أمس الأربعاء، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في خطاب من البيت الأبيض الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة للكيان الإسرائيلي، قائلًا إنه وجه أوامره إلى الخارجية الأمريكية للبدء بنقل السفارة من تل أبيب إلى القدس.
قرار ترامب يأتي في إطار سلسلة محاولات أمريكية وإسرائيلية قديمة، ترمي إلى تهويد القدس الشريف واغتصاب أرض مدينة الخلود، في ظل صمت عربي رسمي مريب وتحركات شعبية متفرقة كبلتها أيدي الحكام.
الأردن يقود جهودًا دبلوماسية
لم يتجاوز الموقف العربي الرسمي، تجاه قرار ترامب، سياسة التنديد كالعادة، حتى إن الملك الأردني عبد الله الثاني اختار تركيا، لبحث الأخطار التي تهدد المدينة المقدسة، في ظل الخذلان الذي وجده من دول عربية كبرى كانت تصدر نفسها أنها المدافع الأول عن القضية الفلسطينية.
وقالت الحكومة الأردنية إن قرار أمريكا الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل سفارتها إليها “يمثل خرقًا لقرارات الشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة”، وشدد الأردن الذي يتمتع بحق الولاية على الأماكن المقدسة في القدس، على أن اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لهذا الكيان لا ينشئ أي أثر قانوني في وضع القدس كأرض محتلة.
عمان دعت إلى عقد قمتين طارئتين عربية وإسلامية بعد أن أبلغ الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أمس ملك الأردن بقراره
وقال الناطق باسم الحكومة الأردنية محمد المومني في بيان إن بلاده ترفض القرار الذي يزيد التوتر ويكرس الاحتلال، والقرار الذي يستبق نتائج مفاوضات الوضع النهائي يؤجج الغضب، ويستفز مشاعر المسلمين والمسيحيين على امتداد العالمين العربي والإسلامي.
وأضاف المومني أن الأردن يؤكد أن القدس قضية من قضايا الوضع النهائي يجب أن يحسم وضعها في إطار حل شامل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الـ4 من يونيو/حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية سبيلاً وحيدًا لتحقيق الأمن والاستقرار والسلام، ووفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
وقبل هذا القرار، قاد ملك الأردن جهودًا دبلوماسية لثني ترامب عن قراره، محذرًا من مخاطره وتداعياته، وفي زيارته الأخيرة إلى واشنطن، نبه الملك عبد الله إلى خطورة الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي ونقل السفارة الأمريكية إليها.
وفي العاصمة التركية أنقرة التي زارها أمس ملك الأردن، حيث التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، جدد الملك تحذيره وأعرب عن قلقه الشديد، وقال في مؤتمر صحفي مشترك مع أردوغان: “حل موضوع القدس يجب أن يكون وفقًا للمفاوضات”، وأضاف أن إنكار الحق الإسلامي والمسيحي في القدس سيعزز العنف.
لقاء العاهل الأردني والرئيس التركي
وكانت عمان قد دعت إلى عقد قمتين طارئتين عربية وإسلامية بعد أن أبلغ الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أمس ملك الأردن ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وقادة آخرين في المنطقة عزمه نقل سفارة بلاده في “إسرائيل” إلى القدس، وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إن المملكة تجري مشاورات مع الدول الأعضاء في الجامعة العربية بصفتها رئيسة القمة العربية، وكذلك مع تركيا التي تتولى رئاسة منظمة التعاون الإسلامي.
المغرب يستدعي سفراء مجلس الأمن
الموقف المغربي أيضًا كان لافتًا، حيث أعلنت الخارجية المغربية الأربعاء في بيان أنها استدعت القائمة بأعمال السفيرة الأمريكية لدى الرباط ستيفاني مايلي وسفراء روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا بحضور سفير فلسطين لدى المملكة جمال الشوبكي مع سفراء الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي لبحث التطورات الأخيرة المتعلقة بوضع القدس.
وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس قد وجه الثلاثاء الماضي رسالة إلى الرئيس الأمريكي عبر فيها عن قلقه العميق إزاء المعلومات عن نيته نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، معربًا عن أمله في تفادي هذه الخطوة، واعتبر الملك محمد السادس رئيس لجنة القدس المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي التي تضم 57 دولة أن هذه الخطوة ستؤثر سلبًا على جهود السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
الاستنكار سيد الموقف لدى الحكم العرب
في مقابل هذه التحركات الأردنية الجادة، لم يجد الحراك العربي غير الاستنكار والتنديد بقرار الرئيس الأمريكي مساء أمس الأربعاء، والخاص بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي ونقل سفارة بلاده إليها.
السعودية
حليفة ترامب، المملكة العربية السعودية التي ما فتئت تسارع الخطى لتقديم فروض الولاء والطاعة للإدارة الأمريكية، لم تفلح إلا في التعبير عن أسفها الشديد، وقال بيان للديوان الملكي إن هذه الخطوة تمثل انحيازًا كبيرًا ضد حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية والثابتة في القدس، وتمثل تراجعًا كبيرًا في جهود الدفع بعملية السلام وإخلالًا بالموقف الأمريكي المحايد من مسألة القدس.
مصر
مصر أيضًا، اكتفت بالاستنكار، حيث استنكرت الخارجية المصرية القرار الأمريكي وأعلنت رفض أي آثار مترتبة عليه، كما أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في اتصال جرى مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس رفضه القرار الأمريكي وما يترتب عليه من آثار.
الإمارات
نفس الشي بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة التي اكتفت أيضًا بالاستنكار والشجب، حيث أعربت خارجيتها عن أسفها واستنكارها الشديدين للقرار الأمريكي، وقالت وزارة الخارجية والتعاون الدولي في بيان لها إن مثل هذه القرارات الأحادية تعد مخالفة لقرارات الشرعية الدولية، ولن تغير من الوضعية القانونية لمدينة القدس، باعتبارها واقعة تحت الاحتلال، ويعتبر انحيازًا كاملًا ضد حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية والثابتة في القدس التي كفلتها القرارات الدولية ذات الصلة وحظيت باعتراف وتأييد المجتمع الدولي.
قطر
حذر أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ترامب من التداعيات الخطيرة لخطوة نقل سفارة واشنطن إلى القدس، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة ستزيد الوضع في الشرق الأوسط تعقيدًا، وتؤثر سلبًا في الأمن والاستقرار في المنطقة.
من جهته، قال مجلس الوزراء القطري في اجتماعه العادي أمس إن هذا التوجه ستكون له تداعيات خطيرة على الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، وشددت الحكومة القطرية على أن توجه واشنطن للاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي “يتنافى تمامًا مع القانون الدولي والقرارات الشرعية الدولية ومع أي جهود جادة لإحلال السلام الدائم على أساس حل الدولتين“.
العراق
العراق كذلك، لم يشذ عن القاعدة، حيث أعلنت وزارة الخارجية العراقية رفض العراق “حكومة وشعبًا” القرار الذي اتخذه ترامب، محذرة من أن هذا القرار سيقود المنطقة إلى ما لا يحمد عقباه، وقالت الوزارة في بيان إنها تؤكد “موقف العراق الدائم والداعم للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني الشقيق، وفي مقدمتها إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف”.
تونس
من جهتها اعتبرت تونس في بيان لوزارة خارجيتها أن قرار ترامب يهدد جديًا أسس عملية السلام ويدفع المنطقة نحو مزيد من التوتر وعدم الاستقرار، فضلاً عما يمثله من استفزاز لمشاعر الأمة العربية والإسلامية باعتبار رمزية القدس في المنطقة والعالم ومكانتها.
وجددت الخارجية التونسية في بيانها موقفها المبدئي الثابت الداعم للقضية الفلسطينية العادلة والمساند لها، داعية المجموعة الدولية للامتناع عن اتخاذ أي خطوات أو إجراءات من شأنها أن تمثل اعترافًا علنيًا أو ضمنيًا بضم الكيان الإسرائيلي للقدس.
السودان
جمهورية السودان، اكتفت في بيان لوزارة خارجيتها برفضها لقرار ترامب، واعتبرته انتهاكًا صارخًا لقرارات الشرعية الدولية، وتعديًا سافرًا على حقوق الشعب الفلسطيني، وأضاف البيان أن “القرار يمثل استفزازًا لجميع أهل الديانات، ويشكل تهديدًا للأمن والسلم الدوليين، وستكون له تداعيات خطيرة علي أمن واستقرار المنطقة”.
