ترجمة وتحرير: نون بوست
تتعدد علامات المعركة الإقليمية بين السعودية وإيران في الشرق الأوسط ما بين الاستقالة المفاجئة (ومن ثم سحبها) لرئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، والأزمة الخليجية مع قطر، بالإضافة إلى المعركة حول النفوذ في العراق ما بعد سقوط تنظيم الدولة، والحروب الأهلية الشرسة في اليمن وسوريا.
في الحقيقة، تأجج هذا الصراع منذ بداية انتفاضات الربيع العربي خلال سنة 2011 مدفوعا بمزيج ملتهب من المنافسة الجيوسياسية، والدينية، والطائفية، والقومية. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لا تُعدّ الطرف الفاعل الرئيسي في هذه المعركة، إلا أنها تضطلع بدور ذو أهمية بالغة. وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، فشل في تخفيف حدة الصراع من خلال محاولة حمل الطرفين على التفاهم. أما بالنسبة للإستراتيجية التي يتبنّاها دونالد ترامب، والمتمثلة في إتباع نهج المواجهة مع إيران، في الوقت الذي يقدم فيه دعما غير مشروط للسعودية، فقد أدت إلى تفاقم الوضع. ومن المرجح أن ُتكلّل سياسة تقع ما بين هذين الموفقين المتناقضين بالنجاح.
تنامي حدة المنافسة الإقليمية
لطالما مثّل التنافس بين إيران والسعودية منذ فترة طويلة سمة من سمات الجيوسياسة الشرق أوسطية. ولكن، تأججت نار هذا التنافس بعد انطلاقة الربيع العربي خلال سنة 2011، حيث تشكلت فراغات أمنية وسياسية في جميع أنحاء المنطقة. من جانبهما، تسابق المتنافسان إلى دعم الأطراف الفاعلة، الحكومية وغير الحكومية، الأكثر ملاءمة لمصالحهما.
مع بداية انتفاضات الربيع العربي، شعرت كل من السعودية وإيران بانعدام الأمان، حيث خشيت إيران من أن تتسبب خسارة أقرب حليفي عربي لها، وهو الرئيس السوري، بشار الأسد، في قطع خطوط الإمداد التابعة لحزب الله، وبالتالي، إضعاف نفوذها في بلاد الشام بشكل كبير. علاوة على ذلك، اعتبرت طهران صعود تنظيم الدولة خلال سنة 2014، الذي كان على بعد 20 ميلا من الحدود الإيرانية، بمثابة حالة طوارئ لأمنها القومي.
اكتسى تقريبا كل نزاع كبير في الشرق الأوسط خلال السنوات السبع الماضية صبغة تنافسية إيرانية سعودية
خلافا لذلك، اعتبرت إيران أن هذه الأحداث تعد بمثابة فرصة لتقويض النظام الإقليمي الحالي بشكل يصب في صالحها في دول على غرار البحرين، حيث احتجت الأغلبية الشيعية ضد العائلة المالكة السنية التي تحكم البلاد. أما في اليمن، كانت لإيران روابط ضعيفة نسبيا مع الطائفة الزيدية الشيعية، بيد أنها اعتبرت انعدام الاستقرار والصراعات هناك بمثابة عامل لإضعاف وتشتيت المملكة العربية السعودية.
علاوة على ذلك، أصابت الأحداث الإقليمية السعوديين بالتوتر، حيث هزّ سقوط الرئيس المصري السابق، حسني مبارك خاصة، الممالك الخليجية التي رأت في ذلك تخلّ للولايات المتحدة عن شريك موثوق به على الرغم من أنه استبدادي، وأصابهم خوف ملاقاة المصير ذاته. في الواقع، عاينت السعودية الأثر الإيراني في جزء كبير من الاضطراب وكانت قلقة من أقليتها الشيعية المتواجدة تحديدا في شرق البلاد. في المقابل، رأى السعوديون أيضا فرصة، خاصة في سوريا للإطاحة بالحليف الأقرب لإيران، وهو ما دفع بالسعودية إلى دعم وتسليح جماعات المعارضة السنية المسلحة في بداية الصراع.
