ترجمة وتحرير: نون بوست
عقب القرار الأمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، دعت مختلف الفصائل الفلسطينية المواطنين إلى تنظيم مظاهرات في إطار ما يعرف بـ”أيام الغضب الشعبي”. وفي الأثناء، اندلعت موجة من الاحتجاجات الشعبية في مدينة القدس وفي مختلف المدن الفلسطينية. وعلى الرغم من درجة الاحتقان في الشوارع الفلسطينية، إلا أن عددا من المتظاهرين استبعدوا فرضية اندلاع انتفاضة ثالثة.
يوم الجمعة، توجهنا إلى المسجد الأقصى، حيث التقينا شيخا فلسطينيا يحمل سجادته ويسارع الخطى لأداء صلاة الجمعة. ورغم ضيق الوقت، كان هذا الشيخ يهتف قائلا “القدس عاصمة فلسطين”. وبعد أداء صلاة الجمعة، تجمع آلاف الفلسطينين في شوارع القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، استجابة لدعوة حركة حماس للخروج في مظاهرات تحت مسمى “يوم غضب”.
خلال المظاهرات، جدت اشتباكات عنيفة بين المتظاهرين الغاضبين والجيش الإسرائيلي، مما أسفر عن سقوط حوالي 200 جريح نتيجة الاختناق بالغاز المسيل للدموع والإصابة بالرصاص المطاطي. ولعل ما زاد الوضع احتقانا سقوط ضحية في قطاع غزة.
في الواقع، كانت ردود فعل أغلب الأطراف الفلسطينية عنيفة على خلفية القرار الذي اتخذه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية للقدس في وقت لاحق. وحيال هذا الشأن، أورد وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، أن “عملية نقل السفارة الأمريكية قد تستغرق سنتين نظرا لأن الأمر يتطلب إصدار تراخيص، كما أن عملية بناء مقر جديد تحتاج لوقت طويل”.
السلطات الفلسطينية ترفض استقبال مايك بنس
رحب الجانب الإسرائيلي بالقرار الأمريكي، حيث أورد رئيس حزب العمل الإسرائيلي، آفي غباي، أن “توحيد القدس أهم من السلام”. وفي سياق متصل، أفاد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأن “ترامب اعترف بهوية إسرائيل التاريخية والوطنية. وعلى خلفية ذلك، أعربت العديد من الدول على غرار تشيكيا عن استعدادها لنقل سفاراتها إلى القدس”.
في المقابل، أوردت وزارة الشؤون الخارجية التشيكية أنه “من منطلق الالتزام بموقف الاتحاد الأوروبي، تعتبر تشيكيا القدس عاصمة مستقبلية لفلسطين وإسرائيل على حد السواء”. ومن جهتها، أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن بناء 14 ألف وحدة استيطانية جديدة من بينها ستة آلاف وحدة على الجانب الآخر من الخطر الأخضر في القدس الشرقية.
عقب الإعلان عن القرار الأمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، دعت حركة حماس إلى انتفاضة جديدة. كما صرح كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، أن “القرار الأمريكي انتهك قرار مجلس الأمن المتعلق بحل الدولتين”. فمدينة القدس مقدسة بالنسبة للفلسطينيين على اختلاف دياناتهم. وعلى خلفية القرار الأمريكي، أعلنت السلطات الفلسطينية عن رفضها استقبال نائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس، خلال زيارته المرتقبة للأراضي الفلسطيينة.
على مستوى باب دمشق بمدينة القدس، تجمّع عدد من المتظاهرين الذين يطالبون الولايات المتحدة الأمريكية بالاعتذار عقب إعلان ترامب عن قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وفي هذا الإطار، صرحت شابة فلسطينية، تبلغ من العمر 26 سنة وتدعى آسيا، مخاطبة الأمريكيين “يجب عليكم أن تعتذروا منا قبل أن نتحدث معكم”.
