تعتبر القضية الفلسطينية من أبرز الصراعات في منطقة الشرق الأوسط ومنذ عام النكبة سعت جهود فلسطينية وعربية وأجنبية لتوثيق أهم المنعطفات التاريخية والسياسية داخل فلسطين عبر الأفلام التي صورت قضايا فلسطينية مختلفة، مثل عام النكبة والنكسة والهجرة وحق العودة والمجازر المتعددة والانتفاضات وبناء المستوطنات وعمليات الحفر في المسجد الأقصى وبناء جدار الفصل العنصري وحملات الاعتقال والتنكيل بالفلسطينيين.
وخوفًا من نسيان القضية أو ضياع تاريخها وقصص شهدائها ومنضاليها ومدنها، جُسِدت معاناة الفلسطينيين داخل الأفلام الوثائقية والسينمائية حتى يعرف العالم الوجع الفلسطيني في مختلف مراحل حياته، والأهم من ذلك، أن الأفلام تلغي أي فرصة تغيير أو تشكيك بالهوية الفلسطينية وعاصمتها وتاريخها.
الأفلام الوثائقية
النكبة
يعتبر من أفضل الأفلام الوثائقية التي تروي التاريخ الفلسطيني منذ عام 1799 وحتى عام النكبة وما بعدها، موثقًا جميع الخطوات السياسية المختلفة التي مرت بها القضية الفلسطينية في تلك الفترة، وسجل أحداث النكبة عبر سلسلة مكونة من أربعة أجزاء، وهي: خيوط المؤامرة وسحق الثورة والتطهير العرقي والنكبة مستمرة.
تم إنتاج هذا العمل عام 2008 على يد المخرجة الفلسطينية روان الضامن، واستغرق هذا العمل مجهود 16 ساعة عمل يوميًا، بالاعتماد على مصادر وموسوعات وكتب مختلفة، كما ترجمت هذه السلسلة إلى عشر لغات وفاز بعدة جوائز عربية ودولية.
المميز في هذه السلسلة أنها تبدأ بعرض التخطيطات والترتيبات السياسية ببناء دولة إسرائيلية داخل فلسطين قبل النكبة بمئتي عام تقريبًا كدليل على أن المشروع الصهيوني على أرض فلسطين لم يبدأ عام 1948 كما يعتقد الأغلبية.
جنين.. جنين
من أشهر الأفلام الفلسطينية التي توثق حقيقة ما حدث في مجزرة جنين عام 2002 عندما خاض أهالي المخيم معارك دامية ضد المقاتلين الإسرائيليين الذين استخدموا الأسلحة والصواريخ والدبابات لمسح المباني وتسويتها بالأرض، بعد أكثر من شهر من الحصار.
يروي الفيلم عن مجموعة مختلفة من أهالي المخيم الذين يحاولون وصف ما رأوه من هذا الاحتلال، وقام محمد بكري بإخراج هذا الفيلم، وبعد خروج هذا الإنتاج الفني إلى النور، رفعت دعوى على المخرج بتهمة التشهير، كما رفضت لجنة مراقبة الأفلام الإسرائيلية تقديم ترخيص لعرض الفيلم كونه يشوه الحقيقة ويحرض ضد حق “إسرائيل” في الوجود، وحجب لمدة عامين، لكن محكمة العدل العليا ألغت قرار اللجنة وسمحت بعرض الفيلم.
وكرد فعل لحكم المحكمة، أنتجت “إسرائيل” فيلمًا مضادًا باسم “الطريق إلى جنين” وتتلخص أحداثه بأن جنود الاحتلال وجدوا متفجرات في جنين لذلك كان عليهم قتل “المجرمين”.
فيلم خمس كاميرات محطمة
المفاجأة في هذا الفيلم، أن الشخص الذي كتبه وأخرجه يهودي إسرائيلي يدعى جاي ديفيد، وعبر من خلال هذا العمل عن رفضه للسياسة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وهذا بالتعاون مع المخرج الفلسطيني عماد برناط الذي روى قصة بلدته بلعين التي تناضل ضد جدار الفصل العنصري وما يجرى من نمو استيطاني داخل أراضي القرية.
وبخصوص مشاركة ديفيد في هذا الفيلم فيصرح “أعتقد بأن الكثير من وسائل الإعلام أرادت أن تضعني في موقف “انظروا هذا إسرائيلي جميل يقوم بدعم الفلسطينيين”، نحن لم نركز كثيرًا على ذلك، لأن هدف قصتنا إنهاء الاحتلال وتغيير الواقع وليس تجميل العلاقات والقول للجمهور بأن هناك أملًا”.