كنتيجة نهائية لذلك، اكتسى تقريبا كل نزاع كبير في الشرق الأوسط خلال السنوات السبع الماضية صبغة تنافسية إيرانية سعودية، على غرار الحرب الأهلية السورية، والحرب في اليمن، والمنافسة السياسية الطائفية في العراق التي أدت في نهاية المطاف إلى قيام تنظيم الدولة. وينطبق الأمر ذاته على التدخل الذي قادته السعودية لسحق الاحتجاجات في البحرين، وإعدام رجل الدين الشيعي السعودي، نمر النمر، والاعتداء على السفارة السعودية في طهران لاحقا (تلتها قطع العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران) والقطع بين مجلس التعاون الخليجي وقطر والأحداث الأخيرة في لبنان.
في معظم هذه الحالات، لم يطلق التنافس الإيراني السعودي الشرارة الأولى التي أججت النار في المنطقة. لكن، مع الانحياز لأطراف معينة مرارا وتكرارا، وتبني موقف متشدد، وتوفير المال والأسلحة والدعم السياسي، والتدخل مباشرة في بعض الأحيان بالاستعانة بجيشيهما، لعبت المنافسة السعودية الإيرانية دور المؤجج لهذا التنافس ما أدى إلى انفجار هذه الصراعات.
التوتر المتعلق بالاتفاق النووي
كان بإمكان إدارة أوباما التركيز على التحدي النووي في الوقت الذي تستمر فيه في بذل المزيد من الجهود لمقاومة الأفعال الإيرانية في المنطقة
في حواره مع الصحفي، جيفري جولدبيرج في مجلة الأتلنتك، صرّح باراك أوباما أن إيران والسعودية تحتاجان إلى تعلم كيفية “تقاسم المنطقة”، بيد أن هذا النهج فشل للأسف في حمل أي من الجانبين على التراجع. في الحقيقة، اختار أوباما منح الأولوية لمسألة احتواء البرنامج النووي الإيراني، وهو ما مثل القرار الصائب. ومن المرجح أن إيران النووية كانت ستُساهم في تصعيد المنافسة الإقليمية بشكل يدفع بالسعودية إلى الرد باستخدام برنامجها النووي.
علاوة على ذلك، كان سيخلق هذا التصعيد منافسة نووية خطيرة بين إسرائيل وإيران، مما كان سيجعل التوازن النووي الباكستاني الهندي، على سبيل المقارنة، يبدو أكثر استقرارا. وعموما، كان سينجر عن تحول إيران إلى دولة نووية تبعات عالمية تتجاوز حدود الشرق الأوسط لتشمل استدامة نظام الحد من انتشار الأسلحة النووية.
مع ذلك، كان بإمكان إدارة أوباما التركيز على التحدي النووي في الوقت الذي تستمر فيه في بذل المزيد من الجهود لمقاومة الأفعال الإيرانية في المنطقة، لا سيما في سوريا حيث كان من الممكن للتدخل الأمريكي المحدود قبل سنوات أن يقود إلى نتيجة مختلفة. من جهتهم، يجادل المنتقدون أن أوباما تخلى عن الشرق الأوسط لصالح إيران لأنه لم يرغب في تعريض الاتفاق الإيراني للخطر، واعتبر أن إيران طرفا فاعلا ويمكن الاعتماد عليه بشكل أكبر.
في المقابل، يتنافى هذا مع ما عشتُه حين عملتُ على المسألة الإيرانية في الحكومة. أولا، كان أوباما واضحا للغاية بشأن مخاوفه من التورط في صراع جديد في الشرق الأوسط في غياب نهاية واضحة. في هذا الصدد، لم يكن جزء كبير من تردده له علاقة بالقلق إزاء تعريض الاتفاق النووي للخطر ولكن ببساطة بعزوفه عن الخطر واقتناعه بقلة الخيارات الجيدة.
علاوة على ذلك، قضى أعضاء من البيروقراطية الكثير من الوقت في التفكير حول سلوك إيران الإقليمي. في المقابل، لم تُدرج هذه القضية على جداول أعمال الاجتماعات رفيعة المستوى، ذلك أن الرئيس وفريقه كانوا يركزون بشدة على المسألة النووية ما جعل من الصعب تناول هذه المسائل الأخرى الهامة والثانوية في الآن ذاته.
