ترجمة حفصة جودة
إذا كانت اتفاقية أوسلو قد أنجبت سلطة فلسطينية دون سلطة، فإن “الاتفاق النهائي” الذي وضعه دونالد ترامب يبدو وكأنه يقدم للفلسطينيين دولة دون دولة، بإمكان الشعب الفلسطيني نفسه إفساد هذه الاتفاقية، فالاحتجاجات في الأيام الأخيرة تشير إلى التأثير المحتمل للتعبئة الشعبية وقدرتها على تقويض الخطة الأمريكية السعودية التي تضرب عرض الحائط بالحقوق الفلسطينية.
أما في الخلفية فالأمر مألوف تمامًا، فمنذ سنوات والسعودية تسعى إلى توثيق العلاقات مع “إسرائيل” في محاولة للرد على التهديد المتصور الذي تمثله إيران لمصالحها والتراجع النسبي لقوة الولايات المتحدة في المنطقة، وقد ساهم ولي العهد محمد بن سلمان في تسريع هذا المسار.
العداء لإيران
في الوقت نفسه، يدير البيت الأبيض رئيس يتشارك مع السعودية و”تل أبيب” في عدائهما مع إيران، ولديه قاعدة انتخابية إنجيلية محافظة تدعم “إسرائيل الكبرى” بقوة، يرغب ترامب والمملكة العربية السعودية و”إسرائيل” في التركيز على إيران، كما ترغب “إسرائيل” إتمام اقترانها بالسعودية، لكن هناك شبحًا يقف أمام تلك الصفقة: الفلسطينيون.
بطبيعة الحال فكل هذه الأطراف لا تعمل لصالح الفلسطينيين، فكما قال أحد المحللين: “التفسير المنطقي لتركيز واشنطن والرياض على السلام الفلسطيني الإسرائيلي هو رغبتهم في وجود تحالف سعودي إسرائيلي واضح لردع إيران”.
كل الاتفاقات السابقة لم تتمكن أبدًا من سد الفجوة بين أقصى ما يمكن أن يقدمه الإسرائيليون وأقل ما يمكن أن يقبل به الفلسطينيون
ورغم كل شيء، فالشعوب العربية في المنطقة لم تنس القضية الفلسطينية وأي زعيم يساهم في تصفية القضية سوف يدفع الثمن باهظًا، أما المشكلة التي وقعت فيها الولايات المتحدة والسعودية أن ملامح “خطة السلام” التي شكلتها إدارة ترامب غير مقبولة لدى الفلسطينيين.
ومع التزام المسؤولين الأمريكيين بالصمت، فإن التقارير تشير إلى أن الفلسطينيين سيحصلون على شكل من أشكال “الحكم الذاتي” في أجزاء من الأراضي الفلسطينية المحتلة، مع تأجيل قضايا اللاجئين والأماكن المقدسة في القدس.
حتى لو أعدّ كوشنر وفريقه مفاجأة، فليس معقولاً أن يؤدي أي مخطط إلى إصلاحات أفضل من سابقيه، فكل الاتفاقات السابقة لم تتمكن أبدًا من سد الفجوة بين أقصى ما يمكن أن يقدمه الإسرائيليون وأقل ما يمكن أن يقبل به الفلسطينيون.
الفلسطينيون واحباط المخطط
لا جديد تحت الشمس، حتى في الجهود المبذولة لتقويض دائرة الاستعمار الاستيطاني في فلسطين المحتلة، وربما يصدق الأمريكيون والسعوديون – مع بعض التبريرات – أن النقد الموجه لخطتهم من الممكن تجاوزه بتقديم الخطة على أنها اتفاقية “مؤقتة”، لكن الفلسطينيين وغيرهم يتذكرون جيدًا أن اتفاقية أوسلو كانت مؤقتة، حيث كان من المفترض أن تنتهي في مايو 1999 أي منذ 18 عامًا.
حكم ذاتي فلسطيني ينطوي على سيادة حقيقة؟ لا جديد في تلك المسألة أيضًا، ففي عام 1995 أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين أن عملية السلام في أوسلو سوف تؤدي إلى كيان فلسطين (أقل من دولة)، والآن في عام 2017 يرغب نتنياهو في إقامة “دولة ناقصة” للفلسطينيين.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يجتمع مع العاهل السعودي الملك سلمان
في الوقت نفسه، ذكرت المملكة العربية السعودية في تقريرها أن بإمكان الفلسطينيين اتخاذ قرية أبوديس (إحدى ضواحي القدس الشرقية) عاصمة لهم، هذا الاقتراح أعلنه “إسرائيليون متافئلون” عام 2000، أنه بإمكان ياسر عرفات تسمية أبوديس “القدس” وتأسيس عاصمته هناك.
