ما سبب الاستيقاظ في الصباح؟ مجرد محاولة الإجابة عن مثل هذا السؤال الكبير قد تجعلك تريد الزحف مرة أخرى إلى الفراش، إذا فعلت ذلك، فإن المفهوم الياباني لـ”إيكيغاي” يمكن أن يساعدك.
هذه الفكرة التي نشأت من بلد به أقدم السكان في العالم، وأصبحت شعبية خارج اليابان كوسيلة للعيش لفترة أطول وأفضل، دفعت مهندس البرمجيات هيكتور غارسيا والكاتب فرانسيسك ميراليس إلى البحث عن السر وراء ذلك، في كتابهما “إيكيغاي: السر الياباني لحياة طويلة وسعيدة” (دار بنجوين راندوم هاوس، 2017).
وبعد عام واحد من البحث الأولي عن المفهوم الياباني، زار المؤلفان جزيرة أوكيناوا اليابانية، وعلى وجه التحديد قرية أوجيمي الملقبة بـ”قرية طول العمر”، وأجروا مقابلات مع أقدم السكان الذين تجاوزت أعمارهم 100عام، بهدف تقاسم المفهوم الياباني مع القراء، ليكون الدافع للعثور على “الإيكيغاي” الخاص بهم.
https://www.youtube.com/watch?v=708OD9AdTwU
ما الإيكيغاي؟
“إيكيغاي” هي الكلمة اليابانية التي تولد الارتياح والسعادة، وتضيف الهدف إلى حياة اليابانيين وتكشف أسرار طول العمر والسعادة، وتكشف أيضًا كيف يأكلون ويتحركون ويعملون، وكيفية تعزيز التعاون في المجتمع، وتكشف أفضل الأسرار لديهم: “كيف يجدون إيكيغاي الذي يرضي حياتهم”.
لا توجد ترجمة مباشرة لذلك اللفظ في اللغات الأخرى، يتضمن معناه فكرة السعادة في أن تعيش حياة ذات قيمة ومغزى، حيث يعود أصل هذه الكلمة إلى عصر “هيان” في اليابان (من عام 794 إلى 1185)، ويجمع اللفظ بين الكلمات اليابانية “إيكيرو” وهذا يعني “للعيش”، و”كاي”، ويعني “تحقيق ما يأمل المرء”، وتخلق هذه التعاريف معًا مفهوم “سبب للعيش” أو فكرة وجود غرض في الحياة.
غارسيا وميراليس علما من سكان أوغيمي أن “إيكيغاي” أكثر من مجرد الشعور بالسعادة، فبعض عاداتهم الأخرى تشمل البقاء في حالة نشاط والابتسام أكثر والارتباط بالطبيعة وإحاطة أنفسهم بالأصدقاء الحميمين.
مفهوم إيكيغاي لا يقتصر فقط على سكان جزيرة أوكيناوا، وربما لا تكون هناك كلمة واحدة تعبر عنه، لكن في جميع “المناطق الزرقاء” مثل جزيرة ساردينيا (الإيطالية)، وشبه جزيرة نيكويا بكوستاريكا، وإيكاريا اليونانية، يوجد هذا المفهوم أيضًا بين الناس الذين يعيشون حياة أطول”
ووفقًا لليابانيين، فإن كل شخص لديه “إيكيغاي”، ووفقًا لسكان القرية اليابانية في واحدة من المناطق الزرقاء في العالم التي يتميز سكانها بأنهم أطول عمرًا في العالم، فإن العثور على سبب للعيش هو المفتاح لحياة أطول وأكثر سعادة.
مفهوم إيكيغاي لا يقتصر فقط على سكان جزيرة أوكيناوا، وربما لا تكون هناك كلمة واحدة تعبر عنه، لكن في جميع “المناطق الزرقاء” مثل جزيرة ساردينيا (الإيطالية) وشبه جزيرة نيكويا بكوستاريكا وإيكاريا اليونانية، يوجد هذا المفهوم أيضًا بين الناس الذين يعيشون حياة أطول.
وبالنسبة لهؤلاء الذين يقيمون في الغرب ولديهم فكرة عن هذا المفهوم، فإنه يشبه الشكل الهندسي الذي تتداخل فيه أربعة دوائر مشتركة، تتمثل في: ماذا تحب؟ وماذا تجيد عمله؟ وماذا يحتاج العالم؟ وماذا يمكن أن تتقاضى عليه أجرًا؟ لكن بالنسبة لليابانيين، يعد هذا المفهوم مختلفًا بعض الشيء، لأنه قد لا يتعلق بالدخل أو المال على الإطلاق.
