ترجمة وتحرير: نون بوست
لن يمر قرار ترامب حول القدس دون تداعيات سلبية
لقد أثار قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، موجة صادمة حول العالم، وقد عملت صحيفة نوفال أوبسرفاتور على جمع أبرز ما يجب معرفته عن هذا القرار غير المسبوق وعواقبه.
لماذا لا توجد أي سفارة في القدس؟
لطالما كانت القدس، المدينة المقدسة لدى أكبر ثلاثة ديانات توحيدية في العالم وهي الإسلام والمسيحية واليهودية، في قلب الصراع الألفي. ومنذ زمن بعيد، كانت المواجهات المباشرة تندلع بين المسلمين والمسيحيين، بل ودارت الحرب في منتصف القرن التاسع عشر بين المسيحيين أنفسهم.
خلال سنة 1890، تغير كل شيء عندما أطلق تيودور هرتزل مشروع الصهيونية. فعلى مدى قرون، ردّد “أتقياء بني صهيون” خلال شعائر عيد الفصح الوعد المنشود “بالالتقاء في القدس السنة المقبلة”، حتى أصبح ذلك خيارا سياسيا. وجاء وعد إنجلترا للصهاينة بمساعدتهم على تحقيق حلمهم، ولكن بعد بقائهم 30 سنة في فلسطين، أي خلال الفترة الممتدة بين سنة 1917 و1948، انسحبوا وتركوا هذه القضية بيد الأمم المتحدة.
أما خلال سنة 1947، صوتت الأمم المتحدة لصالح مشروع تقسيم فلسطين إلى دولتين، دولة يهودية في الغرب وأخرى عربية في الشرق، فيما تبقى القدس تحت سيطرة الأمم المتحدة، من أجل ضمان وصول المسلمين والمسيحيين واليهود إلى الأماكن المقدسة في المدينة. ولكن، لم يرضَ أي طرف على أرض الواقع بهذا الخيار.
بعد ذلك، سرعان ما اندلعت الحرب بين الدولة العبرية والدولة العربية وانبثق عنها سياق جديد؛ وظهرت دولة الأردن في الشرق ودولة إسرائيل في الغرب، حيث أقاموا حكومتهم. وخلال سنة 1967، مكنت حرب الستة الأيام إسرائيل من غزو الجزء الشرقي، الذي ما زال يعرف لدى المجتمع الدولي “بالمنطقة المحتلة”.
رغم هذه الصفة التي تحملها المنطقة، واصلت إسرائيل احتلال الجانب الشرقي، وصوّت الصهاينة سنة 1980 على قانون إسرائيلي يعترف بالقدس عاصمة “واحدة لا تقبل التجزئة”. ولكن، لم تعترف أي دولة بهذا القانون. وقد ذكر المؤرخ فينسنت لومير، أن “الأمم المتحدة في تلك اللحظة طلبت من الدول الستة عشر، نقل سفاراتها من القدس”.
لماذا يتعارض هذا القرار مع عملية السلام؟
يرى الفلسطينيون في القدس الشرقية عاصمة للدولة التي يطمحون لإقامتها، فحسب الإحصائيات الإسرائيلية؛ يمثل الفلسطينيون ثلث السكان بتعداد بلغ 820 ألف نسمة، ولكنها الغالبية القاطنة في القدس الشرقية.
لتجنب تغذية الصراع التاريخي، قرر المجتمع الدولي عدم الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل أو فلسطين. وفي هذا السياق، يتعارض قرار ترامب مع الحياد الذي حاول المجتمع الدولي التحلي به فيما يتعلق بتقسيم المدينة، ووضعية الأماكن المقدسة. وحيال هذا الشأن، أشار أستاذ العلوم السياسية نيكول بشاران وهو يشرح أن الوضع النهائي للقدس يجب أن يطرح في آخر نقطة في مفاوضات السلام، فقال “ما لم يتم الاتفاق على أي شيء، يبقى الغموض محبذا”.
