قتل أو استشهاد أو اغتيال – أو كما يريد مختلف الأطراف تسميتها – علي عبد الله صالح الرئيس اليمني السابق في 4 من ديسمبر 2017، يُغير من خريطة التحالفات السياسية ويفتح صفحة أخرى ساخنة في اليمن عنوانها الثأر والتحرير، ومن يدفع وسيدفع ثمن ذلك هو المواطن اليمني المغلوب على أمره.
قُتل صالح الذي كان يقول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، إنه الرجل الأصعب في الحرب، لكن اغتياله يترك إرثًا صعبًا من التحالفات السياسية ورؤوس ثعابين، فقد قد لا يظهر أحد خلال الفترة القريبة بارعًا مثله في الرقص على رؤوس الثعابين، ويظل السؤال الحاليّ: كيف سيبدو اليمن بعد صالح؟ الأمر الذي سنحاول رسم ملامحه في هذا الموضوع بعد أن وجدنا ردود فعل مختلف الأطراف، لا سيما الحزب نفسه الذي بات من دون أب.
حزب المؤتمر
بالنسبة لحزب المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح، فإنه على شفا الاندثار والتشظي لعدم وجود شخصية قادرة على لملمة أشلاء الحزب وإعادة لحمته لتحمل مسؤولياته وواجبه التاريخي تجاه اليمن، وأن يكون شريكًا حقيقيًا في تحريره من يد إيران التي كان لها اليد الطولي في توجيه مليشياته بقتل علي عبد الله صالح.
فقد كانت البداية وبعد اغتيال صالح مباشرة، مبشرة بتوحيد صف اليمنيين نحو عدو واحد، إلا أن تباطؤ حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي باحتضان المؤتمر وكسب قاعدته الشعبية العريضة، ينذر بكارثة انقسام الحزب إلى ثلاث أجنحة متناقضة.
سيؤدي مقتل صالح إلى اختلال التوازنات الداخلية وانفراد جماعة الحوثي بالسلطة في المناطق الخاضعة لها
لقد وفق عبد ربه منصور هادي في بيان نعي صالح الذي كسب ود اليمنيين المختلفين معه، لكنه لم يتبعها بتحركات سريعة لإنقاذ الحزب الذي كان نائبًا لرئيسه صالح قبل أن يتم شطب اسمه بعد هروبه من اليمن نحو الرياض، وكان يفترض أن يدعو مجلس الأمن الدولي الذي عقد جلسة مغلقة عن اليمن في نفس يوم اغتيال صالح، إلى رفع العقوبات الدولية عن أسرة صالح ليكسب قاعدة كبيرة من اليمنيين والحرس الجمهوري الذي هيكلهم صالح في 2012-2013، إضافة إلى الجيش الذي يقاتل عنوة في صفوف الحوثيين، وكان يستطيع أن يُحدث انشقاقًا كبيرًا في صف الجيش الموالي لمليشيات الحوثي.
والخطأ البسيط الذي وقع فيه عبد ربه منصور هادي، أفسح المجال للمليشيات الحوثية أن تستخدم القاعدة الشعبية الداخلية للمؤتمر الشعبي العام، والعمل على إنشاء حزب تحت مؤتمر ذات ولاء حوثي مطلق، إضافة إلى أن المؤتمر سوف ينقسم إلى أجنحة تكون قواعدها موجودة في الرياض وأخرى في القاهرة، وبعضها ذات ولاء إماراتي، وهو ما يعني تسجيل انتصار للحوثيين الذين سيستخدمون مجلس النواب وقاعدة المؤتمر كتغطية لشرعيتهم المزعومة، وإطالة الحرب أكثر مما ينبغي رغم أن العدو لليمنيين أصبح أكثر وضوحًا.
سيؤدي مقتل صالح إلى اختلال التوازنات الداخلية، وانفراد جماعة الحوثي بالسلطة في المناطق الخاضعة لها، معتمدة في ذلك على القوة المفرطة ضد كل خصومها.
