أشعل المقطع المصور الذي بثته كتائب عز الدين القسام، السبت 27 أبريل/نيسان 2024، لأسرى لديها، ينددون بسياسة حكومة بنيامين نتنياهو، ويطالبونها بالإفراج عنهم، وسرعة إبرام صفقة تبادل مع المقاومة، النار مجددًا لدى المجتمع الإسرائيلي الناقم على إدارة الحكومة للمعركة وفشلها في تحقيق الوعود التي قطعتها على نفسها بشأن تحرير المحتجزين والقضاء على حركة حماس.
jضمن الفيديو رسالة وجهها أحد الأسرى المحتجزين لدى القسام لعائلات المحتجزين قائلًا: “آمل أن تستمروا في المظاهرات من أجل أن تكون هناك مفاوضات تفضي إلى صفقة، وأريدكم أن تبذلوا كل ما في وسعكم للضغط على الحكومة بكل الطرق الممكنة”، وهي الرسالة التي أججت الشارع الإسرائيلي حيث تجمهر عشرات آلاف المتظاهرين أمام مقر إقامة رئيس الحكومة وأمام وزارة الدفاع.
"أريدكم أن تبذلوا كل ما في وسعكم.. من أجل الضغط على الحكومة"..
بعدما نشرت كتائب القسام رسالة أسيرين إسرائيليين لديها هي الثانية خلال أيام، تصعيد مظاهرات عائلات الأسرى الإسرائيليين والمعارضة ضد نتنياهو وحكومته. pic.twitter.com/xefskYAhwY
— AJ+ عربي (@ajplusarabi) April 28, 2024
تحتجز المقاومة حاليًا قرابة 136 إسرائيليًا ومن جنسيات أخرى، من إجمالي 240 كانت قد أسرتهم في أثناء عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول، فيما تم إطلاق سراح 105 منهم خلال أيام الهدنة الإنسانية السبعة نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، في الوقت الذي قُتل فيه العشرات جراء القصف الإسرائيلي بحسب ما قالته القسام.
وتحاول المقاومة الفلسطينية من خلال ورقة الأسرى أن تكرّس لمعادلة ردع جديدة في إدارتها للحرب المستمرة لأكثر من 6 أشهر، وهي المعادلة التي كرستها قبل سنوات، وإن لم تكن على مستوى المرحلة الحالية، سواء من حيث عدد المحتجزين لديها أو الأجواء السياسية والعسكرية الملبدة بغيوم الوحشية والإجرام غير المسبوق، ليبقى السؤال: هل تواصل المقاومة إدارتها لهذا الملف بتلك الاحترافية رغم الضغوط التي تتعرض لها؟
التوقيت والرسائل
جاء المقطع في توقيت حساس ومهم للشارع الإسرائيلي، إذ تزامن مع اليوم الخامس لعيد الفصح العبري، ما يعني وجود أعداد كبيرة في الشوارع والميادين، فضلًا عن الإجازات الرسمية وعدم الانشغال بالأعمال التقليدية المعتادة، وهو ما يمنح عائلات الأسرى والمحتجزين الفرصة لمزيد من الزخم في الميادين.
كما أنه يأتي بعد ساعات قليلة من خطاب الناطق باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، الذي حذر فيه عائلات الأسرى من تداعيات الإجرام الإسرائيلي والقصف المتواصل على حياة ذويهم من المحتجزين ممن باتت حياتهم – التي لا يكترث بها نتنياهو وحكومته – على المحك، خاصة بعد مقتل العديد منهم على أيدي جيش الاحتلال، إما عن طريق الخطأ وإما القصف العشوائي.
هذا بخلاف أنه يأتي متزامنًا مع واحدة من أكبر الاحتجاجات والتظاهرات التي أعلنت عنها عائلات الأسرى والمتعاطفين معهم لمطالبة الحكومة بالاستقالة وإجراء انتخابات مبكرة والضغط لإبرام صفقة تبادل مع حماس أيًا كان الثمن.
