ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب آني غوين ، ماكس بيراك
بالنسبة للبوذيين في بورما، يمكن لمجرد إلقاء نظرة على الأخبار المتداولة على موقع فيسبوك مزيد تأجيج الكراهية والحماس القومي. وتدعي بعض الجهات، التي تنشر مجموعة لا نهاية لها من الصور والرسوم الكاريكاتورية الاستفزازية، أنه لا يوجد “تطهير عرقي” ضد الأقلية المسلمة في بورما. ووفقا لهذه المنشورات، تعتبر وكالات الأنباء الدولية ومنظمات حقوق الانسان كاذبة وتساهم في تضليل الرأي العام من خلال اتهام الجيش بتنفيذ فظائع ضد قومية الروهينغا، من أجل مساعدة الإرهابيين على التسلل إلى البلاد، وقتل البوذيين، فضلا عن إقامة مقاطعة إسلامية منفصلة.
منذ فترة طويلة، كانت بورما معزولة عن العالم بسبب النظام العسكري الذي يسيرها. ونظرا للتوترات التي دامت لقرون طويلة بين مجتمعاتها البوذية والمسلمة، كان هذا النظام يُحكم السيطرة على وسائل الإعلام التقليدية. ومع انتقال البلاد إلى نظام ديمقراطي، تضاءلت هذه القيود تدريجيا، وسرعان ما اتسعت إمكانية الوصول إلى شبكة الإنترنت، ولا سيما من خلال مشروع الإنترنت المجاني التابع لشركة فيسبوك “إنترنت دوت أورج”، الذي جعل المنصة تحتل مكانة بارزة كمصدر رئيسي للأخبار في بورما.
في المقابل، ساهم الانتشار المفاجئ للتكنولوجيات المتاحة مؤخرا في تفاقم انتشار الكراهية العرقية في بورما، ما أدى إلى نشوب توترات في خضم الحملة العسكرية العنيفة، التي ترتب عنها فرار أكثر من 600 ألف من الروهينغا عبر الحدود إلى بنغلاديش.
يعتبر الراهب أشين ويراثو من أشهر المروجين للمنشورات المناهضة للروهينغا على مواقع التواصل الاجتماعي
في الحقيقة، يُعرّف فيسبوك عصر المعلومات في بورما كالتالي: “يستطيع الكثير من الاشخاص في هذا البلد الولوج إلى فيسبوك أكثر من الحصول على الكهرباء العادية في منازلهم. أما مؤخرا، كشفت دراسة حديثة أن 38 في المائة من مستخدمي فيسبوك في بورما يحصلون على معظم أخبارهم، إن لم يكن كلها، من هذا الموقع المتاح لهم. وتنتشر المواد الإخبارية في بورما عن طريق المنشورات التي ينشرها الأشخاص المعادين لقومية الروهينغا، التي لا يشاركها الناس العاديون فحسب، بل كبار الضباط العسكريين، والمتحدث باسم زعيمة بورما الفعلية، أونغ سان سو تشي.
في هذا السياق، أفاد ماثيو سميث، المؤسس المشارك في منظمة “فورتيفاي رايتس” الحقوقية التي تنشط في جنوب شرق آسيا، بأن “بورما تشهد نهضة بشعة من الدعاية المتعلقة بالإبادات الجماعية التي تنتشر عبر فيسبوك مثل النار في الهشيم”.
في الإطار ذاته، قالت المتحدثة باسم فيسبوك، روشيكا بودراجا، إن “الشركة تكثف جهودها في بورما للحد من خطاب الكراهية، وقد خصصت، منذ عدة سنوات، فريقا يتقن اللغة البورمية للعمل من أجل مراقبة المنشورات”. من جانب آخر، يعتمد فيسبوك على المستخدمين في الإبلاغ عن المحتوى الذي قد ينتهك “معايير المجتمع” المتعاقد عليها. ولا يمكن أن تمحى “المعلومات المضللة من تلقاء نفسها، ولكن يمكن ذلك إذا كانت تحتوي على محتوى فاحش أو تهديدات.
