بعد أن ظلت فلسطين جزءًا من الدولة العثمانية لمدة 4 قرون كاملة، لم تعد وسكانها كما كانوا من قبل، فمع هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى، قسمت القوى الاستعمارية المنطقة ضد إرادة الشعوب العربية، وكانت الحدود التي فرضها الاستعمار والتي عكست مصالح الكتلة الأوروبية سببًا في تدمير قرون من العلاقات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية القوية بين فلسطين ولبنان والأردن وسوريا ومصر.
وحين احتلت فرنسا سوريا ولبنان، احتلت بريطانيا الأردن وفلسطين، ما أدى إلى سلسلة من القرارات الكارثية في ظل إدارة الانتداب البريطاني، بدءًا من وعد اليهود بوطن قومي على أرض فلسطين عام 1917 والذي كان بمثابة حجر الأساس للنكبة، ثم مؤتمر سان ريمو، مرورًا بفتح أبواب فلسطين على مصراعيها أمام هجرة مئات آلاف اليهود، وقرار الأمم المتحدة بالتقسيم عام 1947 وما تبعه من نكبات متتالية ما زالت مستمرة وتتخذ أشكالًا وأبعادًا مختلفة.
رغم أن سياسات الاحتلال البريطاني أنهت النظام السياسي والاقتصادي الذي عاشته فلسطين لقرون، وقمعت بوحشية كل الثورات التي سبقت النكبة، كما تسببت في إضعاف البنية الاجتماعية والحياة الثقافية والاقتصادية للمجتمع الفلسطيني، بجانب التواطؤ مع المشروع الصهيوني بغرض تسهيل تسليم البلاد لليهود، فمن اللافت أن العديد من المدن الفلسطينية قبل أن يُستبدل اسمها وسكانها وهويتها، شهدت في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي صحوة فكرية وثقافية، وتطورًا واسع النطاق على المستوى العمراني والزراعي والصناعي والثقافي والاقتصادي والإعلام والفن، والذي كان استمرارًا للمسار العثماني، إذ كانت التنمية والنهضة سمة من سمات الحكم العثماني أيضًا.
تحدى الفلسطينيون الحكم الاستعماري البريطاني والاستيطان الإسرائيلي، فكانت المدن الفلسطينية مكتظة بمختلف المشروعات وتدب فيها الحياة والنشاط في نواحٍ عدة، فقد ازداد عدد السكان ونمت الحرف والأسواق والمؤسسات التعليمية بأشكالها المختلفة، كما تضاعفت المصارف والمؤسسات الصناعية والإنتاج الزراعي، وانتعشت الحياة الثقافية والاجتماعية، لدرجة أن كل مدينة فلسطينية تمتعت بمكانة تجارية وثقافية مختلفة، ما ساعدها في إنشاء علاقات وثيقة مع عواصم عربية مثل القاهرة وبيروت ودمشق، وهو ما ساهمت في ازدهاره البنى التحتية القوية وخطوط السكك الحديدية ووصل الطرق البحرية بالبرية.
على وجه الخصوص، كانت حيفا وعكا ويافا والقدس وغزة بمثابة المراكز الثقافية للحياة الفلسطينية، ونشأت فيهما العديد من الأحزاب السياسية المختلفة والجمعيات والأندية والنقابات المهنية والمشروعات الخيرية.
رافق هذه الطفرة ظهور مجموعة كبيرة من الفرق المسرحية والإذاعات والمطابع الحديثة والمكتبات ودور النشر والصحف والمجلات. وكانت تطبع الكثير من الكتب وتباع بأسعار زهيدة، بجانب ازدهار حركة الترجمة، فترجم الفلسطينيون عددًا كبيرًا من الكتب الفرنسية والألمانية والإنجليزية والإيطالية والروسية إلى اللغة العربية.
