ترجمة وتحرير: نون بوست
بينما يبدو وكأن الصفحة قد انقلبت إلى مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران، مؤقتًا على الأقل، فإن الغزو الإسرائيلي الموعود لرفح يلوح في الأفق من جديد، فقد وصل وفد مصري “رفيع المستوى” إلى إسرائيل يوم الجمعة لمواصلة محاولات التفاوض على وقف إطلاق النار، مع تجدد مخاوف القاهرة من نزوح أعداد كبيرة من الفلسطينيين من غزة إلى سيناء.
إن فرص النجاح ضئيلة، على أقل تقدير، ووفقًا للتقارير، فإن الإستراتيجية المصرية تتمثل في محاولة التفاوض أولًا على إطلاق سراح بعض الرهائن الإسرائيليين الذين ما زالوا محتجزين في غزة مقابل إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين الذين تحتجزهم إسرائيل، و”وقفة” مؤقتة أخرى للهجمات الإسرائيلية، وموافقة إسرائيلية على السماح للأشخاص بالعودة إلى المناطق التي فروا منها في الجزء الشمالي من غزة، والفكرة هي أنه إذا صمد هذا الاتفاق فإنه سيؤخر اجتياح رفح ويؤمل أن يؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار.
وفي هذه الأثناء، نصبت إسرائيل آلاف الخيام على بعد بضعة أميال شمال رفح، والتي تقترح “إجلاء” الناس إليها قبل غزوها، لكن لنكن واضحين، هذه ليست لفتة إنسانية، كما سيقدمها جو بايدن ومسؤولون أميركيون آخرون، إسرائيل لا تنوي “الإجلاء”، إنه تهجير القسري للأشخاص الذين تم تهجيرهم قسراً بالفعل، والعديد منهم تم تهجيرهم عدة مرات في انتهاك صارخ للقانون الإنساني الدولي.
محادثات ميؤوس منها
من المفهوم تمامًا أن مصر تحاول منع الهجوم على رفح الذي من المرجح أن يجبر المزيد من الفلسطينيين على عبور الحدود، ومنذ تشرين الأول/أكتوبر، فر ما بين 80 ألف إلى 100 ألف فلسطيني من غزة إلى مصر، وفقًا لسفير السلطة الفلسطينية في مصر، دياب اللوح.
ومن الجدير بالذكر أن العديد ممن خرجوا يتمتعون بامتيازات بطريقة أو بأخرى، إما لأن لديهم اتصالات يمكن أن تساعد في إخراجهم أو لأن لديهم الوسائل لدفع المال لبعض المنتفعين الذين يتجولون في غزة ويستخرجون مبالغ كبيرة من المال من الناس اليائسين. وبطبيعة الحال، لا يملك معظم الناس في غزة مثل هذه الوسائل، مما يجعل مصر أكثر ترددًا في رؤيتهم يعبرون الحدود.
ومن الجدير بالذكر أن العديد ممن خرجوا يتمتعون بامتيازات بطريقة أو بأخرى، إما لأن لديهم اتصالات يمكن أن تساعدهم في الخروج أو كان لديهم الوسائل لدفع المال لبعض المنتفعين الذين يتجولون حول غزة وينتزعون مبالغ كبيرة من المال من الناس اليائسين، وبطبيعة الحال، لا يملك معظم الناس في غزة مثل هذه الوسائل، مما يجعل مصر أكثر ترددًا في رؤيتهم يعبرون الحدود.
منذ أول توقف قصير للقتال، عندما أطلقت حماس سراح 105 من الرهائن الإسرائيليين والأجانب الذين اختطفتهم، لم تُعَد محادثات وقف إطلاق النار أكثر من مجرد مسرحية سياسية، فلا إسرائيل ولا حماس على استعداد للتنازل أمام ما يطالب به الطرف الآخر كحد أدنى، وتستخدم إسرائيل الرهائن كأدوات بلاغية، لكنها غير مهتمة بوقف المذبحة في غزة، ومن جانبها، فإن حماس غير مستعدة للقبول بأقل من إنهاء الحملة الإسرائيلية، على الرغم من أنها مستعدة لإطلاق سراح عدد محدود من الرهائن في عملية تبادل للأسرى إذا سمحت إسرائيل للفلسطينيين بالعودة إلى منازلهم في الشمال، وهو ما ترددت إسرائيل في القيام به.
ومن حين لآخر، تنهار المحادثات، ويلقي كل طرف اللوم على الطرف الآخر، لكن الواقع هو أنه لا يوجد مجال كبير للتوصل إلى اتفاق، فليس لدى حماس أي سبب للموافقة على أي شيء أقل من إنهاء العمليات الإسرائيلية في غزة، وكل ما عرضته إسرائيل هو تأخير قصير في عملية الإبادة الجماعية، وقد تعهدت حكومة بنيامين نتنياهو بـ”القضاء على حماس”، وهو الهدف الذي دائمًا ما كان مستحيلًا.