وقد يحاول بعض أعضاء حزب المؤتمر حشد الصفوف ضد الحوثيين، خاصة أنهم أكبر شريحة مجتمعية عانت من تضييق الحوثيين، بالإضافة إلى خبرة قيادات حزب المؤتمر الطويلة في الحكم وإدارة مؤسسات الدولة لمدة لا تقل عن 33 عامًا، وقد استمروا في هذه المؤسسات في فترة حكم عبد ربه منصور هادي، ولم يتم إقصاؤهم إلا بواسطة الحوثيين بعد أن استبدلوهم بقيادات حوثية، يضاف إلى هذا رغبة بعض أعضاء حزب المؤتمر في الثأر لصالح، لا سيما أن بعضهم كان يراه زعيمًا وقائدًا ملهمًا.
من المحتمل أن يشكل بعض أعضاء حزب المؤتمر خلايا على مستوى كل منطقة بعد الانتهاء من الصدمة، وإعلان قيادة موحدة لمقاومة الحوثيين والانتقام لزعيمهم، مع الاستعانة بالقيادات العسكرية والأمنية التي تضررت من سيطرة الحوثيين وتعرضت بسببهم للإقصاء من المشهد السياسي، وبالتحالف أيضًا مع بعض فئات الشعب التي لحقها الأذى من أساليب الحوثيين في فرض الإتاوات تحت مسميات دينية مختلفة أو تحت زعم دعم المجهود الحربي.
يخشى اليمنيون أن تستغل الإمارات العربية المتحدة وجود أحمد علي في أراضيها، لتجعله رجلها المستقبلي في اليمن
وستقوم قيادات حزب المؤتمر بترتيب أوراقها من جديد، ومحاولة تعويض الخسائر التي تسبب بها التحالف مع الحوثيين، ومن الجدير بالذكر أن معظم قيادات المؤتمر وقواعده كانوا غير راضين بتاتًا عن هذا التحالف الذي أدى إلى إقصاء عدد كبير من قياداتهم وسيطرة الحوثيين على مؤسسات الدولة وقيامهم بإدارتها بشكل غير دستوري، بيد أنه من المتوقع أن تمتد هذه الفترة بعض الشيء، معتمدين على إيجاد قيادة خاصة بهم، وخلال فترة الصدمة سيسعى الحوثيون للنيل من أعضاء حزب المؤتمر.
أحمد علي
ينظر غالبية الشعب اليمني إلى أحمد علي عبد الله صالح بروح التفاؤل لإنقاذ اليمن من بطش الحوثيين، والوصول إلى اليمن متحالفًا مع حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، ليثأر لوالده ومن قتل برصاص مليشيات الحوثي الموالية لإيران، لا سيما قوات الحرس الجمهوري التي كانت موالية لصالح وواجهت قياداتها العسكرية عملية إذلال غير مسبوقة من الحوثيين أدت إلى انتقالهم من معسكراتهم والاعتكاف في منازلهم بعد تجريدهم من حقوقهم المادية والمعنوية.
وفي بيانه الذي وزعه على وسائل الإعلام، دون أن يظهر على التليفزيون، وتعهد بمواصلة درب والده الراحل في الانتفاضة ضد الحوثيين، استبشر الجميع في ذلك، إلا أن عدم الحديث عن شكل التحالفات التي قد يبرمها تثير العديد من المخاوف.
تتمثل تلك المخاوف من أن يكون العميد أحمد علي عبد الله صالح (مؤسس الحرس الجمهوري والقوة الضاربة في اليمن التي يدين قياداتها وأفرادها له بالولاء المطلق) سببًا رئيسًا في إيجاد فريق ثالث ضد الكل، أي سيكون ضد الحوثي وعبد ربه منصور هادي في صف الإمارات العربية المتحدة، وهو ما يعني إطالة الصراع أكثر في اليمن، الأمر الذي سيستغله الحوثيون لتمكين جذورهم والتوسع في أوساط القبائل اليمنية.