لبنان
استنكر لبنان قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، محذرًا من التداعيات الخطيرة لهذه الخطوة على عملية السلام في الشرق الأوسط، وأكد الرئيس اللبناني ميشال عون، في بيان صدر عنه مساء اليوم الأربعاء، أن “قرار الرئيس الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل” يهدد عملية السلام واستقرار المنطقة”.
فيما اعتبر رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، في بيان، أن “القرار الأمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل” وبنقل السفارة إليها خطوة يرفضها العالم العربي وتنذر بمخاطر تهب على المنطقة”.
الجزائر
أعربت الجزائر عن انزعاجها من قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، واصفة القرار بالخطير ومعتبرة إياه انتهاكًا صارخًا للوائح مجلس الأمن ذات الصلة والشرعية الدولية، وأشارت الجزائر إلى أن قرار ترامب، يقوض إمكانية بعث مسار السلام المتوقف منذ مدة طويلة، ويحمل تهديدات خطيرة على سلم وأمن واستقرار المنطقة التي تعاني في الأساس من ويلات الحروب.
تركيا
الخارجية التركية بدورها نددت بقرار الولايات المتحدة الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي بوصفه “غير مسؤول” ودعت واشنطن إلى إعادة النظر في “هذا القرار المعيب الذي قد يؤدي إلى نتائج سلبية للغاية وتفادي الخطوات غير المحسوبة التي ستضر بالهوية المتنوعة ثقافيًا والوضع التاريخي للقدس”.
أردوغان:”سنواصل هذا الكفاح بتصميم حتى النهاية، وقد يصل الأمر إلى حد قطع علاقاتنا الدبلوماسية مع “إسرائيل””
وقبل ذلك حذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من تغيير الوضع القائم في القدس، ودعا إلى عقد قمة طارئة لزعماء منظمة التعاون الإسلامي يوم الأربعاء المقبل لبحث الإعلان الأمريكي، وقال أردوغان في مؤتمر صحفي مشترك مع ملك الأردن عبد الله الثاني في أنقرة اليوم الأربعاء إن القدس تخضع لقرارات الأمم المتحدة التي تنص على الحفاظ على وضعها القائم دون تغيير، وأضاف أنه دعا إلى عقد قمة لمنظمة التعاون الإسلامي في 13 من ديسمبر/كانون الأول الحاليّ.
وفي كلمة له أمام برلمان حزب العدالة والتنمية قال أردوغان، الثلاثاء الماضي: “سنواصل هذا الكفاح بتصميم حتى النهاية، وقد يصل الأمر إلى حد قطع علاقاتنا الدبلوماسية مع إسرائيل” مشددًا على أن وضع القدس “خط أحمر للمسلمين”، وقال “لا خطة لدينا ضد الولايات المتحدة، ولكن يبدو أن لدى الولايات المتحدة خطة ضدنا”.
لماذا الاكتفاء بالاستنكار؟
هذا الموقف العربي الباهت تجاه قرار ترامب الأخير يأتي في سياق مواقف سابقة لم تتجاوز الاستنكار والتنديد والشجب بأصوات خافتة خشية سماع ساكن البيت الأبيض بها.
أنظار قادة العرب موجهة لقمع شعوبها وبسط نفوذها وتقوية حكمها
ويدرك الصهاينة والأمريكيون جيدًا الحال البائس الذي عليه المنطقة العربية، ويعرفون أن الفترة الحاليّة تعتبر أعظم فترة ذهبية لهم في تحقيق ما يريدون بأقل الجهود وفي أسرع وقت ممكن للوصول إلى ما يريدون، فالمنطقة مفككة والشعوب ممزقة والدول العربية مشغولة بهمومها.
ويأمل العرب أن يسمعوا يومًا، خبر سحب الدول العربية ذات العلاقات مع “إسرائيل” بعثاتها الدبلوماسية وطرد البعثة الدبلوماسية لدولة الاحتلال ووقف التفاهمات والمفاوضات المعلنة وغير المعلنة كافة، إلا أن الأمر لم يحصل ولن يحصل إذا استمر الحال على ما هو عليه الآن، فأنظار قادة العرب موجهة لقمع شعوبها وبسط نفوذها وتقوية حكمها.