وبينما تتحدث إسرائيل ومؤيدوها كثيرًا عن إطلاق سراح الرهائن، فقد رأوا بالفعل أن إنهاء المجازر في غزة هو الشيء الوحيد الذي سيعيد الرهائن إلى ديارهم، لكنهم غير مهتمين بدفع هذا الثمن؛ حيث إن دموع التماسيح التي يذرفونها على الرهائن تتلاشى على نحو متزايد مع عائلات الرهائن وقطاعات كبيرة من الجمهور الإسرائيلي.
إن إصرار حماس على السماح للفلسطينيين بالعودة إلى مناطق الشمال التي طردوا منها هو أمر أكثر عملية، ولكن هذا أيضًا لن يسفر عن الكثير من حيث تخفيف المحنة في غزة، فلم تترك القوات الإسرائيلية سوى القليل جداً من الأماكن في المناطق التي أُجبر الفلسطينيون على الخروج منها، وأصبح الشمال أرضًا قاحلة فعليًّا؛ حيث الغذاء والماء أكثر ندرة مما هو عليه في رفح.
كل هذا يعني أنه حتى لو نجحت مصر في التوصل إلى اتفاق بشأن تأخير الغزو الإسرائيلي لرفح، فإن كل ما ستفعله هو تأخير ما لا مفر منه لأنه لا توجد أرضية مشتركة يمكن التوصل إليها بين إسرائيل وحماس بشأن التوصل إلى اتفاق دائم، وفي نهاية المطاف، يعود الأمر إلى حقيقة أن إسرائيل ببساطة لا تريد ذلك لأن الاتفاق الدائم يعني نهاية الأعمال العسكرية من قبل الجانبين، وبالنسبة لنتنياهو، فإنه إذا مات جميع الرهائن المتبقين، وإذا أصبح الشرق الأوسط بأكمله غير مستقر، وحتى إذا اتسع الصراع، فلا مانع.
هجوم الهاسبرا
في الواقع، تحاول إسرائيل، بمساعدة الحكومات على كافة المستويات في كل من الولايات المتحدة وأوروبا، استغلال هذه الفترة قبل غزو رفح لتعزيز دعمها في جميع أنحاء العالم.
فقد سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأنصاره في الكونغرس، من كلا الحزبين، إلى الدفاع عن إسرائيل، مستخدمين السلاح الذي أصبح الآن ضعيفًا والمتمثل في وصف الاحتجاج ضد الإبادة الجماعية الإسرائيلية بأنه معاداة للسامية.
لقد كان اليأس واضحًا في التحول السريع إلى عنف الشرطة في محاولة لقمع الاحتجاجات الطلابية، وهي الإجراءات التي لم تؤدي إلا إلى تحفيز المزيد من الطلاب وغيرهم في جميع أنحاء الولايات المتحدة للانضمام إلى التضامن مع شعب غزة، ومن الجدير بالملاحظة مدى سرعة التحول إلى عنف الشرطة هذه المرة، مقارنة بالاحتجاجات ضد حرب العراق أو حتى حرب فيتنام (حيث استمرت المظاهرات في الحرم الجامعي لمدة عامين قبل أن تبدأ الشرطة في استخدام العنف سنة 1967 في جامعة ويسكونسن).
ومنذ تبادل إطلاق النار بين إسرائيل وإيران؛ كان نتنياهو يأمل في استعادة الرواية الكاذبة التي تصور إسرائيل كدولة صغيرة تحت الحصار، وذهب آخرون إلى أبعد من ذلك؛ حيث قاموا بإحياء وتحديث تكتيكات الاضطهاد القديمة من خلال وصف المتظاهرين بأنهم عملاء لحماس أو إيران.
ويهدف “هجوم الهسبارا” هذا إلى حشد الدعم قبل الهجوم على رفح، والذي من المؤكد أنه سيشكل كارثة حتى بمعايير التصرفات الإسرائيلية في غزة خلال الأشهر الستة الماضية. لكنه يواجه عقبات.
إن عملية انتشال المزيد والمزيد من الجثث من المقابر الجماعية في المناطق التي انتقلت منها إسرائيل في غزة لا تزال في الأخبار على الرغم من أن التغطية الخفيفة لاحتجاجات الحرم الجامعي هي محاولة مفتوحة للتغطية عليها، وبطبيعة الحال، وصفت إسرائيل المزاعم المتعلقة بوجود مقابر جماعية يستخدمها جنودها لإلقاء جثث الفلسطينيين فيها بأنها “لا أساس لها من الصحة”، ولكن من الواضح أنها ليست كذلك.
