تواصل السلطات العراقية تنفيذ أحكام الإعدام بحق سجناء لديها على خلفية اتهامات بالإرهاب، رغم الإدانات للمحاكمات التي نتجت عنها تلك الأحكام، “بسبب الشوائب الخطيرة في القضاء العراقي، لا سيما في محاكمات الإرهاب، التي تحرم المتهمين من الحق في محاكمة عادلة”.
وبعد استراحة قصيرة مدتها 3 سنوات، منذ 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 حين أعدمت بغداد 21 شخصًا، استأنفت السلطات العراقية حملات الإعدامات الجماعية ذات الطابع السري في 25 ديسمبر/ كانون الأول 2023، لتتواصل منذ ذلك الوقت تنفيذ الإعدامات بصورة تخلو من أي ملمح من ملامح الشفافية، بما في ذلك إبلاغات ذوي الضحايا أو محاميهم أو حتى الضحايا أنفسهم قبل إعدامهم.
حملات إعدامات جماعية
وشهدت الأشهر القليلة الماضية تنفيذ السلطات العراقية عدة حملات إعدام جماعية، معظمها لمعتقلين متهمين بقضايا إرهابية وفق وشايات المخبر السرّي سيّئة الصيت.
ونقلت وكالة “رويترز” عن مسؤولين عراقيين، أن العراق أعدم شنقًا 11 من المتشددين الذين أُدينوا بتهم الإرهاب. فيما قالت منظمة العفو الدولية إن بغداد أعدمت 13 شخصًا على الأقل، 11 منهم لانتمائهم لتنظيم “داعش” واثنين آخران أُدينا بتهم تتعلق بالإرهاب.
وكشف أحد كبار ضباط الشرطة في السجن ومسؤول أمني محلي رفضا الكشف عن اسمهما، أن عمليات الإعدام نُفّذت يوم الاثنين 22 أبريل/ نيسان بإشراف وزارة العدل، وأن جميع الذين أُعدموا مواطنون عراقيون.
وكشفت مصادر مطّلعة أن السلطات العراقية تستعدّ لتنفيذ دفعة إعدام أخرى خلال الأيام القادمة، بعد مصادقة رئاسة الجمهورية عليها رغم المناشدات الدولية بالتريُّث في تنفيذها لوجود الكثير من الشبهات التي تشوبها، بسبب حالات التعذيب ووشايات المخبر السرّي.
يذكر أن العراق نفّذ في فبراير/ شباط الماضي إعدام 5 عراقيين مدانين بتهمة “الإرهاب” في سجن الناصرية، كما أُعدم 13 رجلًا في 25 ديسمبر/ كانون الأول 2023، وهو الإعدام الجماعي الأول منذ إعدام 21 رجلًا في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، فضلًا عن إعدامات لم يُعلن عنها.
تنديد المنظمات
أثارت حملة الإعدامات الجديدة غضب منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية المعنية، والتي أعربت عن قلقها الشديد إزاء هذه الإعدامات، واعتبرت استخدام الإعدام بشكل جماعي ومن دون محاكمات عادلة انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان والقوانين الدولية.
كما دعت هذه المنظمات السلطات العراقية إلى الالتزام بمعايير حقوق الإنسان الدولية، وتوفير عدالة حقيقية ومتوازنة، وعدم اللجوء إلى الإعدام إلا في الحالات المتفق عليها دوليًّا.
وقالت منظمة العفو الدولية، الخميس 25 أبريل/ نيسان الجاري، إنه ينبغي على السلطات العراقية أن توقف فورًا جميع عمليات الإعدام، عقب إعدام 13 رجلًا أُدينوا بتهم إرهاب فضفاضة ومبهمة للغاية.
ورجّحت العفو الدولية وجود العديد من الأشخاص غيرهم ربما أُعدموا سرًّا، وسط انعدام مقلق للشفافية فيما يتعلق بالإعدامات التي نُفّذت في العراق في الأشهر الأخيرة.
ونقلت المنظمة الدولية عن نشطاء ومحامين يمثلون سجناء محكومًا عليهم بالإعدام، أبلغوها أن العشرات من الأشخاص الإضافيين قد أُعدموا منذ 10 أبريل/ نيسان، مضيفين أن السلطات لم تعطِ إشعارًا مسبقًا للسجناء، أو لأسرهم ومحاميهم.
وتصف الباحثة المعنية بالعراق في منظمة العفو الدولية، رازاو صالحي، الإعدامات الأخيرة بأنّها “مروّعة وتُسبّب الإحباط. فعلى مدى سنوات، اُبتلي نظام القضاء في العراق بإرث من الانتهاكات والتجاوزات فيما يخص حقوق الإنسان، ما أدّى إلى الحكم بالإعدام على الآلاف من الأشخاص عقب محاكمات بالغة الجور”.
وحذّرت صالحي من أن “الإعدامات التي تنفَّذ عقب محاكمات لا تستوفي المعايير الدولية لحقوق الإنسان قد ترقى إلى حدّ الحرمان التعسفي من الحياة، وعلى الحكومة العراقية أن تفرض على الفور وقفًا رسميًّا لعمليات الإعدام، وأن تعمل على إلغاء عقوبة الإعدام برمّتها”.