كانت الشكوك تراود السعوديين بشكل كبير إزاء المحادثات النووية، في حين اعتبروا أن الاتفاق النووي يعد بمثابة مناورة افتتاحية في صلب المحور الإقليمي من قبل الولايات المتحدة التي أخذت تبتعد عن المملكة وتميل باتجاه إيران
ضمن حكومة عادية، كانت القضايا المتعلقة بالعملية السياسية غير المهمة، بشكل يكفي لوضعها على رأس جدول الأعمال، تُعتبر ذات أهمية أقل. لكن، باعتبار أن الجميع كان على علم بالتزام الرئيس شخصيا بالمسألة الإيرانية، لم يتجرأ أحد على اتخاذ إجراء دون موافقة سلطة عليا، وتمثلت النتيجة النهائية في بقاء العديد من هذه الخطط والأفكار على الرف. وبالنسبة للرئيس، فما فتئ يقول: “يمكننا مضغ علكة والمشي في الآن ذاته”، حيث كان ذلك مثالا على فشل إدارة أوباما في القيام بأمرين معا.
من جانبها، ردّت إيران على هذا النهج الأمريكي بإستراتيجية خاصة بها ذات توجهين. ففيما يتعلق بالبرنامج النووي، مارست إيران ضبط النفس وتوصلت في نهاية المطاف إلى اتفاق مع الولايات المتحدة، حيث فضلت تلك النتيجة على التعرض لعقوبات اقتصادية ساحقة وفرض عزل دولي وإمكانية نشوب نزاع عسكري. لكن، حين يتعلق الأمر بدعمها الإقليمي للبدلاء والوكلاء، واصلت طهران المضي قدما ووجدت مقاومة نشطة ضعيفة. وتمثلت النتيجة النهائية في تحول إيران إلى دولة عدوانية في المنطقة، على الرغم من أنها لا تزال تقدر الالتزام الذي أبرمته مع إدارة أوباما.
أما فيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية، فلم تكن المشكلة الأساسية تتمحور حول كيفية ردع ومقاومة خصم تقليدي، بل كيف سيقع حث حليف دائم على ضبط النفس. ومرة أخرى، تجد إدارة أوباما نفيها عاجزة على التأثير على حسابات المملكة. بالإضافة إلى ذلك، كانت الشكوك تراود السعوديين بشكل كبير إزاء المحادثات النووية، في حين اعتبروا أن الاتفاق النووي يعد بمثابة مناورة افتتاحية في صلب المحور الإقليمي من قبل الولايات المتحدة التي أخذت تبتعد عن المملكة وتميل باتجاه إيران.
علاوة على ذلك، يعتقد السعوديون أن أحجام إدارة أوباما عن الرد على تحركات إيران في المنطقة يعد جزءا من هذه الإستراتيجية. والأهم من كل ذلك، لم تكن نظرة المملكة السعودية تجاه العالم مشابهة لتلك التي يتبناها أوباما. ففي حين كان منظور أوباما للوضع في منطقة الشرق الأوسط، الذي كان يخضع لتأثير العديد من العوامل على غرار الحكم المحلي الهش، يتسم بالاعتدال ونزعة منطقية، كان السعوديون يتعاملون مع الأمور من منطلق متحيز، حيث تمثل إيران مصدر تهديد في كل مكان. لذلك، ما كان يعتبره أوباما واضحا وتقييما للمخاطر، كان السعوديون يرونه شكلا من التردد والضعف.
ساهمت إدارة ترامب في مزيد تدهور الوضع مع إيران، من خلال تقويض جهود إدارة أوباما الإستراتيجية نحو تحقيق الاستقرار الإقليمي وشن هجوم على الاتفاق النووي
نظرا لانعدام الثقة في الولايات المتحدة الأمريكية، عمدت المملكة إلى اتخاذ خطوات أكثر حدة وتعسفا من منطلق ذاتي بحت في ظل شعورها بأنها ليست في مأمن. وقد تجلى ذلك أساسا من خلال العمل على تسليح العديد من الجماعات في سوريا والتدخل في البحرين، فضلا عن التدخل عسكريا في اليمن. من جهتها، حاولت واشنطن أن تبعث الطمأنينة في صفوف السعوديين من خلال عقد اتفاقيات بيع أسلحة ضخمة، علاوة على تقديم مساندة جزئية للتدخل السعودي في اليمن.
بالإضافة إلى ذلك، تعددت الزيارات رفيعة المستوى، وذلك من خلال تفويض شخصيات ذات وزن سياسي، ناهيك عن الاتفاق بشأن منهج توافقي حول العمل المشترك على قضايا الأمن الإقليمي. لكن، لم تساهم أي من هذه التحركات في نهاية المطاف، في تجاوز الشعور الجوهري بانعدام الثقة الذي تبناه السعوديون تجاه إدارة أوباما.