ولم يكن الفن غائبًا، فعلي سبيل المثال للتصوير الفوتوغرافي تاريخ طويل في فلسطين، إذ سرعان ما انتشر في أوائل القرن العشرين، وأصبح حرفة مارسها عدد من المصورين المحليين في جميع أنحاء فلسطين، مثل خليل رعد، وغرابيد كريكوريان، وداود صابونجي، وقد وثقوا بعدساتهم العادات والاحتفالات السنوية والأحداث التاريخية، وحياة ومغامرات المجتمع الفلسطيني.
وخلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، كان المشهد الثقافي الفلسطيني مليئًا بالنوادي الأدبية والفكرية ودور السينما والمسارح والمقاهي التي أصبحت أماكن لمناقشة القضايا المهمة للمجتمع.
تزايدت دور السينما في القدس ويافا وحيفا، وحتى 1947 أنتجت فلسطين سبعة أفلام، وفي كتابه “السينما الفلسطينية في القرن العشرين”، يذكر بشار إبراهيم أن تاريخ السينما الفلسطينية يعود إلى عام 1935 عندما صور إبراهيم حسن سرحان فيلمًا وثائقيًا مدته 20 دقيقة عن زيارة الملك سعود إلى فلسطين.
شهدت البلاد أيضًا تطورًا لافتًا في الصحافة الفلسطينية والإعلام والنشر، إذ بلغ عدد الصحف قبل النكبة نحو 206 صحف فلسطينية، ما يدل على اهتمام الناس بمعرفة الأخبار والاطلاع على ما تجدد من معارف، ناهيك عن المجلات المتخصصة التي نشرتها النخب الفلسطينية في الزراعة والهندسة والصناعة وغيرها، وحصة الأسد من الصحافة كانت في يافا وحيفا والقدس، إذ كانت الإذاعة الفلسطينية التي تبث من القدس احتلت المركز الثاني على مستوى الوطن العربي بعد الإذاعة المصرية.
علاوة على ذلك، كان للتعليم شأن كبير في فلسطين قبل النكبة، حيث انتشرت مدارس رسمية مخصصة للفتيات، وفي الواقع شهد المجتمع تحولًا متسارعًا وعلى نطاق واسع من الأمية إلى التعليم بكل أشكاله، وعلى الأقل نصف السكان كانوا يعرفون القراءة والكتابة.
تأسست أيضًا اتحادات لبعض الأنشطة الرياضية، وتَشَكل عدد كبير من الأندية الفلسطينية، حتى أصبحت فلسطين من أكثر الدول العربية اهتمامًا بالرياضة، ففي أبريل/نيسان 1931 تأسس الاتحاد الرياضي الفلسطيني وشكل منتخبًا فلسطينيًا لكرة القدم، وكانت الأنشطة الرياضية جزءًا أساسيًا من مناهج المدرسة، كما حقق رياضيون فلسطينيون بطولات دولية، مثل بطل الملاكمة أديب كمال الذي حاز بطولة الشرق في الملاكمة.
فلسطين خاضت تصفيات كأس العالم مرتين قبل النكبة
أما عن دور المرأة الفلسطينية قبل النكبة، فتشير العديد من الدراسات إلى ازدياد دورها الإنتاجي والاقتصادي وحضورها في المجال السياسي والثقافي والذي لم يكن مستهجنًا، فقد كان للعديد من النساء مركزًا كبيرًا في الحياة الاجتماعية، وأسسن منظمات اجتماعية نسائية لمعالجة قضايا متنوعة كالتعليم والفقر.
كذلك ظهر النشاط السياسي النسائي مشبعًا بإحساس قوي بالهوية، إذ كانت النساء الفلسطينيات ينشطن بقوة ضد الاستعمار والصهيونية، وكن بمثابة حلقة وصل للثوار لنقل المعلومات والمؤنة بجانب الإسعاف المدني ومعالجة الجرحى، كما شكلن جمعيات سياسية ووفودًا ومؤتمرات عدة للإصرار على إلغاء وعد بلفور، مثل “مؤتمر المرأة العربية الفلسطينية” عام 1929، وشاركن من مختلف شرائح المجتمع الفلسطيني بانتظام في احتجاجات الشوارع.
