أحمد 30 عامًا من العناصر المنشقة عن صفوف تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” من مدينة الرقة، قال: “انضممت إلى صفوف التنظيم بهدف جهادي ودفاعًا عن الأرض والدين، كما شرح لنا العديد من الأخوة في جلسات داخل المساجد لحضنا على الجهاد ومقاتلة الجيش السوري الحر”.
وفور انضمام أحمد قام الأمراء بزجه إلى الجبهات وهم يجلسون داخل قصور مشيدة، فيما تنتشر عشرات العناصر حول قصر الأمير داخل البلدات الكبيرة، وقال: “قاطعوني بشكل نهائي، حتى لا اتصال أو سلام، إخواني كانوا يقولون لي أنني في طريق خاطئ يؤدي إلى الهلاك، وأنا بصراحة كنت أعلم أنني بطريق خاطئ ولكن كنت مجبرًا على البقاء في صفوف التنظيم، ربما أُقتل إذا حاولت الهرب”.
وأوضح “على مدى عامين من انضمامي إلى صفوف التنظيم لم أر أحدًا من الأمراء الذين يلقون علينا الأوامر”، وشارك أحمد في العديد من المعارك التي استهدفت مناطق سيطرة الجيش السوري الحر بريف حلب الشمالي، حتى انشق عن صفوف التنظيم أواخر عام 2016.
ويخضع أحمد لبرنامج معالجة الفكر المتطرف الواقع في ريف حلب الشمالي الذي يستهدف المنشقين عن التنظيم والأسرى الذين كانوا في صفوفه وصفوف التنظيمات الأخرى، وقال: “لدينا برنامج بشكل يومي، في الصباح نقوم بدروس رياضية وتمارين عديدة، وبعد ذلك تقدم لنا وجبة فطور”، وأكد وجود دروس فكرية واجتماعية وشرعية وثقافية في منتصف النهار، ووجبات الغذاء والعشاء إضافة إلى حلقات وندوات توعوية، واهتمام بالغ من القائمين على المركز.
المركز السوري لمحاربة الفكر المتطرف
المعالجة الفكرية ونزع الأفكار المتوحشة لدى عناصر التنظيم والتوعية من خطر التنظيمات المتطرفة بين أفراد المجتمع أهم الأهداف التي يحققها المركز، في خطوة هي الأولى من نوعها على الأراضي السورية المحررة افتتح “المركز السوري لمحاربة الفكر المتطرف” في مدينة مارع التي واجهت التنظيم على مدى عامين ونصف قبل انطلاق عمليات “درع الفرات” نهاية عام 2016.
أكد أحد المشرفين تعهدهم بإطلاق سراح الجميع في حال التأكد من سلامة عقولهم وإزالة السواد والظلام الذي زرعه التنظيم في قلوب وعقول عناصره
وضمن غرفة عمليات “درع الفرات” المدعومة من قوات تركية في ريف حلب أوائل سنة 2017، استطاع الجيش السوري الحر إلقاء القبض على مقاتلين من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في أثناء المعارك الدائرة لطرد التنظيم، الأمر الذي دفع ناشطون من المدينة في ريف حلب إلى افتتاح المركز وإزالة الأفكار المزروعة في عقول المنضمين إلى التنظيم، وتشجيع المنتسبين للتنظيمات المتطرفة على تركها والالتحاق بالمركز من أجل معالجتهم فكريًا.
التقيت مدير المركز السوري لمحاربة الفكر المتطرف الذي قال: “يوجد نحو 100 عنصر منهم اعتقلوا في أثناء المعارك ومنهم من سلموا أنفسهم كانوا ينتمون إلى تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، 25 عنصرًا يخضع للبرنامج التدريبي مقسمين إلى 3 مستويات، الأول يتضمن عددًا ممن قاموا بتسليم أنفسهم للجيش السوري الحر ولم يرتكبوا جرائم بحق المدنيين، والمستوى الثاني ممن ارتكبوا انتهاكات ضد المدنيين والأسرى الذين تم إلقاء القبض عليهم في أثناء المعارك، إضافة إلى المستوى الثالث الذي يضم عناصر أجنبية وجنسيات متنوعة التحقوا بصفوف تنظيم داعش”.
وأضاف ناصر “المركز ليس لإبعاد الشباب عن دينهم بل لإعانتهم على فهم منهجهم السليم، ولا تقتصر جهود المركز على الموقوفين من التنظيم بل تشمل التخاطب والتوجيه عبر منصات التواصل الاجتماعي والمباشر مع جمهور الشباب المغرر بهم داخل المجتمع”.
وأكد “هدفنا صيانة شباب الأمة من الانحراف المنهجي والغلو والتطرف ودمجهم في مجتمعاتهم كشباب يبني ولا يهدم بلده”، وهذه المهام وقعت على عاتقهم، وهي ليست سهلة كونها تتطلب كوادر بشرية مؤهلة وتعاونًا بين قيادات العسكرية بالإضافة إلى المجتمع المدني وموارد مالية مستدامة لفترات طويلة، حتى يصل المجتمع من خلالها لمرحلة الاستقرار والسلام الدائم، ويعد وجود هذا النوع من المبادرات مهمًا ويجب البناء عليه.
تأهيل وإعادة دمج المقاتلين السابقين في التنظيمات المتطرفة والمتعاطفين معهم في الحياة المدنية، تعد من أهم التحديات التي تواجه الدول بعد انتهاء الصراعات الداخلية المسلحة.
وأضاف يوجد متخصصون في المجالات الفكرية والنفسية والإرشادية والقانونية والقضائية يعملون وفقًا لبرنامج يومي، فيما يواجه المركز ضعفًا بالإمكانات وخصوصًا تأمين السكن لعائلات العناصر الذين يحملون جنسيات أجنبية كانوا في صفوف التنظيم سابقًا وتوفير احتياجاتهم، فيما يتبع المشرفين على المركز أسلوبًا مميزًا لتهيئة عقولهم من فكر الإرهاب، من خلال عرض أفلام تدريبية ورسومات متحركة ليشرح من خلالها الباحثون كيف يُستدرج العنصر من القتال في الميدان والمعارك إلى حماية الأمراء وأخيرًا تقديسهم، وتعليمهم كيفية التخلص من هذا الفكر.
وأكد أحد المشرفين تعهدهم بإطلاق سراح الجميع في حال التأكد من سلامة عقولهم وإزالة السواد والظلام الذي زرعه التنظيم في قلوب وعقول عناصره، وضمان عدم عودتهم لحمل السلاح بشكل أو بآخر، ودفع البلاد نحو دوامة جديدة بعيدة عن التكفير والعنف والتدمير.
وهذه القضية مهمة جدًا لدى المجتمع السوري لتأهيل وإعادة دمج المقاتلين السابقين في التنظيمات المتطرفة والمتعاطفين معهم في الحياة المدنية، إضافة إلى المقاتلين من جميع الأطراف في سوريا، وتعد من أهم التحديات التي تواجه الدول بعد انتهاء الصراعات الداخلية المسلحة، في إعادة توجيههم للحياة المستقرة والسلوك السليم وممارسة الحياة الاعتيادية، والانخراط في المجتمع وتهيئة ذاكرتهم.