بعد اغتيال صالح، على الحكومة إدراك أن القبائل اليمنية أو قبائل الطوق لا يمكن التعويل عليها، فهي مع الأقوى
بيان أحمد علي “المكتوب”، تعهد للمؤسسة العسكرية بحمل السلاح وأن يكون معهم يدًا بيد ضد جماعات الظلام والفاشية الحوثية التي دمرت قيم الإخاء والتعايش وأدخلت البلاد في الفوضى والارتهان والعمالة وتريد عزله عن محيطه الإقليمي والدولي ليكون تحت ولاية الفقيه وملالي قم، أمرٌ مبشر، لكنه لم يتحدث كيف سيكون ذلك، هل تحت غطاء الحكومة أم سيكون له وجه آخر؟
العميد الذي ظل كثيرًا بعيدًا عن الأضواء، يرفض الإعلام، ويرفضه المعارضون خوفًا من أن يكون وريث والده في حكم اليمن، كان بعض اليمنيين هذه المرة بانتظار طلته على شاشة قناة اليمن اليوم (قناة حزب والده)، ليقول كلمته عن ذلك، إلا أنه أوعز بيان نعي والده لامرأة ظهرت بوجه بشوش واستخفاف بمن تطلع إليه بأنه الرجل المنقذ، وأصاب اليمنيين بمقتل، لكن ربما كان ذلك متعمدًا، لينتظر ما ستفرز عنه الأيام القادمة خصوصًا فيما يتعلق بالعقوبات الدولية المفروضة عليه وعلى أقربائه.
الحكومة
ويخشى اليمنيون من أن تستغل الإمارات العربية المتحدة وجود أحمد علي في أراضيها، لتجعله رجلها المستقبلي في اليمن، ليكون في نفس الوقت ضد الرئيس عبد ربه منصور هادي، وهذا يعني طي صفحة هادي إلى الأبد، ولا بد أن يعيها هادي جيدًا، وعليه التحرك سريعًا للعب بأوراقه التي أصبحت متوفرة بكثرة بعد اغتيال صالح، والحظ لصالحه أكثر، والسرعة في استخدامها مطلوب.
على الرئيس اليمني أن يقطع الطريق على ذلك ويعلن عفوًا عامًا عن أسرة صالح والقيادات المؤتمرية التي وقفت ضده ويدعو لصفحة جديدة، وفي نفس الوقت يدعو الأمم المتحدة لرفع العقوبات الدولية عن أحمد علي والقيادات الأخرى التي طالتها العقوبات الدولية غير الحوثية، وهذه ورقة مهمة يمكن أن يستغلها هادي، لكن التباطؤ في ذلك سيسهم في تشتيت المؤتمر الشعبي العام وخلق أعداء إضافيين ربما قد تكون أقوى هذه المرة من علي عبد الله صالح.
الصراع الدائر في اليمن وفقًا لكل المعطيات، يبدو صراعًا تحركه قوتان إقليميتان هما المملكة العربية السعودية وإيران
بعد اغتيال صالح، على الحكومة أن تدرك أن القبائل اليمنية أو قبائل الطوق لا يمكن التعويل عليها، فهي مع الأقوى، فإذا أعلنت الحكومة اتحادها مع المؤتمر الشعبي العام وتعيين أحمد علي قائدًا للحرس الجمهوري أو بمهمة وزير الدفاع، وانطلقوا بقوة ضاربة نحو صنعاء وقبلها اقتحام محافظة الحديدة، ستعلن قبائل الطوق كلها ولاءها للحكومة إن كانت الأقوى.
لكن إذا استمر في التباطؤ وعدم استخدام الأوراق السياسية واللعب بها، فإنه حتمًا سيجد نفسه خارج اللعبة، بعد أن تلعب الإمارات العربية المتحدة دورًا آخر، وصناعة شرعية عسكرية ممتدة من انتفاضة المؤتمر الشعبي العام إلى تعيين أحمد علي قائد له، ومن ثم إجبار هادي على الرحيل مبكرًا عبر مبادرة إنشاء مجلس انتقالي بعد أن يتم القضاء على الحوثيين.
التحالف العربي والحوثيين
لأن الصراع الدائر في اليمن وفقًا لكل المعطيات، يبدو صراعًا تحركه قوتان إقليميتان هما المملكة العربية السعودية وإيران، فإن اغتيال صالح الذي كان بمثابة طوق نجاة كما يقول البعض، للتحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين في اليمن، أثار المزيد من التساؤلات عن مستقبل التحالف الذي تقوده السعودية وما إذا كان رحيل صالح سيؤدي إلى إضعاف الرياض في مواجهة الحوثيين.
