمان، الذي يبلغ الآن من العمر واحدا وثمانين عاما، وعين ابنه الأمير محمد ليدير معظم شؤون الدولة، عين الأمير بندر في عدد من المناصب العليا، بما في ذلك منصب على صلة وثيقة بالعائلة.
ما فتئ فرع سلمان من العائلة الملكية الحاكمة يسيطر تقليديا على المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق، والتي تصدر صحيفة الشرق الأوسط وغيرها من المطبوعات. وبعد ثلاثين عاما من انتقال رئاسة هذه المجموعة من يد واحد من آل سلمان إلى آخر، قرر الملك سلمان وابنه محمد هذه المرة تسليم رئاستها إلى الأمير بدر.
وفي شهر يوليو / تموز، عين الملك سلمان الأمير بدر في منصب حاكم هيئة تشكلت حديثا برئاسة الأمير محمد بن سلمان؛ لتطوير منطقة العُلا، التي تحتوي على مواقع أثرية يأمل ولي العهد في أن يحولها إلى مركز لجذب السياح.
وكان بيان صادر عن الحكومة بشأن هذه الهيئة أشار إلى أن تطوير المنطقة مهم جدا بالنسبة للخطط التي وضعها ولي العهد للملكة، والتي باتت تعرف برؤية 2030. وفي الأسبوع الماضي بثت قناة العربية الإخبارية المملوكة سعوديا تقريرا جاء فيه أن الأمير محمد بن سلمان أخذ صور سلفي مع بعض السكان المحليين بينما كان يجول في الصحراء في عربة ذات دفع رباعي.
إضافة إلى ذلك، يشارك الأمير بدر في مجلس إدارة شركة للطاقة تمارس بعض المهام داخل المملكة العربية السعودية اسمها “إنرجي هولدنغز إنترناشيونال”، وذلك بحسب ما ورد في موقعها على الإنترنت، الذي نشر سيرة ذاتية مختصرة له جاء فيها أنه “واحد من أصغر رجال الأعمال في المملكة العربية السعودية.” (لم يكن واضحا حينها ما إذا كانت الشركة مازالت قائمة وتزاول أعمالها).
وبحسب السيرة الذاتية، فإنه أيضا “رئيس اللجنة المؤسسة” لمجموعة شركات محلية حصلت على رخصة من المملكة لإنشاء شبكة فايبر أوبتيك، وذلك في “شراكة استراتيجية” مع “فيريزون”. من الشائع أن الأمراء الواصلين يستفيدون من خلال تسهيل دخول الشركات العالمية إلى المملكة.
كما أنه يوصف بأنه واحد من مؤسسي أكبر شركات إعادة التدوير وإدارة الفضلات في المملكة العربية السعودية. أما فيما يتعلق بقطاع العقارات، التي صرح الأمير بدر لمؤسسة كريستيز بأنه مصدر أمواله، فتنص السيرة الذاتية على أنه “ومنذ ما يزيد على خمسة أعوام ينشط أيضا في المشاريع العقارية داخل المملكة العربية السعودية، وفي دبي، وفي سائر بلدان الشرق الأوسط،” بما في ذلك بالشراكة مع “الشركات الكبرى المعروفة.” ولم يتسن التأكد من تاريخ وضع هذه السيرة الذاتية.
يبدو أن الأمير بدر عمل مع الأمير محمد بن سلمان على الأقل في واحد من المشاريع الكبرى. وقد قام الاثنان معا بالتقدم من شركة برينت ثومبسون للهندسة المعمارية، التي تتخذ من لوس أنجلوس مقرا لها، طالبين منها تصميم مجمع منتجعات ضخم بالقرب من جدة، وذلك بحسب ما ورد في توصيف المشروع المدون في موقع المجموعة على الإنترنيت.