قبل أربع سنوات، لم يكن أحد تقريبا يملك هاتفا ذكيا في بورما. ولكن، في الوقت الراهن بعد أن انتشرت هذه التكنولوجيا في كامل أنحاء بورما يمكن للعديد من البورميين الولوج إلى الإنترنت من خلال فيسبوك
في الواقع، يعتبر الراهب أشين ويراثو من أشهر المروجين للمنشورات المناهضة للروهينغا على مواقع التواصل الاجتماعي، كما يشتهر بتعصبه الشديد وتحوله إلى استخدام فيسبوك بعد أن منعته الحكومة من التبشير علنا لمدة سنة. فضلا عن ذلك، شبّه ويراثو المسلمين بالكلاب المجنونة، فضلا عن أنه نشر صورا لجثث ادعى أنها لبوذيين قتلوا على يد المسلمين، في حين أنه لم يعترف أبدا بالوحشية والقمع المسلطان على شعب الروهينغا.
حيال هذا الشأن، أصدر فيسبوك بيانا يفيد بأن “دخول ويراثو لحسابه كان مقيدا في الماضي، فضلا عن أنه تم إزالة بعض المحتوى منه. ولكن لم يبين فيسبوك ما إذا كانت الشركة تراقب بانتظام خطاب الكراهية الذي ينشره على حسابه. وتجدر الإشارة إلى أن بعض الرهبان البوذيون القوميين الآخرين يستخدمون فيسبوك كأداة للتوظيف في العمل، وأحد هؤلاء الرهبان هو سي سيكتا.
في دير يقع في وسط مدينة يانغون، العاصمة السابقة لبورما (حاليا ميانمار)، وإحدى أكبر مدنها، سحب سيكتا جهازه اللوحي فضي اللون من أجل استخدام العديد من التطبيقات. وفي مكان قريب، كان يمسك اثنين من الرهبان الصغار هواتفهم في القاعة الخشبية من أجل تصوير الزوار. ويعرف سيكتا جيدا أن موقع فيسبوك ليس مجرد منصة لتبادل الأفكار وإنما لحشد المزيد من الأتباع أيضا.
خلال شهر نيسان/ أبريل، أعلن سيكتا عن تنظيمه لوقفة احتجاجية أمام السفارة الأمريكية في يانغون ضد استخدام وزارة الخارجية لمصطلح “الروهينغا”. وفي وقت لاحق، دعا بعض المتطوعين لتخويف أصحاب المحلات المسلمين الذين يعملون بالقرب من معبد شويداغون ذو القبة الذهبية.
الكثير من الدعاية التي تُنشر عبر الإنترنت تعزز بعض الحقائق الزائفة التي تفيد بأن قومية الروهينغا تنحدر من المهاجرين القادمين من بنغلاديش
على خلفية ذلك، أوضح فيسبوك أن حساب سيكتا يجري تقييمه استنادا إلى المعلومات التي تقدمها صحيفة واشنطن بوست الأمريكية. في المقابل، أشار سيكتا في إحدى منشوراته إلى أن نزوح قومية الروهينغا إلى بنغلاديش منذ اندلاع أعمال العنف في أواخر شهر آب/ أغسطس جعله سعيدا. كما ادعى أن الجيش البورمي شارك فيما وصفه “بعمليات التطهير” في قرى الروهينغا لاستهداف المسلحين منهم المتهمين بمهاجمة مواقع استيطانية لقوات الأمن وقتل ضباط وسرقة الأسلحة.
إلى جانب ذلك، أفاد هذا الراهب بأن “الشعب البنغالي يعد من أخطر الشعوب في العالم”. وأضاف المصدر ذاته “أنه من الطبيعي بالنسبة لهم أن يعودوا إلى وطنهم. ولكن إذا عادوا فسيترتب عن ذلك اندلاع المزيد من أعمال العنف”.
في بورما، المعروفة أيضا باسم ميانمار، يكتسب مصطلح “البنغالية” مدلولا ازدرائيا عند استخدامه للحديث عن قومية الروهينغا. والجدير بالذكر أن الكثير من الدعاية التي تُنشر عبر الإنترنت تعزز بعض الحقائق الزائفة التي تفيد بأن قومية الروهينغا تنحدر من المهاجرين القادمين من بنغلاديش، على الرغم من أن هذه المجموعة تملك روابط تاريخية، بما يطلق عليها في الوقت الراهن اسم بورما، منذ العصر الاستعماري البريطاني.
من جهة الأخرى، كانت الحسابات التابعة للجهات الحكومية أو العسكرية في بورما أول من استخدم مصطلح “البنغالية” وروج للكثير من الحقائق المزيفة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. وفي الآونة الأخيرة، نشر مكتب قائد الجيش البورمي على صفحته الرسمية على فيسبوك، التي تضم أكثر من مليوني متابع، نتائج التحقيق الداخلي الذي برّأ الجيش من أي اضطهاد لقومية الروهينغا، فضلا عن أنه استخدم مصطلح “إرهابي بنغالي” حوالي 41 مرة.
