ترجمة حفصة جودة
يقول جيمس زوغبي رئيس المعهد العربي الأمريكي إن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس لن ينهي عملية السلام، لأنه لا وجود لعملية السلام، وأضاف: “لن أقول أيضًا إنه سيضعف الثقة بالولايات المتحدة لأنها خسرت مصداقيتها بالفعل فيما يتعلق بالنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، ما أقوله إنها خطوة غبية محفوفة بالمخاطر، وقد تؤدي إلى إشعال العواطف وتعريض حياة الناس للخطر”.
وبينما يأتي القرار كدلالة على انحياز واشنطن للقدس كما يقول المحللون، فإن رمزيته لا تهين الفلسطينيين فقط لكنها تهين العرب والمسلمين في جميع أنحاء العالم، ويضيف زوغبي: “لقد أصبحت القدس رمزًا للشعور بالألم التاريخي والخيانة التي تعرض لها الشعب العربي، إنه الجرح الذي لا يندمل، وهذا القرار بمثابة وضع الملح في هذا الجرح”.
أكد جريم بانرمان – محلل سابق في الخارجية الأمريكية وعالم بمعهد الشرق الأوسط -، رمزية الأمور في القدس، وعند سؤاله عما تعنيه تلك الخطوة لعملية السلام، أجاب قائلاً: “ما عملية السلام؟”.
كانت المفاوضات التي ترعاها الولايات المتحدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين لإيجاد حل للصراع في إطار حل الدولتين راكدة منذ عام 2014، وفي الوقت نفسه استمرت “إسرائيل” في التوسع في بناء المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية.
نقل السفارة تغيير جوهري في موقف أمريكا التفاوضي
خلال حملة الانتخابات الأمريكية عام 2016، تعهد ترامب بتأمين “الاتفاق النهائي” لإنهاء الصراع، وعليه كلف الرئيس الأمريكي الذي يفخر بمهاراته التفاوضية، صهره جاريد كوشنر بإحياء محادثات السلام بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية، يقول بانرمان: “الاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل” يضر بمحاولات ترامب لحل الصراع، لكن عملية السلام لم تبدأ بالفعل وبالتأكيد هذا القرار لن يساعد في بدئها أبدًا”.
آثار ضخمة
وفقًا لاستطلاع أجراه المعهد العربي الأمريكي “AAI” يوم الثلاثاء، وافق 33% من الجمهوريين على نقل السفارة الأمريكية للقدس بينما عارض 19% منهم هذا القرار وكان هناك نحو 48% من المصوتين غير متأكدين بعد، بشكل إجمالي كان هناك فقط 20% من المستجيبين للاستطلاع يتفقون مع نقل السفارة.
يقول بانرمان إن الاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل” شأن داخلي محلي للوفاء بالوعود الانتخابية، لكن الأمر له آثار ضخمة على الوضع الأمريكي في الشرق الأوسط، كما أن الوضع النهائي لمدينة القدس يجب تحديده بالاتفاق بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي فقط، وأضاف: “إنه تغيير جوهري في موقف التفاوض الأمريكي”.
لكن الولايات المتحدة ما زالت في وضع متفرد يمكّنها من الضغط على كلا الجانبين خاصة الإسرائيلي لتقديم تنازلات، ويقول بانرمان: “هذا الأمر يثير تساؤلات عن موضوعية الولايات المتحدة كطرف تفاوضي في الشرق الأوسط، لكن لكي نكون صادقين فالولايات المتحدة لم تكن غير منحازة أبدًا في أي مفاوضات خلال الـ25 عامًا الماضية”.
هذا الإعلان لن يغير من الواقع العملي في المدينة، فهي تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي بالفعل منذ أكثر من 50 عامًا
يقول حاتم أبو ديّة مؤسس مشارك في شبكة المجتمع الفلسطيني في الولايات المتحدة إن نقل السفارة ليس مفاجئًا فهو يعبر عن وجهة نظر ترامب العالمية، ويضيف: “من الواضح أن ترامب يفتقر حقًا للمعرفة وفهم واحترام التاريخ والمجتمع الدولي وحقوق الشعوب والأمم”.
