تُعد نيجيريا من أهم الدول الإفريقية المنتجة للنفط، وهي عضو في منظمة “OPEC“، إذ إنها تحتل المرتبة الثامنة في قائمة أهم الدول المصدرة للنفط على المستوى العالمي، وبحسب تقديرات أوبك يبلغ حجم الاحتياطي النفطي في نيجيريا ما بين 27 إلى 31.5 مليار برميل، في حين يصل حجم الاحتياطي من الغاز الطبيعي إلى 4.5 تريليون قدم مكعب.
تستهلك نيجيريا من بترولها ما بين 200 إلى 275 ألف برميل فقط يوميًا نسبة للكثافة السكانية العالية فهي تحتل المركز الأول على مستوى القارة السمراء من هذه الناحية، حيث يزيد عدد السكان فيها على 175 مليون نسمة ، وتُصدِّر إلى العالم الخارجي نحو 2.26 مليون برميل يوميًا.
كذلك تُصدر نيجيريا يوميًا 7.83 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي إلى العالم على هيئة غاز مُسال، وتتركز معظم حقول النفط النيجيرية في منطقة دلتا النيجر جنوب ووسط البلاد، كما يمثل النفط النيجيري 20% من الناتج المحلي الإجمالي و95% من إجمالي حجم تجارتها مع العالم الخارجي و65% من مدخولات ميزانية الدولة.
أكبر قوة اقتصادية في إفريقيا
في 2014 تمكّنت نيجيريا من نيل لقب أكبر قوة اقتصادية في إفريقيا بعد أن أزاحت جمهورية جنوب إفريقيا عن هذا المركز بعدما وصل الناتج المحلي في الأولى إلى 510 مليار دولار، حينذاك علّق كيفين دالي مدير مؤسسة أبردين أسيت مانجمنت البريطانية التي تستثمر في غرب إفريقيا، قائلًا: “نجاح نيجيريا يذكر بأن إفريقيا تتقدم حاليًّا رغم ما تواجهه من تحديات”، مضيفًا “تعتبر نيجيريا أكبر مستقبِل في القارة للاستثمارات الخارجية رغم المشكلات التي يعاني منها اقتصادها”.
تدهور أسعار النفط عالميًا، إلى جانب زيادة التضخم وانعدام الأمن في جنوب نيجيريا، أدى إلى حدوث انهيار في الاقتصاد النيجيري
الشريك الأول لأمريكا في المنطقة
كما تُعد نيجيريا الشريك الأكبر للولايات المتحدة التجاري جنوب الصحراء الكبرى ويرجع ذلك لارتفاع واردات النفط من نيجيريا التي تقدر بـ8% من واردات أمريكا الكلية من النفط، أي ما يقرب من نصف إنتاج نيجيريا من النفط يوميًا، ونيجيريا هي خامس أكبر مُصدّر للنفط إلى الولايات المتحدة.
بالمقابل نجد أن أبرز السلع التي تصدرها أمريكا إلى نيجيريا تتمثل في الحبوب (القمح والأرز) والسيارات والمنتجات النفطية المصنعة والآلات الزراعية، حيث بلغت قيمتها أكثر من 4 مليارات دولار في عام 2010، أما واردات الولايات المتحدة من نيجيريا فقد زادت على 30 مليار دولار في العام نفسه، يشكل النفط الخام معظمها إلى جانب الكاكاو والبوكسيت Bauxite والألمنيوم والتبغ والشموع والمطاط، حسب تقرير لغرفة تجارة وصناعة نيجيريا.
تراجع بعد صعود
غير أن تدهور أسعار النفط عالميًا، إلى جانب زيادة والتضخم وانعدام الأمن في جنوب نيجيريا، فضلًا عن الأزمة الإنسانية التي شهدتها مناطق في الشمال ونقص الطاقة الكهربائية في أجزاء واسعة من البلاد، أدى إلى حدوث انهيار في الاقتصاد النيجيري، وتسبب في فقدان الدولة مركزها الاقتصادي الأول في إفريقيا.
وأقرّ الرئيس النيجيري محمد بخاري بكل ذلك في مؤتمر صحفي عقده في العاصمة أبوجا منتصف 2016 بحضور ممثلين للأمم المتحدة، إذ قال مبررًا هذا التدهور الكبير للاقتصاد: “قبل أن أتسلم مهامي كان النفط يباع بنحو مئة دولار للبرميل، ثم تدهور سعره ليصل إلى 73 دولارًا، ليتراوح اليوم بين 40 و45 دولارًا للبرميل”، وقدّر صندوق النقد الدولي حجم التراجع في نمو الاقتصاد النيجيري في العام الماضي بنسبة 1.6% في حين ارتفع في جنوب إفريقيا بنسبة 0.3%.