أدانت تركيا والسعودية هذا الإعلان، الذي وصفاه بغير المسؤول وغير المبرر من جانب الولايات المتحدة، ويتعارض مع الحقوق الدولية، كما صرحت الأردن بأن هذا الإعلان فيه انتهاك صارخ للقانون الدولي
في خضم هذا الصراع، لعبت الولايات المتحدة دور الوساطة النزيهة في عملية السلام. وفي هذا الإطار، أكد المحلل فينسنت لومير أن “الولايات المتحدة فقدت دورها كوسيط نزيه محتمل منذ اللحظة التي وقفت فيها إلى جانب إسرائيل”، بعد أن كانت تمثل الفاعل الوحيد “الصادق والمحايد” والشرعي لدى الإسرائيليين والفلسطينيين.
كيف كانت ردود الأفعال في الشرق الأدنى
بإعلانه عن قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، انعزل دونالد ترامب عن العالم. فقد أدانت تركيا والسعودية هذا الإعلان، الذي وصفاه بغير المسؤول وغير المبرر من جانب الولايات المتحدة، ويتعارض مع الحقوق الدولية. كما صرحت الأردن بأن هذا الإعلان فيه انتهاك صارخ للقانون الدولي. وفي السياق ذاته، اعتبرت وزارة الخارجية الإيرانية أن هذا القرار المثير للغضب سيطلق “انتفاضة جديدة”.
إلى جانب ذلك، أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس في خطاب متلفز بأن الولايات المتحدة بهذا القرار “البائس قد هدمت كل جهود السلام وأعلنت خروجها من دور الراعي للعملية الذي لعبته خلال العقود الأخيرة”. في سياق متصل، رأى الأمين العام لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات، أن دونالد ترامب قد هدم حل الدولتين، وأخرج الولايات المتحدة من أي دور قد تلعبه في عملية السلام القادمة.
أما بالنسبة للحركة الإسلامية حماس، فقد فتح ترامب “أبواب جهنم”. وعلى خلفية هذا القرار، قال إسماعيل هنية في خطاب ألقاه في غزة “يجب أن ندفع نحو انتفاضة جديدة في مواجهة العدو الصهيوني”. وقد خاض الفلسطينيون انتفاضتين ضد المحتل الصهيوني بين سنة 1987 و2000، بالإضافة إلى انتفاضة السكاكين التي سجلت فيها العديد من الهجمات بالأسلحة البيضاء على أهداف صهيونية، منذ أواخر سنة 2015.
لقد كانت ردود فعل العالم الإسلامي واضحة وصارخة في نهاية يوم الجمعة المأساوي
في المقابل، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، يوم إعلان ترامب قراره ذاك، يوما تاريخيا، مشيرا إلى أنه سيحافظ على الوضع الراهن للأماكن المقدسة في القدس. من جانبها، أكدت الأمم المتحدة أن وضع القدس لا يمكن أن يُحلّ إلا من خلال مفاوضات مباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وفي هذا الصدد، سيعقد على عجل يوم الجمعة القادم اجتماع لمجلس الأمن بطلب من فرنسا والسويد وإيطاليا والمملكة المتحدة وبوليفيا وأوروغواي ومصر والسنغال.
التداعيات على أرض الواقع
لقد كانت ردود فعل العالم الإسلامي واضحة وصارخة في نهاية يوم الجمعة المأساوي. ووفق ما صرح به وزير الصحة الغزاوي، فقد قتل فلسطيني وجرح العشرات على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال مظاهرة جابت شوارع القطاع. كما وقعت أحداث عنف متعددة في الأراضي المحتلة وفي القدس، حيث دارت اشتباكات بين المتظاهرين الفلسطينيين والشرطة الإسرائيلية داخل المدينة القديمة وحواليها.
منذ طلوع فجر يوم الأربعاء، خرج الآلاف للإعراب عن رفضهم لقرار الرئيس الأمريكي، في شوارع الدول العربية القريبة من فلسطين، على غرار الأردن وتركيا والعراق ومصر، رافعين شعارات “القدس عاصمة فلسطين”، و”عربية عربية”. ويوم الجمعة، حرق بعض المتظاهرين في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، الأعلام الأمريكية والإسرائيلية وصورا لدونالد ترامب. وفي هذا السياق، تم نشر المئات من عناصر الشرطة وحرس الحدود الإسرائيلي في القدس.
حرق علم الولايات المتحدة الأمريكية وعليه صورة دونالد ترامب في باكستان.
المصدر: نوفال أوبسرفاتور