ترامب يجعل الأمور أسوأ
ساهمت إدارة ترامب في مزيد تدهور الوضع مع إيران، من خلال تقويض جهود إدارة أوباما الإستراتيجية نحو تحقيق الاستقرار الإقليمي وشن هجوم على الاتفاق النووي، فضلا عن إعطاء المملكة العربية السعودية الضوء الأخضر لانتهاج سياسات إقليمية أكثر عدوانية. وفي 13 تشرين الأول/أكتوبر، ألقى ترامب خطابا استفزازيا أشار فيه إلى إتباعه نهجا جديدا يتمحور بالأساس حول التصدي لنفوذ إيران المتنامي. ولسوء الحظ، كان الإجراء السياسي الوحيد المفيد الذي جاء به الرئيس ترامب يتمثل في التشكيك في جدوى هذه الصفقة النووية، التي أدّت إلى طيّ صفحة، برنامج الأسلحة النووية الإيراني على الأقل في المستقبل المنظور.
بيد أن انزعاج الرئيس ترامب من سلوك إيران لم يحدث أية تغييرات جوهرية في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. بدلا من ذلك، ركزت إدارة ترامب في سوريا على القضاء على تنظيم الدولة وإجراء مفاوضات مع روسيا حول تركيز مناطق لتخفيف التصعيد، التي يمكن أن تساعد على إنهاء الصراع وهو ما أثار قلق إسرائيل من أن تكون الولايات المتحدة على وشك تسليم سوريا إلى إيران.
ترى القيادة الإيرانية أن الخطابات الساخنة التي تصدر عن الولايات المتحدة، فضلا عن الإجراءات القليلة التي تتخذها ضدها، قد ساعدتها على مواصلة نهجها العدواني في الشرق الأوسط
أما في العراق، فقد أدركت إدارة ترامب أن إثارة مواجهة جديدة كبرى مع إيران سيعرّض القوات الأمريكية للخطر. وفي حين أن الإدارة تحدثت عن الضغط الذي ستسلّطه على حزب الله والجهود التي سوف تبذلها من أجل قطع شحنات الأسلحة الإيرانية إلى اليمن، إلا أننا لم نشهد أية إجراءات ذات مغزى، على الرغم من مرور سنة تقريبا على تولي هذه الإدارة الجديدة مقاليد الحكم. ونتيجة لهذه السياسة الأمريكية المتخاذلة، تمكنت إيران من توحيد صفوفها، فضلا عن تماديها في انتهاج سياسات أكثر عدوانية.
خلال فترة إدارة أوباما، لم يكن لحجج المتشددين الإيرانيين، التي تتمحور حول عدم الوثوق في الولايات المتحدة التي ستقوم بانتهاك الاتفاق النووي في نهاية المطاف، صدى كبيرا مع الجمهور الإيراني. في حين أن جميع الآراء أجمعت في الوقت الراهن حول ذلك.
في هذا السياق، ترى القيادة الإيرانية أن الخطابات الساخنة التي تصدر عن الولايات المتحدة، فضلا عن الإجراءات القليلة التي تتخذها ضدها، قد ساعدتها على مواصلة نهجها العدواني في الشرق الأوسط. فقد تمكنت القوات الموالية لهم من السيطرة على بلدة البوكمال الحدودية السورية، والتي يمكن أن تكون مرتبطة بالمناطق التي تسيطر عليها الميليشيات الشيعية في العراق، حيث تُمكن إيران بسهولة من نقل بدائلها البشرية ووكلائها عبر سوريا والعراق.
في الوقت نفسه، أصدر الإيرانيون هذا الأسبوع سلسلة من التصريحات العلنية التي تسلط الضوء على النصر الذي حققوه ضد تنظيم الدولة، الذي يعود لهم بالفضل، في حين حملوا الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية مسؤولية دعم وتأسيس تنظيم الدولة في المقام الأول. وفيما يتعلق بالسعوديين، فقد قام ترامب وصهره، جاريد كوشنر، ببناء علاقة ممتازة مع العائلة المالكة السعودية، والأهم من ذلك مع ولي العهد محمد بن سلمان. وقد اعتبر الجانبان أن الزيارة التي أداها الرئيس الأمريكي إلى الرياض، خلال شهر أيار/مايو، كانت ناجحة بكل المقاييس.