فقد هذا البلد العملاق في غرب إفريقيا الذي يجني 70% من عائداته من إنتاجه النفطي، مكانته الاقتصادية الأولى كما ذكرنا، لتعود مرة ثانية إلى جنوب إفريقيا، ولفتت مانجي شيتو المحللة المالية المتخصصة بشؤون غرب إفريقيا لدى شركة الاستشارات تينيو هولدينغز إنتليجنس أن البلدين (نيجيريا وجنوب إفريقيا) يمران بمصاعب اقتصادية.
تكافح نيجيريا لسداد ديون شركات النفط العالمية الكبرى، حيث يبلغ الدين الإجمالي للحكومة النيجيرية نحو 320% من عائدها السنوي
تحديات تواجه الاقتصاد النيجيري
يعتبر تراجع أسعار النفط أبرز التحديات التي تواجه اقتصاد نيجيريا، فالبلاد تعتمد بشكل كبير على تصدير النفط ورغم التعافي النسبي لأسعار البترول مؤخرًا، فإن أبوجا محتاجة إلى مزيد من الارتفاع حتى تتمكن من رفع مستوى اقتصادها ليعود كما كان عليه في 2014.
وتعاني نيجيريا من مشكلة أخرى لا تقل خطورة عن انخفاض سعر البترول بل ربما تصنف أخطر منه وهي مشكلة التطرف والإرهاب، فهناك تنشط جماعة “بوكو حرام” التي كانت تطلق على نفسها اسم “جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد” وغيرت اسمها بعد مبايعة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” إلى “ولاية غرب إفريقيا” وهي جماعة إسلامية نيجيرية سلفية جهادية مسلحة تتبنى العمل على تطبيق الشريعة الإسلامية في جميع ولايات نيجيريا.
وتبنّت الجماعة تفجيرات في منطقة دلتا النيجر الغنية بالنفط “جنوب ووسط البلاد”، مما أثّر بشدة على سمعة نيجيريا وتخوف المستثمرون من اتساع نطاق الهجمات.
وقال كيمي أديسون وزير المالية النيجيري، في يوليو/تموز الماضي، إن نيجيريا “تقنيًا” في حالة ركود، موضحًا أن العمليات المسلحة أثّرت بشكل كبير على إيرادات الدولة، لكن أديسون ظل متفائلًا بشأن فرص التوصل إلى التحسن الاقتصادي، قائلًا: “نحن في طريقنا للخروج من الركود – ذي الدورة القصيرة جدًا – وذلك لأن السياسات التي اتخذناها تضمن ارتداد النمو الاقتصادي في نيجيريا مرة أخرى في 2018، بدعمٍ من الانتعاش المستمر في إنتاج النفط”.
كما تكافح نيجيريا لسداد ديون شركات النفط العالمية الكبرى، حيث يبلغ الدين الإجمالي للحكومة النيجيرية نحو 320% من عائدها السنوي، وفقًا للأرقام الواردة في تقرير لوكالة التصنيف الائتماني “فيتش”، وهو من أعلى الأرقام في العالم، وأيضًا أعلى من المتوسط البالغ 196% في بلدان إفريقيا والشرق الأوسط التي تم تصنيفها من الوكالة نفسها.
وفوق ذلك، تعاني نيجيريا من ارتفاع معدلات الفساد، إذ قدّر مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) في أحد التقارير عام 2014 المبلغ المنهوب من خزينة نيجيريا من الاستقلال إلى عام 1999 بـ600 مليار دولار، وأكّد البروفيسور فستوس إيايي من جامعة بنين (ولاية بنيجيريا) في العام نفسه أن تقدير الأمم المتحدة صحيح، وسارقو المبلغ هم النخبة النيجيرية.
يبلغ مجموع سكان دول “الإيكواس” نحو 285 مليون نسمة (إحصائيات 2013)، وتبلغ مساحتها الإجمالية 5 ملايين كيلومتر مربع أي 17% من إجمالي مساحة قارة إفريقيا
أخيرًا، نيجيريا أكبر دولة في القارة السمراء من حيث عدد السكان فهي تضم 175 مليون نسمة تقريبًا لا يزال أكثر من 50% منهم تحت خط الفقر باعتراف وزيرة المالية السابقة نجوزى أكونجو أويلا التي أقرت باستفحال الفقر والبطالة مشيرة إلى أن هاتين المشكلتين تشكلان أكبر تهديدًا لمستقبل الشباب فى البلاد.
الرهان على الشراكات والتكتلات الإقليمية
راهنت نيجيريا على الدخول في شراكات واسعة من أجل التغلب على الصعوبات الاقتصادية، فهي التي أسست تحالف المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، وتحتضن عاصمتها أبوجا المقر الرئيس للمنظمة الاقتصادية التي تهتم بتطوير الاقتصاد في منطقة الغرب الإفريقي.
تم تأسيس المنظمة في 25 من مايو/أيار1975 ورئيسها هو عمر يارادوا، وتضم 15 دولة هي: بنين وبوركينا فاسو والرأس الأخضر وساحل العاج وغامبيا وغانا وغينيا بيساو وليبيريا ومالي والنيجر ونيجيريا والسنغال وسيراليون والمغرب وتوغو.
