يقول روبرت شيلير عالم الاقتصاد الحاصل على جائزة نوبل، إن كل ما يدعم كل فقاعة اقتصادية هي القصة، وما يكسب القصة مصداقية لدى الناس جودة تلك القصة التي تُلهم الكثير من الشباب والمستثمرين، ليس بالضرورة أن تكون تلك القصة شيئًا مستدامًا، وهذا ما يحدث الآن في حالة البيتكوين، قصة مدعومة بجودة معينة، الكل يهرع لشرائها، ارتفاع ضخم في أسعارها، ولكن ماذا بعد؟
في البداية وقبل أن نُعرفك بما الذي يعنيه الاقتصادي روبرت شيلير بمفهموم الفقاعة الاقتصادية، ولماذا قد تكون عملة البيتكوين فقاعة اقتصادية جديدة، دعنا نُعرفك بالعالم “شيلر” نفسه، هو اقتصادي أمريكي حاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد، يعمل الآن أستاذًا للاقتصاد في جامعة “ييل”، واحدة من أعرق الجامعات الأمريكية، عمل كباحث في المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، وكان من أكثر مئة اقتصادي مؤثر في العالم قبل بضعة سنوات من الآن.
للعالم الاقتصادي بحوث كثيرة خاصة بالفقاعات الاقتصادية، أو في سياق آخر اقتصاد الفقاعة أو اقتصاد البالون، وهي الحالة التي تحدث عندما تُسبب المضاربة على سعر سلعة ما تزايد سريع في سعرها بطريقة تؤدي إلى زيادة المضاربة عليها، ليبلغ سعرها مستويات خيالية لم تكن في الحسبان حيال صدور تلك السلعة للمرة الأولى.
اقتصاد البالون
عالم الاقتصاد الأمريكي “روبرت شيلر”
يشبه الوصول السريع للأسعار الخيالية لتلك السلعة بالانتفاخ في البالون، ولهذا تعود التسمية “اقتصاد البالون” أو اقتصاد الفقاعة، يظل الأمر في زيادة خيالية حتى يصل إلى مرحلة “انفجار البالون” أو كما يُحب أن يسميه الاقتصاديون بـ”انهيار السوق” وحدوث هبوط مفاجئ وغير متوقع في أسعار تلك السلعة.
الفقاعة الاقتصادية ببساطة هي دائرة اقتصادية تبدأ بتضخم في أسعار بعض السلع أو الممتلكات، يتبعها ما يُعرف بـ”الانكماش الاقتصادي”، حيث يبدأ ذلك التضخم أو الزيادة الخيالية في الأسعار بشكل لا مبرر له وبشكل مفاجئ مدعوم بقصة ما وتغيير شبه جذري، ليس شرطًا أن يكون مُستدامًا، في سلوك السوق، وعندما لا يوجد مستثمرون يرغبون في شراء تلك السلع أو الأصول بتلك المبالغ الخيالية، تبدأ تلك الفقاعة بالانكماش شيئًا فشيئًا حتى تصل إلى مرحلة انهيار السوق.
يرى شيلر أن كل فقاعة اقتصادية تبدأ بالقصة المحبوكة جيدًا، حيث جاء مخترع البيتكوين مجهول الهوية “ساتوشي ناكاموتو” باختراع عملة افتراضية جديدة ناتجة عن خبرته الفائقة في تشفير العملات، ومن ثم اختفى
يرى الكثير من الاقتصاديين أن اقتصاد الفقاعة هو حالة اقتصادية غير عادلة على الإطلاق، ذلك لأن لها تأثيرًا سلبيًا على الاقتصاد القومي والعالمي، وتُسبب توزيعًا غير عادل للموارد، وذلك في استخدامات غير ضرورية وغير مُثلى، ومن ثم تأتي بكارثة اقتصادية تسبب ضررًا جسيمًا للاقتصاد بعد انهيار السوق من شأنه أن يدفع الاقتصاد القومي والعالمي إلى حالة من الكساد.
كيف ظهر اقتصاد الفقاعة في التاريخ؟
ربما يكون أقرب مثال لاقتصاد البالون أو اقتصاد الفقاعة لك هو المثال الموجود والظاهر بوضوح في الدول العربية التي نشأت من المضاربة في أسواق الأراضي والعقارات وأسواق البورصة، وهو ما نتج عنه ما يُعرف بـ “الأرباح القدرية” أو الأرباح غير المتوقعة “Windfall Profits” وهي الأرباح التي يتم جنيها دون جهد مبذول أو إنتاج فعلي ملموس.
يكون اقتصاد الفقاعة مصحوبًا بنظرية المغفل الأكبر، وهي نظرية تقوم على شراء الشخص لسلعة معينة بسعر أكبر من قيمتها بالمراهنة على إيجاد شخص مغفل أكثر منه يشتري هذه السلعة بسعر أكبر
أما إذا تحدثنا عن الفقاعات الاقتصادية في التاريخ فلا يجب أن ننسى انفجار فقاعة الثمانينيات في اليابان، حين انفجرت فقاعتي حقوق الملكية والعقارات في اليابان مما أدى إلى انخفاض شديد في قيمة حقوق الملكية وفقدت الأراضي 70% من قيمتها بحلول أواخر التسعينيات مما أدى إلى ركود اقتصادي في اليابان بسبب تلك الفقاعات.