ورغم أن الرد السعودي على مقتل صالح، بدا منه أن الرياض مصرة على موقفها المناهض للحوثيين في اليمن، وهو ما بدا واضحًا في تكثيف الغارات الجوية على صنعاء، بعد اغتيال صالح، فإن البعض لا يستبعد أن يكون لمقتل حليف السعودية السابق، تأثيرًا قويًا على عمليات التحالف في اليمن، بل يصل الأمر بالبعض إلى توقع تفكك هذا التحالف بعد دلائل عديدة على ضعف ما أنجزه سوى مفاقمة الأزمة الإنسانية لليمنيين، وربما قد يصل ذلك إلى إيجاد حلول سياسية ترعاه الأمم المتحدة.
سيتأثر التحالف نوعًا ما من مقتل صالح، لكنه عودته بقوة وتحقيق النصر، سيكون معتمدًا على شكل التحالفات الإستراتيجية على الأرض، وكيف يمكن استغلالها، لا سيما أن الحوثيين أصبحوا وحيدين في اليمن.
المستفيد من رحيل صالح، قد يتقاسمها مختلف الأطراف، وسيكون صاحب الحظ الأوفر من يستطع تحريك قطع الشطرنج بعناية
فالقبائل اليمنية اتضح من خلال اغتيال صالح، أنها مع الأقوى وتخشى منه، وفي حال وصول قوى ضاربة من مأرب مثلًا والاقتراب من صنعاء بهجوم شرس، ستعلن القبائل ولاءها للأقوى سواء كان يقود تلك القوة التحالف الداعم لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي أو لقوة أخرى يقودها نجل الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح أو أحد من أقاربه.
من جانبهم سيدعو الحوثيون إلى حوار مع السعودية أو التحالف لإيقاف الحرب، لكن قتلهم لحليفهم الذين قواهم وساعدهم على الصمود لثلاثة أعوام، قد تكون بداية النهاية لهم.
فأي دعوة للحوار من قبلهم لن تكون محل قبول، لا سيما أنهم يعتمدون في نجاحهم بالحروب على تلك الاتفاقيات والهدن، وقد دخلوا إلى صنعاء بتلك الطريقة واغتالوا صالح أيضًا بالطريقة ذاتها.
فقد نقض الحوثيون 6 اتفاقيات مع صالح وثلاث اتفاقيات مع هادي، آخرها اتفاقيتهم مع صالح الذي مكن لهم الغطاء الشرعي والسياسي لممارسة حكمهم، لعلهم يؤمنون بالشراكة الحقيقة وروح التسامح وحرية الرأي والعقيدة، لكنهم انقلبوا عليه واغتالوه.
تلك هي عشر اتفاقيات ينقلبون عليها، فأي اتفاقية أو شراكة معهم لن تكون في مأمن، سيستخدمونها فقط لتحقيق مأربهم، وعندما ينجحون ويصلون إلى ما يريدون سينقلبون عليها، وسيجد العرب في النهاية إيران في اليمن بكل قوتها، وحينها لن يستطع أي تحالف إخراجها منها، بل ستزحف نحوهم.
هذه المعطيات، لن تتعاطى السعودية معها، بل ستجعلها مصرة على الحسم العسكري، لكن لا بد أن يكون ذلك مخططًا بشكل دقيق، وعليها ألا تفضل أي فصل سياسي على آخر، وتشكل تحالفات داخلية في اليمن مع الأطراف السياسية كافة دون أن تستثني أحدًا لتوحدهم جميعًا للقضاء على عدو واحد.
إذًا المستفيد من رحيل صالح، قد يتقاسمها مختلف الأطراف، وسيكون صاحب الحظ الأوفر من يستطع تحريك قطع الشطرنج بعناية، ومن يستغل الفرص للقضاء على الملك، لأن الحرب عادت إلى الصفر، والتحالفات ما زالت في البداية، ومن ذكر آنفًا سيناريوهات متوقعة.