الجدار الحديدي
تناول المخرج الفلسطيني محمد العطار قضية جدار الفصل العنصري على الأراضي الفلسطينية ومحاصرته للقرى والمدن، وتضييقه لحركة أهالي هذا البلد من خلال الحواجز وعمليات مصادرة الأراضي المستمرة لتوسيع المستوطنات، كما يتطرق في هذا الفيلم إلى توثيق الانتهاكات الإسرائيلية لمواطني المدن الفلسطينية ويسجل معاناتهم اليومية وقصة نزوح البعض إلى الأردن والدول العربية الأخرى.
هذا بالمقارنة مع حياة الإسرائيليين الذين يعيشون على أرض فلسطين برفاهية وسهولة دون خجل أو حرج، وكيف تحاول حكومة الاحتلال تقديم التسهيلات اللازمة لجعل حياتهم أفضل.
الأفلام السينمائية
المتبقي
الفيلم تجسيد لرواية “عائد إلى حيفا” للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني ويقدمه المخرج سيف الله داد، ويصور هذا العمل مساعدة الإنجليز على هجرة اليهود من جميع أنحاء العالم إلى حيفا، ويروي قصة عائلة بولندية يهودية تستولي على طفل ومنزل أسرة فلسطينية اضطرت أمه للخروج بسبب القصف بحثًا عن زوجها الطبيب الذي خرج لمساعدة المصابين.
تستكمل أحداث الفيلم بتغيير اسم الطفل من فرحان إلى موشيه – كما غير اليهود اسم فلسطين إلى “إسرائيل” – الذي يسرقونه من عائلته الفلسطينية التي تموت في نهاية المشهد برصاص الاحتلال وسط الجثث المتناثرة في الشوارع.
يد إلهية
يروي هذا الفيلم قصة حب بين فتى فلسطيني من سكان أراضي 48 وفتاة من سكان الضفة الغربية، ويصور الفيلم صعوبة لقائهم بسبب حواجز التفتيش الإسرائيلية وتحديًا لهذه الظروف القاهرة يقرران اللقاء داخل سيارة على نقطة التفتيش الإسرائيلي، وخلال اللقاء يجلس الثنائي لمراقبة المعاناة التي يمر بها الفلسطينيون على هذه الحواجز.
يعتمد هذا الفيلم بشكل أساسي على الرموز والكوميديا السوداء والإيحاءات والصمت المتمثل بشكل واضح في تعابير الحبيبين اللذين تجمعهما مشاهد حب ودية تناقض الواقع الذي يشاهدنه على الحاجز.
الجنة الآن
يحكي الفيلم قصة حياة شابين فلسطينيين يستعدان للقيام بإحدى العمليات الاستشهادية ضد الإسرائيليين بعد التنظيم مع أحد المنظمات الفلسطينية، إلا أن الأمور لا تسير كما هو مخطط لها، فينجح أحدهم بالتضحية من أجل فلسطين والآخر لا يتمكن من ذلك ويقدم الفيلم تحليلاً سياسيًا وسيكولوجيًا لما يدفع الشباب لتقديم هذه التضحيات عن طريق استعراض حالة اليأس التي وصلوا إليها بسبب عدم قدرتهم على الحصول على جزء من العدالة التي جربوها سابقًا بالحجارة والإضرابات والمفاوضات.
وحالة البؤس هي ما يطالب بتغييرها الفدائيين من خلال العمليات الاستشهادية ليتخلصوا من الجحيم الذي يعيشونه، جدير بالذكر أنه تم ترشيح هذا الفيلم لجائزة الاوسكار وفاز بجائزة غولدن جلوب.
عمر
صدر هذا الفيلم سنة 2013 من إخراج هاني أبو أسعد، وتم تصويره كاملًا في فلسطين وتدور أحداثه عن شاب يدعى عمر يقوم بعبور جدار الفصل العنصري هاربًا من رصاص الاحتلال حتى يقابل حبيبته في الجهة الأخرى، ووسط هذه الصعوبات التي يعيشها، يعرض عليه أحد الضباط الإسرائيليين العمل لصالح الاستخبارات الإسرائيلية بعد تورطه بمقتل جندي إسرائيلي.
يسلط الفيلم الضوء على الحياة الصعبة التي يعيشها الفلسطيني في التنقل بين المدن بسبب الجدار، كما يوضح ارتباط وتعلق وولاء الشباب الفلسطيني بالأرض رغم الظروف الصعبة، ويعرض جانب حساس وبالغ الأهمية وهو استدراج القوات الإسرائيلية آلاف الشباب للتعاون معها للحصول على معلومات مقابل المال أو العلاج الطبي أو تصاريح السفر.
هذه بعض الأفلام التي تروي الحكاية الفلسطينية بتفاصيلها من الداخل ومنذ مئات السنين، وقد يكون الإنتاج ضعيفًا نوعًا ما نتيجة الظروف الاقتصادية والسياسية التي يمر بها الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، إلا أنه لا يمكن إنكار أن السينما الفلسطينية وجنودها استطاعوا أن يقدموا مقدارًا لا بأس به من المعرفة عن التحولات والتحديات المستمرة في فلسطين.