وهناك العديد من الكتب في اليابان تتناول ذلك المفهوم، لكن أحد هذه الكتب حقق شهرة واسعة، وهو كتاب نشر عام 1966، بعنوان “حول مفهوم الإيكيغاي”، يقول مؤلف الكتاب، وهو الطبيب النفسي مايكو كامايا: “هذا المفهوم يشبه مفهوم السعادة، لكن هناك فرقًا كبيرًا بينهما، يكمن في أن مفهوم إيكيغاي يسمح لك بأن تتطلع إلى مستقبل مشرق حتى لو كنت في ظروف بائسة في ذلك الوقت الذي تتطلع فيه إلى المستقبل”.
أسرار لحياة طويلة وسعيدة
يوجد في اليابان أطول المواطنين عمرًا على مستوى العالم، فيبلغ متوسط أعمار النساء هناك 87 عامًا والرجال 81 عامًا، وفقًا لوزارة الصحة والعمل اليابانية، فهل هناك دور لمفهوم معين في طول أعمار اليابانيين؟
بالنسبة للموظفين اليابانيين في المدن الكبرى يبدأ يوم العمل التقليدي بحالة تدعى “زوما سوشي” (Zuma Sushi)، وهو مصطلح يصف الركاب “المحشورين” في عربة قطار مزدحمة بحبات الأرز المحشوة في طبق السوشي.
لكن ضغوط الحياة لا تتوقف عند هذا الحد فقط، فثقافة العمل هناك تجعل غالبية الناس يقضون ساعات طويلة في أماكن العمل، وتحكمهم في ذلك قوانين هرمية صارمة، لدرجة أن آخر رحلات القطارات في منتصف الليل تعج بموظفين يرتدون ملابسهم الرسمية.
لا يعني ذلك أن العمل الجاد وساعات العمل الطويلة تعد من المبادئ الأساسية لمفهوم وفلسفة الـ”إيكيغاي”، فربع الموظفين في اليابان تقريبًا يعملون أكثر من 80 ساعة إضافية في الشهر الواحد، مما يؤدي إلى نتائج مأساوية، تتمثل في ظاهرة “كاروتشي”، أو “الموت من كثرة العمل” التي تحصد أرواح نحو 2000 شخص سنويًا في اليابان.
بينما يصل الأفراد اليابانيون إلى الشيخوخة، يشير المؤلفان إلى أنه غالبًا ما تشكل إيكيغاي حياتهم في وقت لاحق من الحياة، “إنها الشرارة التي تمنحهم الطاقة للعيش حياة الوفاء إلى اللحظة الأخيرة”
وفي ثقافة تتفوق فيها قيمة العمل الجماعي على العمل الفردي، يتحمس العاملون اليابانيون لفكرة أن يكونوا نافعين للآخرين وممتنين لهم وأن ينالوا احترام زملائهم أيضًا، وبالعودة إلى مفهوم “إيكيغاي”، نجد أنه يتعلق أيضًا بالشعور بأن “عملك يصنع فارقًا في حياة الناس”.
ويستمر شعور قوي من “إيكيغاي” طوال حياة الشخص بأكملها، ويوضح غارسيا وميراليس أن الكثير من الناس في اليابان لا يتقاعدون حقًا، بل لا توجد كلمة يابانية تعني التقاعد، إنهم يفعلون ما يحبون طالما تسمح صحتهم بذلك.
وبينما يصل الأفراد اليابانيون إلى الشيخوخة، يشير المؤلفان إلى أنه غالبًا ما تشكل إيكيغاي حياتهم في وقت لاحق من الحياة، “إنها الشرارة التي تمنحهم الطاقة للعيش حياة الوفاء إلى اللحظة الأخيرة”.
ويقول من هم فوق الـ90 عامًا إن لديهم الكثير من الخطط ولا يفكرون في الموت، ويداومون على الحفاظ على وجود الغرض الذي يخرجهم من السرير في الصباح.
“هارا هاتشي بو”.. التنوع هو المفتاح
تفتخر اليابان بأطول عمر متوقع في العالم، بفوزها على سويسرا وسنغافورة وأستراليا وإسبانيا، وغالبًا ما تعزى هذه الحقيقة المعروفة إلى اعتمادهم على النظام الغذائي المعتمد على البحر، فضلاً عن النظام الغذائي النباتي الغني بالمواد الغذائية المخمرة والخضراوات الكاملة، كما تمتاز وجباتهم القائمة بشكل أساسي على الخضراوات المقلية.
وهناك قول شائع في اليابان يردده سكان أوكيناوا قبل تناول الطعام، ويتمثل في عبارة “هارا هاتشي بو” (Hara hachi bu)، وهي طريقة تذكير ومنبه تحثهم على التوقف عن تناول الطعام عندما تمتلئ بطونهم بنسبة 80%.
وكشفت دراسة أجريت على المعمرين في أوكيناوا أنهم يأكلون 206 أنواع مختلفة من الطعام على أساس منتظم، ومتوسط 18 طبقًا مختلفًا في اليوم، ويأكل سكان الجزيرة خمس وجبات على الأقل من الفواكه والخضار يوميًا.