العالم كله منشغل بما يحدث، إلا الحكام العرب فهم غير معنيين بما يصيبهم في الصميم، لا دور لهم سوى التباهي بأن الدولار هو عروتهم الوثقى، وورقة حظهم الخضراء في التبادلات التجارية، ليس لهم إلا التباهي بصداقة ترامب، ليس لهم إلا التسابق لكسب ود ترامب ولو على حساب شعوبهم.
تحركات شعبية غاضبة
في مقابل هذا الصمت الرسمي العربي، خرجت مظاهرات غاضبة ليلة أمس وصباح اليوم الخميس في عدد من الدول العربية، كالأردن وتونس ولبنان، فضلاً عن تركيا، كما دعا ناشطون إلى تنظيم مظاهرات في المغرب.
ونظم مئات الأتراك في عشرات المدن التركية مظاهرات بالميادين العامة، حيث رفعوا الأعلام التركية والفلسطينية وراية حركة حماس أمام القنصلية الأمريكية في إسطنبول، إلى جانب لافتات كتب عليها “الموت لإسرائيل”، و”القدس عربية إسلامية”، فضلاً عن ترديد هتافات منددة بالولايات المتحدة و”إسرائيل”.
شوارع إسطنبول تنتفض رفضًا لقرار ترامب
وفي العاصمة الأردنية عمان خرجت مظاهرات أخرى رفع خلالها المتظاهرون لافتات منددة بالقرار، كما نظم نواب وقفة أمام السفارة الأمريكية للاحتجاج، واعتصم 17 نائبًا أردنيًا أمام السفارة الأمريكية بعمان ضد قرار ترامب “المرتقب” بنقل السفارة للقدس.
وفي تونس جابت مظاهرات خرجت من المعاهد والكليات شوارع العديد من المدن منها العاصمة، تضامنًا مع فلسطين وتنديدًا بالقرار الأمريكي الأخير، ودعت نقابة الصحفيين التونسيين، عموم الصحفيين إلى مقاطعة نشاط سفارة أمريكا ببلادهم ومقاطعة المنتجات الأمريكية كذلك.
مسيرة في العاصمة تونس
وفي لبنان، جابت مسيرات عدة مخيمات لللاجئين الفلسطينيين، ومنها مسيرة حاشدة بمخيم برج البراجنة قرب بيروت، وأخرى في مخيم عين الحلوة قرب مدينة صيدا، ومسيرة مماثلة بمخيم الرشيدية قرب مدينة صور، وكذلك في مخيمي نهر البارد والبداوي قرب مدينة طرابلس، في حين أعلنت الفصائل واللجان الشعبية بمخيمات لبنان الإضراب الشامل اليوم الخميس.
حرق صور ترامب
وفي المغرب، دعت مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين والجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني في بيان مشترك الشعب المغربي إلى المشاركة في وقفة شعبية اليوم أمام البرلمان بالعاصمة الرباط الساعة السادسة مساءً بالتوقيت المحلي، كما دعا البيان المواطنين إلى المشاركة في مسيرة بالرباط صباح الأحد المقبل الذي يصادف اليوم العالمي لحقوق الإنسان تحت شعار “من أجل القدس.. مع المقاومة.. وضد كافة أشكال التطبيع”، ودعا أيضًا الشعب المغربي في كل أنحاء البلاد إلى التعبير عن “غضبهم الشديد” بكل الأشكال الاحتجاجية.
حرق العلم الإسرائيلي أمام مقر نقابة الصحفيين المصريين
وفي مصر، نظم عدد من الصحفيين والنشطاء وقفة احتجاجية أمام نقابة الصحفيين المصرية، احتجاجًا على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ودعا المتظاهرون، إلى انتفاضة شعبية مستمرة يومي الخميس والجمعة، لدعم صمود المقدسيين الذين نزلوا للشوارع في انتفاضة جديدة للدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية، وقام المحتجون بحرق علم “إسرائيل” وصور ترامب، فيما قام البعض الآخر بدهس العلم بالأحذية، تعبيرًا عن غضبهم من القرار، واحتفاء الإسرائيليين بالقرار.