ترجمة حفصة جودة
“البريكست” وسحق أصحاب المليارات للديموقراطية والانهيار المالي القادم ورئيس أمريكا الفاسد، كل هذه الأشياء لم تبقيني مستيقظًا طوال الليل، ليس لأنني لا أهتم بها، فبالطبع أهتم بها كثيرًا، لكن السؤال الأكبر الذي يشغل تفكيري دائمًا، من أين تأتي جميع المواد الغذائية؟
بحلول منتصف القرن سيزداد عدد البشرية بنحو 2 إلى 3 مليارات نسمة، فأي القضايا تساعد على سرعة الوصول إلى المجاعة العالمية؟ وكيف سنتفاعل معها؟
تبدأ المشكلة من حيث يبدأ كل شيء: التربة، فقد أظهرت تقديرات الأمم المتحدة الشهيرة أنه مع انخفاض معدلات التربة الحاليّة بعد 60 عامًا من الحصاد، يبدو أن الأمر تدعمه أرقام جديدة، فكنتيجة جزئية لتدهور التربة، انخفضت الغلة بالفعل نحو 20% في كل الأراضي الزراعية في العالم.
بالنظر إلى مشكلة فقدان المياه، فمناطق مثل سهول شمال الصين ووسط الولايات المتحدة وكاليفورنيا وغرب الهند، من بين المناطق العالمية التي تعاني من أزمة في النمو، فقد وصلت معدلات المياه الجوفية المستخدمة في ريّ المحاصيل إلى نقطة الأزمة، على سبيل المثال تراجع معدل المياه في المنطقة الجوفية لنهر الجانجس (أحد أنهار الهند) بحوالي 50 مرة، لكن لمواكبة الطلب على الغذاء سوف يستخدم المزارعون في جنوب آسيا ما بين 80 إلى 200% من المياه بحلول عام 2050، فمن أين ستأتي هذه المياه؟
بينما تنتشر تلك الكوارث على الأرض، تعاني البحار من انتشار البلاستيك
من بين القضايا المهمة أيضًا درجة الحرارة، تقول إحدى الدراسات إنه مع كل درجة ترتفع في معدل درجات الحرارة العالمية ينخفض المحصول العالمي للأرز بنحو 3% والقمح بما يقارب 6% والذرة بنسبة 7%، هذه التنبؤات قد تكون متفائلة، ففي أحد الأبحاث المنشورة في مجلة “Agricultural & Environmental Letters” وجدوا أن ارتفاع الحرارة بمعدل 4 درجات سليزية في حزام الذرة بالولايات المتحدة قد يقلل من محصول الذرة بنسبة 84 وحتى 100%.
والسبب في ذلك أن ارتفاع درجات الحرارة ليلاً يعطل عملية التلقيح، لكن الحرارة تعتبر مجرد عامل من العوامل التي تتسبب في أزمة التلقيح، فالاستخدام العالمي للمبيدات الحشرية التي نادرًا ما تخضع للاختبار يشكل بقية العوامل المؤثرة على التلقيح، وحاليًّا في بعض أجزاء العالم، يقوم العمال بتلقيح النباتات يدويًا لكن يتم ذلك بالطبع مع المحاصيل باهظة الثمن فقط.
هناك أيضًا عوامل بنيوية، فصغار المزارعين يميلون إلى استخدام المزيد من الأيدي العاملة وزراعة مجموعة كبيرة من المحاصيل والتعامل بحرص مع الأرض؛ لذا فهم يزرعون الكثير من المواد الغذائية في كل فدان أكثر من الأراضي الكبيرة، وفي المناطق الفقيرة في العالم، يملك المزارعون الصغار – الذين يملكون أقل من 10 أفدنة – نحو 30% من الأراضي الزراعية لكنهم ينتجون 70% من المواد الغذائية.
ومنذ عام 2000 قام مجموعة من مغتصبي الأراضي بالاستيلاء على أراضٍ خصبة تبلغ مساحتها نحو مرتين من مساحة المملكة المتحدة وحولوها إلى مزارع كبيرة، لكن هذه المزارع تنتج المحاصيل المناسبة للتصدير بدلاً من المواد الغذائية التي يحتاجها الفقراء.
تغيرت نظم الحياة تدريجيًا مع انتشار الرعي بشكل مكثف
بينما تنتشر تلك الكوارث على الأرض، تعاني البحار من انتشار البلاستيك، ورغم الجهود الكبيرة المبذولة (مثل قوارب صيد أكبر ومعدات ومحركات أكبر)، فإن معدل الصيد العالمي يتراجع بنسبة 1% كل عام، ومثل الاستيلاء على الأراضي فهناك استيلاء على البحار أيضًا، فصغار الصيادين تم استبدالهم بالشركات الكبيرة التي تصدر الأسماك لمن يحتاجونها بشكل أقل لكنهم يدفعون الكثير من المال، هناك نحو 3 مليارات نسمة يعتمدون على بروتين الأسماك والمحار، فمن أين سيأتي ذلك؟
كل هذه المشكلات صعبة بما فيه الكفاية، لكن مع ارتفاع دخل الناس عالميًا، بدأ نظامهم الغذائي يتحول من البروتين النباتي إلى البروتين الحيواني، فقد تضاعف إنتاج اللحوم عالميًا 4 مرات خلال 50 عامًا، لكن متوسط الاستهلاك العالمي يعادل نصف استهلاك المملكة المتحدة (حيث يتناول الناس هناك مقدار وزنهم من اللحوم كل عام) أو أكثر من ثلث استهلاك الولايات المتحدة.