عائلات الأسرى الإسرائيليين في #غزة تعليقًا على فيديو القـ ـسـ ـام: إلى غانتس وأيزنكوت كلُ أسير يعود ميـتًا من غزة دمـه في رقبتيكما.. نطالب بإيقاف الحـرب وإنقاذ أرواح المختطفين#الجزيرة_مباشر pic.twitter.com/cyI2Bv21Qm
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) April 27, 2024
نجح اختيار التوقيت المناسب لبث الفيديو في تحديد الرسائل المستهدفة من وراء هذا المقطع بدقة متناهية، والتي على رأسها التأكيد على فشل الحل العسكري كخيار لتحرير الأسرى، وهو ما عجز عنه الاحتلال على مدار قرابة 205 أيام من القتال، لم يستطع خلالها تحرير أسير واحد بحوزة المقاومة، وعلى العكس تمامًا تسبب في مقتل العشرات منهم، وعليه فاللجوء إلى الدبلوماسية وإبرام صفقة تبادل وفق شروط المقاومة هو الحل الوحيد.
الرسالة الأخرى التي حملها المقطع الذي تزامن بثه مع اقتراب موعد اجتياح رفح عسكريًا، حسبما يلوح جنرالات الاحتلال بين الساعة والأخرى، تحذير شديد اللهجة من أن التهور في ارتكاب مثل تلك الحماقات لن يؤدي إلا لمزيد من القتل للأسرى وفقدان العائلات لذويهم، وهو ما أثبتته التجربة على مدار 6 أشهر كاملة، وعليه كانت الرسالة واضحة للإسرائيليين، إذا أردتم إبقاء من تبقى من أسراكم على قيد الحياة فعليكم بالضغط على جيشكم للكف عن مغامراته الفاشلة.
وكانت القسام قد علقت على تصريحات الأسرى الإسرائيليين خلال المقطع المصور عبر جمل مكتوبة قالت فيها: “الضغط العسكري الذي تمارسه إسرائيل تسبب بمقتل عشرات الأسرى في غزة، وحرم البقية من الاحتفال بعيد الفصح مع أسرهم”.
ورقة الضغط الأبرز
رغم الخسائر التي تُكبدها المقاومة لصفوف جيش الاحتلال منذ بداية الحرب، تبقى ورقة الأسرى والمحتجزين هي الأكثر قوة، خاصة بعد إطالة أمد الحرب واستنزاف المخزون التسليحي الأكبر لدى حماس وبقية الفصائل، واللجوء إلى العمليات النوعية، لا سيما بعد تدمير أكثر من ثلثي القطاع والضغط عليها بأرقام الضحايا غير المسبوقة.
هذا ما يفسر تشبث حماس بشروطها ومرتكزاتها الثابتة على طاولة المفاوضات، حيث الانسحاب الكامل وعودة النازحين وإنهاء الحرب وإعادة الإعمار، إيمانا بأهمية تلك الورقة وتأثيرها وقدرتها على إحداث التوازن في المعركة غير المتكافئة من حيث ميزان القوة والتسليح.
⭕ #المحكمة_الجنائية_الدولية قد تصدر أوامر اعتـ ـقال ضد بنيامين #نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، هذا الأسبوع، وفقا لما أعلنته وسائل إعلام إسرائيلية
⭕ ومتوقع أن تصدر أيضًا بحق يوآف جالانت، وزير الدفاع الإسرائيلي، وهرتسي هاليفي، رئيس الأركان في جيش الاحتلال، في نفس توقيت اعتـ… pic.twitter.com/011fEpMADO
— القاهرة الإخبارية – AlQahera News (@Alqaheranewstv) April 28, 2024
وعليه ترفض المقاومة كل الضغوط التي تُمارس عليها سواء من الكيان المحتل عبر التلويح بورقة المزيد من الضحايا من خلال مجازر إضافية في رفح وغيرها، أم عبر الوسطاء في مصر وقطر، والذي يُمارس عليهما ضغوطًا قوية من الإدارة الأمريكية لإثناء حماس عن موقفها وتقديم التنازلات المطلوبة لإبرام صفقة يمكن توظيفها دعائيًا وسياسيًا بالنسبة للرئيس جو بايدن وحزبه الديمقراطي الذي يواجه انتقادات لاذعة بسبب دعمه اللامحدود لحرب الإبادة التي يتعرض لها سكان القطاع.