في وقت ما كان يُقال بأن حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي هو السبيل لتحقيق الاستقرار والازدهار في المنطقة، أما الآن فقد استبدلوا تلك العبارة السطحية بأخرى تقول إن القضية الفلسطينية ليس لها علاقة بالمخاوف الإقليمية الأكثر إلحاحًا.
والآن من خلال الأولويات المشتركة لإدارة ترامب والرياض وتل أبيب وكذلك الإمارات والسيسي في مصر، وجد الفلسطينيون أنفسهم في موقع المفسدين المحتملين لخطة التحول الإقليمي، ولا رهان أعلى من ذلك، أما محمود عباس فيعاني من ضغوط شديدة وأصبح واقعًا في زاوية ضيقة للغاية، لكن من الصعب التعاطف مع رجل وجد نفسه أمام حائط سد صنعه بنفسه.
احتلال مؤقت بشكل دائم
هناك الكثير من الأمثلة عبر السنين تحذر من الاستخفاف بقدرة عباس على التمسك بالقش، فقد قال أحد المسؤولين الفلسطينيين في سبتمبر الماضي رفض ذكر اسمه: “نحن مستعدون لأن نمنح “إسرائيل” القوت في مقابل أن يمنحونا الأرض”.
أضاف هذا المسؤول قائلاً: “لقد أخبرنا المسؤولون الأمريكيون أنه إذا كانت الخطة تعلن بوضوح أن “الاتفاق النهائي” يتضمن دولة فلسطينية على حدود 1967 مع مبادلة طفيفة في الأراضي، فنحن على استعداد لقبول المرحلة الأولى منها التي تتضمن إقامة دولة بحدود مؤقتة، لكن “إسرائيل” قد تجعل الاتفاق المؤقت “نهائيًا”، فلماذا نفكر في تقديم “إسرائيل” لهذه الفرصة الذهبية لإتمام ما تقوم به بشكل أفضل: احتلال مؤقت بشكل دائم”.
أظهر الفلسطينيون قدرتهم على التصدي لجهود تهميشهم من قبل
قد يقاوم عباس الضغوط الأمريكية السعودية ويرفض الاقتراح، لكن ماذا بعد ذلك؟ هل يستقيل أو يُجبر على الاستقالة؟ وأي وريث يأتي بعده ويكون غير قادر على كسر عقود من نموذج المفاوضات ذات الإشراف الدولي سيواجه نفس المعضلة.
أما المروجون للتطبيع بين السعودية و”إسرائيل” فمن المؤكد أنهم يراهنون على فشل الخيال الفلسطيني، حيث يأملون في نبوءة تحقق نفسها وتكون “اللعبة الوحيدة في المدينة”، دون وجود أي مسارات أخرى واضحة للفلسطينيين.
لكن هناك طرفًا آخر بإمكانه إفساد الأمر ولا يمكن لأمريكا أو السعودية الضغط عليه أو استبداله، وهو الشعب الفلسطيني الذي يعيش تحت التمييز العنصري الإسرائيلي، فقد أظهر الفلسطينيون قدرتهم على التصدي لجهود تهميشهم من قبل سواء على نطاق واسع مثل الانتفاضة الأولى والثانية أو في أنواع الصراعات المحلية التي ظهرت من خلال صيف الأقصى ومدينة القدس القديمة.
ولعدم وجود أي خيارات أخرى، فسيكون الفلسطينيون من الخليل وسلوان وحتى نابلس وغزة قادرين على تقويض الاتفاق الأمريكي السعودي معًا وإنقاذ كفاحهم الوطني من المحاولات المتضافرة لإسقاط القضية الفلسطينية للأبد، وهكذا يمكننا إعادة صياغة أحد الشعارات القديمة لنقول: إذا كان الطريق للتطبيع السعودي الإسرائيلي يمر بالقدس (أو أبو ديس)، فهذا الطريق نفسه قد ينتهي نهاية حاسمة للأبد.
المصدر: ميدل إيست آي