وبسبب العادات الغذائية فإن الأراضي الزراعية المطلوبة في المملكة المتحدة لتلبية تلك الاحتياجات تعادل 2.4 من حجم الأراضي الزراعية الموجودة حاليًّا، فإذا كان جميع الناس سيتبعون هذا النظام الغذائي فكيف يمكن استيعاب ذلك؟
هناك استهتار في تربية الماشية، فحاليًّا يتم استهلاك 36% من السعرات الحرارية و53% من البروتين الموجودين في الحبوب والبقول لتغذية المواشي، ثلثي هذا الغذاء يُفقد في عملية التحول من النبات إلى الحيوان، تشير البيانات إلى أننا بحاجة إلى 01. متر مربع من الأرض لإنتاج جرام من البروتين من البقوليات أو البازلاء، لكننا بحاجة إلى متر مربع من الأرض لإنتاج جرام من البروتين من الماشية والأغنام، أي بفارق 100 متر مربع.
ورغم أن أراضي الرعي التي تستخدمها الماشية والأغنام لا يمكن استخدامها لزراعة المحاصيل، فإنها كانت ستحافظ على الحياة البرية والنظم الإيكولوجية، وبدلاً من ذلك استُنزفت المستنفعات وقطعت الأشجار والشتلات الصغيرة وأبُيدت الحيوانات المفترسة وحوربت الحيوانات البرية العشبية في طعامها، وتغيرت نظم الحياة تدريجيًا مع انتشار الرعي بشكل مكثف، حتى إن بعض الأماكن المدهشة مثل الغابات المطيرة في مدغشقر والبرازيل دُمرت لإفساح المجال لرعي المزيد من الماشية.
لقد رأيت الحيوانات الضخمة مثل الأسود والأفيال والحيتان وهي تتلاشى
ولأنه لا يوجد مساحة كافية من الأراضي لتلبية الاحتياجات وجشع التجار أيضًا، فالتحول العالمي في تناول الحيوانات يعني انتزاع الطعام من أفواه الفقراء، ويعني أيضًا أن التطهير الإيكولوجي سيطال كل ركن من أركان الأرض.
من المستحيل تحمُّل هذا التحول في النظام الغذائي حتى لو لم يزدد عدد السكان على الأرض، لكن مع ازدياد عدد السكان على الأرض، تزداد نسبة الجوع بسبب تناول اللحوم، منذ عام 2010 توقعت الأمم المتحدة ارتفاع استهلاك اللحوم بنسبة 70% بحلول عام 2030 (هذه النسبة تعادل 3 أضعاف النمو السكاني)، وكنتيجة جزئية لذلك سوف يتضاعف الطلب العالمي على المحاصيل بحلول عام 2050 مع عدم توافر الأراضي اللازمة لذلك.
التغيير الحاسم هو التحول من الاعتماد على الحيوانات إلى النباتات
لذا عندما أقول إن هذا ما يبقيني مستيقظًا طوال الليل فأنا أعنيه تمامًا، فأنا أعاني من رؤية الجوعى في المنام وهم يهربون من ضربات رجال الشرطة، وأرى اندثار النظم الإيكولوجية الغنية، واختفاء الحيوانات الضخمة مثل الأسود والأفيال والحيتان وسمك التونة، وعندما استيقظ لا أستطيع أن أخبر نفسي بأنه مجرد كابوس ليلي.
لا توجد إجابات سهلة، لكن التغيير الحاسم هو التحول من الاعتماد على الحيوانات إلى النباتات، والتوقف عن إنتاج اللحوم واستخدام الأراضي الزراعية لإنتاج الوقود الحيوي بإمكانه أن يوفر السعرات الحرارية اللازمة لـ4 مليارات شخص، ومضاعفة البروتين المتاح للاستهلاك البشري، وربما تساعد اللحوم المصعنة في ذلك؛ فهي تقلل من استهلاك المياه بمعدل 82% ومن استخدام الأراضي بنسبة 99%.
الثورة الخضراء القادمة لن تكون مثل سابقتها، فلن ننتظر حتى تموت الأرض لكننا سنعيد النظر في كيفية استخدامها ولماذا، هل سيمكننا حقًا القيام بذلك أم أنه من السهل التفكير في الموت بدلاً من التفكير في تغيير نظامنا الغذائي؟
المصدر: الغارديان