“هناك أمل، لو كان لدينا البديل، لم يكن أحد ليتجرأ على الدستور وقواعد العدل وتداول السلطة والفصل بين السلطات، فمن البديل؟ أنا البديل”.
بهذه الكلمات، فاجأ العقيد بالجيش المصري أحمد قنصوة، البالغ من العمر 42 عامًا، الشعب المصري، بإعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة في 2018، عبر مقطع فيديو نشره على قناته بموقع “يوتيوب” الأربعاء 29 من نوفمبر الماضي، وفي أقل من أسبوعين، حصد المقطع ما يقرب من 200 ألف مشاهدة.
كان هذا الفيديو كفيلًا بالقبض على صاحبه، وتحويله إلى المحاكمة العسكرية، تاركًا خلفه جدلًا كبيرًا وخلافًا أكبر بشأن جدية الخطوة التي اتخذها، خاصة أنه قادم من مؤسسة عسكرية لا تسمح، عادةً، لأفرادها العاملين بالاشتباك مع قضايا الرأي العام، دون موافقة مسبقة.
كومبارس في مسرحية؟
لسوء حظ قنصوة أنه أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية في نفس اليوم الذي أعلن فيه الفريق أحمد شفيق رئيس وزراء مصر الأسبق ووصيف انتخابات 2012 الرئاسية، نيته الترشح هو الآخر، وهو ما جعل أسهم نظرية المؤامرة تتصاعد، خصوصًا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اتهم العديد من النشطاء العقيد قنصوة بأنه مجرد “كومبارس” يقف خلفه النظام، لتجميل المشهد الانتخابي، ووصفوه بـ”الباراشوت” الذي هبط من سماء المؤسسة العسكرية، وأوسعوه سخرية.
قنصوة قبل 44 شهرًا
قبل إعلان قنصوة ترشحه للانتخابات الرئاسية، وتحديدًا في مارس 2014، قدّم استقالته من الخدمة، بعد يومين، وكنتيجة لإعلان الرئيس الحاليّ عبد الفتاح السيسي نيته الترشح للرئاسة، وحتى يومنا هذا بعد أكثر من 3 سنوات ونصف، لم يتم قبول استقالته التي قوبلت بتجاهل وتعنت كبيرين.
إجراءات قانونية عديدة اتخذها قنصوة كي تسمح له المؤسسة العسكرية بمباشرة حقوقه السياسية والترشح لانتخابات مجلس الشعب 2015، دون جدوى.
وبعد توالي ردود الفعل السلبية على ترشحه واتهامه بأنه “كومبارس”، كتب مدافعًا عن نفسه: “أنا ما سقطتش من السما، أنا في رحلة كفاح أطارد حقي الدستوري في ممارسة العمل العام لأكثر من 44 شهرًا، تكبدت فيها عناء نفسي ومادي ومعنوي كبير جدًا كي أصل لحضراتكم”
أقام قنصوة 11 دعوى قضائية، اختصم فيها رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس مجلس النواب بصفتهم، بواقع 3 دعاوى أمام اللجان القضائية للقوات المسلحة، و7 دعاوى أمام محاكم مجلس الدولة منها واحدة مستمرة، ودعوة قضائية واحدة أمام المحكمة الدستورية العليا، ما زالت منظورة.
لذلك، وبعد توالي ردود الفعل السلبية على ترشحه واتهامه بأنه “كومبارس”، كتب مدافعًا عن نفسه: “أنا ما سقطتش من السما، أنا في رحلة كفاح أطارد حقي الدستوري في ممارسة العمل العام لأكثر من 44 شهرًا، تكبدت فيها عناء نفسي ومادي ومعنوي كبير جدًا كي أصل لحضراتكم”.
وعاتب مهاجميه قائلًا: “كنت أتوقع الشتم والهزل في مواضع الجد، ولكن منكم أنتم؟! وإلا فيم زعمكم بالدفاع عن الحقوق والحريات ومصلحة الوطن؟”.