وتعلم حماس وحلفاؤها أن تمسكها بشروطها قد يكلفها الكثير من الدعم الإقليمي، ويعكر صفو العلاقات مع الوسطاء والحلفاء، لكن يستقر في يقينها أن ورقة الأسرى هي السلاح الأبرز حاليًا لإجبار الاحتلال على إنهاء تلك الحرب، وأن التفريط فيها دون تحقيق الأهداف المنشودة قد يكون له تبعات كارثية على المشهد الفلسطيني ومستقبل القضية ويُنهي بشكل كامل استراتيجية الردع التي تحاول المقاومة تثبيتها من خلال تلك الحرب.
إدارة احترافية “حتى الآن”
يمكن القول إن حماس نجحت في إدارة ملف الأسرى بعد قرابة 205 يومًا من الحرب باحترافية شديدة، وذلك في ضوء حزمة من المؤشرات التي تتناغم والأهداف التي تسعى المقاومة لتحقيقها من وراء هذا الملف:
أولًا: الضغط على نتنياهو وحكومته
شنت المقاومة عبر المقاطع المصورة التي تبثها للأسرى، فضلًا عن الخطابات المباشرة للمتحدث باسم القسام وما تحمله من رسائل، بجانب تصريحات القيادة السياسية لحماس، حربًا نفسية شعواء ضد عائلات الأسرى والمجتمع الإسرائيلي بأكمله، نجحت في إفراز مزاج شعبي ثائر ضد نتنياهو وحكومته المتطرفة، وناقم على إدارتها للحرب، ومطالب لها بالتنحي وإجراء انتخابات مبكرة.
على مدار أكثر من 5 أشهر تمارس عائلات الأسرى ضغوطها على نتنياهو، الأمر الذي أربك حساباته وبعثر أوراقه بشكل كبير، رغم محاولاته المستمرة للتملص من عبء هذا الضغط عبر الوعود البراقة التي يفشل كل مرة في تحقيقها، ليصل الضغط ذروته خلال الساعات الماضية حين تظاهر عشرات الآلاف في ساحة كابلان وأمام منزل رئيس الوزراء في قيسارية (شمال) كذلك أمام وزارة الدفاع، هذا بخلاف تجمعات أخرى تظاهرت أمام منزل الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ، في مدينة القدس المحتلة، وطالبوا بإعادة المحتجزين بغزة وإجراء انتخابات مبكرة.
عمقت تلك الضغوط التي تمارسها عائلات الأسرى من مأزق نتنياهو المأزوم بطبيعة الحال والذي يواجه أزمات عدة على أكثر من مسار، فهو على بعد خطوات من صدور مذكرة اعتقال بحقه وبعض جنرالاته من المحكمة الدولية، وفق ما ذكرت وسائل إعلام عبرية، الأمر الذي دفعه لإجراء اتصالات مكثفة مع الدول الحليفة للحيلولة دون إصدار تلك المذكرة، هذا بخلاف الضغوط الممارسة عليه من وزيريه المتطرفين، إيتمار بن غفير وبيتسلئيل سموتريتش، من أجل تعطيل أي فرصة لإتمام صفقة تبادل تلوح بالأفق، وإلا فالاستقالة ومن ثم إسقاط الحكومة، هي الرد على تلك الخطوة.
