ترجمت وتحرير: نون بوست
في إحدى ليالي شهر آذار/مارس الصافية؛ جلس أحمد على سطح أحد المنازل في رفح، جنوب قطاع غزة. كان هذا هو المكان الوحيد الذي يمكنه الحصول على إشارة هاتفية في المدينة المتهالكة والمزدحمة.
قبل أسبوعين؛ دفع أحمد 5000 دولار لشركة “هلا” للاستشارات والخدمات السياحية، وهي وكالة سفر في القاهرة، لإدراجه في سجل الأشخاص المسموح لهم بالعبور إلى مصر؛ حيث يتم نشر قوائم جديدة كل يوم على “تيليغرام” و”فيس بوك”.
وكان الشخص المتواصل مع أحمد قد أكد له أن اسمه سيظهر قريبًا. وأخيرًا، في الساعة 10 مساءً، ظهر اسمه. وفي وقت مبكر من اليوم التالي؛ ذهب إلى الحدود، وكانت العبور عملية مربكة، حيث قال إن المسؤولين المصريين يعاملون الفلسطينيين “مثل الحيوانات”، لكنه وصل إلى مصر ثم إلى القاهرة.
حتى السابع من تشرين الأول/أكتوبر؛ كان أمام الفلسطينيين الذين يريدون مغادرة غزة خياران من الناحية النظرية: يمكن لعدد قليل منهم استخدام معبر إيريز، شمال القطاع، الذي تراقبه إسرائيل، أو يمكنهم تجربة المعبر الجنوبي في رفح، الذي تشرف عليه مصر. معبر إيريز مغلق الآن أمام أولئك الذين يغادرون غزة، كما أن تكلفة المرور عبر رفح – المدينة التي فر إليها حوالي 1.4 مليون من سكان غزة – باهظة.
وحتى قبل الحرب، لم يكن الخروج من غزة عبر رفح سهلًا، حيث كان يمكن لسكان غزة تقديم طلب رسمي من خلال وزارة الداخلية في القطاع، لكن هذا لا يضمن أنهم سيخرجون في نفس اليوم. أو يمكنهم الدفع لوسيط للحصول على مكان في القوائم التي تنسقها السلطات المصرية.
توفير آلاف الدولارات لعبور الحدود أمر لا يمكن تصوره، لذا تقدم العائلة والأصدقاء في الغرب المساعدة
وقد ارتفعت أسعار هذه المعابر بالنسبة للفلسطينيين منذ الحرب. ففي كانون الثاني/يناير 2022، قدرت منظمة هيومن رايتس ووتش، وهي منظمة مراقبة دولية، الرسوم بحوالي 700 دولار للشخص الواحد. اليوم تكلف ما لا يقل عن 5000 دولار للشخص البالغ و2500 دولار للطفل. وأفاد البعض بأنهم دفعوا ما يصل إلى 15000 دولار، ومع تزايد المخاوف بشأن الغزو الإسرائيلي الوشيك لرفح، لا تظهر الأسعار أي علامة على الانخفاض.
بالنسبة لمعظم سكان غزة؛ فإن العثور على المال لشراء أبسط المواد الغذائية أمر صعب في الوقت الحالي، ولهذا فإن توفير آلاف الدولارات لعبور الحدود أمر لا يمكن تصوره. ومن أجل ذلك فإن العائلة والأصدقاء في الغرب يقدمون المساعدة، من خلال جمع الأموال على منصات مثل “جو فاند مي”.
يقول محمود الغرابلي، وهو طبيب من ولاية أوهايو، انتقل من غزة إلى أمريكا قبل ثماني سنوات: “أشعر بالاشمئزاز لأنني اضطررت إلى التسول من الناس للحصول على المال حتى أتمكن من إنقاذ عائلتي”، لكنه تمكن من جمع ما يكفي من المال لإحضار 16 فردًا من عائلته إلى مصر، وقام بدفع أكثر من 50 ألف دولار كرسوم لشركة “هلا” لتسجيلهم في قوائم الدخول.
ويقول عمرو مجدي، الباحث في هيومن رايتس ووتش، إن الشركة تحتكر إخراج الأشخاص من غزة إلى مصر، ويتابع قائلًا إن رئيس “هلا” هو “رجل مقرب جدًّا من الجيش المصري وأجهزة المخابرات”. (لم تستجب هلا لطلب التعليق).
وقد قام مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بتوثيق مزاعم الرشوة في معبر رفح منذ سنوات؛ حيث يقول السيد مجدي إن هلا لا يمكنها العمل دون موافقة السلطات المصرية، على الرغم من أن الحكومة تنفي أي اتهامات بالتربح. ويوضح مجدي أن الأموال تذهب إلى المسؤولين الفاسدين والضباط في الجيش المصري الذين يقررون ما إذا كان أولئك الذين ورد أسماؤهم في القائمة يمكنهم بالفعل مغادرة غزة.
لكن الاستغلال لا يثني الناس؛ حيث إن الطلب على الخدمات كبير جدًا لدرجة أنه حتى أولئك الذين يستطيعون الحصول على المال يضطرون إلى الانتظار في طابور طويل.
المصدر: مجلة الإيكونوميست