يبلغ مجموع سكان دول “الإيكواس” نحو 285 مليون نسمة (إحصائيات 2013)، وتبلغ مساحتها الإجمالية 5 ملايين كيلومتر مربع أي 17% من إجمالي مساحة قارة إفريقيا، والمجموعة خالية من الدول العربية عدا المغرب الذي انضم إليها حديثًا، وتهدف نيجيريا من خلال نفوذها القوي في المنظمة إلى تحقيق التكامل الاقتصادي وتعزيز التبادل التجاري مع دول المنطقة، فضلًا عن تعزيز الاندماج في مجالات الصناعة والنقل والاتصالات والطاقة والزراعة والمصادر الطبيعية.
استمرارًا لسياسة الشراكات والتكتلات، وقّعت نيجيريا يوم 15 من مايو/أيار 2017 اتفاقية مع المغرب لمد أنبوب للغاز الطبيعي بين البلدين يمر بدول إفريقية عدة، وذلك بعد أن اتفق الطرفان في ديسمبر/كانون الأول 2016 بعد زيارة ملك المغرب محمد السادس لنيجيريا على مد هذا الخط كمرحلة أولى ثم مده لاحقًا إلى أوروبا.
وتقرر المشروع في لقاء جمع بين الرئيس النيجيري محمد بخاري وملك المغرب على هامش قمة المناخ التي استضافتها مدينة مراكش المغربية في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، ووُضعت اللمسات الأخيرة عليه لاحقًا في العاصمة النيجيرية أبوجا، يمتد مشروع أنبوب الغاز على طول 4000 كيلومتر، وينطلق من نيجيريا ليمر عبر ست دول على الأقل وربما أكثر، وذلك بحسب ما كشف وزير الخارجية النيجيري جيفري أونييما عقب التوقيع على الاتفاق الذي شهده ملك المغرب.
نيجيريا على ما يبدو لا يزال ينتظرها الكثير لتتخلص من الفساد المستشري رغم الحملات التي تتبناها حكومة الرئيس بخاري في هذا المجال
والمشروع المغربي النيجيري هو توسعة لمشروع أنبوب غاز قائم أصلًا في غرب إفريقيا ويربط بين حقول المحروقات في نيجيريا والدول الإفريقية المستوردة للغاز مثل بنين وتوغو وغانا، وقد بدأ العمل به عام 2005 وأصبح جاهزًا عام 2010.
ثبت مؤخرًا أن السياسات التي اتبعتها حكومة نيجيريا كانت موفقة إلى حد كبير، فقد توقع تقرير لصندوق النقد الدولي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أن ينمو اقتصاد نيجيريا بوتيرةٍ أسرع من اقتصاد جنوب إفريقيا في عام 2018، وفقا لتوقعاته الاقتصادية العالمية.
وأفاد الصندوق أن الاقتصاد النيجيري سينمو بنسبة 1.9% عام 2018، في حين أن النمو في جنوب إفريقيا سيرتفع بنسبة 1.2% فقط، ومن جهته يقول رشيد بن مسعود مدير مكتب البنك الدولي في نيجيريا: “إذا تم تنفيذ خطة التعافي الاقتصادي والنمو (ERGP) بصورة ناجحة، فسوف يؤدي ذلك إلى توسيع البنية التحتية للنقل، وزيادة اعتمادية إمدادات الطاقة من خلال استعادة الجدوى المالية لقطاع الطاقة وتحسين بيئة العمل وتحسين التحصيل التعليمي وتعزيز المؤسسات العامة وتحسين الشفافية ومكافحة الفساد”.
إلا إن نيجيريا على ما يبدو لا يزال ينتظرها الكثير لتتخلص من الفساد المستشري رغم الحملات التي تتبناها حكومة الرئيس بخاري في هذا المجال، وهناك العديد من الموارد غير المستغلة، فالبلاد تتمتع بإمكانات زراعية كبيرة، بفضل صلاحية مساحات شاسعة من أراضيها للزراعة وطبيعتها الجغرافية وطبيعة مناخها، إلى جانب وجود ثروة معدنية غير مستغلة هي الأخرى مثل القصدير والحديد والرصاص والزنك.
ولا ننسى قطاع السياحة المهمل، فنيجيريا تمتاز بالتنوع الواسع لمناطق الجذب السياحي مثل الشواطئ الكبيرة والواسعة بمحاذاة المحيط الأطلسي، والأنهار الملائمة للسباحة والرياضة، كما أن البلاد تشتهر بالحياة البرية العامرة حيث يوجد بها مساحات شاسعة من الطبيعة البِكر التي تتنوع بين الغابات الاستوائية والشلالات الرائعة وبعض المدن الحديثة التي تمتاز بنموها السريع والظروف المناخية الملائمة لقضاء العطل والإجازات، هذا القطاع بإمكانه أن يُنعش الاقتصاد النيجيري ويرفد الخزينة العامة بمزيدٍ من النقد الأجنبي.