بسبب تيران وصنافير.. قنصوة يقاضي السيسي
ربما لا يعلم كثيرون أن العقيد أحمد قنصوة، أعلن مقاضاته الرئيس عبد الفتاح السيسي، قبل عام ونصف، تحديدًا في أبريل 2016، بسبب اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية التي تنازلت مصر بموجبها عن جزيرتي تيران وصنافير للملكة العربية السعودية، وأعلن أنه وكل المحامي طارق العوضي لتولي الإجراءات اللازمة لرفع دعوى قضائية بمجلس الدولة ضد السيسي بصفته، لمطالبته بإيقاف الاتفاقية حتى يقول الشعب كلمته الفصل في أمر من أدق أمور السيادة، عملًا بأحكام الدستور المصري.
“أقسمت على حماية الأرض بالدم”، هكذا برر قنصوة مقاضاته للسيسي، في تدوينة على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، مشيرًا إلى أنه اتخذ هذا القرار بكامل إرادته الحرة، دون تشجيع من أحد أو تشاور مع أي جهة، مضيفًا: “أدرك كنه خصمي، وأعرف حرج وظيفتي، وأقر بأنني خائف، إن لم يكن على نفسي فقطعًا أخاف على أسرتي، لكن مش هروح، أنا خايف ومش هروح لأني لم أقسم يمين الولاء للوطن على مثل هذا”.
أيام قليلة ويواجه العقيد بالجيش المصري أحمد قنصوة مصيرًا لا يبدو مطمئنًا، خاصة أنه لا يتمتع بمساندة حقوقية كبيرة، وفي ظل هيستريا النظام الحاليّ وشيطنة أي شخص يُقبل على منافسة السيسي في انتخابات 2018 الرئاسية
وفي ذات المنشور الذي أعاد كثير من النشطاء تداوله بعد ترشحه للرئاسة، يكمل قنصوة: “بحساباتنا الضيقة، ندرك خلاصةَ تاريخنا التي تخبرنا أن المنتمين للدائرة التي أخطو إليها خاسرون غالبًا ولو كسبوا العزة، ليس ابتداءً بعمر مكرم مرورًا بأحمد عرابي وحتى ضحايا ثورة الشعب في 25 يناير، بينما الموالسون غالبًا في علّيين ولو اكتسبوا الدنية، لكن لو كان بمقدوري السكوت لسكت وأكلت عيش وربيت عيالي، إنما فاق الأمر احتمال”.
ثم الترشح للرئاسة
ظل قنصوة يعارض سياسات نظام السيسي، حتى أعلن للمصريين ترشحه لانتخابات الرئاسة، في خطاب لم يخلُ من انتقاد حكم القائد الأعلى للقوات المسلحة، خصوصًا حينما أقدم على إحراجه بشكل مباشر، في مسألة ترشحه بالزي العسكري، قائلًا: “وإن عابوا عليّ إعلان الأمر وأنا ما زلت بالزي الرسمي، فأنا لست الوحيد الذي فعلها، فعليكم بمسائلة السابقين”، في إشارة واضحة للسيسي حينما ظهر بزيه العسكري في مارس 2014 يعلن للشعب المصري ترشحه للانتخابات الرئاسية.
قنصوة يُحاكم عسكريًا
بعد إعلان قنصوة ترشحه للانتخابات الرئاسية بـ72 ساعة، في 2 من ديسمبر الماضي، صرّح محاميه أسعد هيكل بأن النيابة العسكرية استدعت موكله للتحقيق معه، وما هي إلا ساعات وقررت النيابة حبسه 15 يومًا على ذمة التحقيقات، بعد أن وجهت له قائمة اتهامات على رأسها: “السلوك المضر بمقتضيات النظام العسكري، نشر فيديو شخصي تناول فيه بعض الآراء السياسية منها الترشح لرئاسة الجمهورية، وظهوره على مواقع التواصل الاجتماعي بالزي العسكري”.
وفي أولى جلسات محاكمته، المنعقدة بالحي العاشر بمدينة نصر، أول أمس السبت، ترافع قنصوة عن نفسه ضد هذه الاتهامات، وقررت المحكمة العسكرية تأجيل النطق بالحكم لجلسة السبت المقبل 16 من ديسمبر.
أيام قليلة ويواجه العقيد بالجيش المصري أحمد قنصوة مصيرًا لا يبدو مطمئنًا، خاصة أنه لا يتمتع بمساندة حقوقية كبيرة، وفي ظل هيستريا النظام الحالي وشيطنة أي شخص يُقبل على منافسة السيسي في انتخابات 2018 الرئاسية.