في أثناء مؤتمر “إفريقيا 2017” الذي عقد الأسبوع الماضي في مدينة شرم الشيخ المصري، قال طارق عامر محافظ البنك المركزي المصري إن هناك دراسة لإنشاء عملة إفريقية موحدة وسياسة موحدة طويلة الأمد، في أثناء ذلك، أكد الرجل أن إنشاء هذه العملة فعليًا سيستغرق وقتًا طويلاً، والحكومات الإفريقية لديها رغبة لإحداث التكامل الاقتصادي.
ما قصة العملة الإفريقية؟
الحديث عن عملة إفريقية ليس وليد اللحظة، ولكن مخطط له منذ نحو عقدين من الزمان، حسب اتفاقية “أبوجا” التي وقعت في نيجيريا عام 1991، فالاتحاد الإفريقي الذي يتكون من 55 دولة، يرعى إصدار العملة ويهدف إلى تعزيز التنمية والقضاء على الفقر واجتذاب إفريقيا إلى الاقتصاد العالمي.
والعملة الإفريقية (الأفرو) أحد الطموحات التي يسعى إليها الاتحاد، ضمن حزمة من الإجراءات خطط لها على المدى البعيد، منها إنشاء محكمة لحقوق الإنسان ومصرف مركزي وصندوق نقدي بحلول عام 2023، وكان الاتحاد قد افتتح برلمانًا إفريقيًا عام 2004، يناقش القضايا على مستوى القارة ويقدم المشورة لرؤساء دول الاتحاد الإفريقى.
يقول الخبير المصرفي محمد عبد العال إنه كان مخططًا للعملة أن تنطلق عام 2028، ولكن تم تقصير المدة لتصبح 2020، وهو ما اعترضت عليه مصر حتى تتمكن من تطبيق سياسات جديدة، وطلبت التأجيل لعام 2023.
يقابل خبراء اقتصاديون الحديث عن العملة الموحدة بين مصر وإفريقيا (الأفرو) ببعض التخوفات
عملات موحدة أخرى
في الوقت الذي يسعى فيه الاتحاد الإفريقي لعملة موحدة، ثمة عملات موحدة أخرى تسعى دول في إفريقيا للاعتماد عليها، حيث وقعت 5 دول في شرق إفريقيا هي: كينيا وتنزانيا وأوغندا ورواندا وبوروندي على بروتوكول إقامة سوق مشتركة واتحاد جمركي واحد، بالإضافة إلى عملة موحدة، فالبروتوكول الذي تم توقيعه في 2013 حدد مدة عشر سنوات للبدء الفعلي في التنفيذ.
في المقابل، تسعى دول غرب ووسط إفريقيا منذ عام 2009 عندما قررت دول المنطقة النقدية لغرب إفريقيا والاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا إطلاق عملة موحدة في 2015 تسمى “إيكو”، لكن الأمر تأخر حتى 2020.
الفرانك الإفريقي الذي تستخدمه الدول الـ14، يرتبط بالعملة الفرنسية منذ نشأته، بموجب اتفاقية لأسعار صرف العملات صدقت عليها فرنسا عام 1945 عندما تأسس صندوق النقد الدولي، حسب الاتفاقية فإن أرصدة العملات الأجنبية توضع في الخزانة الفرنسية التي تعتبر البنك المركزي لهذه الدول الموقعة، بالإضافة لاعتبار فرنسا ضامنًا للفرانك الإفريقي أمام باقي العملات.
وبسبب تدهور وضع اليورو الذي يرتبط به الفرانك الإفريقي – يطلق عليه سيفا أيضًا – يراد لـ”أيكو” أن تكون بديلاً له من قبل 15 دولة، بينهم المغرب الذي أعلن استعداده التخلي عن الدرهم واستخدام إيكو.
ليس من مصلحة بلدان غرب إفريقيا التخلي، على المدى القصير، عن المظلة النقدية التي تقدمها فرنسا من خلال عضويتها في منطقة اليورو
هل تنجح العملة الإفريقية؟
يقابل خبراء اقتصاديون، الحديث عن العملة الموحدة بين مصر وإفريقيا (الأفرو) ببعض التخوفات، فيقول رئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية السادات الدكتور إيهاب الدسوقي أن الأمر شبه مستحيل لأنها خطوة يجب أن يسبقها تكاملاً اقتصاديًا، وهذا لم يحدث بعد، ويضيف “إطلاق هذه الوحدة يحتاج إلى التوحد الاقتصادي على غرار الاتحاد الأوروبي، وهو ما لم يتحقق في الفترة الحاليّة”.
وحتى يكتب لهذه الخطوة النجاح، فلا بد من إقامة منطقة تجارة حرة وإنشاء سوق مشتركة وعمل اتحاد إفريقي اقتصادي، حسب ما يرى الدسوقي.
في المقابل، فإن الحديث عن الإيكو يقابل بنفس رد الفعل من متخصصين، حيث يقول هيرفيه لادو المدير السابق لدعم المؤسسات في سفارة فرنسا في الكاميرون: “ندرك، من جهة، أن التنسيق سيضر بنيجيريا التي تتزايد فيها كلفة العمالة، كما ستعاني كلّ من مالي وتوجو لأسباب مختلفة، غير أنّ بلدانًا أخرى ستحقّق أرباحًا من التدفق السلس للأنشطة التجارية فيها، وهذا مفيد بالنسبة للمستثمرين”.
أيضًا يعتبر إسكندر ونيس أستاذ العلوم الاقتصادية والمستشار السابق لدى الصندوق السيادي الكويتي أنه ليس من مصلحة بلدان غرب إفريقيا التخلي، على المدى القصير، عن المظلة النقدية التي تقدمها فرنسا من خلال عضويتها في منطقة اليورو، بما أنّ التخلف عن سداد الديون الخارجية، قد يشكل كارثة، مما يجعل من دعم “بيرسي” الدائرة 12 في العاصمة الفرنسية باريس حيث مقر وزارة الاقتصاد والمالية الفرنسية لا غنى عنه في هذه الحالة.
عمر الكتاني أستاذ الاقتصاد في جامعة محمد الخامس بالرباط يرى أيضًا أن الحديث عن عملة إيكو سابق لأوانه، حيث يجب أن يكون اقتصاد الدول التي ستشارك في الأمر متقاربًا، ولا يتجاوز التضخم فيها 2.5% والمديونية 3%.
ويقول: “الأوروبيون قاموا بتوحيد عملتهم بعد مراحل جد معقدة، أبرزها توحيد صناعة الفولاذ والفحم، ثم توحيد التجارة الخارجية، وبعدها السوق الأوروبية المشتركة، ما يُعقد عملية العملة الإفريقية بصفة عامة أن كل دولة على حدة تتبنى سياسة اقتصادية مختلفة عن الأخرى”.
معتبرًا تصريحات بعض المسؤولين المغاربة في هذا الاتجاه غير مبنية على أسس علمية، بقدر ما تعدو أن تكون إظهارًا لنية وإرادة الرباط في الدخول في مسلسل التنسيق الاقتصادي الإفريقي.