حتى منتصف ليل أمس السبت، استمر اجتماع وزراء الخارجية العرب بالجامعة العربية في القاهرة لأخذ موقف من قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل السفارة الأمريكية في “إسرائيل” إلى القدس، فما النتائج التي وصل إليها الاجتماع؟ وهل هي نتائج يعول عليها؟
ماذا أنتج اجتماع وزراء الخارجية؟
في كلمته أمام الحضور، قال أحمد أبو الغيط أمين عام جامعة الدول العربية إن الرد العملي ينبغي أن يكون الاعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وأضاف أبو الغيط “الوضعية القانونية للقدس ثابتة بقرارات دولية ومبنية على مبادئ ثابتة في الأمم المتحدة التي تؤكد أن القدس أرض محتلة لا سيادة لدولة الاحتلال عليها، اعتراف الولايات المتحدة لا يغير من الحقيقة شيئًا وهو قرار شرعنة للاحتلال”، أبو الغيط أيضًا طالب جميع الدول أن تمتنع عن نقل سفاراتها في “إسرائيل” إلى القدس المحتلة.
كيف جرى هذا الاجتماع؟
رغم أن القرار الأمريكي اتخذ قبل أربعة أيام، ويجري الحديث عنه قبلها بأكثر من أسبوع، لم يتم الاجتماع إلا أمس، ولا تعتبر الجامعة العربية هذا الاجتماع متأخرًا، حيث يقول محمود عفيفي المتحدث باسم الأمين العام لجامعة الدول العربية: “الاجتماع لا يعتبر خطوة متأخرة للتعامل مع الخطوة الأمريكية الرسمية، حيث كان هناك تحرك عربي استباقي منذ بدء الحديث عن قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية للقدس، فقد حدثت اتصالات عربية مختلفة سواء على مستوى القادة مع الرئيس الأمريكي أو على مستويات أقل لإقناع الجانب الأمريكي بعدم الإقدام على هذه الخطوة”.
عادل الجبير وزير الخارجية السعودي دار كلامه عن مخالفة القرار الأمريكي للشريعة الدولية
قبل بدء الاجتماع، عقد لقاء مغلق بين وزيري الخارجية الفلسطيني والأردني (الدولتين الداعيتين للاجتماع) لبحث الأفكار الموجودة والتوافق على إجراء محدد، كما عقد لقاء مماثل بين وزير الخارجية المصري سامح شكري ونظيره السعودي عادل الجبير في قاعة جانبية في أثناء الجلسة، وألقى الوزيران كلمتيهما كباقي الوزراء.
لم تكن مسودة قرارات الاجتماع الوزاري تتضمن قرارت أكثر غضبًا، فقد قال دبلوماسي عربي في تصريحات صحافية: “وزراء الخارجية العرب لن يطرحوا في القرار الصادر بختام اجتماعهم الطارئ، تفعيل قرار القمة العربية التي عقدت بالأردن 1980 الخاص بقطع جميع العلاقات مع أي دولة تنقل سفارتها إلى القدس أو تعترف بها عاصمة للكيان الصهيوني”.
أما عن مضامين الكلمات التي ألقاها الوزراء العرب فكانت متقاربة، تدور في معظمها بشأن مخالفة القرار الأمريكي لـ”قرارات الشرعية الدولية”.
في كلمته التي ألقاها وزير خارجية فلسطين، قال: “هذا التغيير في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاهنا هو خرق صريح لرسالة الضمانات التي أكدت الولايات المتحدة من خلالها لمنظمة التحرير الفلسطينية التزامها بعدم الاعتراف بالقدس كعاصمة لـ”إسرائيل” عام 1993، بالإضافة إلى العديد من قرارات مجلس الأمن التي لا تعترف بأي من قرارات الاحتلال الإسرائيلي غير القانونية التي تسعى لضم القدس الشرقية”.
ودار محور كلمة الوزير المصري سامح شكري عن سرد المواد القانونية الدولية التي خالفتها أمريكا بقرارها، بالإضافة إلى الحديث عن جهود مصر المتعلقة بالقضية الفلسطينية.