وتظهر مشاهد الاحتجاجات والمظاهرات والانتفاضات التي قام بها الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال البريطاني حيوية المجتمع والوعي المتنامي بين النخبة الحضرية والقرويين الثوريين الذين شاركوا في هذه الأحداث وتفاعلوا سياسيًا واقتصاديًا مع واقعهم، وذلك خاصةً خلال موسم النبي موسى عام 1920، ثم انتفاضة عام 1921، وانتفاضة البراق عام 1929.
كذلك ساهم العديد من الأدباء والمثقفين في الحراك الذي شهدته المدن الفلسطينية، حيث كانت مركزًا لعشاق الفن والثقافة ووجهة العديد من الفنانين المشهورين والمغنين والموسيقيين المصريين والسوريين واللبنانيين، مثل عبد الوهاب وفريد الأطرش وأمين حسنين، وعازف الكمان سامي الشوا، والكوميدي علي الكسار، والملحن عمر الشوا، والأديب مخائيل نعيمه، كما أن معظم الفرق العربية الفنية زارت فلسطين قبل النكبة بشكل متكرر.
وفيما يلي أبرز المدن الفلسطينية التي كانت مركز الثقل الاقتصادي والسياسي، مع العلم أنه قبل النكبة كان يوجد بفلسطين 29 مدينة، فنحو 40% من المجتمع الفلسطيني كانوا يعيشون في المدن الحضرية عشية النكبة وذلك عكس الصورة التي تم تصويرها من أن المجتمع كان قرويًا فقط.
يافا.. عاصمة فلسطين الثقافية والاقتصادية
كانت يافا مركزًا صناعيًا وثقافيًا مزدهرًا ومن أهم المدن الفلسطينية، ولقوة اقتصاد هذه المدينة، كانت قبل النكبة تستقطب أيدي عاملة من مختلف الدول العربية للعمل في قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة، ما يدل على مستوى المعيشة العالي.
ومنذ العصور القديمة، كان ميناء يافا الاستراتيجي البوابة الرئيسية للبحر الأبيض المتوسط، واعتمد اقتصاد المدينة بشكل كبير على القطاعين الزراعي والصناعي والاستيراد والتصدير، بجانب الأشغال المتعلقة بحجاج بيت المقدس.
وقبل النكبة كانت يافا متطورة تكنولوجيًا، حيث انتشرت فيها سكك حديد وكهرباء ومشروعات تجارية واقتصادية ناجحة، ومقاهٍ وفنادق، بجانب انتشار النقابات العمالية والمشروعات الرياضية والاجتماعية، لدرجة أن المدينة كانت على استعداد لإقامة أولمبياد عربية، ويمكن القول بأنها كانت مدينة مكتفية ذاتيًا من كل النواحي ومن الواضح أن السكان تمتعوا بفوائد اقتصادية بفضل النهضة التي شهدتها المدينة.
كما انتشرت في يافا المشروعات الثقافية والاجتماعية بكثرة، فمعظم الصحف والكتب الفلسطينية طبعت ونشرت بها، وقبل النكبة بلغ عدد دور السينما بالمدينة خمسة.
ومن اللافت أنه كان هناك تبادل ثقافي بين يافا والعواصم العربية، حيث استقبلت المدينة كبار الفنانين والمطربين المصريين مثل أسمهان وأم كلثوم، وأحيت الأخيرة مجموعة من الحفلات الغنائية في يافا، ومعظم الموسيقيين المشهورين في الوطن العربي جاءوا إلى يافا في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي.
