ليس كل الكتاب مثل ستيفين كينج يكتبون مئات الأعمال بسلاسة في فترة قصيرة، فالنسبة الكبرى تعاني كي تنهي عملًا واحدًا في العام أو حتى في العمر كله، لكن دعنا اليوم نتحدث عن نسبة أقل من ذلك، دعنا نتحدث عمن اقتربوا كثيرًا من الشمس واحترقت عقولهم، تلك حكايات خمسة كتاب فقدوا عقلهم في أثناء أو بعد كتابة أعمالهم الإبداعية أو هكذا نظنهم.
1- بياتريكس بوتر – “حكايات الأرنب بيتر” الحقيقية
“أنا أومن أن الشخصية التي تؤثر في الآخرين بقوة، يُمكنها أن تُؤَثر على أجيال أخرى”، بياتريكس بوتر
قد تعرف السيدة بوتر عن طريق عملها الأشهر “الأرنب بيتر”، الأرنب الشقي الذي سبق “بجز بني” لقلوب الأطفال بعدة عقود، رسمت صور الكتاب بنفسها، ثم نشرت الكتاب دون أن تفصح عن شخصيتها كعادة الكاتبات في ذلك العصر.
باعت كتب “حكايات الأرنب بيتر” أكثر من 45 مليون نسخة حول العالم، وترجمت إلى 36 لغة، ونشأت عدة أجيال على قصص الأرنب الأحمق الذي يتسلل ليسرق محاصيل المزارعين، ولا يستمع إلى نصائح أمه، وبالكاد يُعاقب على أفعاله.
أو رُبما تكون شاهدت فيلم “الآنسة بوتر” لـ”رينيه زيلويجر” الذي كان مليئًا بالرومانسية والتراجيديا، لكن دعنا من هراء السينما الخلاب، دعنا نرى حقيقة “بيتريكس بوتر” التي عاشت في القرن التاسع عشر، حاملة شغفًا حقيقيًّا تجاه العلوم والطبيعة، وكانت الكتابة أشبه بهواية لها، بل ورُبما خدمتها العلوم في رسمها لشخصيات رواياتها.
هل يفاجئك أن شخصيات “بوتر” حقيقية؟ صدقني هذه ليست المفاجأة، المفجأة الحقيقية في كيفية تعاملها مع تلك الشخصيات الصغيرة، كانت بوتر تغلي أجساد الأرانب كي تتمكن من دراسة هياكلهم العظمية، كما أنها كانت تصطاد السناجب والضفادع والفئران كي تقوم بتشريحهم!
يقال أنها بعد التقاط هذه الصورة لها سحقت الفأر الصغير في يدها دون أن يرمش لها جفن!
2- ويليام برويلز جونيور – المنبوذ (Cast Away)
“نحن نعيش ونموت في الوقت المناسب، ولا ينبغي لنا ارتكاب الخطيئة التي تجعلنا ندير ظهرنا للوقت” رُمي بعيدًا – ويليام برويلز جونيور
معظمنا رأى فيلم “المنبوذ” أو “رُمي بعيدًا”، رائعة “توم هانكس” وكُرته “ويلسون”، والتي يراها البعض إعادة تشكيل لقصة “روبنسون كروزو”، لقد تعاطفنا معه، وتابعنا العمل بشغف شديد، لكن ما لم نعرفه أن كاتب السيناريو الشهير “ويليام برويلز جونيور” عاش أحداث القصة في الحقيقة.
تدور أحداث الفيلم حول موظف في شركة “فيديكس” تقع طائرته في المحيط ولكنه ينجو ويجد نفسه فوق جزيرة غير مأهولة، يبذل كل جهدة في محاولة للتعايش مع هذا الأمر، ويحاول صناعة أحد المراكب البسيطة كي يعود به إلى المنزل.
وكي يقاوم شعوره بالوحدة اخترع “ويلسون” وهي كرة قدم لُطخت بدماء من يديه، فرسم عليها وجهًا وأخذ يحدثه حتى ضاع في رحلة العودة.