وفي سياق متصل، أضافت هذه الشابة غاضبة “توقفوا عن القول بأن القدس عاصمة لإسرائيل، بل القدس عاصمة فلسطين”. ثم انضمت آسيا إلى بقية المتظاهرين الذين يهتفون بصوت عال “ستكون فلسطين حرة من الأردن إلى البحر المتوسط، الله أكبر”.
فقد الفلسطينيون ثقتهم في عباس
تواصل تدفق المتظاهرين على مستوى باب دمشق. وعند الساعة الثانية بعد الزوال، ألقى المتظاهرون قارورات المياه على قوات الجيش الإسرائيلي بالتزامن مع آذان صلاة العصر. وفجأة، ركض كل المتظاهرين في اتجاه أحد الجرحى، الذي كان يتلقى العلاج من طرف مسعفي الهلال الأحمر، وهم يهتفون “القدس عربية”. في المقابل، كان بعض أعوان الأمن الإسرائيلي بقبعاتهم وستراتهم الواقية يفرقون المحتجين، بينما كان أعوان آخرون يمتطون الخيول يلاحقون المتظاهرين. وعلى خلاف العادة، سمحت قوات الجيش الإسرائيلي للفلسطينيين على اختلاف أعمارهم بأداء الصلاة.
رغم تقلص وتيرة الاحتجاجات في القدس، اندلعت موجة أخرى من المظاهرات في كل من بيت لحم ورام الله والخليل، حيث ألقى آلاف المتظاهرين الحجارة وزجاجات المولوتوف على الجنود الإسرائيليين . ووفقا لبعض وسائل الإعلام، واجه الجنود الإسرائيليون المحتجين بالغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي. كما عزز الجيش الإسرائيلي من قواته في الضفة الغربية، ونشرت الشرطة الإسرائيلية قوات إضافية في مدينة القدس.
في هذا السياق، أفاد شاب فلسطيني في منتصف العشرينات، يدعى أحمد محمود أن “اندلاع انتفاضة ثالثة أمر مستبعد، لكننا نتمنى اندلاع انتفاضة جديدة”. وبينما كان أحمد يتحدث إلينا، اتصلت به أمه لتطمئن عليه. في الواقع، لم يكن أحمد يرغب في العودة إلى بيته، حيث قال إن “للحرية ثمنا وأنا مستعد للنضال من أجل نيلها، لكن الانتفاضة تحتاج لقائد مثل ياسر عرفات”.
الشعب الفلسطيني غاضب من ترامب وعباس
خلال تواجدنا بالمسجد الأقصى، التقينا رجلا يبلغ من العمر 57 سنة، يدعى كمال داشن، الذي أورد “ستدوم المظاهرات بضعة أيام”، مضيفا “أنا أب لولدين أحدهما في السجن، أما الآخر فيعيش معي في مدينة بيت لحم”. وأردف قائلا، “نحن نؤمن بالقضاء والقدر. ومن هنا فصاعدا، سنتعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية كعدو يجب علينا أن نقطع علاقاتنا الدبلوماسية معه”.
في ظل الأحداث الأخيرة، فقد الفلسطينيون ثقتهم في الرئيس محمود عباس، خاصة على خلفية القرار الأمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وفي هذا الإطار، أفاد أستاذ البيولوجيا في جامعة الخليل، خلدون نجم “إذا كنت قائدا ضعيفا، فلن تستطيع مواجهة القادة الأقوياء. من جهة أخرى، يشعر طلبتي بالغضب حيال ترامب وعباس. لقد علقنا آمالا كبيرة على ترامب، لكنه خذلنا”.
في هذا السياق، تابع نجم “لا أعتقد أن الشباب الفلسطيني سيواصل المظاهرات خلال الأيام المقبلة. لم تنجح الانتفاضات السابقة في تحقيق أهدافها، وكذلك الشأن بالنسبة للمفاوضات السلمية، ومن هذا المنطلق، لا تلوح أي حلول للسلام في الأفق”.
المصدر: تسايت