يروي المؤرخ عادل مناع أن يافا في أوائل القرن العشرين اشتهرت بزراعة البرتقال وتصديره لأوروبا، إذ كان أهل يافا رواد زراعة البرتقال لحد أن البرتقال اليافاوي سيطر على الأسواق العالمية وأصبح مشهورًا في مدن مثل برلين ولندن وباريس، وهذا بالإضافة إلى إنتاج جميع أنواع المواد الاستهلاكية، مثل الصابون وزيت الزيتون، وكذلك البلاط اليافاوي الذي اشتهر بقوة في الأسواق. ومثلما يروى إسماعيل أبو شحادة، أحد سكان يافا الذين عايشوا تلك الفترة، فقد كانت يافا نابضة بالحياة ومزدهرة وثرية.
حيفا.. كوكب الشرق
رغم أن يافا كانت الميناء الأساسي لفلسطين، إلا أن سرعان ما نافستها حيفا التي اكتسبت أهمية كبيرة منذ ربطها بسكك حديدية بالقاهرة ودمشق، إذ ساهم هذا الربط في ازدياد عدد السكان وخلق فرص عمل، بجانب تطور المدينة بشكل كبير خلال حقبة زمنية قصيرة قياسًا بمدن أخرى.
في كتابه “حيفا: الكلمة التي صارت مدينة” يروي المؤرخ وابن مدينة حيفا جوني منصور أن المدينة قبل النكبة تميزت بنعيم كبير في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ومثلما يروي منصور تحولت حيفا من قرية صيادين إلى مدينة صناعية متطورة تحمل كل مكونات المدينة الحديثة، وفي ثلاثينيات القرن العشرين، كانت يافا وحيفا أهم مدينتين ساحليتين في فلسطين، وأصبح ميناء الأخيرة أكبر ميناء في فلسطين.
وانتشرت في حيفا مجموعة من الأسواق التجارية والشركات الأكثر نشاطًا، مع ذلك لم تكن المدينة حاضرة اقتصادية فحسب، لقد ازدهرت عمرانيًا واجتماعيًا وكانت كذلك مكانًا لجذب المثقفين والفنانين المشهورين من الشرق والغرب.
وقبل النكبة كان بحيفا 35 صحيفة ومجلة أسبوعية وشهرية وفصلية، ونافست بيروت على الساحة الثقافية والفنية، وعلى سبيل المثال كان عميد المسرح العربي يوسف وهبي يأتي إلى حيفا مع فرقته رمسيس، كذلك قدم فريد الأطرش 6 عروض، وأم كلثوم قدمت عرضين واكتسبت لقبها “كوكب الشرق” من مقهى اسمه “كوكب الشرق” في حيفا.
القدس.. متحف الخيال الفلسطيني
في أواخر الفترة العثمانية، شهدت القدس نهضة متسارعة في الزراعة والتجارة وطفرة عمرانية، حيث رُصفت الطرق السريعة وتم ربط القدس بيافا ورام الله ونابلس والخليل ومدن أخرى، ما شجع النمو الاقتصادي والديمغرافي في المدينة.
ومنذ عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين، أصبحت القدس مركزًا تجاريًا مهمًا، وتشير العقود التجارية المحفوظة في سجلات محكمة القدس الشرعية، إلى أن حجم التجارة ونوعيتها بمدينة القدس ارتفع بشكل مذهل قبل النكبة، فقد كانت المدينة تصدر صابونها إلى مصر وإيطاليا واليونان عبر ميناء غزة، والحبوب إلى مصر ورودس ودوبروفينك عن طريق ميناء يافا، والقطن إلى فرنسا ومدينة إزمير التركية، إضافة إلى تصدير التحف والتماثيل والهدايا الدينية إلى إسطنبول وإيطاليا والبرتغال وإسبانيا.
رافق التطور السريع في مجال الاقتصاد حركة سياسية نشطة كانت مركز الحراك السياسي الفلسطيني، إذ استضافت القدس اجتماعات وأنشطة القيادة العربية الفلسطينية ومؤتمرات عالمية وعربية، كما زار القدس شخصيات مؤثرة من العالم الإسلامي، مثل الزعيم الهندي محمد علي جوهر. هذا بجانب مجموعة الاحتفالات والطقوس الدينية المعروفة بالمواسم والتي لم تنقطع.