من المحتمل أن هذه العلاقات الوثيقة التي تقوم بالأساس على قدرة ترامب على التفاهم والتواصل مع الحكام الاستبداديين بسهولة أكبر من المسؤولين المنتخبين ديمقراطيا تثير قلق الكثيرين. ومع ذلك، يمكن أن يكون عمق هذه العلاقات والثقة المتبادلة بين الطرفين سلعة قيّمة إذا ما كانت الولايات المتحدة تريد استخدامها لتعميق التعاون مع المملكة العربية السعودية من أجل إرساء إستراتيجية فعالة لمواجهة التحركات الإقليمية لإيران. ولكن بدلا من التأثير إيجابيا على التحركات السعودية، لم تقم إدارة ترامب إلا بتقديم صكا أبيضا إلى الملك سلمان لانتهاج أي سياسة تروق له في المنطقة.
يجب أن تتحول إدارة ترامب من سياسة المواجهة الشاملة إلى سياسة تجمع بين الضغط والمواجهة في المنطقة لإعادة صياغة سلوك إيران
بعد مرور أسبوعين فقط من الزيارة التي أداها ترامب إلى السعودية خلال شهر أيار/مايو، فرضت السعودية حصارا على قطر أدى إلى تشتيت وتقسيم دول مجلس التعاون الخليجي، فضلا عن جعلها تنساق بعيدا عن الأهداف الرئيسية التي وضعتها الولايات المتحدة التي تتمحور حول ردع إيران والقضاء على تنظيم الدولة. وتجدر الإشارة إلى أن الخطوة الأخيرة التي اتخذتها السعودية ضد لبنان جاءت بعد أيام فقط من الزيارة التي أداها صهر ترامب، جاريد كوشنر إلى المملكة.
في كلتا الحالتين، أعرب ترامب عن دعمه للإجراءات التي اتخذتها السعودية من خلال نشر تغريدات مؤيدة لها على موقع التواصل الاجتماعي، تويتر، قبل أن يحاول كلا من وزير الخارجية ريكس تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس إصلاح الضرر الذي أحدثه ترامب. في الحقيقة، ساهم نهج ترامب وأوباما في إثارة المزيد من العدوانية في المنطقة. وفي الوقت الراهن، بتمتع السعوديون بثقة مفرطة بقدراتهم بدلا من الشعور بانعدام أمنهم. في حين يرى الإيرانيون أنه من المستحيل التعامل مع ترامب، فضلا عن أنهم يعتقدون أنهم ليس لديهم خيار سوى المواجهة مع الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.
إيجاد حل وسط
في الحقيقة، لم يفت الأوان حتى تتحول إدارة ترامب إلى إستراتيجية تمكنها من إدارة هذا الصراع الإقليمي المتصاعد بشكل أكثر فعالية. أما فيما يخص إيران، فيجب أن تتحول إدارة ترامب من سياسة المواجهة الشاملة إلى سياسة تجمع بين الضغط والمواجهة في المنطقة لإعادة صياغة سلوك إيران. وفي الواقع، كان هذا هو النهج الذي اتبعته إدارة أوباما بنجاح في إعادة تشكيل حسابات إيران المتعلقة بالبرنامج النووي الذي تنوي تنفيذه.
في الأثناء، يتطلب ذلك اتخاذ خطوات تتعارض مع مصالح إيران في المنطقة التي يجب أن تكون مصحوبة بخطابات خاصة وعامة تشرح الإجراءات التي تتخذها الولايات من أجل وضع حدود لنشاط إيران. فعلى سبيل المثال، يجب على الولايات المتحدة أن تمنع بشدة شحنات الأسلحة التي تذهب إلى اليمن وتنظر في إجراءات تدميرها. وبدلا من مجرد الإعلان بهدوء عن منعها هذه الشحنات من الوصول إلى اليمن، كما فعلت في الماضي، ينبغي أن تبذل جهودا حثيثة من أجل فضح سلوك إيران وإحراجها.
أدت رسالة شديدة اللهجة من الولايات المتحدة التي كانت مصحوبة بإجراء صارم إلى تغيير سلوك إيران نظرا لأنها كانت تخشى من أن تدخل في مواجهة عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة
بدلا من إصدار القيادة المركزية الأمريكية بيان تقليدي، يجب أن نتخيل عقد ماتيس مؤتمر صحفي وهو يقف أمام الأسلحة الإيرانية المحظورة، من أجل إرسال رسالة حازمة وشديدة اللهجة لإيران. أما في سوريا، فيجب أن نوضح تماما أن إيران يجب أن تبقى بعيدا عن حدود إسرائيل في الجنوب الغربي وأن نكون مستعدين لإتباع نهج صارم ضد الروس. وإذا اقتضى الأمر، سندعم التدخل الإسرائيلي إذا لم يتم احترام هذا الخط.
