أنهى أعضاء حزب العدالة والتنمية المغربي أمس الجدل القائم بشأن مسألة الأمانة العامة للحزب الذي أسال الكثير من الحبر وكان سببًا في حدوث انقسامات وتصدعات كبيرة داخل أروقة حزب “المصباح”، ووصل صداها خارجه لعمقها ومكانة أطرافها، فهل تنتهي هذه الانقسامات بانتهاء هذا الجدل؟
العثماني أمين عام للحزب
اختار حزب العدالة والتنمية، مساء أمس الأحد، رئيس الوزراء سعد الدين العثماني أمينًا عامًا للحزب بأغلبية الأصوات خلفًا للأمين العام السابق عبد الإله بنكيران الذي أمضى ولايتين على رأس الحزب، وحصل العثماني على 1006 من أصوات المؤتمر الوطني الـ8 للحزب من أصل 1943 صوتًا بنسبة 51.8%، في حين حصل منافسه إدريس الأزمي الإدريسي على 912 صوتًا، وأُلغي 25 صوتًا.
القانون الداخلي للحزب ذي المرجعية الإسلامية ينص على أنه لا يمكن لعضو تولي إحدى المسؤوليات الآتية لأكثر من ولايتين متتاليتين: الأمين العام – رئيس المجلس الوطني – الكاتب الجهوي – الكاتب الإقليمي – الكاتب المحلي.
وكان العثماني الذي ولد في مدينة إنزكان القريبة من أغادير جنوب المغرب في 16 من يناير/كانون الثاني 1956، والحاصل على الدكتوراة في الطب النفسي ودكتوراة ثانية في العلوم الشرعية، قد شغل منصب الأمين العام للحزب في الفترة بين عامي 2004 و2008 قبل أن يخلفه بنكيران، كما شغل منصب وزير الخارجية المغربية بين عامي 2012 و2013 في الحكومة التي كان يترأسها بنكيران.
وينص القانون الداخلي للحزب ذي المرجعية الإسلامية والحزب الرئيسي في الحكومة المغربية على أنه لا يمكن لعضو تولي إحدى المسؤوليات الآتية لأكثر من ولايتين متتاليتين كاملتين: الأمين العام – رئيس المجلس الوطني – الكاتب الجهوي – الكاتب الإقليمي – الكاتب المحلي.
رئيسًا للجميع
مباشرة عقب انتخابه على رأس الأمانة العامة للحزب، قال سعد الدين العثماني “الأمين العام هو أمين عام للجميع ولن أسمح لنفسي أن أكون أمينًا عامًا لفئة دون أخرى” وذلك في رسالة منه إلى منتقديه داخل حزب “المصباح” لتجاوز الخلافات والعمل من أجل مصلحة الحزب.
قال العثماني في كلمة ألقاها عقب نيله ثقة غالبية الأصوات “اليوم أعطيتم درسًا للأصدقاء والخصوم في الديمقراطية”، مؤكدًا “الكثير من الناس تمنوا أن يكون العراك في المؤتمر وتنبأوا بأن هذا الحزب سينقسم، ولطالما روجوا لهذه الأطروحة ولكن الحمد لله خيبتم اليوم ظنونهم (…) مهما اختلفنا فنحن قوة واحدة، ويجب أن نتحلى بالعزيمة لنسير إلى الأمام، ولكي يبقى الحزب يحترم ويلتزم بمرجعيته وثوابته وليستمر في قوته الإصلاحية”.
وأضاف الأمين العام الجديد لحزب العدالة والتنمية أن الحزب ينبغي أن يستمر في أداء رسالته الإصلاحية القوية، مسجلًا “مهما كانت خلافاتنا في الرؤى والتقدير ينبغي أن نمضي قوة واحدة في الطريق إلى الأمام، ويجب أن نتحلى بالعزيمة الكاملة للاستمرار”، وذلك في تأكيد منه على أهمية وحدة الحزب واستمراره.
وشدد العثماني في كلمته على ضرورة أن يبقى حزب العدالة والتنمية حزبًا ملتزمًا بالثوابت الوطنية، المرجعية الإسلامية أولًا والوطنية وإعلاء مصلحة الوطن ثانيًا والملكية الدستورية وعلى رأسها أمير المؤمنين ثالثًا، وأردف قائلًا: “هذه ثوابتنا ندافع عنها بكل جرأة ولا نخاف في ذلك أحدًا”.
سعد الدين العثماني على رأس الحزب
وأفاد العثماني بأنه سيواصل العمل من داخل الحكومة دفاعًا عن مصالح الشعب والفئات الفقيرة، “سنستمر مدافعين عن المستضعفين والفئات الأكثر هشاشة وكل المغاربة وسنقوم بمنجزات إن شاء الله”، مبرزًا أن الحزب سيطلق حوارًا داخليًا سيستمر لأشهر حتى إنضاج رؤية وأطروحة جديدة، وإن اقتضى الأمر تنظيم مؤتمر استثنائي لمناقشة تلك الأطروحة والمصادقة عليها.
