مرّة أخرى يعود الجدل بشأن ترقية اللغة الأمازيغية في الجزائر إلى الواجهة، بعد اتهام منظمات أمازيغية للبرلمان الجزائري برفض تمرير مشروع قانون يتضمن تعميم وإجبارية تدريس اللغة الأمازيغية في البلاد، الأمر الذي نفته السلطات مؤكّدة مضيها قدمًا في مسألة ترقية هذه اللغة، وعدم تراجعها عن هذه المسألة الحساسة.
جدل متجدّد
اعتبر أمازيغيون رفض برلمان الجزائر تمرير مشروع قانون يتضمن تعميم وإجبارية تدريس اللغة الأمازيغية في البلاد، ممارسة عنصرية ضد لغة مكوّن أساسي من الشعب الجزائري، وخرقًا صارخًا لحقوق الإنسان.
وينص مشروع القانون على أن تسهر الدولة على تعميم تدريس اللغة الأمازيغية في كل المدارس العمومية والخاصة، وأن يكون التدريس إجباريًا في إطار تطبيق مخطط تدريجي، إلا أنه قوبل بالرفض من الأغلبية في البرلمان التي بررت ذلك بأن السلطات تبذل جهودًا معتبرة في مجال تدريس هذه اللغة، حيث تتضمن المناهج التربوية برامجًا لتدريس هذه اللغة الوطنية، فضلاً عن وجود هيئة تتولى مهمة تطوير وترقية اللغة الأمازيغية.
الدراسات الأنثروبولوجية والتاريخية تتواتر على تأكيد أن الأمازيغ هم السكان الأصليون للجزائر ومنطقة شمال إفريقيا عمومًا منذ فجر التاريخ
في هذا الشأن، اتهم مندوب الجزائر في التجمع العالمي الأمازيغي سكوتي خضير، النظام الجزائري بـ”مواصلة سياسته العنصرية والقمعية تجاه الأمازيغ”، مضيفًا أن هذه الخطوة “تدعم قولنا إن النظام الجزائري بكل أجهزته يعتبر الأمازيغ لاجئين فوق أراضيهم”، حسب تعبيره.
واعتبر خضير، في بيان له، أن ذلك “يعتبر خرقًا صارخًا لحقوق الإنسان ومعاهدة حقوق الشعوب الأصلية”، داعيًا كل أمازيغ الجزائر إلى الاتحاد واتخاذ مواقف للدفاع عن هوياتهم ومواجهة هذه الحرب المعلنة ضد كل ما هو أمازيغي من تراث وحضارة وقيم.
إلى جانب ذلك، شهدت عديد من المحافظات في منطقة القبائل الجزائرية من ذلك محافظتي بجاية وبومرداس احتجاجات كبيرة تنديدًا برفض البرلمان لمشروع هذا القانون الذي يسعى الأمازيغيون إلى إقراره للرفع من لغتهم الأم.
وكثيرًا ما يبدي الأمازيغ في الجزائر امتعاضًا كبيرًا من تهميش لغتهم وعدم اهتمام الدولة بموروثهم الثقافي، ويشكل الأمازيغ جزءًا مهمًا من النسيج الاجتماعي الجزائري، كما أنَّ الدراسات الأنثروبولوجية والتاريخية تتواتر على تأكيد أن الأمازيغ هم السكان الأصليون للجزائر ومنطقة شمال إفريقيا عمومًا منذ فجر التاريخ.
السلطات تنفي
في مقابل ذلك، أكّد وزير الشباب والرياضة الجزائري الهادي ولد علي، أن سلطات بلاده لن تتراجع عن مسألة ترقية اللغة الأمازيغية بعدما اعتمدتها لغة وطنية ورسمية في الدستور، وأكد المسؤول الجزائري أن الدولة لا تنتظر قانون المالية للسنة القادمة حتى تضع الوسائل اللازمة لترقية اللغة الأمازيغية.
وتعد الأمازيغية اللغة الرئيسية في التعاملات اليومية لسكان منطقة القبائل الكبرى التي تضم عدة محافظات تقع شرق العاصمة الجزائرية، وينقسم الأمازيغ في الجزائر بحسب باحثين إلى عدة مجموعات منفصلة جغرافيًا، وهم القبائل في منطقة القبائل، الشاوية في منطقة الأوراس، المزاب (المجموعة الأمازيغية الوحيدة ذات المذهب الإباضي) في منطقة غرداية، الطوارق في الجنوب، الشناوة في منطقة شرشال، وهناك مجموعة بربرية أخرى قرب مدينة ندرومة على الحدود مع المغرب، وتتميز لهجتها بقربها الكبير من الشلحية وهم أمازيغية الشلوح في المغرب.
