تماشيًا مع الرفض العربي والإسلامي لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل” ونقل سفارة بلاده إليها، خرجت القاهرة والرياض ببيانين حملا في مجملهما إدانة واضحة لهذه الخطوة، كونها تقوض عملية السلام وتمثل “إخلالاً بالموقف الأمريكي المحايد تاريخيًا من مسألة القدس”، بحسب نص بيان الديوان الملكي السعودي.
الموقف المصري السعودي – على وجه الخصوص – رغم عدم تجاوزه سقف الشجب والإدانة – كالمعتاد – اعتبره البعض تحركًا إيجابيًا يهدف إلى حفظ ماء وجه النظامين الحاكمين أمام شعبيهما حتى وإن لم يتجاوز هذه المرحلة، غير أن بعض المصادر نقلت عن مسؤولين فلسطينيين قولهم إن هناك تنسيقًا مسبقًا بين الرياض والقاهرة لدعم قرار ترامب في الخفاء والترويج له على المستوى الداخلي والإقليمي تمهيدًا لصفقة كبرى، يتم الإعلان عنها النصف الأول من العام المقبل 2018.
بيانات حفظ ماء الوجه
منذ إعلان ترامب قراره مساء السبت 6 من ديسمبر/كانون الأول 2017، توجهت أنظار العرب والمسلمين صوب العاصمتين المصرية والسعودية، لاستطلاع هلال موقفهما من هذه الخطوة، ليس لأنهما الدولتان الأكبر في المنطقة فحسب، بل لأن صاحب هذا القرار هو الحليف الأقوى لكل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان والمقرب منه وعائلته.
مساء هذا القرار أصدرت الخارجية المصرية بيانًا أعربت من خلاله عن استنكارها لقرار الولايات المتحدة الأمريكية الاعتراف بالقدس كعاصمة لدولة “إسرائيل” ونقل سفارتها إليها، ورفضها لأي آثار مترتبة على ذلك، وفي نفس التوقيت تقريبًا أعرب الديوان الملكي السعودي عن استنكار المملكة وأسفها لهذا القرار لما يمثله من انحياز كبير ضد حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية والثابتة في القدس.
البيان ذكر: “هذه الخطوة وإن كانت لن تغير أو تمس الحقوق الثابتة والمصانة للشعب الفلسطيني في القدس وغيرها من الأراضي المحتلة، ولن تتمكن من فرض واقع جديد عليها، إلا أنها تمثل تراجعًا كبيرًا في جهود الدفع بعملية السلام”، مضيفًا أنها تمثل إخلالًا بالموقف الأمريكي المحايد تاريخيًا من مسألة القدس، الأمر الذي سيضفي مزيدًا من التعقيد على النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
رغم عدم تجاوز البيانين لسقف الإدانة والشجب والاستنكار، فإنهما سجلا موقفًا يحسب لكلا البلدين بشأن رفض القرار الأمريكي، إلا أن تسريب بعض وسائل الإعلام العبرية والعربية والدولية لأنباء تفيد بوجود تنسيق أمريكي مع قيادات السعودية ومصر قبيل إعلان هذا القرار مثّل صدمة للبعض وإن لم تكن مفاجئة لآخرين.
الموقف المصري السعودي – على وجه الخصوص – رغم عدم تجاوزه سقف الشجب والإدانة – كالمعتاد – اعتبره البعض تحركًا إيجابيًا يهدف إلى حفظ ماء وجه النظامين الحاكمين أمام شعبيهما
قفزات سريعة نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني خلال الآونة الأخيرة
تنسيق سعودي مصري مسبق
في مقابلة أجرتها القناة العاشرة الإسرائيلية مع وزير الاستخبارات والمواصلات لدى دولة الاحتلال يسرائيل كاتس، كشف أن الإدارة الأمريكية قامت مسبقًا بالتنسيق مع قادة من الدول العربية بشأن قرار الرئيس دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي، وبدء إجراءات نقل السفارة الأمريكية إليها، وذلك بحسب “العربي الجديد“.