من جانبه هنأ عبد الإله بنكيران خلفه العثماني، وسلمه هدية عبارة عن لوحة كان قد تسلمها من مؤسس الحزب الراحل عبد الكريم الخطيب، وقال بنكيران مخاطبًا العثماني بعد انتخابه: “أنت إنسان عالم ولا تحتاج لنصيحة رجل مثلي، هذا الحزب أمانة في عنقك وبين يديك، وعليك أن تحافظ على الأسباب التي تجعل هؤلاء الشباب متحمسين”.
وأضاف بنكيران في وصيته للعثماني أمام المؤتمرين “أنت مطالب ببذل مجهود كبير للحفاظ على هذه القيم خصوصًا في هذه الظروف الصعبة”، وزاد موضحًا “لما وقعت هذه الأحداث ظهرت لي أخطاء، وكان أملي أن أصل لهذه اللحظة لأسلم اللوحة للأمين العام الجديد”، وذلك في إشارة إلى الفترة الصعبة التي عاشها الحزب بعد إعفاء بنكيران من تشكيل الحكومة.
انتظار التعديل الحكومي
يذهب بعض المراقبين إلى تأكيد انتهاء أزمة العدالة والتنمية التي أرقت أعضاء الحزب وأنصاره لأشهر طويلة، بانتهاء الجدال بشأن مسألة منصب الأمانة العامة للحزب، وانتخاب رئيس الحكومة سعد الدين العثماني في هذا المنصب خلفًا لبنكيران.
في مقابل ذلك، يؤكد خبير الدستور والمتخصص في الشؤون البرلمانية والحزبية رشيد لزرق لـ”نون بوست” أن الأزمة بين جناحي الحزب كشفت صراعات مصلحية وسياسية لا يمكن توقع كيفية نهايتها وتدبيرها.
من المنتظر أن تشهد المملكة في الفترة القريبة تعديلًا حكوميًا
وقال لزرق لنون بوست “التعديل الحكومي هو الذي سيكشف بوضوح ما يدور داخل أروقة العدالة والتنمية، إذا كان الأمر هو تكتيك لضمان تفاوض أحسن أم توجه من حزب المصباح لإقصاء التيار المزايد على التجربة الحكومية وابعاده عن قيادة الحزب والمناصب الأولى فيه”.
ومن المنتظر أن تشهد المملكة في الفترة القريبة تعديلًا حكوميًا، ذلك أن قرارات الملك الأخيرة (إعفاء وزراء من مناصبهم)، ساهمت في تغيير خريطة التحالفات السياسية بالبلاد، فالإعفاءات التي شملت مسؤولين في حزبي “الحركة الشعبية” و”التقدم والاشتراكية”، ستضع الحزبين أمام إمكانية الخروج من الحكومة الحاليّة وتعويضهما بحزب سياسي آخر.
ظرف استثنائي
انتخاب العثماني في منصب الأمين العام جاء بعد أزمة داخلية شهدها الحزب، نتيجة وجود اختلافات في وجهات النظر في بعض المسائل بين تيارين داخله: ما يعرف في المغرب بـ”جناح الصقور” المؤيد للأمين العام السابق للحزب عبد الإله بنكيران، و”جناح الحمائم” أو ما يسمى أيضًا بـ”تيار الاستوزار” (الوزراء) الذي يدعم التجربة الحكومية الحاليّة، ويقوده رئيس الحكومة سعد الدين العثماني الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية في حكومة بنكيران السابقة ومنصب رئيس المجلس الوطني للحزب إلى حين تعيين رئيس للحكومة في مارس 2017.
عبد الإله بنكيران
وفي الفترة الأخيرة هيمنت الاتهامات المتبادلة بين قيادات الحزب على اجتماعات الأمانة العامة له، فيما غابت النقاشات السياسية سواء المتعلقة بكيفية خروج الحزب من أزمته الداخلية أم تلك المتعلقة ببرامجه السياسية المستقبلية، ليغرق الحزب بذلك في جدل لا يطاق، حسب العديد من المتابعين للشأن السياسي المغربي، في الوقت الذي كان من المفترض فيه أن يتوجه أعضاء حزب العدالة والتنمية في المغرب إلى فتح المجال أمام النقاش السياسي الذي يحدد تصورات الحزب للمرحلة القادمة.
وعلى امتداد الأشهر الماضية كان بنكيران وموضوع “الولاية الثالثة” حديث الساعة، وخاض فيه “الإخوة المختلفون” معارك شرسة تخلوا في العديد منها عن اللياقة المطلوبة منظرين بشكل متعصب لموقفهم، سواء المؤيدين لاستمرار بنكيران على رأس الحزب لولاية جديد أم الرافضين لذلك، مما أثر سلبًا على الحزب.
وكشفت الانتخابات التشريعية الجزئية الأخيرة التي أجريت في مدن أغادير وتارودانت وبني ملال في شهر أكتوبر الماضي – بناء على قرار المحكمة الدستورية بإعادة الاقتراع في بعض الدوائر استجابة لعدد من الطعون التي قدمت لها في وقت سابق – تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية في المغرب، حيث مثلت النتائج التي حصل عليها الحزب صدمة لقياداته والمتعاطفين معه.