من جانب آخر، ينبغي أن تقترن هذه الخطوات المهمة برسائل واضحة خاصة إلى إيران تسلط الضوء على الخطوط الحمراء التي تضعها الولايات المتحدة. في الواقع، لا تهدف هذه الخطوات إلى التصعيد مع إيران، بل، بدلا من ذلك، إلى خلق ردع فعال ووضع الخطوط التي لن تتجرأ إيران على تجاوزها. في الماضي، أثبت هذا النهج مدى فعاليته مع إيران. فعلى سبيل المثال، سعت طهران إلى إجراء تدريبات عدوانية في مضيق هرمز أو بدأت في توريد الأسلحة إلى الميليشيات الشيعية في العراق، حيث اعتبرت الولايات المتحدة تلك التحركات على أنها تهدد بشكل خاص قواتها.
في كلتا الحالتين، أدت رسالة شديدة اللهجة من الولايات المتحدة التي كانت مصحوبة بإجراء صارم إلى تغيير سلوك إيران نظرا لأنها كانت تخشى من أن تدخل في مواجهة عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، ينبغي أن يقترن هذا النهج الأكثر صرامة بالاستعداد للتفاوض مع إيران. وعلى الأقل، يجب أن يسعى تيلرسون إلى إعادة العلاقات الثنائية المباشرة التي كانت تربط بين وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري ووزير الخارجية الإيراني جواد ظريف.
في الحقيقة، كانت هذه العلاقات حاسمة في التخفيف من حدة الأزمة التي جدّت خلال شهر كانون الثاني/ يناير من سنة 2016، عندما دخل زورقان حربيان أمريكيان عن غير قصد إلى المياه الإقليمية الإيرانية ليتم احتجازهما على خلفية ذلك. بالإضافة إلى ذلك، ستكون هذه العلاقات ضرورية للتمكن من التفاوض حول قضايا المتعلقة بسوريا والعراق، حيث ستكون موافقة إيران ضرورية للوصول إلى تسوية سياسية نهائية تساهم في إعادة استقرار هذه الدول وتنهي الصراعات التي تدور رحاها على أراضيها.
لا يمكن للولايات المتحدة حل هذه المشكلة بمفردها أو تغيير وجهات نظر الجانبين حول بعضهما البعض
أما فيما يخص السعودية، يجب على الإدارة الحفاظ على العلاقة الشخصية القوية التي أنشأتها مع آل سعود. كما ينبغي أن تستخدم الخطوات الصعبة التي تتخذها ضد إيران لطمأنة السعوديين. وفي الوقت ذاته، يجب أن توضح لهم أنها لم تُقدم لهم “صكا أبيضا” يسمح لهم بالقيام بما يحلو لهم في المنطقة. فضلا عن ذلك، يجب على المملكة أن تبين للسعوديين أنه يمكننا العمل معا لمواجهة إيران بالإضافة إلى تأييدنا للإصلاحات التي يقوم بها العاهل السعودي.
في المقابل، نتوقع من السعوديين اتخاذ خطوات لتجنب أزمة إنسانية في اليمن من خلال وضع حد للحصار المفروض عليها وأن يكونوا أكثر مرونة تجاه الانخراط في عملية سياسية. كما نتوقع منهم أن يتشاوروا معنا قبل اتخاذ خطوات متهورة على غرار الدخول في صراع لا جدوى منه مع قطر أو زعزعة استقرار لبنان. في الواقع، لن يكون شيئا من هذا سهلا، حيث من المحتمل أن يبقى العداء العميق والمنافسة الإقليمية بين إيران والمملكة العربية السعودية قائمان في المستقبل.
عموما، لا يمكن للولايات المتحدة حل هذه المشكلة بمفردها أو تغيير وجهات نظر الجانبين حول بعضهما البعض. ولكنها، يمكن أن تتبع سياسة قادرة على ردع إيران بفعالية أكثر وكبح جماح السعودية من اتخاذ إجراءات مزعزعة للاستقرار ومضرة بالمصالح الأمريكية.
المصدر: واشنطن بوست