يمتهن سكان أوكيناوا الزراعة التي تعتبر مصدر النشاط اليومي والحركة، ومصدر لإنتاج الخضراوات الطازجة، كما تعتبر الزراعة من الحرف التي تقلل التوتر والأرق لما تنطوي عليه من حياة طبيعية وتعرض لأشعة الشمس الغنية بفيتامين “د” التي تسهم في بناء أجساد وعظام أقوى، وبالتالي فإن تعرضهم لها بشكل يومي يمدهم بمعدلات مثالية من فيتامين “د” على مدى العام.
كما يمارس كبار السن منهم رياضة المشي بشكل دائم، وتمتاز منازلهم بندرة الأثاث، حيث يفترشون الأرض للاسترخاء وتناول الطعام، ومن ثم فإن تكرار الجلوس والقيام عشرات المرات يوميًا يكسبهم المرونة والاتزان ويحميهم من السقوط المفاجئ عند التقدم بالعمر.
كيف تعثر على الإيكيغاي الخاص بك؟
يتمتع سكان أوكيناوا بنظرة تفاؤلية؛ الأمر الذي ساعدهم على نسيان الحروب المدمرة في الماضي والاستمتاع بالحياة اليومية، لذلك يوفر الكتاب الأدوات العملية لمساعدتك على اكتشاف إيكيغاي الخاص بك، “لأننا جميعا نريد أن نجد السعادة في كل يوم”.
وتعتقد غارسيا أن مبدأ إيكيغاي يمكن أن “يساعدك في العثور على المزيد من الفرح في الحياة اليومية، بحيث يمكنك قضاء المزيد من الوقت في القيام الأشياء التي لها قيمة”. وبالنسبة للبعض منا، قد يكون الإيكيغاي الخاص بنا واضحًا جدًا لدرجة أننا لسنا بحاجة إلى التفكير فيه لثانية واحدة، فقد يكون لدينا بالفعل على مذكرة، أو مثبت على مرآة لدينا أو تعيينه كخلفية الهاتف لدينا.
وبحسب غارسيا، ربما “الإيكيغاي” الخاص بك هو مساعدة المرضى كممرضة، أو تعليم الجيل القادم، أو تربية الطفل كأب أو أم، “فكر في ذلك بحماس على أنه النشاط أو الغرض الذي يمكن أن ترى نفسك فيه حتى نهاية الوقت”.
“اسأل نفسك الأسئلة الأربع التالية”: ماذا تحب؟ وماذا تجيد؟ وماذا يحتاج العالم منك؟ وما الذي يمكن أن تحصل عليه؟
وإذا كان ما لديك لا يزال غائمًا بعض الشيء، أو ربما لديك العديد من الإيكيغاي، أو ليس من السهل العثور على إيكيغاي محدد، يقدم غارسيا وميراليس طريقة واحدة لمساعدتك على تضييقه، فقط: “اسأل نفسك الأسئلة الأربعة التالية”: ماذا تحب؟ وماذا تجيد؟ وماذا يحتاج العالم منك؟ وما الذي يمكن أن تحصل عليه؟
وأيًا كان النشاط أو الشغف الذي يجيب هذه الأسئلة الأربع، يقول المؤلفان “هذا هو إيكيغاي الخاص بك، إنه شيء يمكن أن يجمع بين شغفك ومواهبك، وهو أمر يمكن أن يصبح يومًا ما عمل حياتك، وشيء ما هو مطلوب في هذا العالم”.
ويتشبث الأوكيناويون بـ”المواي”، وهي مجموعة غير رسمية من الأشخاص الذين انضموا إلى نفس المصالح المشتركة، في هذه المجموعة يجد المسنون دائمًا بعضهم عندما يحتاجون إلى مساعدة أو دعم، “إذا كان لديك مشاكل مالية أو تحتاج إلى مساعدة في المنزل، يمكنك الاعتماد دائمًا على موي الخاص بك، وهي مجموعة يمكنك الاعتماد علها عندما تحدث لك الأشياء صعبة”.
وعلى الرغم من أن هذه الخطوات وأكثر من ذلك يمكن أن تقودك إلى السعادة، فإن غارسيا وميراليس يرون أنه ليس هناك استراتيجية “مثالية” للعثور على الإيكيغاي الخاص بك، وتعلموا درسًا مهمًا من سكان أوكيناو: “لا تقلق بشأن العثور على إكيغاي الخاص بك إذا كنت تشعر أنك في عداد المفقودين”.
ويقول المؤلفان: “الحياة ليست مشكلة يتعين عليك حلها، تذكر فقط أن يكون الشيء الذي يبقيك مشغولاً يجري وسط الناس الذين يحبونك”.