وتساءل شكري: أين الضمير العالمي إزاء الحقوق القانونية والسياسية للشعب الفلسطينى، فعلى المجتمع الدولي بأسره مسؤولية إيجاد السبل الكفيلة بإنقاذ حل الدولتين؟
ثم تدارك الرجل قائلاً: “ولعل الإجماع الدولس الواضح الذي عكسه اجتماع مجلس الأمن أمس من تمسك برفض القرار الأمريكي والتحذير من مغبته، يوفر لنا كدول عربية أساسًا كافيًا لتدارس السبل الرامية إلى مواجهة الآثار السلبية لذلك القرار والحفاظ بكل السبل على حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة”.
أما عادل الجبير وزير الخارجية السعودي فدار كلامه بشأن مخالفة القرار الأمريكي للشريعة الدولية، بالإضافة إلى التأكيد أن نقل السفارة يؤجج مشاعر الغضب لدى المسلمين، وطالب الولايات المتحدة بالتراجع عن هذه الخطوة التي تمثل تراجعًا كبيرًا في عملية السلام.
وتحدث الجبير عن المبادرة التي أطلقتها المملكة وتبنتها قمة بيروت عام 2002، وحظيت بموافقة العالم الإسلامي في قمة مكة المكرمة عام 2005، ووضعت المبادرة خريطة طريق للوصول لحل نهائي على أساس حل الدولتين وتكون دولة فلسطين على حدود 67، وعاصمتها القدس الشرقية.
وطالب وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل بالنظر في فرض عقوبات اقتصادية على الولايات المتحدة، في إطار إجراءات متنوعة بين الدبلوماسية والتدابير السياسية.
الخلافات تنعكس على الاجتماع
انعكست أجواء الخلافات العربية على الاجتماع، فقد شكر وزير الخارجية السعودية الأردن على دعوته للاجتماع الطارئ، في الوقت الذي دعا فيه الأردن وفلسطين معًا للاجتماع، وهو ما يعتبر تصرفًا بعيدًا عن الدبلوماسية، حيث توقع البعض أن يكون سبب عدم توجيه الشكر لفلسطين الخلاف بين المملكة والسلطة الفلسطينية التي رفضت اقتراحًا سعوديًا جديدًا لتسوية القضية الفلسطينية سلميًا، لكن ذهب البعض إلى أن الوزير لم يقصد تجاهل السلطة الفلسطينية ونسى.
في المقابل، قطعت بعض القنوات كلمة وزير الخارجية القطري الذي بدأ كلمته بعد انتهاء كلمة الجبير وزير الخارجية السعودي، ولم تعد البث إلا في آخر الكلمة عندما كان وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن يقول: “والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.
هل يؤثر الاجتماع في مسار الأمور؟
انتهى الاجتماع بعد الثانية عشرة من منتصف ليل أمس السبت، ولم تتضح بعد ردود الفعل على نتيجة الاجتماع، في الواقع، لم يخرج الاجتماع بخطوات يمكن اتخاذها لعرقلة القرار أو على الأقل اعتراض مؤثر عليه، بل لم يتجاوز إعلان الرفض.
في ظل الرفض الذي تعبر عنه دول أجنبية لنقل السفارة، من بينها فرنسا وروسيا وتركيا، بالإضافة إلى رفض السلطة الفسطينية وشيخ الأزهر وبابا الكنسية الأرثوزوكسية المصرية مقابلة مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي، كان المنتظر أن يعلن الوزراء العرب إجراءات أقوى من مجرد “الرفض والدعوات”.
حتى دعوة أمين الجامعة العربية للاعتراف بالقدس عاصمة لفلسطين في المقابل، تظل مجرد دعوة، ولا يمكن اعتبارها نتيجة فعلية، ومن ثم تقدير وزنها، إلا إذا طبقت بشكل فعلي.
في الوقت الذي يقول فيه المتحدث باسم جامعة الدول العربية إن الاجتماع لم يتأخر، لأنه مسبوق بجهود على المستوى الرئاسي والدبلوماسي لإقناع الأمريكيين بعدم الإقدام على هذه الخطوة، تؤكد تقارير أن السعودية ومصر تدعمان الخطوة في الخفاء، وتعلنان معارضتها في العلن، ثمة شك في مصداقية المواقف التي يتم إعلانها من المسؤولين العرب.
وعلى الرغم من أن الاجتماع خرج بمواقف كلامية، لكن من الضروري تسجيلها، والعودة لها في وقت لاحق، خصوصًا في ظل الحديث عن “سلام دافئ” لم تتضح معالمه بعد، ووسط الحديث عن “صفقة قرن”، تشارك فيها مصر والسعودية والأردن، من أجل حل القضية الفلسطينية بشكل دائم.