قد تندهش عندما تعرف أن العديد من مشاهد الفيلم المؤثرة والصعبة قد وقعت في الحقيقة لكاتب السيناريو مثل: لعق المياه من فوق الأوراق الخضراء، تناول السمك دون طهي، محاولة صنع رمح بمساعدة الصخور، كل هذا فعله برويلز من أجل البقاء على قيد الحياة، حتى إن “ويلسون” كرة زينها بأعشاب البحر وأخذ يتحدث معها.
إن ما رأيته على الشاشة هو سرد لأحداث قادت الكاتب نحو الجنون، أحداث لا يستطيع أحد تخيلها.
3- إدجار آلان بو
“لم أكن كالآخرين.. ما كنت أرى مثلما يرون”، إدجار آلان بو
من منا لا يعرف كاتب الرعب الأشهر إدجار آلان بو؟! إنه الكاتب الأول الذي يحاول التربح من أعماله الكتابية وحدها، مما أدى إلى وقوعه في ديون طائلة أثرت على حياته.
ولد بو في يناير 1809، وهو ناقد أدبي ومؤلف أمريكي وشاعر، ويُعتبر من أقدم الممارسين لفن القصة، وله مساهمات في العديد من الفنون الأدبية.
لم تكن حياة بو مثالية، توفي والديه وعُرِض للتبني، لكن علاقته مع والده الجديد لم تكن جيدة، تحطمت حياته بسبب الخمر والأفيون، لكن الكتابة كانت عاملًا رئيسيًّا في ذلك، لقد وصفه العديد من النقاد بالمختل والمجنون، كان يكتب شعره بخط غير مفهوم ولا يبعد عنه زجاجة الشراب أو مخدراته.
بدأ بو في النشر عام 1827 بنشر مجموعة قصائد “تيمورلنك وقصائد أخرى”، لكنه في الوقت نفسه جُنِدَ في الجيش تحت اسم مستعار، لكنه طُرِد من الخدمة بسبب الإبداع، فلم تتركه الكتابة يؤدي واجبه، بل كان يجلس في غرفته يكتب الشعر في الوقت الذي يفترض أن يحمل فيه البندقية ويقف إلى جوار زملائه
إذا نظرنا نظرة متفحصة إلى كتاباته سوف نجد أن جميع شخصياته تميل إلى الاضطراب النفسي وتعاني من جنون مخيف وكأنه يحاول كتابة ذاته أو ما أوصلته إليه الكتابة، لكن لنكن منصفين فالكتابة وحدها لم تقضِ عليه، فهناك العديد من الأحداث البائسة في حياته التي أدت إلى ذلك، لكن يبدو أن الكتابة فجرت كل شيء.
4- إرنست همنجواي
“إن جميع الأمور الشريرة تبدأ من البراءة” إرنست همنجواي
بتاريخ عائلي طويل مع الانتحار لم يكن إرنست لينجو من مصير مشابه، المختلف هُنا أن همنجواي لم ينتحر بسبب الجنون، ولكن خوفًا منه!
يكره شراء الملابس الجديدة أو ارتداء ملابس تحتية ويدمن الشراب ويرهب الهاتف ويحمل معه تميمة حظ ولا يكتب أبدًا في أيام الآحاد، ورغم كل ما حققه من نجاح في مجال الكتابة إلا أنه مات منتحرًا بطلقة رصاصية أطلقها على رأسه من بندقيته المفضلة.
رغم أن الاضطرابات العقلية بدأت تظهر في مرحلة متأخرة من حياته، فإن الاكتئاب كان واضحًا طوال حياته، فهو يعد واحدًا من أدباء “الجيل الضائع”، جيل الحربين العالميتين، ويبدو أن كل هذا يرجع إلى بداية عمله كصحفي الذي اختلط بالمحارب داخله، فخلال تغطيته للحرب الأهلية في إسبانيا خاض حربًا مع الفاشيين والنازيين معبرًا عن عدائه الشديد لهما.
لم تُؤثر الكتابة الصحافية في رواياته فقط، بل وفي حياته أيضًا، لقد استعرت النيران بين ثلاثة أطراف داخل هيمنجواي “الصحفي والمحارب والروائي” ويبدو أنها السبب في خوفه من الجنون الذي أصابه بالفعل وجعله يطلق تلك الرصاصة.
والآن أخبرني، هل تمارس الكتابة؟ وهل تجدها تدفعك نحو الجنون؟