وقابلت العفو الدولية محامية اثنين من الذين أُعدموا في الحملة الأخيرة، والتي أوضحت أن موكلَيها اُحتجزا منذ عام 2008، وقد تعرضا للتعذيب ثم أُرغما على توقيع مستندات لم يُسمح لهما بقراءتها، لكن القاضي رفض طلب إعادة محاكمتهما بذريعة فقدان ملفات القضيتَين.
وأطلقت المنظمة الدولية تحذيرها من أنّ نحو 150 شخصًا معرّضين لخطر الإعدام الوشيك، بعدما صدّق رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد على أحكام إعدامهم، ويُعتقد أن هناك ما يزيد على 8 آلاف سجين محكوم عليهم بالإعدام في العراق.
وفي وقت سابق، تحديدًا في يناير/ كانون الثاني من العام الجاري، قال منظمة هيومن رايتس ووتش، إن “استئناف الإعدامات الجماعية في العراق تطورٌ مريع، ينبغي للحكومة العراقية أن تعلن فورًا عن وقف تنفيذ عقوبة الإعدام، هذا الظلم الهائل تفاقمه الشوائب القضائية الموثقة جيدًا، التي تحرم المتهمين من المحاكمات العادلة”.
غياب الشفافية والعدالة
ويرى العضو السابق في مفوضية حقوق الإنسان بالعراق، علي البياتي، أن الإعلان عن هذه الإعدامات في هذا التوقيت قد يكون نوعًا من الضغط على الطبقة السياسية للمكوّن السنّي الذي ينتمي إليه هؤلاء المعدومون، خاصةً مع تزايد المطالبات بتنفيذ ورقة الاتفاق السياسي التي سبقت تشكيل الحكومة، وكان العفو العام من أبرز بنودها.
ويبيّن البياتي في حديثه لـ”نون بوست”، أنّ مخاوف المنظمات الحقوقية ليست فقط بسبب حكم الإعدام نفسه، بل بسبب غياب الشفافية وتطبيق العدالة، وغياب العمل المؤسساتي الحقيقي في منظومة العدالة العراقية.
وأبدى البياتي استغرابه من إعدام اثنين من هؤلاء رغم فقدان ملف التحقيق الخاص بهما، متسائلًا عن الغاية من وراء تنفيذ حكم الإعدام، رغم وجود شبهات في ملف إدانتهما.
ويضيف: “عندما كنا في مفوضية حقوق الإنسان، وهي أكثر مؤسسة رقابية مختصة في هذا الموضوع، لم يكن بإمكاننا فتح أي ملف من الملفات الجنائية وكأن القضاء العراقي معصوم، وكأن سلطة إنفاذ القانون معصومة ولا يمكن لأي جهة أن تراقب عملها أو تفتح هذه الملفات غيرها”.
وأشار إلى أن تطبيق حكم الإعدام بشكل جماعي ودون إعلام المتهمين أو أهاليهم بتوقيت الإعدام أمر فظيع، ويعدّ مخالفًا لحقوق المتهمين والمحكومين، وينبغي أن يكون هناك احترامًا لهذه الحقوق الأساسية، بما في ذلك حق الإعلام وحق تلقّي معاملة عادلة وبشفافية.
وشدد البياتي على أنه ليس ضد تطبيق القانون وإنفاذ العقوبات لردع الجريمة، لكن لا بدّ أن تكون هناك قوانين واضحة وشفافة، ومؤسسات تنفّذ هذه القوانين بشفافية، ومؤسسات تراقب، ومؤسسات تعيد النظر في التشريعات التي باتت بحاجة إلى تعديلات لتواكب الوضع الحالي.
وينتقد البياتي طريقة تعامل السلطات مع المتهمين بمفهوم الجملة، حيث تعتقل بالجملة وتوجِّه التهم بالجملة وتحكم بالجملة، وهذا بعيد عن مفهوم الدولة ومفهوم حقوق الإنسان، وبعيد عن مفهوم تطبيق العدالة وعن جوهر الديمقراطية.
واختتم حديثه بأنّ السلطات إذا كانت مقتنعة بهذه الأحكام، فلماذا لا تضمن أبسط الحقوق للمحكوم، منوّهًا إلى أن هناك معلومات تؤكد أن الكثير من هذه الإعدامات لا تتم عن طريق الشنق، إنما بواسطة الحقن بالأدوية وغير ذلك، وهذا مخالف للقوانين العراقية.
تُجمع المنظمات الحقوقية التي تتابع عن كثب هذا الملف، على رأسها منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومان رايتس ووتش، على أن الإعدامات التي تطال متهمين بقضايا الإرهاب، تمثّل “ظلمًا هائلًا” (وهذا تعبير استخدمته ذاته مرارًا كلتا المنظمتين في تقاريرهما المنفصلة)، كون تلك الأحكام تشوبها مثالب قضائية مثبتة، ليس أقلها: الحرمان من التمثيل القانوني، وقبول المحاكم باعترافات أخذت تحت التعذيب.