ومع ذلك، فإن إسرائيل، بعد هذا البيان الوحيد، لم تفعل الكثير حتى الآن لمحاولة دحض الحقائق، وبدلًا من ذلك، يبدو أنهم يأملون في أن تؤدي إثارة الهستيريا بشأن “معاداة السامية المستعرة في الحرم الجامعي” إلى تحقيق هذا الهدف لصالحهم.
وتحاول إدارة بايدن أيضًا المساعدة، فقد وصف بايدن نفسه المتظاهرين بأنهم معادون للسامية بشكل لا أساس له من الصحة، فناهيك عن الوجود اليهودي الضخم هناك، فهذا الادعاء هو الأحدث في سلسلة طويلة من ادعاءات كل من بايدن ونتنياهو التي تتعارض ببساطة مع الحقائق الواضحة، ولكنها خدمت لمدة ستة أشهر للحفاظ على ما يكفي من الدعم للإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل، ولإبقائها مستمرة والتأكد من بقاء مراكز القوة منضبطة في دعمها لإسرائيل.
رفح في مرمى إسرائيل
مع دعم بعض أجزاء وسائل الإعلام الرئيسية على الأقل للخداع القائل بأن الاحتجاجات في الحرم الجامعي معادية للسامية، فقد تعتقد إسرائيل أنه على الرغم من الرأي العام السلبي المستمر، فإن المناخ المناسب لغزو رفح هو أفضل ما يمكن أن يحدث في المستقبل المنظور.
هناك العديد من الإشارات التي تشير إلى أن الغزو وشيك؛ فقد استدعت إسرائيل قوات الاحتياط وأعلنت علنًا أنها تجهزهم للهجوم على رفح؛ ولقد حذروا المصريين من أن الجولة الحالية من المحادثات هي الفرصة الأخيرة للتوصل إلى اتفاق قبل الغزو؛ ومن المقرر أن يزور وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إسرائيل هذا الأسبوع، وفي الماضي، اتخذت إسرائيل إجراءات بعد وقت قصير جدًا من زيارة بلينكن.
وبينما تحافظ إدارة بايدن على موقفها العلني المتمثل في أنها تحاول إقناع إسرائيل باتباع أساليب بديلة “للقضاء” على حماس، فإن الموافقة الأخيرة على كمية ضخمة من المساعدات العسكرية لإسرائيل تظهر إلى أين يتجه دعم بايدن فعليًّا؛ حيث لا يوجد أي اعتبار للمدنيين الفلسطينيين، بل مجرد محاولة لإقناع الناس بوجود ذلك، لقد فهم نتنياهو هذه الرسالة بصوت عال وواضح.
رفح محاصرة بالفعل، فالمدينة التي كانت مكتظة بالفعل بـ 275 ألف نسمة، أصبح عدد سكانها الآن 1.4 مليون نسمة، وموجة الحر تضرب المنطقة، وقد واصلت إسرائيل قصف المناطق السكنية خلال الأسابيع القليلة الماضية، على الرغم من أن القليل منها احتل عناوين الأخبار في الولايات المتحدة، وفي الأيام الأخيرة، تزايدت وتيرة الهجمات.
عندما تشن إسرائيل هجومها على رفح، فإن عدد القتلى المدنيين سيكون أعلى من الأرقام القياسية؛ إنه أمر لا مفر منه، نظرًا للظروف والاكتظاظ الهائل هناك، ومن المرجح أيضًا أن تستهدف إسرائيل المدنيين الفارين من المنطقة، كما حدث طوال الهجوم على القطاع.
ومما لا شك فيه أن نتائج ذلك ستكون محسوسة في جميع أنحاء المنطقة وفي جميع أنحاء العالم، ويبدو من المرجح جدًّا أن يؤدي الغزو الإسرائيلي إلى رد فعل من أنصار الله في اليمن (المعروفين باسم “الحوثيين”)، وحزب الله في لبنان، ومن المرجح جدًّا أيضًا أن يأتي الرد من ميليشيات أخرى في مختلف أنحاء المنطقة.
وصف جان إيجلاند من المجلس النرويجي للاجئين ما حدث بالفعل في غزة وقال: “لقد تعرضت غزة لقصف أكبر حتى من حلب، وحتى الرقة، وحتى الموصل”.
الهجوم على رفح يعِد بأن يكون الأسوأ على الإطلاق، ويبدو أنه لا توجد حكومة – أو على الأقل الحكومة في واشنطن التي لديها القدرة على إيقاف الهجوم – مستعدة أو قادرة على فعل أي شيء سوى مشاهدته وهو يحدث.
المصدر: موندويس