أزمة قديمة
لعقود طويلة، ظلّ الأمازيغيون يطالبون السلطات الجزائرية بترقية لغتهم، وتعود البداية إلى الأربعينيات من القرن الماضي، إلى ما عرف بـ”الأزمة البربرية”، حيث نادى الأمازيغ بضرورة إدراج البُعد الأمازيغي في تنظيم الدولة المستقلة المقبلة لكن قوبل طلبهم بالرفض والتجاهل، وبعد الاستقلال دأبت السلطة على فرض روايتها الرسمية للتاريخ ومعاييرها في تحديد الهوية الوطنية وإقصاء اللغة والثقافة الأمازيغيتين من قاموسها السياسي، إذ رفض أحمد بن بله هذه المسألة مؤكدًا عروبة الجزائر.
قام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بترقيتها إلى لغة وطنية في تعديل دستوري عام 2001 وأصحبت مادة تعليمية ولها نشرات خاصة في التليفزيون الحكومي
ومع بداية مراحل التعريب في الجزائر في عهد الرئيس هواري بومدين، بدأت أولى المواجهات بين دعاة الأمازيغية من الفرنكفونيين والسلطة بخصوص المسألة اللغوية، وأصبحت فرنسا مركزًا للتعبير عن المطلب الأمازيغي، حيث أنشئت في نهاية الستينيات بباريس الأكاديمية البربرية.
في عام 1980 أخذ المطلب الأمازيغي بعدًا مميزًا وعلنيًا في شكل حركة احتجاجية في القبائل، وكان السبب المباشر في اندلاع أحداث القبائل التي تعرف باسم “الربيع الأمازيغي” في مارس/آذار 1980 هو منع السلطات الكاتب مولود معمري (منظر الأمازيغية) إلقاء محاضرة في جامعة تيزي وزو عن “الشعر القبائلي القديم”، خلالها سقط أكثر من 120 قتيلاً من الأمازيغ.
وفي عام 1985 – أي في عهد الشاذلي بن جديد – أقبلت السلطة على اعتقال العديد من نشطاء الحركة الأمازيغية، وفي تسعينيات القرن الماضي، ازداد المطلب الأمازيغي إلحاحًا، وشهدت منطقة القبائل موجة من الاحتجاجات أهمها إضراب أطفال المدارس الذي أطلق عليه “مقاطعة المحفظة”، فهدأ الرئيس اليمين زروال الوضع بإدخال اللغة الأمازيغية في التعليم بمنطقة القبائل، كما أنشأ “المحافظة السامية للأمازيغية”.
من جهة أخرى تم إحداث نشرات إخبارية في التليفزيون باللغات الأمازيغية الرئيسية: القبائلية والشاوية والمزابية، كما قام زروال بإضافة البُعد الأمازيغي باعتباره أحد المقومات الأساسية للهوية الجزائرية إلى جانب الإسلام والعروبة، وأدرجه في الدستور (تعديل نوفمبر/تشرين الثاني 1996).
إحياء ذكرى الربيع الأمازيغي
في أبريل/نيسان 2001، أشعلت وفاة طالب ثانوي في مقر الدرك الوطني ببني دوالة في محافظة تيزي وزو فتيل أزمة كبيرة، ورفض خلالها المحتجون كل ما يرمز إلى السلطة وإلى أشكال التنظيم السياسي الحديث كالأحزاب، وأنشأوا تنسيقية القرى والعروش – وهي تركيبة قبلية تقليدية – لتعبر عن مطالبهم التي لخصوها في “لائحة القصر” (القصر تقع في ولاية بجاية)، وهي عريضة من 15 مطلبًا.
وبعد صمت، شرعت السلطة في حوار مع ممثلي تنسيقية العروش للتفاوض بشأن لائحة القصر، واستاءت الأحزاب السياسية من هذه المبادرة ورأت فيها تجاهلاً لها، أما العروش فانقسمت على نفسها بين معتدلين من دعاة الحوار ومتشددين يعارضونه، وتوج هذا الحوار باستجابة السلطة لأبرز مطالب لائحة القصر من خلال خطاب الرئيس بوتفليقة الذي أعلن ترسيم الأمازيغية.
وقام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بترقيتها إلى لغة وطنية في تعديل دستوري عام 2001 وأصحبت مادة تعليمية ولها نشرات خاصة في التليفزيون الحكومي غير أن أحزابًا بينها الأحزاب المحسوبة على النظام الحاكم إلى جانب منظمات ظلت تطالب بجعلها لغة رسمية، وفي سنة 2016، جعل التعديل الدستوري اللغة الامازيغية لغة وطنية ورسمية مع تنصيصه على إنشاء الأكاديمية الجزائرية للغة الأمازيغية تابعة لرئيس الجمهورية.