كاتس في تصريحاته أرجع حرص ترامب على هذا التنسيق مع القادة العرب لضمان المساهمة في احتواء ردة الفعل الفلسطينية والعربية على هذا القرار، مزيحًا الستار قليلًا عن الموقف السعودي على وجه الخصوص إزاء هذه الخطوة الذي يأخذ بعين الاعتبار المصالح المشتركة مع تل أبيب خاصة فيما يتعلق بالجانب الأمني في مواجهة إيران.
المعلق السياسي للقناة الإسرائيلية باراك رفيد، نقل عن مسؤول وصف بـ”الكبير جدًا” داخل الإدارة الأمريكية ارتياح واشنطن لما أسماه “التنديد المنضبط” الصادر عن الدول العربية “المعتدلة” بشأن قرار ترامب، ورهان القيادات الأمريكية على قدرة موقف الحكومات العربية على امتصاص رد الفعل.
البرلماني المصري هيثم الحريري: قرار ترامب بنقل سفارة بلاده للقدس “متفق عليه بين الحكام العرب في السعودية كجزء من صفقة القرن”
وفي المقابل أكد محرر الشؤون العربية بالقناة العاشرة الإسرائيلية تسفي يحزيقالي أن الفلسطينيين يدفعون وحدهم ثمن التغيرات الكبرى في المنطقة، زاعمًا إعطاء كل من مصر والسعودية الضوء الأخضر لدونالد ترامب لإعلان هذا القرار، قائلًا: “قرار الرئيس الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل” ما كان ليصدر لولا حدوث تفاهمات على المستوى الإقليمي بين ترامب والسعودية ومصر”.
تصريحات الوزير الإسرائيلي ومحرري القناة العبرية تتناغم بشكل كبير مع ما كشفه دبلوماسي أمريكي في القاهرة خلال شهادته بشأن اتصالات الساعات الأخيرة التي سبقت إعلان قرار نقل السفارة الأمريكية للقدس.
الدبلوماسي الذي رفض ذكر اسمه أشار إلى إجراء عدد من الاتصالات بين الرئيس الأمريكي وبعض القادة العرب، لافتًا إلى أن بعض السفارات الأمريكية في البلدان العربية رفعت تقارير تحذر من رد فعل الشارع في بعض العواصم العربية، إلا أنه يبدو أن لدى الإدارة الأمريكية تقاريرًا أخرى توضح مدى ملاءمة هذه المرحلة لذلك القرار.
كما أشار إلى أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي طالب ترامب خلال اتصال هاتفي، بضرورة تأجيل القرار وليس التراجع عنه، وذلك حتى لا تستخدمه جماعات الإسلام المتشدد في تأجيج الشارع العربي ضد الحكام والمصالح الأمريكية، وهو ما ستكون له تداعيات على مسار خطته – أي ترامب – للسلام في الشرق الأوسط، كاشفًا أن رد ترامب على السيسي جاء بأنه لن يترك زمام القرارات المهمة خاضعًا لهذه الجماعات، على حد قوله.
المصدر أوضح أن موقف العاهل الأردني كان الأكثر تشددًا بين مواقف الزعماء العرب ممن هاتفهم الرئيس الأمريكي، في حين كان الخلاف من جانب باقي الزعماء في مسألة التوقيت والظروف المحيطة، حتى إن بعضهم طالب ترامب بقرارات ولو شكلية بشأن القضية الفلسطينية ليسهل معه امتصاص الغضب الشعبي، وعدم التسبب في حرج للحكام، خصوصًا في توقيت تشهد فيه العلاقات العربية الإسرائيلية تطورًا كان من الصعب إحداثه في فترات سابقة.
التناقض الواضح في موقف مصر والسعودية ما بين الرفض والتنديد الإعلامي – ظاهريًا – في مقابل الدعم والتأييد الكامل – في الخفاء – أثار القلق لدى الفلسطينيين بأن هناك شيئًا ما يحاك داخل مطابخ كل من واشنطن وتل أبيب والقاهرة والرياض.
https://www.youtube.com/watch?v=-u9J9skoWfE
صفقة القرن
الاعتراف الأمريكي رسميًا بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل” هو الجزء الأصعب من معادلة “صفقة القرن” التي يسعى ترامب إلى تمريرها بمساعدة مصر والسعودية، والتي وضعت الملامح الأولى لخطتها في اللقاء الذي جمع بين العاهل السعودي والرئيس المصري مع الرئيس الأمريكي خلال زيارته للرياض مايو الماضي.