تغطية صحفية | زعيم المعارضة «الإسرائيلية» يائير لابيد: «إذا كان الخيار الوحيد لإطلاق سراح الأسرى هو وقف الحـ ـرب فلنفعل ذلك» pic.twitter.com/Wn8GENJ9dS
— شبكة رصد (@RassdNewsN) April 27, 2024
ثانيًا: تكريس استراتيجية ردع جديدة
وضعت المقاومة من خلال إدارتها لملف الأسرى القواعد الأساسية لاستراتيجية ردع جديدة مع الاحتلال، فرضتها ابتداء من خلال عملية الطوفان، ثم كرستها على مدار الأشهر الست الماضية، تلك الاستراتيجية التي تطيح بأسطورة “الجيش الذي لا يقهر” وتُسقط أوهام التفوق المطلق للمحتل، وتعيد ترتيب الصورة الخاصة بمعادلة التوازن ومكانة المقاومة كلاعب محوري وأساسي في المعركة، يمكنه قلب الطاولة وتغيير المشهد بما لديه من قدرات وإمكانيات على مختلف المسارات، ومن أبرز تلك القواعد:
-النجاح الاستخباراتي الواضح لحماس وفصائل المقاومة، وقدرتها على الاحتفاظ بالأسرى والسيطرة عليهم والإبقاء على تلك الورقة بذات التأثير والحضور، رغم آلة القصف العشوائي لجيش الاحتلال، التي لم تترك مكانًا في القطاع إلا ودمرته، وفي المقابل فضح هشاشة المخابرات الإسرائيلية وأجهزة استخبارات الدول الحليفة وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، والتي فشلت في العثور على أي من الأسرى رغم عددهم الكبير في مساحة لا تتجاوز 365 كيلومترًا.
– النضج السياسي الواضح للمقاومة وقدرتها على توظيف هذا الملف سياسيًا في التوقيت الملائم وبالطريقة المناسبة مما ساعد على تحقيق الهدف المنشود منه، وهو تكريس الضغط على نتنياهو وحكومته وإرباك حساباته بشكل كبير، وإثبات عجزه وضعفه أمام الشارع الإسرائيلي، وهو النضج الذي عانت المقاومة من غيابه قبل ذلك.
سياسياً هذا أقوى خطاب ل #ابو_عبيدة منذ بداية الحرب ويدشن ربما لمرحلة جديدة من المعركة لا يتوقعها الإحتلال pic.twitter.com/EhZZudgxB9
— مصــري غلبان ⭑🗨️ (@msr3y1) April 23, 2024
– تعاظم إمكانيات المقاومة العسكرية وقدرتها على خوض حرب طويلة، هي الأطول منذ بداية الاحتلال، في ظل ما تتمتع به من سياسة النفس الطويل، وقدرتها على قراءة المشهد بشكل معمق، سياسيًا وعسكريًا، وهو ما يمنحها ثقلًا يعزز حضورها واستمراريتها في إدارة المعركة مع الاحتلال لفترات ممتدة، وفي الوقت ذاته ينسف الصورة النمطية القديمة عن المقاومة كونها فصائل مسلحة غير قادرة على مجابهة جيش الاحتلال، فقط تناور بين الحين والآخر لتحقيق مكاسب مؤقتة تثبت من خلالها حضورها الرمزي.
– استقلالية القرار، أثبتت المقاومة، من خلال تمسكها بتلك الورقة وشروطها المعلنة، استقلالية قرارها، السياسي والعسكري، وعدم رضوخها لأي إملاءات أو شروط أو ضغوط، حتى لو كانت من الوسطاء والحلفاء، رغم الثمن الذي قد تدفعه جراء تلك الاستقلالية، وهو ما يفند الكثير من المزاعم التي يرددها أعداء المقاومة وخصومها عن تبعيتها وأدلجتها.
استخلاصًا لما سبق، تبقى المقاومة هي الكيان الوحيد القادر على وضع السيناريوهات الملائمة للحرب في ضوء إمكانياتها وأوراق الضغط التي بحوزتها، لتؤكد يومًا تلو الآخر على ما شهدته من تطور ملحوظ في قدراتها على إدارة المواجهة مع المحتل بشكل جيد، على المسارات كافة، العسكرية والسياسية والإعلامية، لكن يبقى السؤال: إلى متى ستصمد في إدارة ملف الأسرى تحديدًا في ظل الضغوط الكثيفة التي تُمارس عليها من هنا وهناك؟