ويرى أبو ديّة أن سياسة ترامب الخارجية تركز على إضعاف حزب الله في لبنان وكذلك إضعاف سوريا وإيران، كما أنه يرى الفلسطينيين أحد عناصر المقاومة في العالم العربي، ويضيف: “إعلان القدس عاصمة اليهود الأبدية يعني رفض حق تقرير المصير الفلسطيني ورفض حقوقنا في إقامة دولة مستقلة، كما أنه يضع مسمارًا آخر في نعش حل “إقامة دولتين”.
لكن هذا الإعلان لن يغير من الواقع العملي في المدينة، فهي تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي بالفعل منذ أكثر من 50 عامًا، لكن التغيير الذي يصنعه القرار أنه يضع الحقائق على الأرض مما يعزز من موقف الاحتلال.
العلاقات العربية الأمريكية
تعتبر إدارة ترامب نفسها حليفًا قويًا للملكة العربية السعودية والإمارات المتحدة ومصر، وتعاملهم كجزء أساسي من التحالف الإقليمي ضد إيران، لكن رغم التحليلات والهمهمات التي تشير إلى التحالف السعودي الإسرائيلي، فإن القضية الفلسطينية ما زالت قضية محورية لدى الجماهير العربية والإسلامية حتى في العواصم العربية المقربة من الرياض.
يرى بانرمان أن نقل السفارة يضع السعوديين والمصريين في موقف صعب، ومع ذلك فالدول العربية تواجه مشكلات إقليمية ومحلية تجعل القضية الفلسطينة ليست “الأهم” لديهم، وفي النهاية فالعلاقات مع الولايات المتحدة – رغم كل مشاكلها الأخرى – أهم لديهم من أي شيء.
إعلان القدس عاصمة لليهود يعني رفض حق تقرير المصير الفلسطيني
يقول زوغبي إن الموقف الأمريكي من فلسطين يؤثر على قدرة واشنطن على العمل بشكل مباشر مع الدول العربية، ويضيف: “يرغب ترامب في مواجهة إيران والجمع بين العرب والإسرائيلين، وهذا لن يحدث إلا إذا حلّوا قضية فلسطين، الدول العربية تقاتل من أجل الرأي العام في الولايات المتحدة، لكنها لا ترغب في اتخاذ أي خطوات من شأنها أن تؤثر على الرأي العام في بلادها.
قال السفير السعودي في واشنطن خالد بن سلمان في بيان له: “أي إعلان للولايات المتحدة عن وضع القدس قبل الوصول إلى تسويه نهائية قد يكون له عواقب ضارة على عملية السلام، وقد يعزز من التوترات في المنطقة، لكن سياسة المملكة كنت وما زالت مؤيدة للشعب الفلسطيني وقد تم إبلاغ ذلك للإدارة الأمريكية”.
وبالإضافة إلى الحساسية الجيوسياسية للقدس في العالم الإسلامي كله، فهذه المدينة هي موطن المسجد الأقصى، ثاني أكبر مكان مقدس لدى المسلمين، فالقدس قضية عاطفية لدى المسلمين والعرب، ونقل السفارة قد يولد ردود فعل عنيفة، ويضيف زوغبي: “سوف يكون الأمر مروعًا إذا تطور لحدوث أعمال عنف، لكن الخطأ يقع على الأشخاص الذين تسببوا في ظهور هذا العنف”.
وفقًا لوسائل الإعلام الأمريكية فقد حذرت الخارجية الأمريكة جميع سفاراتها حول العالم ودعتهم إلى تعزيز الوضع الأمني تحسبًا لأي احتجاجات عقب إعلان ترامب، ويقول بانرمان: “القدس ليست مجرد قضية فلسطينية، إذا وضعتها في سياق النزاع الفلسطيني الإسرائيلي فقط فلن تفهم أبدًا أهمية القدس، هذا الأمر ربما يسبب ضعفًا في موقف الإدارة الأمريكية، حيث يبدو أنها لا تفهم كيف تؤثر القدس في المنطقة بأكملها وفي العالم الإسلامي كذلك”.
المصدر: ميدل إيست آي