البرلماني المصري هيثم الحريري أكد في تصريحات متلفزة له أن قرار ترامب بنقل سفارة بلاده للقدس “متفق عليه بين الحكام العرب في السعودية كجزء من صفقة القرن”، مستبعدًا تحرك أي من المسؤولين في بلاده ضد القرار، قائلًا: “لا أتوقع من مجلس النواب أو النظام المصري أو رئيس الجمهورية أي شيء على الإطلاق، فما حدث مدفوع الثمن ومتفق عليه مسبقا”، مختتمًا “ليس لدينا حكام عرب يستحقون أن يكونوا حكامًا”.
محرر الشؤون العربية بالقناة العاشرة الإسرائيلية تسفي يحزيقال: “قرار الرئيس الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل” ما كان ليصدر لولا حدوث تفاهمات على المستوى الإقليمي بين ترامب والسعودية ومصر
يتطابق ما قاله البرلماني المصري مع ما يثار بشأن وجود خطة سلام تحاول واشنطن فرضها على الفلسطينيين بمساعدة بعض الدول العربية على رأسها السعودية بالإضافة إلى “إسرائيل”، في إشارة إلى صفقة القرن، وهو ما ألمحت إليه صحيفة “Mediapart” الفرنسية التي كشفت بدورها أن قرار ترامب بمثابة استفزاز لأوروبا والعالم العربي على حد سواء.
أما عن ملامح هذه الخطة، فتشير بعض المصادر إلى اتصالات جرت بين ولي العهد السعودي ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن)، بشأن تفاصيلها وتوقيت إعلانها، إذ من المقرر أن يكشفها ترامب وصهره جاريد كوشنر خلال النصف الأول من العام القادم 2018، بحسب ما نقلته “رويترز” عن مسؤولين فلسطينيين.
الرئيس الأمريكي سعى في هذا الشأن إلى تخفيف وقع الصدمة على السلطة الفلسطينية قبيل إعلان قراره، وذلك من خلال اتصال أجراه مع عباس مساء الثلاثاء الماضي، خاطبه فيه قائلاً: “عندي أخبار راح تعجبك”، بحسب ما قاله أحد المقربين من الرئيس الفلسطيني الذي أكد أن أبو مازن طلب تفاصيل لكن ترامب لم يعطه أي تفاصيل.
البعض يرى أن قرار ترامب متفق عليه مسبقًا في الرياض
شهادات المسؤولين نقلت تفاصيل الدور الذي يقوم به ولي العهد السعودي لتمرير هذه الصفقة، فبحسب أحدهم فإنه طلب من “أبومازن” إبداء دعمه لجهود السلام التي تبذلها الإدارة الأمريكية، وذلك خلال اللقاء الذي جمع بينهما في الرياض في نوفمبر/تشرين الثاني، بينما نقل آخر عن محمد بن سلمان قوله لرئيس السلطة الفلسطينية “كن صبورًا سوف تسمع أخبارًا جيدة، ستمضي عملية السلام”.
حالة من التخوف تنتاب المسؤولين الفلسطينيين جراء الصفقة التي يحيكها ولي العهد السعودي مع الإدارة الأمريكية مستغلًا علاقته القوية بكوشنر المقرب من تل أبيب، بحكم العلاقة القوية التي كانت تجمع والده ورئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو.
القرار الأمريكي يغلق بدوره الباب بصورة شبه نهائية أمام الفلسطينيين لإعلان القدس الشرقية عاصمة لدولتهم المستقلة، وهو ما دفع مسؤولون فلسطينيون للتعبير عن خشيتهم جراء السيناريوهات المتوقعة لمستقبل قضيتهم، خاصة بعد ما يثار بشأن التنسيق مع السعودية ومصر من جانب والضغط الممارس على الجانب الفلسطيني من جانب آخر.