ولا ننسى أيضًا انفجار سوق العقارات الأمريكي في 2008، لتمتلك البنوك والمؤسسات المالية رهون عقارية قُدرت بمليارات الدولارات، لتخسر الكثير من تلك المؤسسات أكثر من نصف قيمتها المالية في الأسبوع الأول من عام 2009، مما أدى إلى انكماش اقتصادي كبير أدى إلى أزمة عالمية لم تستطع بعض المؤسسات وبعض الحكومات التعافي منها إلى الآن.
البيتكوين.. فقاعة الاقتصاد الجديدة؟
يأتي الاقتصادي الأمريكي روبرت شيلر متوقعًا أن البيتكوين، عملة الإنترنت الرقمية، أو العملة المشفرة، ما هي إلا مثال واضح لفقاعة من فقاعات الاقتصاد في العصر الحديث، حيث أفنى شيلر بحوثه في اختراع مؤشرات لمراقبة سوق العقارات والأسهم، ومؤشرات تساعد على قياس نسبة الأسعار إلى الأرباح المعدلة بشكل دوري، حيث اخترع مؤشرات تعتبر من أفضل النماذج للتنبؤ بعوائد الأسهم، لذا فإن تنبؤه بأن تكون البيتكوين فقاعة اقتصادية جديدة لا يمكن أن يكون من فراغ.
يرى شيلر أن كل فقاعة اقتصادية تبدأ بالقصة المحبوكة جيدًا، حيث جاء مخترع البيتكوين مجهول الهوية ساتوشي ناكاموتو باختراع عملة افتراضية جديدة ناتجة عن خبرته الفائقة في تشفير العملات، ومن ثم اختفى، وظهر بعده أشخاص يتحكمون في سياسات البيتكوين، القصة محبوكة بجودة الغموض والدراما، جعلت كل من يسمع بالبيتكوين الآن يشعر بالإثارة لمجرد النقاش عن الموضوع، فما بالك بالاستثمار فيها بحسب رأي شيلر في إحدى المقابلات الصحفية.
ولأن اقتصاد الفقاعة مصحوبًا بنظرية المغفل الأكبر، وهي نظرية تقوم على شراء الشخص لسلعة معينة بسعر أكبر من قيمتها بالمراهنة على إيجاد شخص مغفل أكثر منه يشتري هذه السلعة بسعر أكبر، وهذا المغفل الجديد سوف يبحث عن مغفل أكبر وتبقى الدوامة بالبحث عن مغفل أكبر وتنتهي هذه الحلقة عندما يكون آخر من اشترى هو المغفل الأعظم، فالعالم الاقتصادي شيلر يرى أن وصول قيمة البيتكوين لأكثر من عشرة آلاف دولار خلال بضعة سنوات قليلة من صدورها أمر غير منطقي بالمرة.
لا يؤثر الاستثمار في العملة المشفرة بيتكوين على الإنتاج الفعلي للاقتصاد، إلا أنه ما زال متبوعًا بأسلوب القطيع في الاقتصاد، حيث نرى الكل يبيع ويشتري بشكل جماعي ومفاجئ
يؤمن شيلر أن البيتكوين تعتمد كليًا على غموض المستقبل الرقمي بالنسبة للبشر، فالكل يتساءل عن حاله في مستقبل يعتمد على التكنولوجيا المتقدمة بهذا الشكل، فهل سيكون لدى المرء وظيفة؟ هل سيستطيع مواكبة تلك التغيّرات السريعة؟ ولأن الناس غير قادرة على إيجاد إجابة واضحة من الآن، تكون البيتكوين بالنسبة إليهم مصدرًا للأمان والقوة في المستقبل الرقمي كونها العملة الرقمية، وبالتالي الاستثمار فيها بهذا الشكل السريع يبدو منطقيًا بالنسبة إليهم.
لا يؤثر الاستثمار في العملة المشفرة بيتكوين على الإنتاج الفعلي للاقتصاد، إلا أنه ما زال متبوعًا بأسلوب القطيع في الاقتصاد، حيث نرى الكل يبيع ويشتري بشكل جماعي ومفاجئ، ينتج من ذلك زيادة في السيولة وزيادة في عدد المستثمرين المغامرين الراغبين في الاستثمار أكثر وأكثر، وكل ذلك دون إنتاج فعلي وحقيقي على أرض الواقع.
ليس أكيدًا أن تكون البيتكوين هي فقاعة الاقتصاد الأكبر على مدار التاريخ، إلا أن شيلر يؤكد أنها واحدة من أكثر الفقاعات الاقتصادية تأثيرًا على الاقتصاد بالسلب في المستقبل القريب، فالكل اندفع وراء الاستثمار فيها بشكل جنوني دون الانتباه إلى حجم السوق الحقيقي ودون الانتباه إلى أنها ربما تكون مجرد فقاعة اقتصادية قد تتسبب في كساد اقتصادي.