والواقع أن القدس كانت مدينة متقدمة في كل النواحي منذ أواخر العهد العثماني، لكن هذا لم يمنع الفلسطينيين من استكمال مشروعات التحديث وتطوير البنية التحتية للقدس، مثل توصيل الكهرباء إلى أنحاء المدينة كافة، وتحسين وسائل النقل والمواصلات، وبناء الحدائق العامة والمعاهد التعليمية والثقافية ومتحف للآثار.
إضافة إلى تطوير وبناء أحياء بأكملها، مثل أحياء الطالبية والبقعة والقطمون جنوب مدينة القدس، مع ملاحظة أن القدس لم تكن مقسمة إلى شرقية وغربية قبل النكبة، كانت تتألف من المدينة القديمة المسورة والمدينة الجديدة التي بنى الفلسطينيون أحياءها الجميلة خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين، وسكنها أعداد كبيرة من المجتمع الفلسطيني، معظمهم من الطبقة المتوسطة والعليا.
توسعت القدس من جميع النواحي قبل النكبة، وشهدت المدينة الجديدة نموًا مؤسسيًا وماليًا، وبنيت الفنادق الفاخرة في الجانب الغربي من المدينة، ومنها فندق القصر الذي شيده المجلس الإسلامي الأعلى عام 1929، ما يعكس مستوى الحياة التجارية الذي وصلت له المدينة.
يضاف إلى ما سبق، انتشار المكتبات وقاعات القراءة العامة في جميع المدينة، فخلال النصف الأول من القرن العشرين، كانت العائلات الفلسطينية في القدس تفتخر بمكتباتها الخاصة، وكان هناك تنافس بين عائلات القدس على امتلاك أكبر وأفضل المجموعات المكتبية، وهذه المكتبات كانت تفتح أبوابها لعامة الناس، أي أنها لعبت دورًا كمكتبات عامة أيضًا، واللافت كذلك على الصعيد الثقافي أن القدس في عام 1944 كان بها 30 فرقة مسرحية، ما يدل على قوة النشاط المسرحي الذي شهدته المدينة.
إلى جانب هذه الشهية الأدبية المزدهرة، كانت هناك ثروة من المدارس التي قدمت التعليم بالعديد من اللغات الأوروبية في القدس، إذ كانت مدينة ذات مجتمع تعليمي عالٍ وشهدت ثورة تربوية وتعليمية وفكرية، كما كان إحياء الحركة العلمية جزءًا أساسيًا من اهتمامات الحاج أمين الحسيني، وكانت كذلك الكلية العربية بالقدس والتي أغلقها الاحتلال عام 1948، مؤسسة تعليمية رائدة.
إن التعرف على المدن الفلسطينية قبل النكبة، يدحض هجمات إنكار الوجود الفلسطيني والأساطير الاستيطانية الصهيونية التأسيسية، والتي حاولت إخراج الفلسطينيين من التاريخ وروجت أمام العالم أن فلسطين أرض خربة بلا تراث ولا يوجد شيء اسمه “فلسطين”.
والحقيقة أن كل مدينة فلسطينية قبل النكبة بمثابة وثيقة تاريخية تخبرنا عن تماسك النسيج الاجتماعي وازدهار النشاط الثقافي والاقتصادي الذي شهدته البلاد، فرغم النكسات التي أصابت المجتمع الفلسطيني نتيجة 3 عقود من القمع البريطاني، فقد تمكنوا من تجنب الوقوع في اليأس، وحققوا إنجازات رائعة.
هذا الواقع المعيشي قبل النكبة والذي لا يمكن إنكاره أقوى برهان على وجود حياة مزدهرة وشعب لديه آمال ورغبات، ومتطور فنًا واقتصادًا وتعليمًا، لكن مسار الاستيطان الصهيوني أحبط تطلعات الاستقلال وأخرج مجتمعًا نابضًا بالحياة وبلدًا رائعًا عن مساره.