ؤفي الأثناء، كانت هناك الكثير من الادعاءات الشائعة التي تشير إلى أن بعض الروهينغا أحرقوا قراهم ومن ثم ألقوا باللوم على قوات الأمن البورمية. وفي هذا السياق، نشر المتحدث باسم مستشارة الدولة، أونغ سان سو تشي، زاي هتاي، على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك منشورات حول هذه الادعاءات، إلى جانب صور ثبت أنها كانت مفبركة، ولا زالت حتى اللحظة الراهنة موجودة على صفحته.
في هذا الصدد، أوضح المحلل المستقل في بورما، ديفيد ماثيسون، الذي كان يعمل سابقا مع منظمة هيومن رايتس ووتش، أن “المنشورات التي تنشرها أطراف في حكومة سو تشي على موقع فيسبوك تنم عن عدم نضج الحكومة”. ويظن أن هذه السمة تشمل الجيش والقائد العام للقوات المسلحة الذي أصبح أسير مواقع التواصل الاجتماعي. وفي الواقع، يعني اعتماد فيسبوك على المستخدمين لإبراز المحتوى المشكوك في مصداقيته أن الناس على غرار ماونغ ماونغ لوين، البالغ من العمر 29 سنة، ويعمل نادلا في مقهى عصري، سوف يلجأ إلى مدى ذكائه وفطنته من أجل تمييز الأخبار الوهمية عن الحقيقية.
يبدو أن قوة تأثير الإنترنت قد أزعجت حكومة بورما المنتخبة، في حين أنها لم تبد أي انزعاج لما يحدث لشعب الروهينغا.
على سبيل المثال، قبل هذه الأشهر من الاضطرابات التي شهدتها البلاد، تحول لوين للعمل والعيش في سيتوي، عاصمة ولاية راخين بورما، موطن معظم الروهينغا. وكان يتابع أخبار أزمة الروهينغا على شاشة هاتف الجوال من نوع ريدمي نوت 3، وهو هاتف محمول زهيد الثمن من صنع هندي، من خلال موقع فيسبوك. مع العلم أن صديقه قد نشر رسما كاريكاتوريا مناهضا للروهينغا يظهر منظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة تدفع حصان طروادة يحمل مسلحين من الروهينغا إلى بورما.
فضلا عن ذلك، قام صديق لوين بإرفاق صور لجنود بورما القتلى مع منشور آخر. وتمثلت ردة فعل لوين تجاه تلك الصور في محوه للرسم الكاريكاتوري الأول، معتبرا إياه ذا نزعة سياسية للغاية، وقام بنفس الشيء مع المنشور الثاني لأنه مجرد أخبار وهمية واضحة. وحيال هذا الشأن، أفاد لوين بأنه “بإمكانه التمييز بين الأخبار الحقيقية والوهمية. ولكن بالنسبة لمعظم الناس، فهم يستطيعون اكتساب هذا النوع من التمييز بعامل الخبرة”، في حين أن بورما مازالت في بداية عتبة العصر الرقمي.
في خضم هذا الصراع، يبدو أن قوة تأثير الإنترنت قد أزعجت حكومة بورما المنتخبة، في حين أنها لم تبد أي انزعاج لما يحدث لشعب الروهينغا. في الثامن من تشرين الثاني/ نوفمبر، وافق برلمان بورما على قانون يسمح للحكومة “بمراقبة سوء استخدام تكنولوجيا المعلومات التي قد تضر بشخصية الشباب وأخلاقهم وتخل بالأمن العام”.
من خلال منشور على موقع فيسبوك، كتب نائب رئيس إحدى الشركات في بورما مدونة حول المعضلة التي تواجهها بورما في تقفي وإزالة خطاب الكراهية المنتشر في البلاد مفادها: “لقد واجهنا صعوبة في تنفيذ هذه السياسة بالشكل الصحيح مؤخرا. ويرجع ذلك أساسا إلى تحديات فهم السياق الذي واجهناه. ولكن بعد القيام بالمزيد من الفحص والتدقيق، أصبحنا قادرين على تنفيذ تلك السياسة على أكمل وجه، في حين أننا نتوقع أن يكون هذا تحديا طويل الأمد، بالنسبة لنا”.
المصدر: واشنطن بوست