المقترح الذي حمله كوشنر لولي العهد السعودي للضغط على أبو مازن لقبوله يتضمن تأسيس “كيان فلسطيني” في غزة و3 مناطق إدارية بالضفة الغربية في المنطقة “أ” والمنطقة “ب” و10% من المنطقة “ج” التي تضم مستوطنات يهودية.
كما يتضمن هذا السيناريو – الذي تخوف منه أحد المسؤولين الفلسطينيين في شهادتة لـ”رويترز” – بقاء المستوطنات اليهودية بالضفة الغربية كما هي، ومن ثم فلا مجال للحديث عن حق العودة، وهو المطلب الذي طالما أعلن الفلسطينيون عدم التنازل عنه.
ورغم عدم تعليق الديوان الملكي على هذه المعلومات فإن مسؤولًا سعوديًا توقع أن تكون هناك تفاهمات بشأن سلام إسرائيلي – فلسطيني سيبدأ في الظهور في الأسابيع المقبلة، غير أنه أضاف “لا أعتقد أن حكومتنا سوف تقبل بذلك إلا إذا وجدت شيئًا يخفف ذلك يمكن للملك سلمان وولي العهد أن يقدماه للعالم العربي، وهو أن الفلسطينيين سيحصلون على دولتهم”.
https://www.youtube.com/watch?v=t_gX3OTGDLA
تناقض واضح
النيران الصادرة عن شهادات المسؤولين الفلسطينيين التي تطابقت مع تصريحات البرلماني المصري بشأن دعم القاهرة والرياض – المسبق – للقرار الأمريكي بالتنسيق مع الجانب الإسرائيلي، كانت لدخان سابق ظلل أجواء المباحثات التي أجراها قيادات الصف الأول والثاني للدول الـ4 خلال الأشهر الماضية.
قبيل زيارة الرئيس الأمريكي للرياض مايو الماضي وما تخللها من لقاءات مكثفة مع سلمان ونجله والسيسي، أعقبها زيارة مكوكية لترامب لتل أبيب في رحلة طيران مباشرة من الرياض في سابقة هي الأولى من نوعها، ثم اتصالات متبادلة بين الأطراف الـ3، كانت “صفقة القرن” هي الضيف دائم الحضور.
التناغم المصري السعودي الأمريكي الإسرائيلي حيال هذه القضية، تم تأكيده من خلال العديد من الشواهد التي سبقت وأعقبت هذه الزيارة، وهو ما أزاحت بعض الصحف العبرية الستار عنه أكثر من مرة بكشفها لقاءات جمعت ابن سلمان ومسؤولي الكيان الصهيوني خلال زيارة سرية له لتل أبيب، كذلك ما أثير بشأن زيارة مماثلة لرئيس وزراء دولة الاحتلال للقاهرة التقى فيها السيسي بقصر الاتحادية حسبما نشرت بعض الصحف الإسرائيلية.
المقترح الذي حمله كوشنر لولي العهد السعودي للضغط على أبو مازن لقبوله يتضمن تأسيس “كيان فلسطيني” في غزة و3 مناطق إدارية بالضفة الغربية في المنطقة “أ” والمنطقة “ب” و10% من المنطقة “ج” التي تضم مستوطنات يهودية
هذا بخلاف الضغوط التي مارستها اللجنة الرباعية (السعودية – مصر – الأردن – الإمارات) على سلطة “أبو مازن” للتجاوب مع المقترحات الأمريكية والإسرائيلية لدفع عملية السلام، مستخدمين القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان، والمقيم في الإمارات، كورقة ضغط لابتزاز السلطة الفلسطينية.
ثم إن زيارة محمود عباس للرياض نوفمبر الماضي كشفت بدورها النقاب عن الضغوط التي يمارسها عليه ولي العهد السعودي لقبول “صفقة القرن” بما يعزز مكانة المملكة لدى واشنطن وتل أبيب، لدعمها أمنيًا وعسكريًا في مواجهة إيران من جانب، ولمباركة خلافة ابن سلمان لعرش والده من جانب آخر، حتى لو كان ذلك على حساب مستقبل القدس والقضية الفلسطينية برمتها.