يتكون المجمع من سبعة قصور للأمراء من فرع آل سلمان من العائلة، تتوزع حول بحيرة صناعية على شكل زهرة. وبحسب ما جاء في التوصيف المدون في موقع المؤسسة على الإنترنت، فإن “بتلات هذه الزهرة الاستوائية تشكل سلسلة من الأطواق الخصوصية في كل واحد منها يقام قصر من القصور السبعة، بشواطئه الخصوصية، وبيوت الضيافة، والحدائق، ومرافق الألعاب المائية التابعة له”.
عندما افتتح المزاد في مؤسسة كريستيز في مدينة نيويورك يوم الخامس عشر من نوفمبر / تشرين الثاني، شارك الأمير بدر عبر الهاتف، وكان يمثله داخل القاعة أليكس روتر، نائب الرئيس لشؤون فن ما بعد الحرب والفن المعاصر في مؤسسة المزاد. كان هناك ما لا يقل عن ثلاثة مزايدين آخرين مجهولي الهوية يتنافسون عبر الهاتف من خلال ممثلين لهم داخل القاعة، التي اجتمع فيها كبار تجار ومقتني اللوحات الفنية في العالم ليشاهدوا المزاد.
افتتح المزاد بعرض بمبلغ مئة مليون دولار تقدم به أحد المزايدين، ممهدا الطريق أمام الآخرين. بدأت العروض تتوالى بزيادة قدرها عشرة ملايين دولار في كل مرة، وسرعان ما وصل المبلغ إلى 225 مليون دولار، متجاوزا بقدر كبير الرقم القياسي الذي حققته المبيعات في المزادات السابقة، وكان ذلك في مزاد لمؤسسة كريستيز عام 2015 الذي دفع فيه مبلغ قدره 179.4 مليون دولار ثمنا للوحة من رسم الفنان بيكاسو تعرف باسم “نساء الجزائر”.
ثم صعد السعر إلى أعلى، في كل مرة بإضافة خمسة ملايين دولار، إلى أن وصل إلى 260 مليون دولار خلال أقل من دقيقتين منذ بدء المزاد. ثم لم يبق إلا مزايدان اثنان مجهولا الهوية، الأمير بدر وشخص آخر يمثله داخل القاعة فرانسوا دي بورتير، رئيس قسم اللوحات الأصلية القديمة في مؤسسة كريستيز.
ثم ارتفع السعر ببطء إلى حين، بزيادات لم تتجاوز في بعض الأوقات مليوني دولار. ولكن، وبعد أن وصل السعر إلى 330 مليون دولار، بدأ الأمير بدر يرفع السعر بكميات ضخمة، وبشكل متزايد. علا صوت شهيق الناس داخل القاعة عندما عرض مبلغ 350 مليون. وهنا قال مدير المزاد: “نبحث عن مزايدة أخرى، أرجوك يا فرانسوا، وصلنا 350 مليون دولار”. فما كان من الجمهور في القاعة إلا أن ضج ضحكا من جرأته.
استمرت المزايدات لما يقرب من تسع عشرة دقيقة منذ بدء المزاد، الذي ما لبث أن ختمه الأمير بدر بإضافة ثلاثين مليون دولار دفعة واحدة، ليصل المبلغ إلى 400 مليون دولار. يشتمل المبلغ النهائي البالغ 450 مليون دولار على رسوم إضافية يدفعها المشتري.
كان الأمير قد أخبر مؤسسة كريستيز بأنه ينوي دفع المبلغ مرة واحدة بمجرد استكمال إجراءات البيع، ولكن، وإزاء السعر المرتفع، الذي لم يكن متوقعا، تم إبرام عقد يتم بموجبه تسديد المبلغ على ست دفعات شهرية، خمس منها تبلغ الواحدة منها 58,385,416.67 دولارا.
أما الدفعة الأخيرة، التي يحل موعدها في الرابع عشر من مايو / أيار، فهي تقل عن ذلك بسنتين اثنين، وتبلغ: 58,385,416.65 دولارا.
المصدر: نيويورك تايمز